يحتاج الطفل منذ نعومة أظافره إلى مشاعر الحب والحنان لتنمية قدراته النفسية بالقدر نفسه الذي يحتاج فيه إلى الغذاء لتنمية قدراته الجسدية، واذا تعذر عليه إيجادها لدى أبويه فإنه سيبحث عنها في الخارج بشتى الوسائل، لدى الأقارب، أو المربية، أو حتى إحدى صديقات أمه ممن يتعاملن معه بلطف وحنان، ومن ثم يكبر وتكبر معه مشكلته .. هنا يكمن الخطر لأنه لن يتردد في أن يرمي بنفسه في أحضنان الشيطان في سبيل إشباع حاجته لهذه المشاعر دون أن يفكر في العواقب .. لهذا عزيزتي الأم عليك أن تحذري إهمال هذه الحاجة لدى طفلك، والتي تكبر معه يوماً بعد يوم، ولاتسيئي التقدير وتتعاملي معه على أساس أنه لايزال صغيراً على الفهم.
إذا كنت أماً لطفل صغير، فإنك حتماً جربت مرارة الإحساس بالإحباط والحيرة عندما تفاجأين بصغيرك ينفجر غضباً وعناداً وكأن العالم من حوله يشتعل بالثورة، وقد تفاجأين إذا قلنا لك على لسان خبراء التربية: إن الأمر هكذا بالفعل بالنسبة له، وأنها علامة صحية تدل على أنه بدأ يدرك أنه اصبح شخصاً منفصلاً عنك، وعادة ما يحدث ذلك ابتداء من سن الثانية على وجه التقريب، وهي السن التي يشعر فيها الأطفال بالاستقلال وتراودهم الرغبة في إثبات هذا الأمر ليس بغرض التغطرس أو التمرد على الحب والاهتمام، وهي حاجة ضرورية لتواصل نموه العاطفي بصورة طبيعية.
وهذا لايعني أن تبالغي في إغداق الحب والحنان عليه، فإلى جانب الحد الطبيعي من هذه المشاعر، عليك أن تدركي أن الوقت قد حان لأن تبدئي بتهذيبه من خلال إرساء الحدود والقواعد التي تحكم وتضبط سلوكه، وتعلمه أيضاً قاعدة الثواب والعقاب، والمسموح والممنوع، وهي أيضاً الفترة المثالية لكي يفهم أنك تهتمين به وموجوده دائماً بالقرب منه لتلبية حاجاته، لكنه ليس الوحيد الذي يحظى بمثل هذا الاهتمام، وأن لديك مشاغل واهتمامات أخرى في الحياة منوطة بك، وهذا بدوره لا يعني أن تتوقعي منه تجاوباً كبيراً أو أنماطاً سلوك مثالية، فأنت بهذا تحملينه فوق طاقته، لأن مثل هذه التوقعات لا تناسب عمره ومستوى استيعابه ودرجة فهمه.. إنها حقاً معادلة صعبة، لكنك قادرة بالفعل على تحقيقيها إذا تحليت بالصبر والحكمة.
فيما يلي ست نصائح تعينك في هذا الأمر:
تبدأ هذه المرحلة الصعبة ببلوغ الطفل العامين، وهي الفترة التي تتطور فيها أولوياته ورغباته، وتكمن صعوبتها في أنه لايمكن مؤهلاً بعد للتعبير عن ذلك بصورة واضحة، والأكثر من ذلك، هو يفتقد المهارات الإدراكية التي تمكنه من فهم الأسباب التي لا تسمح له بأن يفعل دائماً ما يحلو له، كما يصعب عليه فهم بعض المفاهيم مثل: المشاركة في اللعب، انتظار دوره، أو التحلي بالصبر لحين تلبية طلبه أو حاجته سواء كانت تتعلق بالطعام، او الشراب أو اللعب، ولهذه نجده يبدي دائماً اعتراضه على كل شيء، ولايتقبل أي نقد أو توجيه، وقد تصطدمين بعناده الشديد، أو قد يلجأ إلى الصراخ العالي، وربما ينخرط في نوبه بكاء شديدة وجميعها وسائل يحاول من خلالها أن يمتحن قدرتك على الصبر.
