القاهرة- حسام عبد ربه محرر (صحفي بمجلة آخر ساعة)
غرف الحوار الإلكترونية Chat rooms هي أحدث وسائل الاتصال الإنساني وأكثرها فعالية، وذروة الموجة العالمية الثانية من الاتصال غير المواجه بعد ثورة التليفون (الهاتف) التي أعادت تشكيل العلاقات الإنسانية. وتدمج الدردشة الإلكترونية E Chat ـ أو ما يطلق عليه تعريبًا «الشاتنج» ـ الملايين من البشر من جميع الحضارات والثقافات والدول في حوارات سريعة ومباشرة بالكلمة أحيانًا، وبالصوت والصورة أحيانًا أخرى، حيث يستطيع المشاركون التعبير عن أفكارهم، وتوصيل معلوماتهم ورؤاهم للآخرين في أكبر وأضخم عملية تفاعل إنساني تحدث منذ بدء الحياة على سطح الأرض، الأمر الذي عجزت تكنولوجيا التليفون المحمول عن تحقيقه حتى الآن بسبب ارتفاع التكلفة، وقلة عدد الأطراف المشاركة في هذا النوع من الاتصالات. أما الإنترنت بتطبيقاتها المختلفة ـ التي تأتي غرف الحوار على قمتها ـ فقد أصبحت متاحة للملايين من البشر، وتتسع رقعة مستخدميها يوميًا. وإلى أن تنجح التجارب الوليدة التي تسعى لدمج تكنولوجيا التليفون المحمول بالإنترنت، ستظل غرف الحوار الإلكترونية أكبر بوتقة انصهار للخبرات والمعارف الإنسانية على ظهر الأرض، حيث تسقط قوانين الزمان والمكان، ويصبح الشخص على مسافة عدة ثوان من الآخرين، وهي سرعة نقل الحاسبات الكبيرة للجمل المكتوبة أو الأصوات المنطوقة في غرف الحوار. داخل غرف الحوار الإلكترونية يولد ويتشكل عالم جديد في رحم شبكة المعلومات العالمية «الإنترنت»، ولم تكن التطورات التي شهدها المجتمع الإنساني في الفترات السابقة سوى نتاج لتطور أشكال التفاعل والتواصل الإنساني، فالقدرة على تبادل الأفكار والمعلومات تجعل الإنسان أكثر تأثيرًا في العالم الذي يحيا فيه. ويلاحظ أن نقطة التحول في تطور المجتمع البشري كانت اختراع رموز الكتابة قبل 5500 عام. والآن تحدث عملية مشابهة في غرفة الحوار الإلكترونية. ولهذا السبب يدرس علماء الاتصال في الغرب بعناية لغة الخطاب ومضمونه في تلك الغرف لرصد مراحل ولادة لغة جديدة منذ أطوارها الأولى. وبالقطع فإن غرف الحوار الإلكترونية لن تكون نقطة النهاية في تطوير قنوات التواصل الإنسانية، وعندما توصل علماء التكنولوجيا إلى ابتكار تطبيق «البريد الإلكتروني» اعتبره بعض الناس ذروة السرعة في عملية الاتصال مقارنة بالخطابات التي لم يكن يعنى أحد بالرد عليها، وانعكست سرعة إرسال واستقبال البريد الإلكتروني بالإيجاب على إيقاع عملية الاتصال والتفاعل الإنساني. وبابتكار غرف الحوار الإلكترونية، تم تجاوز الإيقاع الرتيب للبريد الإلكتروني بشكل آخر يتسم بديناميكية وسرعة لم يشهدها تاريخ العلاقات بين البشر. ولا يزال في جعبة التكنولوجيا الكثير لإعادة تشكيل العالم. بين الحقيقة والخيال ويتسم مضمون الحوار الإلكتروني بالثراء، نظرًا للطبيعة غير الرسمية للحوار، وكون الدافع الرئيسي في الكثير من الغرف هو التسلية أو الرغبة في الهروب من المشكلات والضغوط الاجتماعية، أو مناقشة قضايا مهمة، ولهذا تكتسب كل غرفة حوار طبيعة خاصة تختلف عن غيرها من الغرف. وما يسهل الاندماج السريع في غرف الحوار أن التساؤل عما إذا كان الشخص الوافد إلى هذا المجتمع الجديد ينتمي إليه على نحو حقيقي أم لا بات غير مطروح على الإطلاق، ومثل هذه التساؤلات لا تزال السبب الرئيسي الذي يحول دون تسريع التفاعل الاجتماعي الطبيعي، فالمجتمع لا يعتبر مشاركة شخص فجأة في الحوار مع آخرين دون مقدمات سلوكًا مقبولاً، بل كثيرًا ما يواجه هذا السلوك بالاستنكار والرفض. وفي كثير من غرف الحوار لا يهتم الآخرون بشخصية المتحدث قدر اهتمامهم بما يقول، وخصوصًا في الغرف التي تناقش موضوعات محددة، أو اهتمامات خاصة، وذلك بعكس الحوار الطبيعي الذي تحتل فيه هوية الشخص موقعًا بارزًا ومؤثرًا. ويبدو هذا الفارق بوضوح إذا ما تصورنا إجراء مقابلة مع شخصية رسمية بارزة، أو المشاركة معها في حوار عبر الشبكة حيث تسقط جميع الملابسات والمظاهر الرسمية المحيطة بالشخص ويتحول إلى مجرد كلمات متراصة على الشاشة: عقل يفكر ويد تكتب. وتسعى الدراسات الغربية عن غرف الحوار الإلكترونية للإجابة عن عدة تساؤلات مهمة: هل غرفة الحوار هي التي تؤثر على المتحدث أم العكس؟ هل الحوار الإلكتروني يغير من طبيعة الحوار العادي بفرض حدوثه والاتفاق على ترتيباته؟ أما الافتراضات التي تحاول العديد من الدراسات اختبارها فهي أن غرف الحوار ستغير حتمًا من أسلوب اتصالنا بالآخرين على المدى البعيد، وتزيد من الاعتماد على الكتابة في الاتصال أكثر من الصوت، آخذة في الاعتبار أن تطوير برامج المحادثة على شبكة الإنترنت شهد طفرة هائلة في السنوات الأخيرة. وتشير الاستقصاءات العديدة التي طبقت من خلال البحوث إلى أن معظم المتحاورين يعتقدون أن غرف الحوار الإلكترونية ليست عالمًا خياليًا بأي صورة من الصور، بل عالم حقيقي يعبر فيه كل شخص عن رأيه، ويطرح أسئلته، ويرتب للقاءات حقيقية مع الآخرين على أرض الواقع. واللغة المستخدمة في هذا العالم الجديد هي الجمل القصيرة الموجزة. ويوضح التحليل الكمي للغة المتداولة في غرف الحوار أن 83% منها تتكون من خمسة أحرف فأقل، أي أن العالم الجديد يولد ولغته معه. ولكن إلى أي مدى تبدو غرف الحوار الإلكترونية محتوى يمكن الاستفادة منه وتوظيفه على جميع المستويات؟ أم أن تلك الحوارات الهائلة التي تدور على الشبكة يوميًا تتحول في النهاية إلى هباء دون أن تترك تأثيرًا واضحًا على المتحاورين أو حتى القضايا التي تدور عنها هذه الحوارات؟ ترتبط الاستفادة من هذا المحتوى الهائل وتوظيفه بإجراء الدراسات العلمية التي تساعد في رصد ملامح هذه الظاهرة الاجتماعية الجديدة، ولهذا سعت العديد من مراكز الأبحاث ومعاهد الاتصالات إلى دراسة المحتوى الاجتماعي لوسائل الاتصال الجديدة مثل الإنترنت بتطبيقاتها المختلفة، وأهمها غرف الحوار. وعلى المستوى العربي، توجد قلة محدودة للغاية من هذه الدراسات نظرًا لحداثة عهد المجتمع العربي باستخدام الإنترنت، وهذه الدراسات على قلتها تبدو غير قادرة على ملاحقة الآثار الاجتماعية الهائلة لعمليات التفاعل الإنساني الجديدة عبر الشبكة في ظل التزايد المطرد لعدد مستخدمي الإنترنت في الوطن العربي، إذ يشير تقرير نشر مؤخرًا بمنطقة الخليج عن عدد المشتركين العرب في شبكة المعلومات الدولية «الإنترنت» إلى أن عدد المستخدمين العرب يبلغ نحو 3.5 مليون شخص. ويتجه عدد من الباحثين العرب إلى إجراء بحوث عن تحليل وظائف ومحتوى غرف الحوار. وتوفر تلك الأبحاث استمارات للاستقصاء على الشبكة متاحة لمن يرغب في الاشتراك. ومن أمثلة هذه الأبحاث التي تعد حاليًا في الجامعة الأمريكية في بيروت دراسة عن إمكانية استخدام الحوار الإلكتروني كأداة تعليمية. ولكن لا يزال هذا النوع من الأبحاث مجرد إسهامات متناثرة ومتواضعة. ومن أمثلة هذه الإسهامات الجديدة دراسة عن «المشاركة النسائية في منتديات الحوار العربية»، حيث قامت الباحثة سهير علوان بدراسة خمسة من المنتديات العربية الشهيرة لمدة أسبوعين فقط في الفترة من 1999/12/20م إلى 2000/1/5م، واتضح أن نسبة المشتركات في معظم المنتديات لا تزيد على 14%، وتقارب نسبة الموضوعات التي تطرحها النساء للنقاش نسبة مقاربة حوالي 13%. وترجع الباحثة ضعف المشاركة النسائية العربية في المنتديات الحوارية الإلكترونية إلى تعسف العديد من الرجال في فرض آرائهم بأسلوب يصل إلى درجة الاستهزاء والانتقاص من عقل المرأة