بيان بنك ناصر فى الزكاة ورأى دار الافتاء فيه
الناقل :
heba
| المصدر :
www.dar-alifta.org
بكتاب مجلة منبر الإسلام، وقد جاء معه ملاحظات باسم عالم المدينة المنورة على موجز فى التطبيق المعاصر لزكاة المال الصادر عن الإدارة العامة للزكاة ببنك ناصر الاجتماعى . وقد جاء فى هذا الموجز ما يلى :
أولا - زكاة النقود الورقية أو المعدنية والذهب والفضة :
تجب فيها الزكاة بمقدار ( 2.5 % فى المائة ) إذا حال عليها الحول ، وبلغت فى أول العام ما قيمته عشرون دينارا ( الدينار الشرعى يقدر وزنه ب 4.46 جراما من الذهب ، ولتقدير ما يساويه الدينار الشرعى من أى عملة نضرب 4.46 فى القيمة السوقية للجرام من الذهب الخالص من تلك العملة ، ولذا يختلف النصاب من مكان لآخر، ومن عملة لأخرى حسب القيمة السوقية للعملة المتداولة .
ثانيا - نصاب الزكاة :
ويقدر هذا النصاب بضرب 4.46 جراما فى 20 دينارا فى سعر السوق للجرام من الذهب . ونقصان النصاب فى خلال العام لا يضر إن كمل فى طرفيه ، ويستوى كون النقود فى يد مالكها ، أو فى خزائنه ، أو مودعة باسمه فى البنوك، أو فى صناديق التوفير .
ثالثا - زكاة الحلى :
لا زكاة للحلى المعدة للاستعمال والزينة واللباس، وذلك لعدم تحقق النماء أو نيته بشرط ألا تزيد قيمته على ألف جنيه، وفى نسخة أخرى من هذا الموجز، بشرط ألا تزيد قيمته عن خمسمائة جنيه .
والحلى من الذهب والفضة تعد من عروض التجارة التى تجب فى قيمتها الزكاة بالنسبة لمن يتجر فيها .
رابعا - زكاة الأوراق المالية :
الأسهم والسندات وشهادات الاستثمار التى يقتنيها مالكها لمجرد الحصول على دخل منها ، تجب فيها الزكاة بمقدار 10 % فى المائة من قيمة الكوبون فقط .
وتجب الزكاة فى الأسهم والسندات التى يبتغى بها مالكها التعامل فى سوق الأوراق المالية بالبيع والشراء بنسبة 2.5 % فى المائة من قيمتها السوقية .
وإذا ظهر كسبها فى يد مالكها، فتجب زكاته بنسبة 10 % فى المائة من قيمة الكوبون .
خامسا - زكاة التجارة والصناعة بمفهوم عالمنا المعاصر :
تجب الزكاة فى عروض التجارة، وهى العروض المعدة للبيع، وبلغة المحاسبة ( الأصول المتداولة ) متى بلغت نصابا وحال عليها الحول . ولا تجب الزكاة فى قيمة الأصول الثابتة كالأرض والمبانى والآلات والمعدات والأدوات ووسائل النقل والأثاث .
والديون المرجوة حكمها حكم عروض التجارة .
والديون غير المرجوة ، أو المشكوك فيها لا تزكى حتى تقبض ، فإذا قبضت زكيت زكاة عن الماضى .
وتقوم عروض التجارة بسعر البيع الحاضر فى نهاية العام وتعتبر قيمتها فى البلد الذى فيه المال وتضم بعض العروض إلى بعض وإن اختلفت أجناسها .
وتضم عروض التجارة وديون التجارة المرجوة إلى الأموال النقدية لتحديد جملة الأصول المتداولة ، أو المال العامل ، ويخصم منها ديون التجارة التى على الممول ( كالدائنين والموردين وأوراق الدفع ) . لتحديد صافى الأصول المتداولة، أو صافى المال العامل الذى يخضع للزكاة فى تمام الحول .
سادسا - زكاة الزروع والثمار :
تجب الزكاة فى كل ما تخرجه الأرض ، ويستنبته الإنسان من المحاصيل الزراعية المختلفة متى بلغت نصابا .
وتجب زكاة الزروع والثمار بسعر 10 % فى المائة من الناتج الصافى بعد خصم جميع النفقات ، والتكاليف المختلفة من الناتج المجمل .
وتخصم الأموال الأميرية من الناتج المجمل قبل احتساب الزكاة .
ومن استأجر أرضا فزرعها يوزع عبء الزكاة بينه وبين المالك فيؤدى المستأجر زكاة الزرع بعد خصم قيمة الإيجار . ويؤدى المالك زكاة الزرع عن قيمة الإيجار، وبذلك لا يضيع شىء من زكاة الزروع والثمار .
ويجوز الأداء النقدى لزكاة الزروع والثمار .
سابعا - زكاة العقارات المبنية ذات الإيراد :
لا تجب الزكاة فى الدور والمبانى المعدة للسكن الخاص .
العقارات المبنية ذات الإيراد يبتغى بها مالكها الاستثمار ، يتحقق فيها السبب الذى تجب من أجله الزكاة فى المال وهو النماء ، لذلك . يتعين إخضاعها لزكاة المال، وإذا كانت الزكاة لم تؤخذ عن الدور فى صدر الإسلام ، فذلك لأن هذه الدور كانت مخصصة للسكنى ، أما الآن فإن تثمير الأموال ابتغاء نمائها فى قطاع التشييد والإسكان للغير أصبح من أهم أنواع الاستثمارات المجزية .
وتؤدى زكاة العقارات المبنية بسعر 10 % فى المائة من صافى الإيراد قياسا على زكاة الزروع والثمار ، فكلاهما إيراد من أموال عقارية .
ثامنا - زكاة الماشية :
تجب الزكاة فى الإبل والبقر والغنم المعدة للتربية والنسل والنماء بشرط حولان الحول - الذى يكتمل فيه النسل - على النصاب ، وهو خمس من الإبل ، أو ثلاثون من البقر، أو أربعون من الغنم ، وإن كانت معلوفة حيث إن علفها فى الوقت الحاضر لا يستغرق أكثر نمائها .
والخيل التى تتخذ للتربية والنسل والنماء تخضع لزكاة الماشية تشبيها لها .
ولا زكاة فى الإبل والبقر العوامل، كدواب الحمل والركوب، لاقتنائها للاستعمال لا للنماء . واختلاف أسنان الماشية لا يؤثر فى مقادير الزكاة، والزكاة واجبة على صغارها كوجوبها على كبارها .
ولا ازدواج فى الزكاة ، ولا تجتمع فى الماشية المعدة للتجارة زكاة التجارة وزكاة الماشية ، إنما تخضع لزكاة التجارة كسائر أموال التجارة . ويجوز الأداء النقدى لزكاة الماشية .
تاسعا - مصارف الزكاة :
لا يجوز بالإجماع صرف الزكاة إلى غير من ذكر الله تعالى فى مصارفها الشرعية الثمانية { إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفى الرقاب والغارمين وفى سبيل الله وابن السبيل فريضة من الله والله عليم حكيم } التوبة 60 ، وإن أعطيت الزكاة فى صنف واحد أجزأت .
وأهل كل بلد أولى بزكاتهم ، حتى يستغنوا عنها ، ولا تحمل من أهل بلد إلى غيره ، إلا أن تكون فضلا عن حاجتهم ، أو فى سبيل الله .
ولا تحل الزكاة للقوى القادر على الاكتساب ، إلا إذا لم يعطه المجتمع فرصة عمل كافية تحقق له دخلا يغطى حد الكفاية ويسد حاجاته الأساسية للحياة .
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( من سأل من غير فقر فإنما يأكل الجمر ) .
وقال صلوات الله وسلامه عليه ( لا تحل الصدقة لغنى ولا لقوى مكتسب ) .
وكانت الاعتراضات الواردة على هذا الموجز كما يلى :
أولا - ( نقصان النصاب فى خلال العام لا يضر إن كمل فى طرفيه ) فإنه إذا وقع ذلك سقطت الزكاة وعندما يتكامل النصاب يبدأ الحول من هذا التاريخ ، فإذا بقى النصاب حولا كاملا ، وجبت الزكاة فى نهايته على النصاب، وعلى ما زاد عليه أثناء الحول مع خلاف لبعض المذاهب فى هذا الزائد .
