" كيف يمكننا أن نعلم أطفالنا التصرفات السليمة والسلوك اللائق الذي يساعدهم على تقبل المجتمع لهم ؟ "
فللمجتمع توقعات معينة بالنسبة لتصرفات أفراده وتعد مرحلة ما قبل المدرسة هي المرحلة المثالية لتدريب الطفل على التصرف بناء على هذه التوقعات ولحسن الحظ فإن الأطفال في هذه السن .
يميلون بشدة إلى التقليد : ويرغبون بكل إصرار على القيام بجميع الأعمال الروتينية التي يقوم بها الكبار .
يحبون أن يتعلموا لأنه يريدون أن يعرفوا ما يحيط بهم من أسرار الكون .
يقلقهم احتمال فقدان العطف والحب الذي يتمتعون به مع والديهم : ولذلك فهم يحافظون على مستوى السلوك الذي يتوقعون انه يبقى على حب أبويهم لهم ويتوقف ذلك بالطبع على ما إذا كان هناك شعور من ناحية الطفل بوجود هذا الحب أصلا ....!
وبناء على وجود هذه الخصائص عند طفل هذه المرحلة سوف يصبح من السهل جدا أن نصل إلى المستويات المطلوبة إذا اتبعت في معاملته الأساليب التالية :
ولنفرض انه طلب منك أن تعاونيه في حل اللغز أو بناء المكعبات مثلا ولم تستجيبي له بل صرخت في وجهه ... هل تتوقعين منه أن يساعدك في تحضير المائدة .... كذلك فإنه لن يسامحك لن يسامحك سريعا إذا ما جذبت شعره أثناء تمشيطه.
بدلا من أن تكافئيه على التصرفات السيئة . وقد يبدو لك هذا شيئا واضحا ولكنه في الحقيقة غير ذلك .
مثال ذلك إذا اصطحبت طفلك معك أثناء التسوق وبدأ في البكاء طالبا بعض الحلوى فربما تستجيبين له حتى يكف عن البكاء وتنعمي أنت بالسلام ولكن إذا اصطحبته معك أثناء التسوق ولم يبك طالبا أي شيء فهل تشترين له بعض الحلوى ؟ إنك عادة لا تفعلين هل رأيت إذن أنك أحيانا تكافئين السلوك الخاطئ دون الصحيح ؟
فإن الأطفال الصغار يفضلون التوجيهات الإيجابية لما يجب أن يقوموا به في حين انه لا يستجيبون للتوجيهات السلبية التي تتضمن مجرد النهي عن الأشياء التي لا يصح أن يقوموا بها .
مثلا إذا قلت لطفلك" لا تترك لعبك هكذا " فإن الطفل في مثل هذه الحالة قد لا يفهم ما الذي عليه أن يفعله وسوف يجعله هذا الموقف الغامض يحجم عن عمل أي شيء اما إذا قلت له " اجمع لعبك وضعها مرة أخرى في السلة المخصصة لها " فقد تنقل له هذه العبارة شيئا إيجابيا يمكن أن يقوم بتنفيذه .
فقد تكون إرشاداتك إيجابية ولكنها قد تفشل لأنها غير واضحة مثال ذلك " كن مؤدبا ودعك من هذه التصرفات " أن هذه العبارة تعد إيجابية ولكنها بالنسبة لطفلك في هذه السن تعني شيئا أن ما تقصدينه بهذه العبارة هو " لا تفعل شيئا انا غير راضية عنه " ويعتبر مثل هذا الأمر في الواقع شيئا مستحيلا ذلك أن طفلك لا يعرف كل ما لا ترضين عنه.
ففيما عدا حالات الطوارئ حيث لا مفر من أن يأتي شرح السبب فيما بعد يعتبر عدم شرح السبب وراء الإرشادات التي توجهينها لطفلك مبالغة منك في تقدير ذكائه فإذا سألك لماذا ؟ مثلا وقلت له " لأنني اقول هذا " أو " لأن هذا هو ما أريد " فسوف لا يتعلم منك أي شيء مفيد .