ودورها في المجتمع، وانحسار جرأة المرأة العربية وقدرتها على الدخول في مناقشات جادة والرد على المهاجمين، فضلاً عن تدني مستوى المناقشات إلى حد السب والشتم، والاكتفاء في العديد من الحوارات برسائل المجاملات. صورة من الداخل وتمثل غرف الحوار أو «الشاتنج» أحد التطبيقات الرئيسة للإنترنت التي يقبل عليها ملايين المستخدمين للشبكة ضمن التطبيقات الأخرى المهمة مثل: الإبحار عبر الشبكة، والتصفح، وإرسال البريد الإلكتروني، وتصميم الصفحات والمواقع، والاشتراك في المجموعات الإخبارية أو المجموعات الإلكترونية التي تعتمد على لصق وتبادل الرسائل، والقوائم البريدية التي يمكن من خلالها الاشتراك بها استقبال جميع الرسائل المتبادلة بين مجموعات لديها الاهتمامات نفسها. وتعتبر غرف الحوار أكثر تطبيقات شبكة الإنترنت سرعة وفعالية في الاتصالات مقارنة بغيرها من وسائل الاتصال مثل البريد الإلكتروني. وكشفت نتائج مسح أمريكي جديد عن أن معظم الموظفين الأمريكيين يقضون 49 دقيقة يوميًا في إرسال البريد الإلكتروني، ويقضي 24% من العينة المبحوثة أكثر من ساعة يوميًا في هذه المهمة. وتبين أن 34% من رسائل البريد الإلكتروني التي تلقاها الموظفون غير مهمة، ولم تتعد نسبة الرسائل المهمة 27%، وانتهى المسح إلى أن استخدام غرف الحوار أثناء العمل الجماعي قد يكون أكثر فعالية وتوفيرًا للوقت والجهد. وتتيح غرف الحوار لأشخاص فرصة الحوار واللقاء، وهي فرص كان من المستحيل حتى تخيلها في ظل عوائق الزمان والمكان. ويعتبر علماء الاتصال أن «الشاتنج» ظاهرة اجتماعية من ظواهر عصر ما بعد الحداثة، وهي تكنولوجيا تسمح لمجموعة من الأشخاص بتجاوز الحواجز الاجتماعية وبناء مجتمعهم الجديد وثقافتهم الخاصة، وتذهب الدراسات إلى أن من يتجاوز 20 ساعة أسبوعيًا في غرف الحوار يعتبر مدمنًا لهذا النوع من الاتصال. وتتوافر على الشبكة مجموعة متنوعة من البرامج الشهيرة المستخدمة في الحوار مثل ياهو، ومايكروسوفت، وفري تل، وأي سي كيو، وغيرها. وهي البرامج التي تشهد كثافة هائلة على الحوار من خلالها. إلى جانب مجموعة هائلة من المواقع والبرامج الأخرى الأقل شهرة، ولكنها تحظى في الوقت نفسه بكثافة استخدام واضحة مثل المواقع المتصلة بغرف الحوار في جنوب شرق آسيا. والآن أصبح لكل جماعة صغيرة أو دولة العديد من غرف الحوار الخاصة بها، بل أصبح متاحًا لكل مجموعة أشخاص تخصيص غرفة حوار خاصة بهم مجانًا على الشبكة، الأمر الذي يعني أن الإحاطة بهذا النوع من التفاعل الإنساني أصبح مهمة عسيرة للغاية، في ظل تدفق الحوار بين ملايين البشر في شتى القضايا والموضوعات خلال 24 ساعة يوميًا. ولا يشترط أن يكون الحوار من خلال الغرف المخصصة لذلك أو أن يكون الحوار جماعيًا مع أعداد كبيرة من الزائرين، حيث يتاح أن يبدأ حوار مع أي شخص مشترك في برنامج المحادثة نفسه من خلال ما يسمى بـ«قائمة الأصدقاء» التي يسجل فيها المحاور عناوين البريد الإلكتروني للأشخاص الذين يرغب في البقاء على صلة مباشرة معهم. وتقدم هذه البرامج فرصة البحث عن أشخاص آخرين حسب النوع والجنس والعمر والمهنة بما يسمح للشخص بالتواصل مع آخرين لهم الاهتمامات نفسها. وفي غرف الحوار الجماعية يمكن استخدام زر خاص لفتح صندوق أشبه ما يكون بغرفة خاصة بين المتحدثين، وتكون لغة الحوار داخل الغرف الخاصة مختلفة بالطبع عن الشاشة التي يدور عليها الحوار الجماعي بين العشرات من أعضاء الغرفة مثل الفارق بين اللغة التي يستخدمها الجمهور في الأمكنة العامة والخاصة. والدخول إلى غرفة الحوار أصبح مسألة سهلة للغاية لا تحتاج إلا الضغط على زر صغير في أحد برامج المحادثة المخصصة لذلك. وتتوافر لكل شخص بالغرفة عدة بدائل تظهر حالته إذا ما كان