ثانيا - ( لا زكاة فى الحلى المعدة للاستعمال والزينة واللباس ، وذلك لعدم تحقق النماء أو نيته بشرط ألا تزيد على 500 جنيه ) .
وموضوع زكاة الحلى محل خلاف بين الفقهاء والصحيح هو وجوبها على الحلى إذا بلغت النصاب . للحديث الذى أخرجه الحاكم وغيره عن عائشة ( أنها دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فرأى فى يديها فتخات ( فتخ جمع فتخة، وهى الخاتم بلا فص ) من ورق ( فضة ) فقال ما هذا يا عائشة . قالت صنعتهن لأتزين لك بهن يا رسول الله ، فقال أتؤدين زكاتهن . قالت لا. قال هن حسبك من النار ) . قال الحاكم إسناده على شرط الشيخين والأحاديث فى ذلك كثيرة . وتحديد قيمة الحلى بألا تزيد على 500 جنيه من أين جاء هذا التحديد وهل هو اليوم أو فيما مضى أو ما يأتى . لاختلاف قيمة الجنيه الذهب من وقت لآخر ارتفاعا وانخفاضا .
ثالثا - قياس ( هذا الموجز ) زكاة الأوراق المالية، كالأسهم والسندات وشهادات الاستثمار على المبانى والأراضى الزراعية يجعل الزكاة عليها 10 % فى المائة من قيمة دخلها فقط غير صحيح لأنها أموال سائلة ، فضلا عن أن تقدير زكاتها بواقع 10 % فى المائة من الدخل فقط لا سند له ، وإن كان قياسا على ناتج الأرض التى يسقيها المطر ، إذ فيه العشر ، فهو قياس لا يطابق الحقيقة .
رابعا - جعل ( هذا الموجز ) زكاة المحاصيل الزراعية المختلفة بواقع 10 % فى المائة من صافى الناتج بعد خصم جميع النفقات والأموال الأميرية والإيجارات وهذا غير دقيق ، لأن النصوص فرقت بين المحاصيل التى لا يتكلف لها فقدرت زكاتها بالعشر والتى يتكلف لها كثيرا فقدرت زكاتها بنصف العشر . وقد طلبت مجلة منبر الإسلام إيضاح ما إذا كانت هذه الاعتراضات صوابا . أم لا ؟ وبيان الرأى الشرعى فيما جاء بهذا الموجز الصادر عن بنك ناصر الاجتماعى . الإدارة العامة للزكاة .
الـجـــواب
فضيلة الإمام الأكبر الشيخ جاد الحق علي جاد الحق
إن الزكاة من فروض الإسلام ثبتت فرضيتها بالقرآن الكريم وبالسنة النبوية الشريفة التى بينت أنواع الأموال التى تجب فيها ومقاديرها وشروط الوجوب ، وهى فريضة ذات أثر بعيد فى المجتمع من الوجهة الاجتماعية والاقتصادية والمالية ، فوق أنها عبادة تقوم على النية والعبادات فى الإسلام ينبغى التوقف عند نصوصها ، دون تجاوز إلا بقدر الضرورات التشريعية وبالقواعد الأصولية المقررة .
وبعد فإننا نعقب على موجز أحكام الزكاة الصادر من بنك ناصر الاجتماعى ، وعلى الاعتراضات التى أبديت عليه على النحو السالف فيما يلى أولا - عن البندين أولا وثانيا - إن الأصل فى النصاب النقدى للزكاة شرعا هو الذهب والفضة، ففى صحيح مسلم عن أبى هريرة أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال ( ما من صاحب ذهب ولا فضة لا يؤدى منها حقها إلا إذا كان يوم القيامة صفحت له صفائح من نار فأحمى عليها فى نار جهنم ، فيكوى بها جنبه وجبينه وظهره، كلما بردت أعيدت له فى يوم كان مقداره خمسين ألف سنة حتى يقضى بين العباد فيرى سبيله إما إلى جنة وإما إلى نار ) ( أخرجه البخارى أيضا وآخرون ج - 2 ص 129 سبل السلام للصنعانى ) وقد أجمع المسلمون على وجوب الزكاة فى النقود على المقدار الواجب فيها . قال ابن قدامة فى المغنى لا نعلم خلافا بين أهل العلم أن زكاة الذهب والفضة ربع عشرهما ( 2.5 % فى المائة ) وقد ثبت هذا بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم ( فى الرقة ربع العشر ) ( المغنى ج - 1 ص 596 مع الشرح الكبير طبع المنار أولى سنة 1345 هجرية الرقة الفضة الخالصة ) - نصاب النقود - جاء فى الحديث الشريف المتفق عليه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ( ليس فيما دون خمس أواق من الورق صدقة ) ( المرجع السابق ) والورق بكسر الراء وبفتحها وباسكانها الفضة المضروبة دراهم ، وما كان غير مضروب لا يسمى ورقا ولا يسمى ورقة بكسر الراء وتخفيف القاف كما جاء فى لسان العرب والقاموس فى مادة ورق } وأجمع المسلمون على أن الأوقية أربعون درهما وثبت ذلك أيضا بالنصوص المشهورة، فالخمس الأواقى تقابل مائتى درهم ( المجموع للنووى ج - 6 ص 5 ) ولم يختلف علماء المسلمين فى أن نصاب الفضة للزكاة بهذا القدر كما لم يختلفوا فى مقدار الواجب فيه ، وذلك لأن استعمال النقود الفضية كان شائعا وكثير الاستعمال عند العرب وفى عصر النبى صلى الله عليه وسلم ( المغنى ج - 2 ص 596 وما بعدها ) ولكن القول قد اختلف فى نصاب الذهب ، حيث قال أكثر الفقهاء إن النصاب عشرون دينارا . بينما روى عن الحسن البصرى أن نصاب الذهب أربعون دينارا ، كما روى عنه مثل قول الجمهور ، وهل معتبر بنفسه كما ذهب الجمهور أيضا أو مقوم بالفضة بحيث يعتبر فيه نصابها السالف كما روى عن عطاء والزهرى ( نيل الأوطار للشوكانى ج - 4 ص 139 ) هذا وقد استدل الجمهور على قولهم فى نصاب الذهب بأحاديث يقوى بعضها بعضا، وقد استقر عمل الصحابة على أن النصاب عشرون دينارا وانعقد الإجماع على ذلك بعد عصر الحسن البصرى . ( المحلى ج - 6 ص 66 -70 والموطأ للامام مالك ج - 1 ص 246 والأم للامام الشافعى ج - 2 ص 34 والأموال لأبى عبيد ص 409 ) . - تقدير الدرهم والدينار بالجرام المعمول به الآن :
يدل استقراء النقود الإسلامية وبحوث المؤرخين فى ذلك على ما حققه الباحثون فى هذا ومنهم على باشا مبارك فى الخطط التوفيقية أن الدينار أو المثقال الشرعى يزن 4.25 جراما . ويكون نصاب الذهب على هذا - 20 مثقالا فى 4.25 جراما يساوى 85 جراما، وأن الدرهم الشرعى يزن 2.975 جراما فى200 درهم قدر نصاب الزكاة شرعا يساوى 595 جراما وبهذا يكون نصاب الفضة وزنا بالجرام 595جرما ، ونصاب الذهب وزنا بالجرام 85 جراما . وقد أقر ذلك مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر الشريف . ( دائرة المعارف الإسلامية وتقرير لجنة البحوث الفقهية لمجمع البحوث الإسلامية بالأزهر 23شوال 1396 هجرية - 17 أكتوبر 1976 م ) فمن ملك من الفضة الخالصة أو الذهب الخالص نقودا أو سبائك ما يبلغ هذا الوزن من كل نوع وجبت عليه فيه الزكاة بواقع 2.5 % فى المائة - ربع العشر . ومن ثم يكون ما جاء فى البندين الأول والثانى عن قدر النصاب من الذهب غير دقيق، وينبغى العمل بهذا التقدير 4.25 جراما للدينار أو المثقال ، وأن جملة وزن النصاب من الذهب 85 جراما لا غير .
