رمقه بنظرة حادة فتساءل عن مدى الجدية وقدر الهذر... حتى إذا رأى في عينيه انه يعني تماما مايقول هتف به في غضب.. لا.. ليس غضباً بالمعنى السائر.. بل كان شيئاً أقرب الى التساؤل المختلط باستنكار ضمني.. - تقول أنك تراسل نفسك؟ - ببراءة كاملة أجابه: - أجل.. أفعل هذا أحيانا.. وإن كنت أمارسه بمعدلات أكثر في الفترة الأخيرة... وآخر رسالة كتبتها لنفسي كانت بالأمس فقط ... صمت الأول وهو مازال يحملق في صاحبه وتتداعى أفكاره "ماذا حدث له؟.. أنا اعرفه منذ زمن طويل فقد درجنا على ملاعب الصبا معا.. وشببنا سويا.. ونضجنا في نفس الوقت.. صحيح أنه كان يتسم دائماً بالطرافة وغرابة الأطوار.. وكان يفاجئنا أحيانا ببعض التصرفات التي تدهشنا.. ولكننا كنا نفهم سريعاً منطقية ما يفعل ونكتشف أنه يفكر بشكل أعمق منا جميعاً, وكثيرا ما غاظنا هذا منه وأحنقنا عليه.. ولكن.. أن تجيء الآن ليصارحني بأنه يواظب على مراسلة نفسه منذ سنوات.. فقد تعدى حد الغرابة وتخوم الطرافة ليضرب في اض الجنون المطلق".. نظر اليه الثاني يراقبه ويبتسم كلما رسم الفتكير خطوطاملتوية على جبين صاحبه وحول شفتيه.. واتسعت ابتسامته وهو يسأله: - ماذا يريبك في الأمر؟ .. ومالك قد أكتأبت واستسلمت لأفكارك السوداء.. - بنبرة حانقة عصبية جاءه الرد.. - وماذا تكتب لنفسك .. آسف.. اعني لماذا تكتب لنفسك .. لماذا لاتقول لنفسك ماتريد كتابته... - دعني أشرك لك الامر.. أنا إن اكتفيت بالحديث الى نفسي لا أستطيع الفصل بيننا أما على ورق الرسائل فيمكنني أن أفصل.. - تفصل من عن من ؟ - اسمعني .. أنت حين تحدث نفسك في المرآة مثلاً.. ألا توجه كلامك الى من يظهر في المرآة ؟ وكأنه شخص آخر تحاوره؟ - هذا عبث اطفال... - ألا يحدث لك مطلقاً... - مرة أو مرتين على الاكثر.. وكنوع من الدعابة فقط كأن أتخيل صورتي في المرآة رئيسي في العمل.. واقلده واضحك. - إذاً فهو يحدث؟ .. الاختلاف الوحيد عندي.. أنني أكتب .. أشعر بنفسي أثنين فيكتب اولهما الى الآخر.. ويرد عليه الآخر.. هب الأول واقفا وهو يكاد يصرخ.. - او ترد على نفسك ايضاً !.. - طبعاً.. كيف تأتيني رسالة ولا أرد عليها ؟ - أنت تعبث معي.. - اقسم انني اتكلم جاداً.. - وما حاجتك الى هذا اللغو.. - يخفف همومي كثيرا ان ابوح لنفسي بما لااستطيع التفكير فيه.. - يجلس الآخر..ساخراً" - وماذا تنوي أن تبوح به لنفسك اليوم.. - سأعبر لها عن شكي في صديق العمر.. الذي يتودد لفتاتي من وراء ظهري.. هب الأول واقفا وقد احتقن وجهه.. ثم امتقع.. ثم ارتجفت شفتاه ولكنه لم ينبس ببنت شفة: - جرجر ساقيه واختفى.. - رشف الثاني قهوته وهو يهمس لنفسه.. لاداعي لأن اكتب لنفس اليوم. كلمات من دفتر قديم: "كم نهاراً عشت.. وكم ليلة أغفيت؟ لم ازد عن نصفليلة ونصف نهار.. فالعمر يوم.. يبدأ بشروق الميلاد.. وينتهي بغروب الأجل". "لوتسين".