مستعدًا للحوار، أو يتناول القهوة وغيرها. ورغبة في توفير الخصوصية للمشاركين في الحوار، يمكن بزر صغير تجاهل الرسائل الواردة من شخص آخر بالغرفة تجاهك، وبذلك لا يستطيع طرف إجبار الآخرين على التحاور معه. العلاقات الإنسانية ويحدد العلماء الاختلافات الأساسية التي تفرق بين الاتصال وجهًا لوجه الذي يحدث في أي تواصل إنساني وبين الشاتنج في عدة نقاط أساسية: - تؤدي التعبيرات المادية دورًا مهمًا في الاتصال وجهًا لوجه مثل حركة الجسد ومدى قربه أو بعده من المتحدث، والانفعالات والتعبيرات التي تظهر على الوجه والعينين، أما في غرف الحوار فتختفي التعبيرات المادية، ويحل محلها تعبيرات بديلة بالرموز من خلال لوحة المفاتيح أو برامج المحادثة المستخدمة في لغة الحوار: على لوحة المفاتيح يشير رمز (: للبسمة، ورمز): للغضب. كما طورت برامج المحادثة رموزًا عديدة تدل على حالات شعورية مختلفة يمكن استخدامها بسهولة أثناء الحوار. وفي السنوات الأخيرة وفرت العديد من برامج المحادثة تكنولوجيا تتيح الاتصال بين المتحاورين في نقاء ووضوح، كما أمكن استخدام كاميرا خاصة لنقل الصورة أيضًا، وهي الابتكارات التي قلصت الفجوة بين الاتصال الإنساني والاتصال الإلكتروني. - يستخدم الشخص في التفاعل الإنساني الطبيعي وجهًا لوجه اسمًا واحدًا وهوية ثابتة طوال حياته، أما في غرف الحوار فيتاح أمام الشخص مجموعة لا نهائية من الاختيارات تبدأ من اسمه الحقيقي إلى أسماء ذات مدلولات وإيحاءات غريبة مثل أسماء الحيوانات، والعواطف البشرية، والمدن وغيرها. وتتغير هذه الأسماء بمنتهى البساطة في غرف الحوار، وهذا الغموض الذي يحيط بالهوية يهيئ الفرصة للمتحدث لتحطيم القواعد الاجتماعية نظرًا لغياب أي نوع من العقاب الاجتماعي، ولذلك نلاحظ كثرة استخدام العبارات التي تشير إلى المبالغة سواء في الحب أو الكراهية في غرف الحوار، والحديث كثيرًا عن الجنس كنوع من التعويض عن الكبت الاجتماعي لهذه الغريزة. وباختصار يمكن للشخص أن يعبر عن نفسه على شبكة الإنترنت وفقًا لحقيقتها أو يبالغ في هذا التعبير حسب رغبته. - يبرز تأثير عوامل عديدة في التأثير على المتحدث في الاتصال وجهًا لوجه مثل الملابس ودرجة الجمال، أما في غرف الحوار فيتلاشى تأثير تلك العوامل ويصبح الاتصال أكثر حيادية، ويختفي نوع الشخص إذا ما تبنى اسمًا غريبًا ليس من الأسماء المتداولة لنوع بعينه، ويقتصر التأثير على مضمون الحوار فقط. - تكون العقوبات الاجتماعية لمخالفة قواعد السلوك في الاتصال وجهًا لوجه مؤثرة للغاية مثل التشهير بالشخص المخالف، وعزله اجتماعيًا. وفي غرف الحوار تكون العقوبات أقل تأثيرًا، وتتمثل في قيام المراقبين لغرف الحوار بفصل الشخص المخالف عن الكمبيوتر الخادم الذي يتصل به كل المتحاورين، وخصوصًا عند استخدام أسلوب غير لائق في الحديث، ولكن الشخص المستبعد من غرفة الحوار سرعان ما يعود في لحظات وكأن شيئًا لم يكن، ويمكن للشخص أن يستخدم اسمًا آخر للدخول مرة أخرى، أو ينتحل اسمًا لشخص غير موجود بهذه اللحظة في غرفة الحوار، ولا يشمل العقاب سوى عدد محدود للغاية من المخالفات المرتكبة داخل غرف الحوار. - العلاقات الشخصية في غرف الحوار تكون أكثر حميمية وعاطفية من العلاقات الطبيعية، والمشاركون في غرف الحوار يعتبرون أن أفضل أصدقائهم على الإطلاق هم أعضاء جماعاتهم الإلكترونية، وكثيرًا ما نشأت بين أعضاء هذه الجماعات علاقات رومانسية مشتعلة للغاية رغم أن بعضًا منهم لم ير الآخر على الإطلاق، وفي العلاقات من هذا الطراز يؤدي الخيال دورًا كبيرًا في إثارة المشاعر، وهو ما تفتقده لقاءات المحبين الحقيقية، وتتوثق العلاقات الإنسانية سريعًا على الشبكة مقارنة بالعلاقات التي تنشأ بشكل