أما احتساب قيمة هذا النصاب بالعملة المالية الورقية المصرية ، فيكون بضرب 85 جراما فى سعر السوق للجرام الخالص من الذهب فى اليوم الذى اكتمل فيه هذا النصاب مستوفيا باقى شروط وجوب الزكاة لاتخاذه مبدأ لانعقاده ، كما يحتسب كذلك فى نهاية العام لانعقاد وجوب الزكاة فى المال والنصاب بهذا الاعتبار متحرك السعر أو القيمة غير ثابت تبعا لارتفاع ثمن الجرام من الذهب أو انخفاضه .
هل يشترط استمرار كمال النصاب مدة الحول . اتفق الفقهاء على أن من شروط وجوب الزكاة فى النقود بعد أن بلغت النصاب أن يحول عليها الحول ، بمعنى أن الزكاة لا تجب فى النقود إلا مرة واحدة ، فلا تتكرر الزكاة على ذات المال الذى زكى إلا بعد مرور حول لكن فقهاء مذهب الإمام أبى حنيفة لم يشترطوا كمال النصاب طوال الحول بل اشترطوا هذا فى أول الحول للانعقاد ، وفى آخر الحول للوجوب وقالوا إنه لا يضر نقصان النصاب فيما بين ابتداء الحول وانتهائه ، فلو أن النصاب هلك كله فى أثناء الحول بطل الحول، فإذا طرأ مال جديد بلغ نصابا استأنف حولا جديدا . ( الدر المختار وحاشيته رد المحتار لابن عابدين ج - 2 ص 45 ) هذا بينما قال فقهاء مذاهب الأئمة مالك والشافعى وأحمد أن كمال النصاب معتبر فى جميع الحول . ( المغنى لابن قدامة مع الشرح الكبير ج - 2 ص 499 والمجموع للنووى شرح المهذب للشيرازى ج - 6 ص 19 و 20 والشرح الكبير بحاشية الدسوقى ج - 1 ص 506 ) ولكل من الفريقين أدلته المبسوطة فى كتبه ، لكن وجهة المذهب الحنفى أولى بالقبول وأميل للأخذ بها ، لأنها تقطع الكثير من الحيل والتحايل لإسقاط الزكاة، وهو ما قال به موجز أحكام الزكاة، ومن ثم فلا محل لتخطئته فى هذا الحكم ، لاتباعه مذهبا صحيحا فى مسألة هى محل اجتهاد لم يرد فيها دليل صحيح أما حديث ( لا زكاة فى مال حتى يحول عليه الحول ) فقد تحدث فيه حفاظ الحديث وقالوا إنه ضعيف ( تلخيص المستدرك للحافظ الذهبى ص 175 وبداية المجتهد لابن رشد ج - 1 ص 243 - 47 فى وقت الزكاة ) على أنه متى كان الحكم اتباعا لمذهب من مذاهب الفقه التى تلقتها الأمة بالقبول لم يعترض عليه بالخطأ لمخالفته مذهبا آخر، وفقا لما قرره علماء الفقه وأصوله فى آداب الفتوى والمفتين .
ثانيا - عن البند ثالثا فى زكاة حلى النساء :لم يختلف أهل العلم بفقه الإسلام فى أن ما حرم استعماله واتخاذه من الذهب والفضة تجب فيه الزكاة متى بلغ النصاب لأى منهما ، وترتيبا على هذا تجب الزكاة فى الأوانى المتخذة من الذهب أو الفضة، والتماثيل، والنصاب هنا معتبر بالوزن ، أو يضم لغيره من جنسه . ( المغنى لابن قدامة ج - 2 ص 610 و 611 و 612 مع الشرح الكبير ) - حلى الرجال من هذين المعدنين - ومثل تلك التحف والأوانى المحرمة فى وجوب الزكاة متى بلغت قيمتها قيمة نصاب الذهب أو من الفضة ما يتخذه الرجال حليا منهما، فيما عدا التختم بالفضة للرجال دون إسراف . فإذا اتخذ بعض الرجال حليا من الذهب كما يفعل بعض الناس فى عصرنا ، وبلغت قيمته نصاب الذهب ( 85 جراما ) وجبت فيه الزكاة وإن كان استعماله عليه محرما، أما ما أبيح استعماله للرجال من الذهب فلا زكاة عليه كمقبض السيف والسن .
حلى النساء من الجواهر وأمثالها لازكاة فيها - ذلك لأن اللآلىء والجواهر كالمرجان والزبرجد والماس ليست من المال النامى ، بل هو حلية ومتاع للنساء ، وإن خالف فى هذا بعض الشيعة واعتبروه من الأموال النفيسة وأوجبوا فيه الزكاة لكن جمهور الفقهاء على غير هذا، لأن علة وجوب الزكاة فى المال هى النماء الحقيقى أو التقديرى لانفاسة المال على ما تدل عليه الأحاديث الشريفة التى أوردها الفقهاء فى محلها من كتبهم . ( الروض النضير فى فقه الزيدية مع المقارنة بالمذاهب الأخرى ج - 2 ص 415 و 416 ) وهذا مالم تتخذ كنزا أو للادخار فإن الحكم التالى فى حلى النساء يتناولها . حلى النساء من الذهب ومن الفضة وهل فيهما الزكاة ؟
لم يصح فى هذا الشأن نص بوجوب الزكاة فى هذه الحلى أو نفيه وقد وردت أحاديث اختلفت كلمة الفقهاء فى ثبوتها وفى دلالتها، فكانوا فريقين فى الجملة أحدهما قال بوجوب الزكاة فى حلى النساء من الذهب والفضة . ومن هذا الفريق الإمام أبو حنيفة وأصحابه والأوزاعى والثورى وعطاء ومجاهد وابن شبرمة ( المحلى لابن حزم ج - 6 ص 75 - 78 - والمغنى لابن قدامة ج - 2 ص 605 و 606 ) وقد ساقوا أدلتهم على هذا القول آثارا مروية لم يخل بعضها عن مقال .
والفريق الآخر قالوا بعدم وجوب الزكاة فى حلى النساء - ذهب أو فضة - ومن القائلين به الإمامان مالك وأحمد ، وهو أظهر قولين عن الإمام الشافعى ( المجموع للنووى ج - 6 ص 32 وما بعدها والموطأ ج - 1 ص 250 والأموال لأبى عبيد ص 443 والأم الشافعى ج - 2 ص 41 وفتح البارى ج - 3 ص 210 و 211 والمغنى لابن قدامة ج - 2 ص 605 ) وبيان ذلك فى الفقه الحنفى أن الزكاة واجبة فى الحلى مطلقا سواء أكان للرجال أو للنساء، تبرأ كان أو سبيكة، آنية كان أو غيرها ويعتبر فى زكاته الوزن لا القيمة . ( الدر المختار وحاشيته رد المحتار لابن عابدين ج - 2 ص 41 ) وفى الفقه المالكى أن الحلى المباح كالسوار للمرأة، وقبضة السيف المعد للجهاد، والسن والأنف للرجال لا زكاة فيه إلا فى الأحوال الآتية :
1 - أن ينكسر بحيث لا يرجى عوده إلا بسبكه مرة أخرى .
2- أن ينكسر بحيث يمكن عوده بدون سبك ولكن مالكه لم ينو إصلاحه .
3- أن يكون مدخرا لمفاجآت الدهر لا للاستعمال .
4- أن يكون معدا ليئول إلى زوجة أو بنت .
5- أن يكون معدا لصداق من يريد أن يتزوجها أو يزوجها لولده .
6- أن ينوى به التجارة .
( الشرح الكبير بحاشية الصاوى ج - 1 ص 510 و 511 ) وفى الفقه الشافعى لا تجب الزكاة فى الحلى المباح الذى حال عليه الحول مع مالكه العالم به ، أما الحلى المحرم كالذهب للرجل ، فإنه تجب فيه الزكاة ومثله إذا كان فيه إسراف كخلخال المرأة إذا بلغ مائتى مثقال، فإنه تجب فيه الزكاة ، كما تجب فى آنية الذهب والفضة ( المجموع للنووى ج - 6 ص 32 حتى 41 ) وفى الفقه الحنبلى أنه لا زكاة فى الحلى المباح المعد للاستعمال أو للاعارة لمن يباح له استعماله، فإن كان غير معد للاستعمال فتجب فيه الزكاة ، إذا بلغ النصاب وزنا ، أما الحلى المحرم فتجب فيه الزكاة كما فى آنية الذهب والفضة البالغة نصابا وزنا ( المغنى لابن قدامة ج - 2 ص 605 حتى 612 ) ومن هذا الإجمال لأقوال الفقهاء نرى أنهم فى الجملة -كما تقدم - فريقان فى شأن إيجاب الزكاة فى حلى النساء من الذهب أو من الفضة .
