منشأ هذه الشبهة : هو آيتان من سورة واحدة . إحداهما قوله تعالى : ( إنا اعتدنا للكافرين سلاسلاً وأغلالاً وسعيراً ) (1). والثانية : ( ويطاف عليهم بآنية من فضة وأكواب كانت قواريرا ) (2). وشاهدهم فى الآية الأولى كلمة " سلاسلا " ذكروها ثم قالوا : فلماذا قال " سلاسلا " بالتنوين من أنها لا تُنَوَّنُ لا متناعها عن الصرف ؟ وقالوا عن الآية الثانية : لماذا آتى بها ؟ " بالتنوين مع أنها لا تُنَوَّنُ ؛ لا متناعها عن الصرف ، لأنها على وزن مصابيح ؟ هذا قولهم ، وهو مبلغ علمهم أو مبلغ جهلهم وافترائهم لأنهم - كما تقدم مرات - يحفظون شيئاً وتغيب عنهم أشياء ، وما حفظوه ليس بمغنٍ لهم ، وكان الصمت استر لهم لو كانوا يحترمون أنفسهم .
فى هذه الشبهة افتراء وجهل : أما الافتراء فهو قولهم إن الكلمتين سلاسلا وقواريرا تقرآن بـ " التنوين " والتنوين: نون ساكنة فى آخر الكلمة المصروفة تنطق فى الوصل دون الوقف ، ولا تكتب ، يعنى لا صورة لها فى الكتابة والخط . وهذا افتراء منهم ؛ لأن الكلمتين فى قراءة حفص عن عاصم وغيرهما لا تنونان ، وإنما يوقف عليهما بالفتح لا غير ولا يلتفت إلى " الألف " الذى فى آخر كل منهما هكذا " سلاسلا " ـ " قواريرا " . وللقراء فى هاتين الكلمتين مذاهب ، وبها نزل القرآن فقد قرأ نافع وابن كثير والكسائى وأبو جعفر " قواريراً " بالتنوين مصروفة منونة فى الموضعين معاً " قواريراً " و " سلاسلاً " . وقرأ الباقون ، ومنهم حفص عن عاصم " سلاسلا " و " قواريرا " بدون تنوين على المنع من الصرف وعلة المنع من الصرف هى صيغة منتهى الجموع والذين قرأوهما بالتنوين ( مصروفتين ) لهم سند فى ذلك . ووجه صرف الكلمتين أن بعض العرب كانت تصرف كل الكلام ، وليس فى لهجتهم كلام مصروف وكلام غير مصروف. بل هو كله مصروف ، والقرآن نزل أصلاً بلغة قريش ، ثم بلهجات القبائل العربية الأخرى (3) .
الهوامش: ------------------------ (1) الإنسان : 4 . (2) الإنسان : 15 . (3) انظر : التوجيهات النحوية والصرفية للقراءات (1/598) للدكتور:على محمد فاخر .