وإذا فرضنا انك طلبت من الطفل أن يضع الجاروف في المكان المخصص له دون شرح السبب وراء هذا الطلب فماذا يدور في ذهن الطفل عندئذ كسبب لذلك : هل لأن الجاروف قذر أو لأنه خطر أو لأنه قد يكسر أو لأنك تريدين ذلك حتى تستطيعي الحصول عليه بسهولة عند الحاجة أو لمجرد أن هذه رغبتك ؟ أن عدم شرح السبب وراء طلبك يعني أنك لا تعلمين طفلك شيئا .
أن استخدام لا تكون فعالة فقط عندما تريدين أن تنهي طفلك عن القيام بعمل ما بصورة دائمة بشكل نهائي . أما إذا كنت تريدين أن تنهي طفلك عن القيام بفعل معين الآن أو في ظل ظروف معينة بالذات فمن الأفضل أن تعطي إرشادات بطريقة إيجابية .
فإذا ما شعر بأنك على الدوام تمطرينه بأوامرك ونواهيك وانه باستمرار تصححين له أفعال فإنه قد يحاول بعد ذلك أن يفكر كثيرا فيما يجب أن يفعله وما لا يجب أن يفعله لذلك كان عليك أن تتركي له بعض المسئوليات التي تناسب سنه أو المرحلة التي يمر بها وأشعريه بثقتك في قدرته على تحمل هذه المسئوليات .
فإذا سمحت لطفلك مثلا أن يذهب للعب مع أطفال الجيران أو الأقارب فلا تمطريه بوابل من التعليمات قبل ذهابه مثل " لا تأتي إلى باكيا " أو " عليك أن تكون هادئا "، " إذا أعطاك أحد شيئا قل له شكرا وإذا أخطأت أعتذر " وهكذا فمادمت قد سمحت له بالذهاب فاتركيه يتحمل هو مسئولية تصرفاته ذلك أن كثرة الإرشادات والتعليمات لن تساعده كثيرا على التصرف وكل ما هنالك هو أنها ستجعله غير مرتاح لعمل هذه الزيارة .
أن طفلك في هذه المرحلة يتعلم عن طريق القدوة فإذا داعبت طفلك بكلمة خارجة تأكدي انه سوف يرددها بالتالي وإذا طلبت من طفلك إنكار وجودك فسوف يتعلم أن بإمكانه أن يكذب وهكذا .
وان تعتذري عن الخطأ ومن العبارات المفيدة عند الاعتذار أو تبرير الخطأ قولك مثلا " أن كل شخص يقوم ببعض الأفعال السخيفة أحيانا " فإذا تفهم طفلك هذه العبارة واقتنع بصدقها فإنه لن يضع لنفسه أو لك مستويات أعلى من الواقع بدون داع كما أنه لن يصدم إذا ما لاحظ عليك لأول مرة تصرفا خاطئا أو حكما غير عادل أو كذبة بيضاء .
فإذا فرضا انك اتهمت طفلك بكسر إحدى الأكواب مثلا ورفضت أن تصدقي إنكاره لذلك ثم اكتشفت بعد ذلك انك كنت مخطئة عليك أن تعتذري لطفلك وتعترفي بخطئك لا مفر من ذلك انك تعلمينه عندئذ أن الاعتراف بالخطأ فضيلة .
فلقد كنت مخطئة وكنت غير عادلة في حكمك عليه ورفضت أن تصدقيه عندما كان يقول الصدق فإذا طلبت منه بعد ذلك أن يسامحك فإن احترامه لك سوف يزيد ولن يقل .
من خلال خبراتهم المتنوعة يكتشف الأطفال في بداية هذه المرحلة أن الوالدين لا يعرفان دائما ماذا يريد أطفالهم ولا يفهمان في كل مرة حقيقة مشاعرهم وان للأطفال اختيارتهم الخاصة ولهم حاجاتهم التي لا يستطيع الآباء أن يستشعروها وكأني بالطفل بعد اكتشافه هذا بفترة وجيزة يقول " وما الذي يجبرني الآن على أن أظل مستكينا وديعا اتكاليا كما كنت في الماضي لقد جاوزت الآن مرحلة الالتصاق وأصبح لي كياني المستقل فلا جرب إذن هذه القدرة الجديدة على الانفصال والاستقلالية فلا جرب أن أثبت ذاتي وأتغلب على كل ما يحول دون حصولي على إشباعاتي " .