وبالمقارنة بين أدلة الفريقين نرى أن قول الجمهور القائلين بعدم الوجوب أقوى وأدلته أولى بالقبول .( أحكام القرآن لابن العربى ج - 2 ص 919 ط عيسى الحلبى، والأموال لأبى عبيد ص 442 - 446 ، وشرح الترمذى لابن العربى ج 3 ص 131، والميزان للذهبى ج - 3 ص 282 ) حلى النساء المتخذ للادخار - هذا الاختلاف إنما يجرى فى الحلى الذى اتخذ للزينة والمتاع وفقا لما يجرى به العرف والعادة، ولكل واحدة قدرها الجارى عرفا . أما ما اتخذ مادة للادخار واعتبر بمنزلة الدنانير والدراهم المكتنزة، فمثل هذا يجب أن يزكى ، ولذا روى عن سعيد بن المسيب - الحلى إذا لبس وانتفع به فلا زكاة فيه وإذا لم يلبس ولم ينتفع به ففيه الزكاة، وهذا ما جرى عليه فقه الإمام مالك فيما سلف بيانه ، والصحيح المعتمد فى فقه الإمام الشافعى ، والليث بن سعد وصرح الفقه الحنبلى بأن ما اتخذ حليا فرارا من الزكاة لا تسقط عنه الزكاة وكذلك من أسرفت فى اتخاذ الحلى، ذهبا أو فضة، مجاوزة للحد المعتاد لمثلها كما تقدمت الإشارة إليه ، فتجب الزكاة فيما ليس معتادا ولا جرى به العرف المستقر ، وهذا هو مقتضى قول الله سبحانه { وكلوا واشربوا ولا تسرفوا } الأعراف 31 ، ( تفسير بن كثير عليها ج - 2 ص 209 و 210 طبع سنة 1367 هجرية - 1948 م، والأموال لأبى عبيد ص 443 ، والموطأ بشرح المنتقى ج - 2 ص 107، وبلغة السالك ج - 1 ص 19 والمجموع للنووى ج - 6 ص 36 و 40 والمحلى ج - 6 ص 76 وما بعدها والشرح الكبير مع المغنى ج - 2 ص 608 و 609، ونهاية المحتاج للرملى ج - 3 ص 91 و 92 حيث جعل المعتمد فى ضبط وزن خاتم الرجل من الفضة بالعرف لا بالوزن على ما تقرر فى خلخال المرأة وكالملابس ) لما كان ذلك كان ما جاء فى موجز أحكام الزكاة المعروض من أنه لا زكاة فى الحلى المعدة للاستعمال والزينة واللباس، لعدم تحقق النماء أو نيته بشرط ألا تزيد قيمته على ألف جنيه أو على خمسمائة جنيه على اختلاف بين النسختين المعروضتين من هذا الموجز فى تقدير هذا المبلغ . هذا القول غير صحيح فى الجملة، ولا يستند لدليل شرعى صحيح . ذلك أن مذاهب الأئمة مالك والشافعى وأحمد التى قالت بعدم وجوب الزكاة فيما اتخذ من الذهب ومن الفضة حليا للنساء لم تحدد قدرا تجب الزكاة فيما تعداه ، والقول بوجوبها على الإطلاق هو فقه المذهب الحنفى . ومن ثم كان الحكم الذى تغيا به الموجز حدا أعلى للحلى المعفى من الزكاة غير صحيح فقد اختلف مع المذاهب جميعا ومع أدلتها فيما ذهب إليه على هذا الوجه . والذى أميل إلى الفتوى به فى حلى النساء من الذهب والفضة هو ما قال به فقه هؤلاء الأئمة الثلاثة من عدم وجوب الزكاة فيه مادام لم يقصد به الادخار ولم يتجاوز حد الاعتدال ، وما ذكره فقه الإمام مالك من الأحوال الخمس السالفة إنما هو تعداد لحالات اتخذت قرائن وأمارات على ترك التزين به فوجبت فيه الزكاة .
أما اعتبار الحلى من عروض التجارة لمن يتجر فيها، فذلك موافق للصواب . أما بالنسبة لمن اتخذها ادخارا فتسرى عليها شروط زكاة الأموال المدخرة من الذهب والفضة .
خلاصة - ويمكن أن نخلص من هذا إلى أنه :
1 - من كان يملك مصوغا من الذهب أو الفضة ، فإن كان لمجرد الاقتناء والادخار وجبت فيه الزكاة كغيره من السبائك والنقود ، لأنه نام تقديرا ، أما إن كان معدا للزينة والاستعمال الشخصى ، فإن كان هذا الاستعمال محرما كأوانى الذهب والفضة والتماثيل والتحف منهما وما يتخذه بعض الرجال حلية من أطواق أو سوار أو خاتم من الذهب وجبت فيه الزكاة، لأنه ليس مباحا التحلى بهذا المعدن للرجال المسلمين . فلا اعتبار باستعماله غير المباح، وبقيت ماليته المدخرة، ويلحق بهذا الاستعمال غير المباح ما كان فيه إسراف ظاهر من حلى النساء والمعيار العرف والعادة قياسا على أمثالها فى عصرها فما كان فيه السرف ولو كان حلية للنساء وجبت فيه الزكاة .
2- أما الحلى المعد لاستعمال مباح كحلى النساء دون إسراف وخاتم الرجال من الفضة لم تجب فيه الزكاة ،لأنه بهذا مال غير نام وهو زينة لها فصار كثيابها ومتاعها وهذا مما لا تجب فيه الزكاة باعتباره اتخذ لاستعمال أباحه الشارع، ويدخل فى هذا أن تلبسه المرأة التى تملكه أو تعيره للغير للتحلى به إعارة مباحة شرعا .
3- ما وجبت فيه الزكاة من الحلى والتحف والآنية تقدر بزكاة النقدين، الذهب والفضة . فيخرج مالكها ربع العشر ( 2.5 % فى المائة ) كل حول سواء كان له مال غيره أم لا، إذ لكل حكمه وزكاته . وذلك بشرط أن يبلغ هذا الحلى أو الأوانى والتحف نصابا وهو 85 جراما من الذهب والاعتبار هنا للقيمة لا للوزن ، إذ الصناعة التى دخلت على الحلى أو الأوانى ذات أثر فى القيمة .
ثالثا - عن البند رابعا زكاة الأوراق المالية :جاء فى هذا البند الحديث عن حكم زكاة الأسهم والسندات وشهادات الاستثمار على الوجه المتقدم قياسا - فيما يبدو - على زكاة الزروع فى بعض صورها . وقد وجه إلى هذا المسلك الاعتراض الوارد تحت البند ثالثا . وهو اعتراض وجيه، ذلك لأن علماء الاقتصاد قد فرقوا بين الأسهم وبين السندات ، بأن الأولى صكوك ملكية جزئية لرأس مال الشركة المساهمة ، أو التوصية بالأسهم حيث ينقسم رأس مال الشركة إلى أجزاء متساوية كل جزء منها يقابله سهم . أما السند فهو تعهد مكتوب من البنك أو الحكومة أو الشركة لحامله بسداد مبلغ محدد فى تاريخ معين نظير فائدة معينة . هذا الفرق بين الملامح الأساسية لكل من الأسهم والسندات، وهناك فروق أخرى سيقت فى محلها من كتب المال والاقتصاد . كيف تزكى الأسهم والسندات وأشباههما . لما كانت هذه النوعية من التعامل قد جدت، فقد اتجه الباحثون فى فقه الإسلام حديثا إلى طريقين لتحديد الزكاة على هذه الأنواع .
