الرياض - د. أحمد العيسى
لا أعرف عدد المرات التي طرحت فيها مسألة المعلومات الطبية المستقاة من شبكة المعلومات الدولية المعروفة بـ "الإنترنت"، على صفحات الصحف السيارة والمتخصصة، أو غيرها من وسائل الإعلام الجماهيرية. ولا أذكر بالتحديد أيضاً عدد المرات التي تردد فيها بعض المرضى على عيادتي الطبية وهم يحملون في أيديهم قصاصات تحتوي على معلومات حصلوا عليها من "الإنترنت" بشكل أو بآخر. وبرغم المحاولات الدؤوبة التي يبذلها الأطباء لإقناع مرضاهم بأن بعض تلك المعلومات تنقصها الدقة العلمية أو أنها غير معتمدة من الهيئات الطبية المعترف بها دولياً إلا أن بعض المرضى يصر على الحصول على مثل تلك المعلومات، والأكثر من ذلك، أنه قد يعتمد عليها تماماً في علاجه، مع ما قد يترتب على ذلك من مخاطر. الدكتور إنترنت في إحصائية نشرتها إحدى الصحف الأمريكية في بداية عام 1999م، ثبت أن أكثر من 80% من الشعب الأمريكي استخدم الإنترنت، أما البقية "20%" فهم ممن يعانون مرض الخوف من الكمبيوتر " Computer Phobia” . سامي مريض مثقف ابتلاه ربه بمرض البهاق فسبر أصقاع المعمورة بحثاً عن علاج. ونادراً ما يدخل عيادتي دون قصاصة من جريدة باكتشاف جديد وفعال لمرض البهاق وأحياناً يحمل بيده الأخرى أكياساً صغيرة (صرر) فيها أعشاب مجهولة الاسم والمحتوى ونتناقش حولها تأييداً أو تفنيداً، وأنصحه بعدم الاسترسال باقتناء أو استخدام علاجات مجهولة وأذكره بمرضى أصيبوا بفشل كبدي أو كلوي بسبب هذه العلاجات، إلا أن لسان حاله يقول: "معشر الأطباء إن لم تجدوا لي علاجاً ناجعاً لأعاودن الكرة". طبيب نصاب وفي إحدى الزيارات، دخل عيادتي وهو محمل بأوراق مكتوبة باللغة الإنجليزية استقاها عن الإنترنت، وبالتحديد من صفحة د. إنترنت (وهي صفحة تجارية طبية تعطيهم رقم بطاقة الائتمان أولاً ثم مشكلتك الصحية ثانياً ويوافونك بالعلاج. وأعتقد أنها من أخطر الصفحات الطبية لأن القائمين عليها ليسوا أطباء بل تجارا يتوسطون بين المريض وطبيبه)، ومضى أكثر من نصف ساعة ونحن نناقش أوراق الإنترنت مما تسبب في تأخير العيادة. ولتجربتي القصيرة مع مرضى الإنترنت أود الإشارة إلى بعض النقاط الهامة مثل ثقافة المريض الصحية أمر مطلوب لأنها نصف العلاج ولكن يجب أن يكون ذلك من خلال المصادر الموثوقة كالطبيب والمجلات "الدوريات الطبية"، والندوات العلمية. إعلان مخادع يجب أن نتذكر أن 10% من معلومات الإنترنت غير صحيحة، والمقصود منها الدعاية والإعلان، كما يجب أن ننتبه إلى أن وقت زيارة المريض محدد بزمن معين إذا تجاوزه الطبيب "لغير حاجة طارئة" فهذا قد يسبب تأخير العيادة على مرضى آخرين. نذكر هنا أنه يتوفر في الإنترنت صفحات طبية أمينة وصادقة مصدرها جامعات، أو منظمات صحية وهي باللغة الإنجليزية ولعل في هذا دعوة للمنظمات والمؤسسات الصحية والعربية لإنشاء صفحات طبية عربية لتثقيف القارئ العربي بشكل صحيح. الإنترنت السوداء لا يتوقف وضع الإنترنت عند المعلومات الطبية المضللة فحسب، لكن تعداه إلى المتاجرة بالصحة أيضا، ومن أسوأ هذه الأنواع هو تجارة الأعضاء، فقد تحولت "الإنترنت" إلى سوق سوداء إلكترونية لعصابات مافيا الأعضاء البشرية. ويتمثل ذلك في أن بعض الشركات أن بعض تقيم مزادات على الإنترنت للأعضاء السليمة، يطرح فيها كل شيء للبيع، بدءاً من القلوب، ومروراً بالكبد والدم، والنخاع، وانتهاء بالجلد، وذلك بأسعار تنافسية! وقد أصبح بالإمكان قراءة إعلان على الإنترنت يقول: يمكنك أن تختار أي كلية، على أن تتحمل كل التكلفة الخاصة بعملية النقل! و بعض العصابات تبث معلومات خاطئة بهذا الشأن، مثل شركة زعمت أنها تعمل الآن في بريطانيا، بعد أن تم تعديل قانونها، الذي سمح ببيع الأعضاء في عام 1995م، و هذا الكلام ثبت عدم صحته بعد دراسات مستفيضة