قال تعالى : { وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ البَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا } [آل عمران 97] وفسر العلماء رحمهم الله تعالى الاستطاعة بالزاد والراحلة ، أي بملكية المكلف لمصاريف وتكاليف ما يبلغه بيت الله الحرام والمعيشة حتى يرجع ، وهذا مشترك بين الرجل والمرأة ، ويزيد للمرأة شرط خاص بها وهو اشتراط وجود الزوج أو المحرم واشتراط عدم العدة ، بأن لا تكون في عدة وفاة أو طلاق . وبالنسبة لشرط الزوج أو المحرم فهذه مقولة الحنفية والحنابلة ، وتوسع الشافعية والمالكية فسوغوا الاستبدال بالمحرم ، قال الخطيب الشربيني في الإقناع : ويشترط خروج نحو زوج امرأة كمحرمها وعبدها أو نسوة ثقات معها لتأمن على نفسها ولخبر الصحيحين « لاَ تُسَافِرِ الْمَرْأَةُ يَوْمَيْنِ إِلاَّ وَمَعَهَا زَوْجُهَا أَوْ مَحْرَم » ، ويكفي في الجواز لفرضها امرأة واحدة وسفرُها وحدها إن أمنت ، ولو كان خروج من ذُكر بأجرة فيلزمها أجرته إذا لم يخرج إلا بها ، فيشترط في لزوم النسك لها قدرتها على أجرته ، ويلزمها أجرة المحرم .اهـ . قال الشيخ البيجرمي في حاشيته على هذا الكلام من الشيخ الخطيب عند قوله : " أو نسوة ثقات " أي اثنتان فأكثر ، أي متصفات بالعدالة ،...، ويتجه الاكتفاء بالمراهقات لكن بشرط كونهن ذوات فطنة ، ولا فرق في النسوة بين الأجانب والمحارم ،لكن لا يشترط في المحارم العدالة ؛ لأن لهن الغيرة عليها وإن كن غير عدول اهـ . وقال في تعليقه على نص الحديث « لاَ تُسَافِرِ الْمَرْأَةُ يَوْمَيْنِ ... » قوله : يومين : ليس بقيد اهـ . وقال في تعليقه على كلام الخطيب : " ويكفي في الجواز لفرضها امرأة واحدة وسفرها وحدها إن أمنت " قال : قوله : لفرضها خرج به النفل ، فلا يجوز لها الخروج له مع النسوة وإن كثرن ، وكذا سائر الأسفار غير الواجبة ، قال ابن قاسم : ينبغي أن يكون المراد بفرض الحج هنا : حجة الإسلام والنذر والقضاء ... فلو أحرمت به مع محرم فمات قبل إتمامه أتمته مع فقده كما قاله الروياني اهـ . وقال الشيخ الدسوقي المالكي في حاشيته على الشرح الكبير : " الاستطاعة التي هي شرط في الوجوب عبارة عن إمكان الوصول من غير مشقة عظيمة مع الأمن على النفس والمال ، ويزاد على ذلك في حق المرأة أن تجد محرما من محارمها يسافر معها أو زوجا ؛ لقوله عليه الصلاة والسلام : « لاَ يَحِلُّ لاِمْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ أن تُسَافِر يوما وَلَيْلَة إِلاَّ ومعها محرم ». وأطلق في المحرم ، فيعم المحرم من النسب والصهر والرضاع . وقوله " لامرأة " نكرة في سياق النفي فتعم المتجالّة ( أي الكبيرة ) والشابة ، ولا يشترط أن تكون هي والمحرم مترافقين ، فلو كان أحدهما في أول الركب والثاني في آخره بحيث إذا احتاجت إليه أمكنها الوصول بسرعة كفى على الظاهر ، ولا يشترط في المحرم البلوغ ؛ فيكفي التمييز ووجود الكفاية كما هو الظاهر ... ثم قال : والحاصل أن السفر إذا كان فرضا جاز لها أن تسافر مع المحرم والزوج والرفقة ، وأما إن كان مندوبا جاز لها السفر مع الزوج والمحرم دون الرفقة اهـ . ومن هذه النقولات يتضح أن للمرأة أن تسافر لحج الفريضة مع رفقة آمنة أو مع نسوة صالحات أو حتى وحدها إن توفر الأمن ، صغيرة كانت المرأة أو كبيرة ، إذا توافرت شروط الوجوب الأخرى ، وهذا عند الشافعية والمالكية ، أما إن كان حج نفل أو سفرًا غير واجب فيشترط المحرم أو الزوج . والله سبحانه وتعالى أعلم.