أحدهما ينظر لنوع نشاط الشركة صاحبة الأسهم ،هل هى صناعية أو تجارية أو خليط منهما . فإن كانت الشركة صناعية فقط - لا تمارس عملا تجاريا كشركات الصباغة والتجهيز وشركات النقل فلا زكاة فى أسهمها ولكن ما ينتج ربحا لهذه الأسهم، يضم لأموال المساهمين، ويزكى معها زكاة المال ، بمعنى أن ما بقى منه إلى الحول ، وبلغ مع غيره من أموال الممول نصابا بشروطه وجبت الزكاة فيه . وإن كانت الشركة تجارية خالصة كشركات التصدير والاستيراد أو كانت تزاول الصناعة والتجارة كشركات النسيج والغزل وجبت الزكاة فى أسهم هذه الشركات ، فمدار وجوب الزكاة فى أسهم هذا النوع من الشركات ، أن تمارس الشركة عملا تجاريا سواء معه صناعة أم لا، وعندئذ تقدر الأسهم بالقيمة الحالية وليس بالقيمة الاسمية ، ويخصم قيمة المبانى والآلات والأدوات المملوكة للشركة ، وتجب الزكاة فى الباقى مع الأرباح .
الطريق الآخر اعتبار الأسهم عروض تجارة ، دون نظر إلى نوعية الشركة ونشاطه ، ذلك لأن الأسهم والسندات أموال اتخذت للاتجار، ولها أسواقها ( البورصة ) ومن يتجر فيها بالبيع والشراء قد يكسب منها أو يخسر فيها، فيلاحظ فيها ما يلاحظ فى عروض التجارة وزكاتها .
وهذا ما أميل إلى الأخذ به فى زكاة الأسهم والسندات، فتعتبر بالنسبة للمتجر فيها رؤوس أموال تجارية ، وتخضع لأحكام زكاة عروض التجارة أما الشركات ذاتها كهيئة فتؤخذ الزكاة منها على اعتبار أن أموالها أموال نامية بالصناعة أو نحوها، لأنها رأس مال ووسيلة للاستثمار ، وليست أدوات صناعة شخصية كقدوم النجار .
وما ذهب إليه موجز أحكام الزكاة المعروض قال به بعض الباحثين ولكنه لاسند له، ولا أصل يخرج عليه تخريجا صحيحا، ومن الحق فى استنباط الأحكام أن نرد الأشياء غير المنصوصة لأشباهها ابتغاء الوصول إلى حكمها .
رابعا - عن البند خامسا :زكاة التجارة والصناعة بالمفهوم المعاصر وكيف تحسب . يقول فقهاء الشريعة إن ما عدا النقدين - الذهب والفضة - مما يعد للتجارة عروض تجارة . ويشمل هذا الاصطلاح المأكولات والثياب والأمتعة والحلى والجواهر والحيوانات والآلات والمنتجات الزراعية والأرض والدور وغير هذا مما يجد من مستحدثات تعد للبيع والاتجار بقصد الربح .
وزكاة عروض التجارة ثابتة بالقرآن الكريم وبالسنة الشريفة وبالإجماع . ( تفسير أحكام القرآن للجصاصى ج- 1 ص 543 عند تفسير الآية 167 سورة البقرة وأحكام القرآن لابن العربى ج- 1 ص 235 فى ذات الموضع والترمذى ج- 3 ص 91 و 104 أول كتاب الزكاة والأموال لأبى عبيد ص 425 و426 و 429، والمغنى لابن قدامة ج- 2 ص 622 مع الشرح الكبير فى ذات الموضع والمجموع للنووى ج- 6 ص 47 - 55 ) وقد تداول الفقهاء نقل آثار فى طريقة إخراج التاجر المسلم زكاة ثروته التجارية . فقد نقل أبو عبيد فى كتابه الأموال عن بعض التابعين قوله إذا حلت عليك الزكاة فانظر ما كان عندك من نقد أو عرض فقومه وما كان من دين فى ملأة ( أى على غنى موسر قادر على سداده ) فاحسبه ثم اطرح ما كان عليك من دين، ثم زك ما بقى .
ونقل عن ابراهيم النخعى قوله يقوم الرجل متاعه إذا كان للتجارة إذا حلت عليه الزكاة فيزكيه مع ماله.
وعن الحسن البصرى قوله إذا حضر الشهر الذى وقت الرجل أن يؤدى فيه زكاته أدى عن كل مال نقدى له ، وكل ما ابتاع من التجارة وكل دين ، إلا ما كان منه ضمارا لا يرجوه . ( الأموال لأبى عبيد ص 426 ) ومن هذه النقول وأمثالها مما حفت به كتب الفقه يتقرر أن على المسلم التاجر، عند حلول موعد زكاة أمواله ، أن يضم ماله ، رأس المال والأرباح ، والمدخرات، والديون القوية المأمول سدادها فيقوم بجرد تجارته ، ويقوم البضائع بقيمتها يوم الجرد ، ويضم هذا إلى مالديه من نقود، مستغلة تجاريا ، أو غير مستغلة ، وماله من ديون غير ميئوس من قبضها، ويخرج من مجموع كل ذلك ربع العشر ( 2.5 % فى المائة ) أما ديونه غير المأمول قبضها ، أو غير المرجوة كتعبير فقه بعض المذاهب فلا زكاة عاجلة فيها، وإنما يزكى ما يقبضه فقط عن عام واحد فائت كما هو مذهب الإمام مالك الذى أميل إليه فى الفتوى فى تزكية الديون . أما الديون التى عليه للغير، فإنه يطرحها من جملة أمواله ، ثم يزكى ما بقى إن بلغ نصابا وحال عليه الحول بشروطه كما نقل آنفا ( بداية المجتهد لابن رشد ج - 1 ص 260 و 261 ) ووفاقا لمعنى عروض التجارة السالف بيانه لا يدخل فى رأس مال التجارة الواجب فيه الزكاة كل حول المبانى والأثاث للمحلات التجارية ونحوه مما لا يباع، ولم يعد لإنتاج ولا للبيع، فلا يحتسب عند التقويم للتزكية .
فقد قال الفقهاء - كما سلف - إن المراد بعروض التجارة هو ما يعد للبيع والشراء قصدا للربح يدل له حديث سمرة ( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرنا أن نخرج الصدقة مما نعده للبيع ) ( فتح القدير للكمال بن الهمام ج - 1 حتى 527، وبلغه المسالك بحاشية الصاوى ج - 1 ص 479 - 480، والمغنى لابن قدامة ج - 2 ص 636 و 640 والمجموع للنووى ج - 6 - ص 21 و 22، والمواضع السابقة فى بيان عروض التجارة من المراجع المبينة تحت البند الرابع } ومن ثم ما جاء فى موجز أحكام الزكاة فى هذا الموضع فى نطاق ما قال به جمهور الفقهاء فى الجملة فيعتد به .
خامسا - عن البند سادسا ويقابله فى الملاحظات البند رابعا :وهما فيما يتعلق بزكاة المحاصيل الزراعية بواقع 10 % فى المائة من صافى الناتج . على الوجه المبين فى السؤال وما أثير ليس موجها إلى مقدار الزكاة الواجبة فى الزروع ، وإلى نوع ما يجب فيه الزكاة بقدر ما هو موجه إلى أن قدر الزكاة يحتسب من جملة الناتج أو من صافيه بعد المصاريف والأموال والإيجار . وإذا تبين أن الموجز المعروض قد جاء به - تجب الزكاة فى كل ما تخرجه الأرض ويستنبته الإنسان من المحاصيل الزراعية المختلفة متى بلغت نصابا .