طبيعي، فالحوار في الصندوق الإلكتروني يتجاوز البدايات التي تكون مليئة بالحرج وسوء التفاهم، والغريب أن المحبين بهذه الطريقة لا يعتبرون أن علاقاته سطحية على الإطلاق، والتفسير أن غرف الحوار تتيح ممارسة الحرية في التعامل مع الغرباء بطريقة لا يمكن ممارستها في الواقع المعاش، وتسمح بعرض ومناقشة أمور يستحيل مناقشتها بين أشخاص في اتصال وجهًا لوجه. ولكن العلاقات العاطفية في غرف الحوار ليست عسلاً على الدوام بل إن بها الكثير من السم أيضًا. حدث ذات مرة أن فتاة هندية تعرفت على شاب يسكن في الولاية التي تقيم بها، وعندما توطدت العلاقة أعطته رقم هاتفها. وانتقل الحوار من الشاشة الصماء إلى التلفون الحي لتكتشف أنها أمام شخص آخر لا تحب طباعه في الحديث، وعندما طلبت منه أن يتوقف عن الاتصال بها في المنزل أمعن الشخص في تكثيف الاتصال، ولا تزال الفتاة الهندية تندم حتى الآن على تفريطها في رقم هاتفها الخاص. وإجمالاً لا يرى علماء الاتصال المتخصصون في هذا المجال، أن غرف الحوار استطاعت أن تؤصل مفهوم تعدد الثقافات، وتقبل الآخر، كما أنها تكسب المتحاورين مهارات اجتماعية متميزة في تكوين صداقات جديدة وهو ما يزيد من ثقة الإنسان في الآخرين، ويستطيع الشخص توظيف تلك المهارات الاجتماعية في العالم الخارجي، وخصوصًا أن المسافة الفاصلة بين غرف الحوار والاتصال الإنساني وجهًا لوجه يمكن اجتيازها في لحظات. وتتنوع أهداف المستخدمين من المشاركة في غرف الحوار ولكنها تنحصر بصفة عامة في التسلية والتعليم واكتساب صداقات جديدة أو العمل. أما الأفراد الذين نتحاور معهم فهم الأصدقاء والأقارب وزملاء العمل، والعلاقات الجديدة التي تنشأ بسبب الحضور والمشاركة في غرف الحوار. ويمكن تحديد مجالات الحوار العامة التي تشمل جميع جنسيات الأرض في: الجنس والحب والسياسة والثقافة والاقتصاد والاجتماع. وترى بعض الدراسات أن الحوار يكون إيجابيًا في اكتساب المحاور للمهارات اللغوية، والثقة بالنفس، والروح الاجتماعية، والمعرفة العامة، والتربية الجنسية. ومن ناحية أخرى فإن التفاعل الإنساني في غرف الحوار الإلكترونية يواجه مشكلات مثل أي عملية اتصال تتمثل في افتقاد تعبيرات الوجه الإنساني، وضعف السيطرة على الطرف الآخر، وعدم جدية بعضهم في النقاش، وانتهاك خصوصية الحوار من خلال أطراف خارجية، والإصابة بفيروسات الكمبيوتر أثناء الحوار مع قراصنة الكمبيوتر ـ الهاكرز ـ من خلال إرسال ملف أو بريد إلكتروني، فضلاً عن ميل العديد من المشاركين في غرف الحوار للكذب فيما يتعلق بحياتهم وآرائهم، وتكشف دراسة حديثة أن 40% من المتحاورين يكذبون بشأن حقيقة جنسهم وبياناتهم الشخصية، ولذلك يمكن اعتبار غرف الحوار أيضًا مصدرًا هائلاً للمعلومات الخاطئة. وتتركز التأثيرات السلبية لغرف الحوار ـ كما ترصدها التقارير الصحفية المتخصصة في أوروبا وأمريكا ـ في تحول غرف الحوار إلى أمكنة يفترس الكبار فيها الصغار ويستغلونهم جنسيًا، من خلال التعرف عليهم في غرف الحوار واستدراجهم للعالم الخارجي. وكشفت دراسة أمريكية حديثة أن طفلاً من كل خمسة أطفال أبلغ عن محاولة استدراجه جنسيًا من خلال غرف الحوار، وفي كثير من الحالات أرسل الشخص البالغ أموالاً وهدايا لاستدراج الصغير لمقابلة خاصة. وأعلن مكتب التحقيقات الفيدرالية الأمريكي أنه قام عام 2000م بفحص 1600 قضية استغلال جنسي للأطفال على شبكة الإنترنت لعبت فيها غرف الحوار دور المسرح الرئيسي للجريمة، ويزيد هذا المعدل 13 مرة على عدد جرائم 1996م من النوع نفسه. والإجماع السائد حاليًا أن الاستغلال الجنسي للأطفال على الشبكة هو أهم الأخطار الاجتماعية المحدقة بالغرب، ولا سبيل لإيقافه فقط من خلال الوسائل المتبعة حاليًا وهي رقابة