يعاني التعليم في مختلف العالم اليوم من مشكلة متزايدة ومقلقة ألا وهي الغش الأكاديمي. فالغش وتزوير الشهادات وسرقة المؤلفات ومختلف أنواع المخالفات الأخرى من جانب الطلاب والأساتذة والإداريين على كل المستويات بلغت حداً خطيراً بحسب ما توصل إليه اثنان من كبار خبراء التربية المقارنة يقومان بدراسة هذه الظاهرة. والسؤال المهم هنا هو: من الذي يتحمل اللوم في كل ما يجري؟ إنها ضغوط السوق بمساعدة كبيرة من وسائل التكنولوجيا الحديثة. هذا هو رأي «هارولد.ج.نواه» من كلية المعلمين في جامعة كولمبيا وماكس أ. اكستاين من كوينز كولدج من جامعة نيويورك. ويرى البروفيسور «نواه» إن الغش الأكاديمي أصبح متفشياً في الولايات المتحدة وفي الخارج شاملاً كل أطراف المعادلة التعليمية بدءاً من نظم المدرسة إلى الجامعات. ويرى د. «نواه» أن الطلاب الذين يلجأون للغش يفعلون ذلك في كثير من الأحيان لأنهم يائسون من التأهل للقبول أو الحصول على شهادة. لكن هذه الأيام نجد أن سلوك الإداريين التربويين أنفسهم أصبح عرضة لضغوط المنافسة.ومن أكثر الأمثلة المرتبطة. بذلك ما قام به مسؤولى ولاية تكساس عندما زوروا نتائج التلاميذ بالولاية حتى تبدو أفضل من غيرها. وربما كان الأمر الأكثر إثارة للقلق من موضوع الغش نفسه، أن هذه الظاهرة أصبحت تحظى بالتسامح على نطاق واسع، بل إنها أصبحت مقبولة في بعض مناطق العالم. ويستشهد د.ايكستاين بالهند حيث ذكر أن قانوناً صدر في ولاية آتاربراديش للسيطرة على ظاهرة الغش أثار ضجة كبيرة مما أضطر المشرعين لإلغائه. والتقدم التكنولوجي جعل منع الغش مهمة عسيرة. فشبكة الإنترنت تعج بالمئات من بائعي البحوث الأكاديمية والدبلومات الزائفة. وسرقة المؤلفات والبحوث أصبحت أكثر سهولة إذ يستطيع الشخص تعبئة المعلومات من الإنترنت في جهاز معالجة الكلمات الخاص به ثم يقدمها على أنها عمله الخاص، وفي العادة يصعب كشف السرقة من مصادر شبكة الإنترنت. ومعظم الجامعات وضعت الآن قواعد للطلاب والأساتذة تحدد المقصود بالسرقة الأكاديمية وما يعرف بسوء تقديم المؤهلات، وبرغم ذلك يظل الغش مشكلة خطيرة يجد المسؤولون في مؤسسات التعليم العالي صعوبة في مواجهتها. ولمنع التحايل ترك العديد من أساتذة الجامعات الطريقة التقليدية التي تعتمد على شرط البحوث المكتوبة وأصبحوا يستخدمون وسائل أخرى لتقييم المعرفة والمهارات الفكرية لطلابهم بما في ذلك الاختبارات التي يطلب فيها من الطلاب كتابة فقرات مطولة في الإجابة عن أسئلة أو مشكلات معينة. ويقول الأساتذة الذين يقومون بجمع أدلة من مختلف دول العالم عن ظاهرة الخداع إن التحايل ليس مشكلة أمريكية فقط، ففي الدول الأخرى التي درسوا هذه الظاهرة فيها اتضح أنها تنتشر على نطاق واسع في دول منها أستراليا وبريطانيا وفرنساء وألمانيا. ويقول د. نواه إنه في دول أخرى لا يعتبر الغش مشكلة ويضيف:«في شبه القارة الهندية يتوقع كل إنسان الغش وتزوير الشهادات، وفي روسيا والجمهوريات السوفيتية السابقة الأخرى يعرف كل الناس أن الأساتذة يريدون الرشاوى في مقابل منح الدرجات العالية». ويمثل الغش والتحايل الأكاديمي مشكلة كبيرة في كل من الصين واليابان أيضاً ويؤكد البروفيسور «نواه» أن هناك الكثير من السلوكيات السيئة في المستويات العليا من التعليم في اليابان وفي الولايات المتحدة كشفت دراسات اجتماعية أن أكثر من نصف الطلاب الأمريكيين يعترفون بأنهم مارسوا الغش بطريقة أو بأخرى. وبخصوص السرقات الأكاديمية يرى د. نواه أن السرقات المباشرة تبدو قليلة بين الأساتذة في الكليات ومؤسسات التعليم العالي الأمريكية.لكن ما أسماه «تجميل الشهادات» يشكل ظاهرة متزايدة. ويقول د. نواه إنه سيصدر بالتعاون مع البروفيسور «إيكستاين» كتاباً كاملاً عن موضوع الغش الأكاديمي خلال عام وسيكون الكتاب بعنوان «الغش والتعليم: الدودة في التفاحة».