كان هذا القدر من الحكم جاريا على قول جمهور الفقهاء ( المغنى لابن قدامة ج - 2 ص 695 ، والمحلى لابن حزم ج - 5 ص 112 و 113 ) أما ما جاء به من أن الزكاة تجب بواقع 10 % فى المائة أى العشر من صافى الناتج بعد خصم جميع النفقات والتكاليف المختلفة من الناتج المجمل . فقد اختلفت كلمة الفقهاء فى ذلك حسبما قال ابن العربى فى شرحه على الترمذى قال اختلفت كلمة علمائنا هل تحط المؤنة من المال المزكى، وحينئذ تجب الزكاة فى الصافى فقط، أو تكون مؤنة المال وخدمته، حتى يصير حاصلا فى حصة رب المال وتؤخذ الزكاة من الرأس، أى من إجمالى الناتج ، وقد ذهب ابن العربى إلى أن تحط وترفع من المحاصيل ، وأن الباقى يؤخذ عشره، واستدل لذلك بحديث النبى صلى الله عليه وسلم ( دعوا الثلث أو الربع ) . ( شرح الترمذى ج - 3 ص 143 ) كما ثار الخلاف فيما إذا كان على رب الزرع والثمر ديون ، قد تكون لأجل الإنفاق على الزرع ، كالاستدانة لثمن البذور والسماد وأجرة العمال ونحو ذلك ، وقد تكون ديونا على رب الزرع استنفدها على نفسه وأهله، فهل يخصم النوعان من الزرع . أو أحدهما . أولا تخصم الديون من الزرع . روى أبو عبيد فى الأموال ( ص 509 ) عن جابر بن زيد قال فى الرجل يستدين فينفق على أهله وأرضه . قال قال ابن عباس يقضى ما أنفق على أرضه وقال ابن عمر يقضى ما أنفق على أرضه وأهله ، وروى مثله يحيى بن آدم فى كتابه الخراج . وفى المغنى عن الإمام أحمد روايتان إحداهما أن من استدان ما أنفق على زرعه، واستدان ما أنفق على أهله ، احتسب ما أنفق على زرعه دون ما أنفق على أهله، لأنه من مؤنة الزرع . والرواية الأخرى أن الدين كله يمنع الزكاة، كزكاة الأموال الباطنة ، وعلى هذه الرواية يحسب الزارع كل دين عليه ، ثم يخرج العشر مما بقى إن بلغ نصابا، فإن لم يبلغ الباقى نصابا فلا عشر فيه ( المغنى ج - 2 ص 591 و 592 مع الشرح الكبير طبعة أولى سنة 1345 هجرية ) . أما الخراج وهو مقابل الضريبة العقارية المفروضة على الأرض الزراعية فهل يخرج مقداره من الناتج المجمل ثم يزكى الباقى . إلى هذا ذهب عمر بن عبد العزيز ، وإلى نحوه ذهب الإمام أحمد ( المرجع السابق والأموال لأبى عبيد ص 88 والخراج ليحيى بن آدم ص 163 ) ويمكن أن يقاس على مسألة الخراج مسألة أجرة الأرض المستأجرة ، وقد نقل ذلك أيضا يحيى بن آدم فى كتابه الخراج قال سألت شريكا عن الرجل يستأجر أرضا بيضاء من أرض العشر، بطعام مسمى، فزرعها طعاما . قال يعزل ما عليه من الطعام ثم يزكى ما بقى العشر أو نصف العشر . ثم قال كما يعزل الرجل ما عليه من الدين، ثم يزكى ما بقى من ماله ( المرجع الأخير السابق ص 161 ) وهل إذا لم تكن النفقة على الزرع دينا ولا خراجا ، كأن أنفق من ماله هو على البذور والحرث والرى والسماد والتنقية والحصاد، هل ترفع هذه النفقات من جملة الناتج ثم يزكى الباقى قال ابن حزم لا يجوز رفع هذه النفقات وإسقاطها من الزكاة سواء استدان فى ذلك أو لم يستدن ، أتت النفقات على جميع قيمة المزروع أو الثمر أو لم تأت ، وهذا مكان قد اختلف السلف فيه ، ثم نقل ابن حزم بسنده عن ابن عباس وابن عمر فى الرجل ينفق على ثمرته فقال أحدهما يزكيها . وقال الآخر يرفع النفقة ويزكى الباقى، وعن عطاء أنه يسقط مما أصاب النفقة . فإن بقى مقدار ما فيه الزكاة زكى، وإلا فلا ( المحلى ج - 5 ص 258 ) وقد رد ابن حزم على هذه القول بأنه لا يجوز إسقاط حق أوجبه الله تعالى بغير نص قرآنى ولا سنة ثابتة ثم قال وهذا قول مالك والشافعى وأبى حنيفة وأصحابنا . كما رد على هذا الرأى أيضا الكمال بن الهمام الحنفى بأن الشارع حكم بتفاوت الواجب ، لتفاوت المؤنة ، فلو رفعت المؤنة كان الواجب واحدا وهو العشر دائما فى الباقى ، لكن الواجب قد تفاوت شرعا مرة العشر ومرة نصفه بسبب المؤنة، فعلمنا أنه لم يعتبر شرعا عدم عشر بعض الخارج ، وهو القدر المساوى للمؤنة أصلا . ( فتح القدير ج - 2 ص 8 و 9 ) وهل زكاة الزرع فى الأرض المستأجرة على المستأجر أو على المالك . قال الرافعى فى الشرح الكبير إنه لا فرق بين ما تنبته الأرض المملوكة والأرض المكتراه فى وجوب العشر، ويجتمع على المكترى العشر والأجرة كما لو اكترى حانوتا للتجارة، يجب عليه الأجرة وزكاة التجارة جميعا . وبمثل هذا قال ابن قدامة فى المغنى وقالا إن هذا القول لمالك والثورى وشريك وابن المبارك والشافعى وابن المنذر - وقال أبو حنيفة هو على مالك الأرض لأنه من مؤنتها أشبه الخراج . وفى المجموع للنووى شرح المهذب للشيرازى قال الشافعى والأصحاب رحمهم الله يجب العشر فى الثمر والحب المستخرج من أرض مستأجرة أو من أرض عليها خراج ، فيجب على المستأجر العشر مع الأجرة، وكذا مع الخراج فى أرض الخراج ( ج - 2 ص 574 مع المغنى لابن قدامة ص 592 ، والمجموع للنووى ج - 5 ص 533 - 535 مع فتح العزيز للرافعى ) وأميل هنا للفتوى بما نقل عن ابن عباس رضى الله عنهما من أن الزكاة تجب بمقدار العشر أو نصفه بعد قضاء الدين على الأرض ، الذى استدانه الزارع كثمن البذور والسماد والعمالة الزائدة لا العمالة العادية التى يقوم بها الزارع عادة ، وكذلك قيمة أجرة الأرض تدخل فى هذا، وهو ما قال به القاضى ابن العربى فى الموضع السابق وهو إحدى الروايات عن الإمام أحمد . ( شرح الترمذى ج - 3 ص 143، والمغنى لابن قدامة ج - 2 ص 591 و 592 ) ومن ثم ينبغى تقييد الحكم المطلق الوارد فى هذا الموجز بأن ما يخصم هو الديون التى استدينت للزرع ومنها أجرة الأرض ، ولا تدخل فيه النفقات العادية التى يجريها الزارع بنفسه أو أهله ، لأن مقابل ذلك قد قدره الشارع وأدخله فى الاعتبار عندما أوجب العشر فيما يروى دون تكلفة ، ونصف العشر فيما يروى بتكلفة ، وبمعنى آخر يستبعد من جملة المحصول قبل التزكية كل ما قضت الضرورة باستدانته ، من بذور وسماد وأجرة عمال، أما ما جرت به العادة والعرف من أن الزراع يعملون بأنفسهم كما يحتفظون بالبذور من زراعة سابقة فلا يستبعد مما تجب عليه الزكاة .
سادسا - عن البند سابعا زكاة العقارات المبنية ذات الإيراد :
ذهب الموجز المعروض - إلى أن العقارات المبنية للاستثمار تؤدى الزكاة عن صافى إيرادها بسعر 10 % فى المائة قياسا على زكاة الزروع والثمار، باعتبار أن كلا منهما إيراد من أموال عقارية . وهذا القياس فى واقعه وجملته وما انبنى عليه غير مسلم به من أهل العلم بفقه الأئمة أبى حنيفة ومالك والشافعى ورواية عن الإمام أحمد ، إذ هؤلاء لم يقروا جعل زكاة الزرع العشر بعد رفع المصاريف والديون ومنها الإيجار .
والذى أميل إليه أن العقارات المبنية يضم إيرادها الصافى بعد نفقات الصيانة والضرائب ، إلى حصيلة باقى وعاء الزكاة للممول إن كانت له أموال أخرى تجب فيها الزكاة ، وتعتبر مالا مستفادا خلال الحول وتخرج عنه الزكاة بواقع ربع العشر ( 2.5 % فى المائة ) .
وهو ما أميل إليه أيضا فى شأن إيجار الأرض الزراعية نقدا ، ذلك لأنه لا يوجد فى النصوص الشرعية ، من القرآن والسنة فى الزكاة ، ما يساعد على ما ذهب إليه الموجز فى حكم الزكاة على إيراد العقارات المبنية وقياسها على الأراضى الزراعية بإيجاب عشر الصافى، لأن هذا فى الأراضى الزراعية غير مسلم به بإطلاق ، وإنما تعتبر هذه العقارات كالأراضى الزراعية من حيث وجوب الزكاة فى غلتها، ولما كانت غلتها نقودا فى الأعم الأغلب فإنه تجرى عليها زكاة النقود، فإذا كان لدى صاحبها نصاب الزكاة نقودا ضمت إليه وأخذت حكمه .