غرف الحوار، وتتبع النماذج المشبوهة. والنصيحة التي يوجهها الخبراء للآباء والأمهات في أوروبا وأمريكا: تحدث كثيرًا مع أطفالك عن الأخطار الموجودة على الشبكة، وحذرهم من إعطاء أية معلومات شخصية عنهم أو أسرتهم مثل العناوين وأرقام التليفونات وتبادل الصور الشخصية مع أشخاص مجهولين. ويمثل الجنس أحد الموضوعات الرئيسية لغرف الحوار على الإنترنت، في موقع ياهو yaho ـ كبرى البوابات على الشبكة ـ يوجد 35 ألف موقع توفر مقابلات بالفيديو عن الجنس فقط، وتدير هذه المواقع شركات صغيرة تسعى للربح. الأمر الذي يشير إلى أن غرف الحوار لم تعد مجرد دردشة بل دخلت سوق الخدمات، ولن تكون مقصورة بالطبع على الجنس، بل يمكن أن تستخدم في تنظيم المؤتمرات وغيرها من الأنشطة الجماعية. ورغبة في الاستفادة من الشعبية الهائلة لغرف الحوار على الإنترنت، يقوم العديد من الأعضاء بالترويج لمواقع معينة، ويرسلون العناوين في رسائل مباشرة لكل عضو بالغرفة. كما تشهد الشاشة العامة للغرفة أيضًا ترويجًا لعدد من المواقع التي يرغب أصحابها في اجتذاب أعداد كبيرة من الزائرين إليها حتى تضمن إقبال المعلنين عليها. وغالبًا ما يتسم الحوار على الشاشة الرئيسية للغرفة بقدر كبير من الفوضى والاضطراب والتشويش، وخصوصًا في الغرف التي يزيد فيها عدد المتحاورين على 50 شخصًا. اللغة والمضمون واللغة المستخدمة في غرف الحوار هي لغة وسط بين اللغة المنطوقة والمكتوبة، ويغلب على تركيبها الزمني صفة الحاضر، ولذلك تتسم بالحضور والديناميكية. ولكنها لغة تكثر فيه نسبة الأخطاء الإملائية والنحوية بشكل ملحوظ، الأمر الذي يجعل المشكلة الحقيقية في غرف الحوار هي فهم ما يقال. ويبرز دور المختصرات اللفظية كعامل مهم لتسريع التفاعل، فقد تطورت في بيئة غرف الحوار الإلكترونية قواميس جديدة للغة الإنجليزية باعتبارها لغة الحوار الأولى، ومن أمثلة هذه المختصرات: LOL اختصارًا للتعبير laughing out loud الضحك بصوت عال، و btw اختصارًا لـby the way على فكرة، وfyi اختصارًا لـfor your information ولعلمك، وasl تعني الرغبة في التعرف على الاسم والجنس والموقع، والكتابة بالحروف الكبيرة تشير إلى استنكار الطرف الآخر لرأى وعدم موافقته على فكرة ما، إلى آخر سلسلة طويلة من المختصرات التي تلخص تعبيرات إنسانية أو جملاً طويلة، ومثل هذه الرموز الجديدة يعتبرها العلماء لغة جديدة تشمل جميع مناحي الحياة، وتستخدم مزيجًا من الحروف وفواصل الكتابة. فيما يتخوف فريق آخر من تأثير الكتابة السريعة والمختصرة في غرف الحوار على مستقبل اللغة الإنجليزية، فقد تم استبدال كلمة you بحرف u، وهو ما يؤثر سلبًا على المستوى اللغوي للأجيال الجديدة في أوروبا وأمريكا. ويشير تحليل المضمون الاجتماعي للتفاعلات الإنسانية عبر الشبكة إلى أن التفاعلات عبر هذه التكنولوجيا المتقدمة تعيد تكريس التمييز بين دول الشمال والجنوب من ناحية، وبين الرجل والمرأة من ناحية أخرى. ويوضح تتبع سلوك المتحاورين من دول الشمال المتقدم أنهم يرفضون كثيرًا الدخول في حوارات مع مواطنين من دول الجنوب، بل وتسود أحاديثهم نزعة عنصرية تعلي من شأن الشمال وتقلل من دور حضارات الجنوب. وعلى مستوى العلاقة بين الرجل والمرأة أعادت الإنترنت تكريس الصور التقليدية المتصلة بالعري والجنس، وساهم في هذا الاتجاه ابتكار برامج حديثة للاغتصاب التخيلي والجريمة التخيلية، بل إن الفجوة بين الجنسين لم تقتصر على مستوى الصور الذهنية، فقد تبين أن استخدام المرأة لتكنولوجيا الكمبيوتر والإنترنت أقل من الرجل، وكانت المفارقة أن التفاعل الحديث يرسخ أفكارًا قديمة وسلبية. ومن ناحية أخرى ساعدت المواقع المخصصة للحوار فئات اجتماعية عديدة على التعبير على مشكلاتها