الإسراء وهل كان بالروح والجسد أو بالروح فقط ؟
الناقل :
heba
| الكاتب الأصلى :
الشيخ حسن مأمون
| المصدر :
www.dar-alifta.org
سئل من السيد / ------ قال : إنه يرغب في بيان حكم الإسراء هل كان بروح النبي صلى الله عليه وسلم وجسده معا أو بروحه فقط ؟
الـجـــواب
فضيلة الشيخ حسن مأمون
بأن الإسراء من أبرز الخوارق التي أكرم الله بها نبيه محمدًا صلى الله عليه وسلم . ونظرًا لغرابة الحادث وخروجه عن المألوف المعتاد اختلف موقف الناس منه قديما وحديثا ـ فذهب جمهور المسلمين إلى أن الإسراء بالرسول صلى الله عليه وسلم من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى كان بجسده وفي اليقظة .وذهبت طائفة إلى أنه كان بالروح ولم يفارق شخصه مضجعه لأنها كانت رؤيا رأى فيها الحقائق ورؤيا الأنبياء حق ، ونقل هذا عن معاوية وعائشة والحسن وابن اسحاق ـ وقالت طائفة أخرى إن الإسراء كان يقظة بالجسم إلى بيت المقدس وإلى السماء بالروح . واستند الجمهور إلى قوله تعالى ( سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله لنريه من آياتنا إنه هو السميع البصير ) إذ لو كان مناما لقال الله تعالى ( سبحان الذي أسرى بروح عبده ولم يقل بعبده ) ولما كانت فيه آية ومعجزة ، ولما قالت أم هانئ للرسول صلى الله عليه وسلم حينما أخبرها به لا تحدث الناس فيكذبوك فقال لها الرسول وإن كذبونى ، فخرج فجلس إليه أبو جهل فأخبره رسول الله صلى الله عليه وسلم بحديث الإسراء فقال أبو جهل يا معشر بنى كعب بن لؤى هلم فحدثهم فمن بين مصفق وواضع يده على رأسه تعجبا وإنكارا ، وارتد ناس ممن كان آمن ، وسعى رجال إلى أبى بكر فقال إن كان قال ذلك لقد صدق . قالوا وتصدقه على ذلك ؟ قال إني لأصدقه على أبعد من ذلك . ولذلك سمى بالصديق .
واحتج القائلون بان الإسراء كان بالروح فقط بقول الله تعالى ( وما جعلنا الرؤيا التى أريناك إلا فتنة للناس ) وهذا القول مردود بأن هذه الآية نزلت عام الحديبية لأنه صلى الله عليه وسلم رأى في هذا العام أنه هو وأصحابه دخلوا مكه ، فلما صدهم المشركون عن الدخول وتم صلح الحديبية فتن بعضهم ورد عليهم القرآن بقوله تعالى ( لقد صدق الله رسوله الرؤيا بالحق لتدخلن المسجد الحرام إن شاء الله آمنين محلقين رءوسكم ومقصرين لا تخافون فعلم ما لم تعلموا فجعل من دون ذلك فتحا قريبا ) . وقيل إن الآية نزلت في قصة بدر لقوله تعالى ( إذ يريكهم الله في منامك قليلا ولو أراكهم كثيرا لفشلتم ) وبذلك لا يكون للاستدلال بالآية حجة صحيحة لهم ، ومما احتجوا به أيضا ما حكى عن عائشة رضى الله عنها ( ما فقدت جسد رسول الله صلى الله عليه وسلم ) وفي رواية ( ما فقد جسد رسول الله صلى الله عليه وسلم ) ببناء الفعل للمجهول وهذا الحديث قد ضعف بما في متنه من العلة القادحة وبأن في سنده محمد بن إسحاق وقد ضعفه مالك وغيره ، وبأن الأحاديث الأخرى الواردة في الإسراء أثبت من هذا الحديث . كما احتجوا أيضا بحديث الإسراء المروى عن الرسول صلى الله عليه وسلم والذي بدأه بقوله ( بينا أنا نائم ) إلى آخر ما جاء به ـ ورد عليهم بأن المراد منه أن الرسول حينما جاءه الملك كان نائما فأيقظه . وقد أفاض في شرح هذا الخلاف وفي بيان أنه لا خلاف بين المسلمين في حصول الإسراء وإنما كان الخلاف بينهم هل كان بالروح أم بالجسد ـ أفاض في شرح هذا كله القاضي عياض في الجزء الثانى من كتاب الشفاء حيث قال ما نصه بعد شرح الخلاف وبيان حجة كل فريق ( والحق من هذا والصحيح أنه إسراء بالجسد والروح في القصة كلها ) أي في قصة الإسراء من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى والسموات . ونحن نميل إلى ما رآه الجمهور ـ وإن كان القول بأن الإسراء كان بالروح لا يخرجه عن أن يكون معجزة أيد الله بها رسوله صلى الله عليه وسلم وثبت صدقه في كل ما أخبر به مما رآه فيما بين المسجد الحرام والمسجد الأقصى وفيما وصف به ما رآه في المسجد الأقصى مع أنه لم يكن رآه قبل إسرائه .ونرى أنه لا داعى لإثارة مثل هذا الخلاف بين المسلمين إذ لا ينشأ عنه إلا إثارة فتنة قد تؤدى إلى حصول الشقاق بينهم في مسألة اتفق المسلمون فيها على حصول الإسراء - ويكفي المسلم أن يؤمن بما صرح به القرآن الكريم وأيدته الأحاديث الصحيحة ـ والله يهدينا إلى سواء السبيل .