وهذا هو المنقول عن بعض الأئمة المجتهدين، فقد روى عن الإمام أحمد ابن حنبل فيمن أجر داره وقبض كراها ، أن عليه زكاته إذا قبضه ( المغنى ج - 2 ص 497 فى المال المستفاد و ص 639 فى زكاة الديون ) وفى فقه المالكية خلاف فى حكم زكاة الأشياء التى تتخذ للانتفاع بغلتها كالدور المعدة للكراء ، والغنم للصوف ، والبساتين للغلة، فقد ذهب هذا الفقه إلى قولين فى زكاة هذه الأشياء أحدهما أنه يزكى عند قبضة ( الرسالة وشرحها للعلامة زروق ج - 1 ص 329 المطبوع مع شرح العلامة قاسم التنوخى بمطبعة الجمالية سنة 1332 هجرية - 1914 م ) هذا والمال المستفاد قد اختلف الفقهاء فى زكاته اختلافا بينا، وقد أشار إلى أقوالهم ابن قدامة فى المغنى، وقال إن المال المستفاد ثلاثة أقسام ثم قال القسم الثالث أن يستفيد مالا من جنس نصاب عنده قد انعقد عليه حول الزكاة بسبب مستقل ، مثل أن يكون عنده أربعون من الغنم مضى عليها بعض الحول ، فيشترى أو يتهب مائة، فهذا لا تجب فيه زكاة حتى يمضى عليه حول أيضا وبهذا قال الشافعى ، وقال أبو حنيفة بضمه إلى ما عنده فى الحول فيزكيهما جميعا عند تمام حول المال الذى كان عنده إلا أن يكون عوضا عن مال مزكى، لأنه يضم إلى جنسه فى النصاب فوجب ضمه إليه فى الحول كالنتاج، ولأنه إذا ضم فى النصاب وهو سبب فضمه إليه فى الحول الذى شرط أولى . ثم ساق أدلة الرأيين . ( ج - 2 ص 496 - 498 مع الشرح الكبير ) وعلى مقتضى فقه مذهب الإمام أبى حنيفة فى المال المستفاد من ( الدر المختار وحاشيته رد المحتار لابن عابدين ج - 2 ص 50 ) جنس نصاب قائم تجرى الزكاة فى الدور والعقارات المستغلة بالإيجار كما تقدم - فيضم صافى إيرادها إلى ما لدى مالكها من نصاب النقود الذى وجبت فيه الزكاة، ويزكى معه جريا على قواعد التلفيق فى الأحكام أو التخير من أحكام المذاهب فى العبادات وغيرها، وقد ارتضى هذه الطريقة فى الاتباع للمذاهب جمهور علماء الفقه وأصوله . ( جمع الجوامع للسبكى فى أصول الفقه بشرح الجلال المحلى وحاشية البنانى ج - 2ص 356 الطبعة الأولى بالمطبعة الخيرية بالقاهرة سنة 1308 هجرية وبحوث المؤتمر الأول لمجمع البحوث الإسلامية شوال 1383 هجرية - مارس 1964 م بحث التلفيق بين أحكام المذاهب للمرحوم الشيخ محمد أحمد فرج السنهورى ص 67 وما بعدها وبحث التلفيق بين أقوال المذاهب لفضيلة الشيخ عبد الرحمن الفلهود ص 91 وما بعدها ) سابعا - عن البند ثامنا زكاة الماشية :
ويلاحظ على هذا البند أمران أولهما ما جاء فى الموجز المعروض من أن الزكاة تجب فى هذه الماشية وإن كانت معلوفة حيث إن علفها فى الوقت الحاضر لا يستغرق أكثر نمائها .
ثانيهما ما جاء فيه من أن اختلاف أسنان الماشية لا يؤثر فى مقادير الزكاة ، والزكاة واجبة على صغارها كوجوبها على كبارها .
عن الأمر الأول إن من شروط وجوب الزكاة فى الماشية أن تكون سائمة، بأن ترعى فى المباح أكثر العام ، ومقصود منها الدر والنسل والزيادة والسمن، ويقابلها المعلوفة وهى التى يتكلف صاحبها علفها . والحكمة فى اشتراط السوم أن الزكاة إنما وجبت فيما يسهل على النفوس إخراجه، وهو العفو الزائد كما قال الله سبحانه { خذ العفو } الأعراف 199 ، وقوله { ويسألونك ماذا ينفقون قل العفو } البقرة 219 ، وذلك إنما يكون فيما قلت مؤنته وكثر نماؤه، وهذا إنما يتفق ويوجد فى السائمة وليس فى المعلوفة .
ودليل هذا الشرط ما رواه النسائى وأحمد وأبو داود عن بهز بن حكيم عن أبيه عن جده قال ( سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول فى كل إبل سائمة فى كل أربعين ابنة لبون ) ووصف السائمة يدل مفهومه على أن المعلوفة لا زكاة فيها .
وروى البخارى فى صحيحه وغيره من حديث أنس ( وفى صدقة الغنم فى سائمتها إذا كانت أربعين فيها شاة ) .
وما ورد من أحاديث مطلقة عن وصف السوم تحمل على هذه الأحاديث المقيدة بهذا الوصف ( الروض النضير ج - 2 ص 399 و 400 ) هذا ما ذهب إليه جمهور الفقهاء، وإن خالف هذا ربيعة ومالك والليث عملا بالأحاديث المطلقة وأوجبوا الزكاة فى المعلوفة كالسائمة ( الروض النضير ج - 2 ص 399 ، 400 ) ولا شك أن الأخذ بقول الجمهور أولى لأن الملموس فى عصرنا ارتفاع تكاليف الأعلاف ، وبالتالى قد ارتفعت أسعار اللحوم والألبان ومنتجاتها .
وما تزال فى صعود، فإيجاب الزكاة فى الماشية المعلوفة كما جاء فى هذا الموجز وإن وافق رأى الإمام مالك لكنه خلاف الأولى، ولا يوافق الواقع فيما ادعاه من أن علفها فى الوقت الحاضر لا يستغرق أكثر نمائها .
وعن الأمر الثانى فإن احتساب صغار الماشية فيما يجب عليه الزكاة ذهب إليه بعض الفقهاء مستندين لبعض الآثار المروية عن عمر ( الموطأ ج - 1 ص 265 ونيل الاوطار للشوكانى ج - 4 ص 134 ) وذهب فريق آخر إلى عدم الاعتداد بالصغار لخبر رواه أحمد والنسائى وأبو داود ( المرجع السابق ج - 4 ص 133 ) وفريق ثالث لم يوجب الزكاة فى الصغار إذا كانت وحدها توفيقا بين الرأيين السابقين ، ويعتد بها فى النصاب إذا كانت معها أمهاتها . وقد اشترط فريق آخر أن تبلغ الأمهات نصابا، فما زاد عن النصاب من الصغار اعتد به ، وهذا قول أبى حنيفة والشافعى وابن حزم وآخرين لحديث سويد بن غفلة قال ( أتانا مصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم فجلست إليه فسمعته يقول إن فى عهدى ألا آخذ من راضع لبن ) قال ابن حزم لما منع من أخذ الزكاة من راضع لبن - وراضع لبن اسم للجنس - صح بذلك ألا تعد الرواضع فيما تؤخذ منه الزكاة ) ( المحلى ج - 5 ص 274 إلى 279 ) وهذا القول هو الأحق والأولى بالاعتبار والأخذ به .
