كان يشعر بأنه أسعد إنسان في الدنيا إلى أن جاءوا به إلى دار العجزة . كانت عطلة نهاية الإسبوع حيث استيقظ مبكرا كعادته إنه على موعد ولقاء , سوف يأتي أحفاده الصغار من أبنته وابنه ... إنه الآن في السبعين من عمره ...شيخ عجوز ولكن صحته ما تزال جيدة ...قال في نفسه : ليس من حق أبنائي أن يأتوا بي إلى هذا المكان , ليس من حقهم أن يفرضوا علي أسلوب حياتي . أريد أن أعيش مع أحفادي , لماذا يحرمونني منهم . هل أصبحت الشيخوخة عبئا على الأبناء في هذه الأيام ؟ لقد كان الأبناء في الأمس يتسابقون لإسعاد آبائهم , وكانت البيوت أكثر دفئا وسعادة , لماذا أصبحت الشيخوخة تثير الخوف ففي نفوس المسنين ؟ هل لأن استقلالهم قد أصبح في خطر ؟ وأن الأبناء يمكنهم أن يفرضوا عليهم أسلوبا جديدا في السنوات الأخيرة من رحلة الحياة ؟ انتظر الشيخ حظور أحفاده وابنته أبنه ولكن دون جدوى مرت الساعات ثقيلة واصبح الزمن أكثر مرارة . نظر إلى ساعته انها الشئ الوحيد الذي رافقه خلال رحلته في الحياة .. أما زوجته الوفية فقد ودعته منذ سناوت وتركته وحيدا يواجه صروف الزمن , ذكراها تملأ صدره وصورتها ما تزال ترافقه , كانت تشفق عليه من هذه الأيام . قطعت على نفسها وعدا أن يرحلا في نفس اليوم لكنها لم تستطع أن تفي بالوعد ... شعر باليأس لقد مضت أكثر من ساعة ولم يأت أحد ! لماذا ؟! نزل إلى حديقة الدار ...كان حزينا كسير القلب لم تستطع رائحة البرتقال أن تروح شيئا من تعاسته ولا زقزقة العصافير أن تخفف من كزنه ولو قليلا ... نهض على وهن وعاد إلى غرفته ألقى برأسه على الوسادة وانبجست دمعتان ... آه ..لماذا لم يدعوني أعيش في بيتي مع ذكرياتي ؟ لم يتبق لي شئ سوى الذكريات . إنها تضئ روحي .. هل يضنون بأنني أصبحت عبء عليهم ؟! متى طلبت منهم المساعدة ؟! أريد فقط أن احتضن أحفادي أهذا شئ كثير ؟! دعوني أعود إلى بيتي ...أرجوكم .. أطلقوا سراحي من هذا السجن ...إنه سجن بلا قضبان . دعوني أعود إلى بيتي وأحفادي ...إلى جيراني واصدقائي ...أجل دعوني أعود .