ويبد أ الطفل في إجراء التجارب لقياس حدود هذه الملكة الجديدة انه يتعلم مثلا أن كلمة لا تعني الرفض ولكن طفل الثانية لا يستعملها ليعبر عن رفضه لما لا يرغب فيه فقط بل انه يقولها ردا على أي شيء يقدم له أو أي اقتراح يعرض عليه سواء أكان له رغبة فيه ام لم يكن وما اسعد طفل الثانية عندما يفعل ذلك لقد نجح الصغير في اكتشاف قدرته على التأثير في الكبار المحيطين والسيطرة عليهم وليس هناك من والد لم يلحظ تلك الظاهر المألوفة عند طفل الثانية العناد والسلبية ولكن القليل منهم من يعرف أن هذه الظاهرة هي أكبر شاهد على الحاجة الملحة لطفل هذه السن إلى تأكيد ذاتيته وقدرته على الاستقلال والتلقائية حبذا لو كنت انت ممن يعرفون هذه الحقيقة وبذلك تضمنين أن تتخذي النظرة الصحيحة من الطفل في مثل هذه المواقف .
الشقاوة شيء يختلف عن العناد فالطفل الشقي يكون غالبا طفلا غير ناضج فهو غير قادر على أن يمارس عملية ضبط ذاتي كاف من أجل القيام بما يعرف هو أنه صحيح . بعبارة أخرى فإن الطفل الشقي هو ذلك الذي يتكرر منه عمل الخطأ بالرغم من أنه يعرف أنه خطأ دون أن يكون في استطاعته أن يتحكم في نفسه لتلافي ذلك .
ويمكن أن نقول انه قد تكونت لديه عادة قوية للقيام بأعمال الشقاوة هذه بحيث يجد نفسه مستغرقا فيها إلى الحد الذي لا تجدي معه التعليمات . على عكس الطفل العنيد الذي يكون ناضجا تماما والذي يرفض تنفيذ أوامرك أو نواهيك وهو عارف بذلك ومتعمد له .
ونحن نقوم بهذا التمييز لأن الطريقة التي نعالج بها كل حالة تختلف عن الأخرى . فالطفل الشقي غالبا ما ينسى انه ببساطة اعتراضاتك فقد توبخينه على القيام بفعل ما ثم تجدينه يقوم به مرة أخرى بعد مرور ساعة واحدة من الزمان بل اكثر من ذلك فإن الطفل نفسه قد يندهش عندما يجد أنه يقع في نفسه الخطأ مرة ثانية .
إن عليك أن تتحدثي إلى مثل هؤلاء الأطفال باستمرار وبقدر أكبر من التعاطف وسوف تجدين انهم عادة ما يقدمون الاعتذار ويشعرون بالندم وفي هذه الحالة عليك أن تقبلي الاعتذار بالترحيب الحار والتفهم التام .
ومع ذلك فهناك مرحلة يقتضي فيها الموقف منك أن تستخدمي بعض أساليب الضبط وفي هذه الحالة يجب عدم استخدام العقاب البدني بأي حال من الأحوال، وكل ما يمكنك أن تفعليه هو أن تسحبي من الطفل بعض المزايا التي يمكن أن يكون قد حصل عليها وان تحرميه من بعض الترفيه الذي تعود أن يستمتع به على أن تعود إليه هذه الأشياء مرة أخرى بعد أن يتحقق الهدف المقصود .
قد يستمر طفلك في الشقاوة لمدة طويلة وعليك أن تكوني مستعدة لذلك ولا تغضبي تقبلي منه أي بادرة للاستجابة وشجعيه وأعطية الثقة بأنه في المرة القادمة سوف يكون اشد التزاما من هذه المرة واجعلي المكافأة دائما هي أن تعيدي إليه ما حرم منه .