فما جاء فى الموجز وإن وافق بعض الأقوال ، إلا أن الأوفق الاعتداد بقول الإمامين أبى حنيفة والشافعى ومن وافقهما، فلا يعتد بالصغار من الماشية نصابا إلا إذا كان معها كبار بلغت نصابا . ثامنا - عن البند تاسعا فى مصارف الزكاة - ونقلها، والتحذير لغير المستحق من طلبها والاستيلاء عليها . الأصل فى الإسلام أن تؤخذ الزكاة من الأغنياء وترد على الفقراء ومقتضى النصوص الواردة فى هذا ألا تنقل أموال الزكاة من المحل الذى أخذت منه، بل توزع فيه ( الأموال لأبى عبيد ص 595 ، 596 ) أما إذا كان أهل البلد قد استغنوا عن الزكاة، بمعنى أنه لم يوجد فيهم مستحق لها من الأصناف الثمانية ، جاز نقلها إلى المستحقين فى بلد آخر إجماعا ( الأموال لأبى عبيد ص 595 ، 596 ) أما نقل الزكاة عند عدم استغناء أهل البلد فقد اختلف فيه الفقهاء ففى الفقه الحنفى يكره نقل الزكاة، إلا أن ينقلها إلى قرابته المحتاجين لما فى ذلك من صلة الرحم ، أو إلى فرد أو جماعة أحوج إليها من أهل بلده أو كان نقلها أصلح للمسلمين ، أو من دار الإسلام . وهناك صور أخرى قالوا فيها بجواز النقل إلى غير البلد التى وجبت فيها الزكاة ( الدر المختار وحاشية ابن عابدين ج - 2 ص 93 ، 94 ) وفى الفقه المالكى يجب تفرقة الزكاة بموضع وجوبها أو قربة وهو ما دون مسافة القصر، فإن لم يوجد بمحل الوجوب أو قربه مستحق فإنها تنقل كلها وجوبا إلى محل فيه مستحق ، وفصلوا فى ذلك بما يراجع فى موضعه من كتبهم ( حاشية الدسوقى على الشرح الكبير ج - 1 ص 501 ، ومواهب الجليل للحطاب والتاج والأكليل للمواقى ج - 2 ص 357 ، 358 ) وفى الفقه الشافعى أنه لا يجوز نقل الزكاة من بلد إلى غيره ويجب صرفها فى البلد الذى فيه المال ، إلا إذا فقد فيه من يستحق الزكاة وعندئذ توجه إلى غيره ،بتفصيل جاء فى كتب فقه المذهب ( الأحكام السلطانية للماوردى ص 119 و 120، المجموع للنووى ج - 6 - ص 219 - 225 ) وفى الفقه الحنبلى مثل قول الفقه الشافعى، وفيه أيضا فإذا نقلها مع وجود المستحق لها فى موضع الوجوب أثم وأجزأته باعتبار أنه دفع الحق إلى مستحقه ، وقال بعضهم لا تجزئه لمخالفة النص ( المغنى لابن قدامة ج - 6 ص 531 ، 532 ) وأجاز مالك لولى الأمر نقل الزكاة إذا رأى مصلحة فى ذلك للمسلمين بعد مشورة أهل الشورى ( المدونة ج - 2 ص 46 ، 47 طبع دار السعادة أولى سنة 1323 هجرية ) وبهذا قال الفقه الشافعى أيضا ( المجموع للنووى ج - 6 ص 173 ، 175 ) ومن أقوال الفقه الحنفى والمالكى تؤخذ الإجازة للأفراد فى نقل زكواتهم إلى غير بلد الوجوب لمصلحة معتبرة مماثلة لما قال به فقهاء المذهبين - يخلص مما تقدم - أن موجز أحكام الزكاة المعروض قد خالف الفقه والنصوص الشرعية فيما يلى :
1 - فى البندين الأول والثانى حيث قدر النصاب من الذهب على أساس أن الدينار الشرعى يقدر وزنه ب- 4.46 جرام ذهب ، وهذا غير دقيق . وينبغى العمل بالتقدير 4.25 جراما للدينار أو المثقال وبذلك تكون جملة وزن النصاب من الذهب 85 جراما لا غير .
2- فى البند الثالث الخاص بزكاة الحلى . من أنه لا تجب فى المعد منها للاستعمال والزينة واللباس زكاة إلا فيما زاد على 500 جنيه أو 1000 جنيه على اختلاف بين النسختين المعروضتين . وهو قول غير صحيح فى الجملة ولا يستند لدليل شرعى .
3- فى البند الرابع بشأن زكاة الأسهم والسندات وشهادات الاستثمار حيث قاسها فيما يبدو على زكاة الزروع فى بعض صورها وهذا لاسند له ولا أصل يخرج عليه تخريجا صحيحا، فهى تعتبر رؤوس أموال تجارية وتخضع لأحكام زكاة عروض التجارة بالنسبة لمن يتجر فيها .
4- ما جاء فى البند السادس وهو الخاص بزكاة الزروع والثمار . من أن الزكاة تجب بواقع 10 % فى المائة ( العشر ) من صافى الناتج بعد خصم جميع النفقات والتكاليف المختلفة من الناتج المجمل ، وهذا حكم مطلق يجب تقييده بأن ما يستبعد من جملة المحصول قبل التزكية هو كل ما قضت الضرورة باستدانته . أما ما جرت به العادة والعرف من عمل الزارع بنفسه واحتفاظه بالبذور من زراعته السابقة فلا يستبعد مما يجب عليه ، لأن الشارع أدخلها فى الاعتبار عندما أوجب العشر فيما ليس فيه تكلفة ونصف العشر فيما فيه تكلفة .
5- ما جاء فى البند السابع من أداء زكاة العقارات المبنية ذات الإيراد عن صافى إيرادها بواقع 10 % فى المائة قياسا على زكاة الزروع . هو قياس فى واقعه وجملته وما انبنى عليه غير مسلم به من أهل العلم بفقه الأئمة أبى حنيفة ومالك والشافعى ورواية عن الإمام أحمد، والذى يقتضيه فقد هذه المذاهب . أن العقارات المبنية يضم إيرادها الصافى بعد نفقات الصيانة والضرائب إلى حصيلة باقى وعاء الزكاة للممول إن كانت له أموال أخرى تجب فيها الزكاة . وتعتبر مالا مستفادا خلال الحول وتخرج عنه الزكاة بواقع ربع العشر ( 2.5% فى المائة ) .
6 - ما جاء فى البند الثامن من أن الزكاة تجب فى الماشية المعلوفة . مخالف لما ذهب إليه جمهور الفقهاء. من أن المعلوفة لا زكاة فيها طبقا للأحاديث الصريحة الواردة فى ذلك . إذ لا اجتهاد من النص .
حيث حملت الأحاديث المطلقة عن قيد السائمة على الأحاديث التى جاء بها هذا القيد . وما جاء به من أن الزكاة واجبة على صغار الماشية كوجوبها على كبارها فهو وإن وافق بعض الأقوال ، إلا أن الأوفق الاعتداد بقول الإمامين أبى حنيفة والشافعى ومن وافقهما، من أنه لا يعتد بالصغار نصابا إلا إذا كان معها كبار بلغت نصابا للخبر الذى أورده ابن حزم فى هذا الموضع على نحو ما سبق .
7- وما جاء فى البندين الخامس الخاص بزكاة التجارة والصناعة - والتاسع الخاص بمصاريف الزكاة . هو فى نطاق ما قال به جمهور الفقهاء فى الجملة . أما الاعتراضات على موجز أحكام الزكاة فهى كما يلى :
8 - الاعتراض الأول على أن نقصان النصاب فى خلال العام لا يضر إن كمل فى طرفيه - لا محل له فى تخطئة الحكم الذى جاء به الموجز لاتباعه مذهبا صحيحا هو مذهب الإمام أبى حنيفة فى مسألة هى محل اجتهاد ولم يرد فيها دليل . وفى الأخذ بمذهب أبى حنيفة احتياط ويسر فى حساب الزكاة .
9 - الاعتراض الثانى على الحكم الذى تغيا به الموجز حدا أعلى للحلى المعفى من الزكاة اعتراض صحيح .
10 - الاعتراض الثالث على قياس الموجز لزكاة الأوراق المالية على زكاة الزروع فى بعض صورها اعتراض وجيه . إذ ليس لهذا القياس سند شرعى ولا نص فقهى يتخرج عليه .
11- الاعتراض الرابع وهو جعل الموجز زكاة المحاصيل الزراعية المختلفة بواقع 10 % فى المائة من صافى الناتج بعد خصم جميع النفقات والأموال الأميرية والإيجارات بإطلاق اعتراض صحيح، ويؤخذ فى هذا الموضع بما بينته الفتوى . والله سبحانه وتعالى أعلم .....