دون ضغوط مثل مدمني المخدرات، والمرضى الذهنيين. وساهم تراجع الاعتماد على الصور الذهنية والقوالب الجامدة أثناء التفاعل عبر الشبكة في تفعيل النشاط الاجتماعي للفئات المهمشة على الشبكة. وإعلاميًا، بدأ إدماج غرف الحوار الإلكترونية مع وسائل الإعلام الجماهيرية مثل التلفزيون، والدش بقنواته المحلية والفضائية، واحتلت غرف الحوار موقعًا بارزًا على الخريطة الإعلامية، وتحول استضافة نجم شهير أو شخصية مرموقة في غرفة حوار مع الجمهور العام إلى حدث إعلامي دولي تبثه شبكة الإنترنت في اللحظة نفسها مع جميع وسائل الإعلام الجماهيرية، ومن هذه الأمثلة موافقة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في بداية العام الحالي على المشاركة في غرفة حوار عامة والإجابة عن أسئلة الجمهور التي اشترط المنظمون إرسالها قبل بدء الحوار بفترة كافية. وبالفعل انهالت آلاف الأسئلة على الرئيس الروسي بوتين، وكانت المرة الأولى التي يشارك فيها رئيس روسي في غرفة حوار عامة على الإنترنت. ورأى المحللون أن هذه الخطوة من الرئيس الروسي كان هدفها تحسين صورة الرئيس أمام الرأي العام العالمي. أداة سياسية وإعلامية وعلى المستوى السياسي، تحولت غرف الحوار إلى أداة سياسية بالغة الخطورة في قياس الرأي العام تجاه أي حدث، بل وتحولت في بعض الأحيان إلى أداة التعبير عن رؤية دولة ما تجاه حدث سياسي مهم. وعلى سبيل المثال امتلأت غرف الحوار الصينية بعبارات معادية للغاية للإدارة الأمريكية على إثر اصطدام طائرة تجسس أمريكية بطائرة مقاتلة صينية، وهو ما أدى إلى تحطم الطائرة الصينية ومصرع قائدها، وسقوط طائرة التجسس الأمريكية بطاقمها (24 فردًا) على جزيرة هاينان الصينية، وذلك في شهر إبريل الماضي. واعتبرت التحليلات الأمريكية للنقاش الساخن الذي دار في غرف الحوار أن الحكومة الصينية تتجه نحو اتخاذ موقف متشدد، وذلك مقارنة بالعبارات التي شهدتها غرف الحوار نفسها عقب قصف حلف الناتو للسفارة الصينية في بلغراد أثناء الحملة الجوية ضد صربيا. العبارات المعادية ضد أمريكا كانت عنيفة للغاية في الحادث الأخير، ومنها «اقتلوا... اقتلوا، اقتلوا أولاً طاقم الطائرة، ثم اقتلوا بوش الصغير». وتبنى بعض المحللين الأمريكيين مقولة أن الحكومة الصينية اتجهت في الأزمة إلى استخدام الرأي العام الصيني من خلال غرف الحوار على شبكة الإنترنت للتعبير عن الموقف المتشدد للحكومة الصينية إزاء الحادث، وقالوا إن الحكومة الصينية استخدمت عددًا من المراقبين لحذف التعبيرات التي تتعارض مع موقفها الرسمي من الحادث، وعددًا من المحاورين لإذكاء نيران المناقشات ضد أمريكا، ودفع الحوارات في الاتجاه الذي يدعم الموقف الرسمي للحكومة الصينية في احتجاز طائرة التجسس الأمريكية. ويبرز دور وتأثير غرف الحوار الإلكترونية على شبكة الإنترنت في دولة مثل الصين تفرض رقابة صارمة على وسائل الإعلام، ففي بداية العام الماضي امتلأت غرف الحوار الصينية عن آخرها برسائل احتجاج عن انفجار في مدرسة ابتدائية بإحدى قرى الصين، راح ضحيته 42 شخصًا منهم 38 طفلاً، وتركزت الحوارات على انتقاد الحكومة الصينية لرفضها التحقيق في الحادث فور وقوعه. الاحتجاج الصارخ ـ في ظل تعتيم كامل على الرأي العام الصيني في وسائل الإعلام الجماهيرية ـ اضطر رئيس الوزراء الصيني إلى الاعتذار علنًا عن الحادث على شبكة التلفزيون، وقال إن الحكومة الصينية تتحمل المسؤولية عن الحادث، وأعلن بدء تحقيق رسمي في ملابساته. المراقبون اعتبروا الاعتذار الرسمي دلالة على تراجع في سيطرة الحكومة الصينية على مصادر الأخبار. الحكومة الصينية من جانبها عملت على إزالة الاتهامات الموجهة ضدها أولاً بأول في مواقع الحوادث من خلال مجموعة