تعويض عن ضرر أدبى

الناقل : heba | الكاتب الأصلى : الشيخ عبد اللطيف عبد الغني حمزة | المصدر : www.dar-alifta.org

من السيد / أسامة الشيخ ـ المحرر بجريدة الأهرام ـ هل التعويض عن الضرر الأدبى جائز في الاسلام أم غير جائز ؟ أى أن يطالب شخص بتعويض مالى من شخص أخر سبه مثلا أو أهان كرامته فقط دون أن يترتب على ذلك ضرر مادى . ويطلب الافادة عن ذلك شرعا .
 
الـجـــواب
فضيلة الشيخ عبد اللطيف عبد الغني حمزة

     من أهداف الشريعة الاسلامية الغراء وأغراضها السياسية حفظ الضروريات الخمس وهى " العقل والنسل والنفس والدين والمال " وسميت بالضروريات أو الكليات الخمس لأن جميع الأديان والشرائع قررت حفظها وشرعت ما يكفل حمايتها لأنها ضرورية لحياة الانسان لذلك نرى الشارع الحكيم عمل على صيانة الأعراض وحفظ الحقوق تطهيرا للمجتمع من أدران الجريمة وجعل لكل انسان حدودا لا يتعداها ومعالم ينتهى اليها فلا يليق ولا ينبغى لمسلم أن يهدر كرامة أخيه المسلم ولا يقع في عرضه بل تعدى ذلك الى غير المسلم ففي رواية " المسلم من سلم الناس من لسانه ويده " وعن أبى هريرة رضى الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لا تحاسدوا ولا تنجاشوا ولا تبغاضوا ولا تدابروا ولا يبع بعضكم على بيع بعض وكونوا عباد الله إخوانا المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يخذله ولا يكذبه ولا يحقره التقوى ههنا ويشير الى صدره ثلاث مرات بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله ورضه " رواه مسلم وعن أبى سعيد بن مالك بن سنان الخدرى رضى الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " لا ضرر ولا ضرار " حديث حسن رواه ابن ماجه والدار قطنى وغيرهما لاضرر : أى لا يضر أحدكم أحد بغير حق ولا جناية سابقة ولا ضرار أى لا تضر من ضرك واذا سبك احد فلا تسبه وان ضربك فلا تضربه بل اطلب حقك منه عند الحاكم من غير مسبة وهذا الحديث وغيره يعتبر مبدأ قويما في السلوك السليم والمعاملة الحسنة التى تحفظ للإنسان حقه وكرامته دون عنف أو عدوان وعلى هذا : فإذا كان الشخص المسئول عنه قد تعرض لاهانة كرامته بسبب ألفاظ نابية معيبة وجهت اليه من شخص أخر وكانت تلك الالفاظ جارحة لشعوره ماسة بكرامته ويتأذى بمثلها أمثاله واشهد على ذلك فله أن يرفع أمره الى القضاء مطالبا الذى أهان كرامته وأساء اليه بتعويض مالى وللقاضى أن يسمع حجته ويحكم بالتعويض المالى متى ثبت ذلك الحق بالبينة أن أنكر المدعى عليه أو ثبت ذلك باقراره ولتلك المسألة شاهد من التاريخ الاسلامى فقد روى أن النبى صلى الله عليه وسلم اقترض من أعرابى قرضا فلما حل وقت الأداء جاء الأعرابى يطلب الدين وأغلظ على الرسول صلى الله عليه وسلم في الطلب فاستاء لذلك الصحابة وهم بعضهم بايذاء الأعرابى لاساءته الأدب مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ـ فقال لهم صلوات الله وسلامه عليه دعوه فإن لصاحب الحق مقالا وأمر بإعطائه أكثر من حقه وهنا مناط الاستشهاد وذلك أنه لما هم بعض الصحابة بايذاء الأعرابى وترويعه أمر الرسول صلى الله عليه وسلم بإعطائه أكثر من حقه تعويضا ماليا له بسبب ما لحقه من الترويع والتخويف على أن الشخص موضوع السؤال إذا كان قد تعرض للسب الذى هو بمعنى القدف والاتهام بالزنا وما في معناه ـ فذلك له حكم خاص به ورد بشأنه قول الله تعالى { وَالَّذِينَ يَرْمُونَ المُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوَهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلاَ تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُوْلَئِكَ هُمُ الفَاسِقُونَ [4] إِلاَّ الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ [5] } سورة النور  من هذا البيان يتضح الجواب عن السؤال وأنه يجوز لمن وجهت اليه الاهانة التى مست كرامته وأساءت اليه أن يطالب بالتعويض المالى بسبب ما لحقه اذا ثبت ذلك شرعا على أننا مع ذلك ندعو السائل وأمثاله ممن يتعرضون لاهانة كرامتهم بسبب ألفاظ وجهت اليهم ممن جهل عليهم ولا تصل تلك الألفاظ الى ما يوجب حد القذف شرعا ـ ندعوهم للأخذ بالغفو وكظم الغيظ , أمتثالا لقول الله تعالى { وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ [133] الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِى السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ المُحْسِنِينَ [134] } من سورة العمران ـ والى قوله تعالى { فمن عفا وأصلح فأجره على الله } من الآية 40 من سورة الشورى ـ وإلى قوله جل شأنه { وَلاَ تَسْتَوِى الحَسَنَةُ وَلاَ السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِى هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِى بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ [34] وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ [35] من سورة فصلت والى قوله تعالى مخاطبا نبيه صلى الله عليه وسلم { خُذِ العَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الجَاهِلِينَ }[الأعراف :199] هدانا الله الى حسن الأخلاق وألهمنا الرشد والتوفيق وهو سبحانه وتعالى أعلم .