يشعر الأطفال بالرضا عندما تنجح محاولتهم في التعبير عن حاجاتهم، فمثل هذا الإحساس يشبع حاجتهم إلى الاهتمام، لكن من الضروري أن يتعلم الاطفال منذ صغرهم أننا غير قادرين على تلبية كافة طلباتهم، وانه ليس بالضرورة أن نلبي لهم كل ما يطلبونه، أو أن تحتل طلباتهم المرتبة الأولى دائماً، ففي كثير من الأحيات تخطئ الأمهات في تعاملهن مع صغارهن عندما يجبرن إخوانهم الأكبر سناً على التنازل دائماً لهم بحجة صغر سنهم، وتعتبر هذه المرحلة مناسبة لتركهم يعتمدون على أنفسهم قليلاً، فمثلاً يمكن أن تشجع الأم طفلها على تسلية نفسه بنفسه بينما تجلس هي بالقرب منه لتتناول قهوتها أو تتصفح الصحيفة، ربما يبكي في بادئ الأمر لكنه سرعان ما يعتاد الوضع.
يمكنك ابتداء من الآن أن تبدئي بإرساء القواعد والحدود غير المسموح بتجاوزها وذلك ببساطة من خلال تعريفه بأن بعض الأفعال ليست مقبوله، فمثلاً إذا أبدى عناداً وقت النوم، ضعي يديك على كتفيه، وانظري في عينيه مباشرة، وقولي له بصوت حاسم: "لقد حان وقت النوم"، ثم قومي بحمله على الفور وضعيه في سريره، وإذا أبدى اعتراضاً، انتظري قليلاً حتى يهدأ، ثم اعيدي الكرة من جديد بالأسلوب نفسه عليه، عندها سيتأكد انك مصرة على رأيك ولس أمامه سوى الانصياع.
يميل الأطفال إلى الاستعراض، كما يحبون أن يكونوا موضع اهتمام وحب، لهذا حاولي قدر استطاعتك أن تحيطيه بعطفك وتشجيعك، ولاتنسي أن هذا حق من حقوقه عليك، لكيلا يشعر بالإهمال، ومثال على ذلك عندما يصدر بعض الأصوات المزعجة، أو يلهو بالملعقة أثناء تناوله الطعام، لا تبدي انزعاجاً من الوهلة الأولى، حاولي قبلها أن تبتسمي في وجهة محاولة ملاطفته، لأنه ستوقف عما يفعله بمجرد أن يشعر بأنه حظي بانتباهك، وغالباً ما يتعمد الطفل مثل هذه الحركات عندما يشعر بأن أمه شاردة الذهن عنه.
لماذا ياترى تكون كلمة "لي" من أولى الكلمات التي يجيدها الطفل ويكررها كثيراً وهو يفهم معناها بشكل جيد؟ وهي في الغالب من أولى الكلمات التي تدخل قاموسه اللفظي؟ في رأي الخبراء، يعبّر الطفل من خلال مثل هذه الكلمة عن وجوده في هذا العالم الذي يبدو مزدحماً من حوله، لذلك نراه يصر على رأيه ويبدو كمن يفاوض على حق من حقوقه، وهذا يستدعي الانتباه لكيلا يتحول إلى طفل أناني، فمثلاً عندما يصر صغيرك على التشبث بكتب وأقلام إخوته الأكبر سناً مدعياً أنها ملكه، حاولي أن تهدئي من ثورته قدر استطاعتك، وأن تتحدثي معه برفق محاولة إقناعه من خلال استبدال أشياء إخوته بإخرى تخصه بالفعل.
الوسيلة الأفضل لتعويد الطفل على الاستقلال بنفسه والاعتماد على نفسه هي عدم تركه يعاني الفراغ، وذلك من خلال توفير الألعاب المسلية والتعليمية في آن واحد، وينصح باختيار الألعاب التي تشجعه على التفكير والإبداع.