مدربة على هذا العمل، ورغم إغلاق موقع sina ـ الذي يعتبر من أكبر مواقع الحوارات الصينية، ومركزه في هونج كونج ـ تحت وطأة الكم الهائل من الحوارات والرسائل، إلا أن المتحاورين استطاعوا بقدراتهم الفنية الاستمرار في لصق الحوارات والرسائل التي تعبر عن الاحتجاج. الحادث دشن وجودًا مؤثرًا لغرف الحوار في نظام سياسي صارم، وأكد أن إزالة الحوارات والعبارات المخالفة عملية غير مؤثرة لأن إرسال المعلومات والآراء إلى الشبكة يحدث التأثير المستهدف. وليس أدل على الدور السياسي الذي يمكن أن تؤديه غرف الحوار من قيام السلطات الصينية بحبس العديد من الأفراد لأنهم ينتقدون الحكومة الصينية علانية في هذه الغرف. ومن ثم لم يعد من الممكن تجاهل أو إنكار التأثير السياسي لغرف الحوار في جميع المجتمعات سواء المركزية أو الليبرالية. وتجرى حاليًا تجارب جديدة لاستخدام غرف حوار خاصة لا يمكن الدخول إليها إلا بكلمة سر في مجال العلاج النفسي والاجتماعي عبر ما يسمى بـ«الحوار الجماعي»، وقد سجلت التجارب الأولية لهذا الأسلوب تحسنًا في قدرة الأفراد على الاندماج الاجتماعي، وتنامي الإحساس بتقدير الذات، وتعتبر هذه النتائج مؤشرًا جيدًا يمكن البناء عليه في هذا المجال الجديد. وشهد عام 1999م تجربة لإنشاء غرفة حوار إلكترونية للناجين من الإعصار الهائل الذي ضرب الساحل الشرقي للولايات المتحدة الأمريكية، وأوضح تحليل مضمون الحوارات أنها ساهمت في تخفيف الضغوط النفسية والاجتماعية على المتضررين، وطرحت حلولاً للمشكلات الهائلة التي خلفها الإعصار، وبذلك أدت غرف الحوار دورًا فريدًا لا تملك أي وسيلة اتصالية أخرى أن تؤديه بالفعالية نفسها. والقراءة السريعة لما يدور في غرف الدردشة والحوار العربية يكشف أنها غالبًا ما تكون مجرد ثرثرة في موضوعات تافهة لا قيمة لها، وأنها تمثل بالفعل نشاطًا سلبيًا استشرى لدى قطاع عريض من مستخدمي الشبكة العرب، «رندة نيقوسيا» فتاة دانمركية من أصل عربي تجيد اللغة العربية سجلت تجربتها في غرف الحوار العربية: «استعدادي لإعطاء بريدي الإلكتروني لكل من يطلبه أوقعني في مشكلات عديدة، وأثبتت التجربة أن الشباب العربي يقدم بسهولة غريبة عروضًا بالزواج لفتاة لا يعرفها، والطريف أن هذه العروض كانت مرتبطة بعناوين وأرقام تلفونات ثابتة ومحمولة. وقد يظن بعض الناس أني أبالغ، ولكن عندي أكثر من 250 رسالة إلكترونية من أكثر من 130 شخصًا، ومعظم هذه الرسائل متأججة بالمشاعر. لاحظت أيضًا أن التعارف في الغرف العربية للحوار يستدعي تقديم معلومات شخصية كثيرة، بعكس الغرف الأوروبية التي يكفي فيها تحديد بلد المتحدث، ثم الدخول للموضوع مباشرة. والذي أحزنني هو عزوف معظم الشباب عن مناقشة الموضوعات الجادة عند طرحها واتجاههم للعبث والضحك». وبالقطع فإن الاعتماد على الخبرات المباشرة في تحليل مضمون غرف الحوار العربية ليس سوى خطوة أولى في طريق يجب أن يرتاده علماء الاتصال العرب. وفي النهاية فإن الأسئلة التي تثيرها غرف الحوار كظاهرة اجتماعية واتصالية جيدة وأكثر بكثير من الإجابات التي تقدمها: هل تؤثر أنماط التفاعل الجديدة في الدردشة الإلكترونية على الطريقة التي نتكلم بها فتصبح أكثر اختصارًا، وتشكل لدينا مجموعات من البشر غير قادرة على التواصل مع الآخرين في المستقبل؟ القضية تبدو شائكة للغاية، ولكننا على يقين الآن أن إطلاق اصطلاح «دردشة» على ما يجري في غرف الحوار الإلكترونية لا يعبر عن أهمية هذه التجربة وأبعادها العميقة. لم تعد غرف الحوار مجرد فضاء للتسلية أو قضاء أوقات الفراغ، بل عالم جديد يولد، ونرى مخاضه متجسدًا أمامنا غير أن ملامح الجنين لم تتضح بعد، ولكن لم يعد هناك أدنى شك أن الحياة ستسمع صراخه في القريب العاجل