ابحثي عن مصدر هذه الشقاوة فيما يمكن أن يكون هناك من أساليب الضغط الشديدة التي تمارس أحيانا من قبل الوالدين أحدهما أو كليهما واعلمي أن شدة الضغط تولد الانفجار .
حاولي أن تتعاطفي مع طفلك بعد ذلك ولا تقسي عليه فالشقاوة هي مجرد حالة تهيج أكثر منها رغبة في المضايقة .
تعتبر الغيرة من المشاعر الطبيعية بالنسبة للطفل بل قد يكون لها في بعض الأحيان اثر إيجابي في دفعة لكي يكون أفضل وأحسن مما هو عليه .
فقد تساعده على أن يكون شخصا محبوبا يسعى لصداقة الأطفال والأشخاص الآخرين وان يكون اجتماعيا .
اما إذا أدت الغيرة إلى المنافسة والمشاجرة فإن هذا يعني تعرض الطفل لكثير من المشاكل .
ومن أشهر الأسباب التي تؤدي إلى شعور الطفل بالغيرة القوية .... وصول مولود جديد . ويرجع شعور الطفل بالغيرة في هذه الحالة إلى انه يعتقد أن وصول هذا المولود الجديد يعني فقدانه لمركزه ومكانته عند والديه وهنا يجب أن نوجه نظرك إلى ما يأتي :
أثناء مرحلة ما قبل المدرسة يختلط على الطفل في كثير من الأحيان بين الحقيقة والخيال ونحن نسمى هذا كذبا، وربما كان معناه إنكار الطفل القيام ببعض الأخطاء ولنوضح مثالا لذلك
فقد يكسر الطفل لعبة أخته بطريق الخطأ فإذا ما واجهته أنكر وقوع الحادثة بأكملها ومن المحتمل أن تغضبي لكذبه أكثر من غضبك لكسر اللعبة نفسها ومن المحتمل أيضا أن تقسي عليه حتى يعترف ومن الخطأ في مثل هذه الحالات أن تمارسي أي قسوة على الطفل لأن ذلك لن يساعده على الاعتراف بأخطائه .
أما إذا أردت أن يعترف الطفل بأخطائه فيجب عندئذ أن تسهلي عليه هذه المهمة يمكن أن تقولي له مثلا " هذه اللعبة مكسورة ... ترى ماذا حدث لها ؟ "
مثل هذه العبارة غالبا ما تساعد الطفل على أن يقول " أنا كسرتها ... إني أسف " وذلك بدلا من أن توجهيه له مثل هذه العبارة " أنت كسرت هذه اللعبة أليس كذلك أيها الشقي المهمل ؟ "
وعندما يعترف طفلك بقيامه بفعل ما فعليك أن تتأكدي من انك لا تبالغين في غضبك أو عقابك له فإنك لو كنت غاضبة أثناء ذلك فلن يجرؤ على إخبارك المرة القادمة .
وقد يدفع الطفل إلى الكذب شيء آخر غير الخوف فقد تكون لديه رغبة شديدة في حدوث شيء فيتصور انه قد حدث بالفعل مثلا : الطفل الذي يعاني من غيره شديدة من اخته الصغرى قد تدفعه نزعاته العدوانية الطبيعية في مثل هذه الحالة إلى تصور أن ضررا بليغا حصل لها لمجرد انها وقعت وهي تجري مثلا عندئذ قد يجري إليك طفلك وهو يحمل معه قصة خيالية أن أخته قد جرحت جرحا بليغا وسال دمها ... وأغمي عليها ... الخ.
عندما تكتشفين مثل هذه المبالغات لا تعاقبي طفلك أو تصفيه بالكذب بل يكفي أن تقولي له " انت تخاف عليها إلى هذا الحد ...؟ الحمد لله ... إنها لم تصب بالشكل الذي وصفته ... كانت مجرد سقطه بسيطة ... والآن تعال ساعدني على تنظيف مكان الإصابة وتطهيره " أن اهم شيء في مثل هذه الحالات هو أن نساعد الطفل على أن يكون واقعيا وان نعالج الدافع الأساسي للمبالغة وهو الغيرة