حقيقة السموات السبع.

الناقل : heba | المصدر : www.dar-alifta.org

الشبهة

جاء في القرآن الكريم قول الله تعالى: { وَجَعَلْنَا السَّمَاءَ سَقْفًا مَحْفُوظًا وَهُمْ عَنْ آَيَاتِهَا مُعْرِضُونَ } [الأنبياء: 32]
وقوله: { اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَوَاتٍ وَمِنَ الأرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الأمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا } [الطلاق: 12]
وقوله : { هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الأرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَوَاتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ } [البقرة: 29]
وقوله : { فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا وَزَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيم } [فصلت: 12]
وقوله : { وَيُمْسِكُ السَّمَاءَ أَنْ تَقَعَ عَلَى الأرْضِ الأ بِإِذْنِهِ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ } [الحج: 65]
وقوله : { أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِنْ فُرُوجٍ } [ق: 6]
فكيف يقول القرآن عن الفضاء الذي هو متسام سمواً لا متناهي فوقنا إنه سقف أملس قابل للسقوط ، وإنه يوجد سبعة سقوف من هذا النوع ؟ وإن ملايين الكواكب التي تسبح في الفضاء غير المحدود مصابيح مركزة في هذا السقف الموهوم ؟ وكيف يقول إن أرضنا ، وهي واحدة من ملايين الكواكب والسيارات والأقمار والشموس يوجد سبعة مثلها ؟

 

 
الرد عليها
مركز الأبحاث الشرعية بدار الإفتاء المصرية

بيان المقصود بالآيات الكريمات:
أولاً : قوله تعالى : {وَجَعَلْنَا السَّمَاءَ سَقْفًا مَحْفُوظًا} يعني عن الوقوع بقدرته أو الفساد والإخلال إلى الوقت المعلوم بمشيئته أو استراق السمع بالشهب (1) وليس وجهًا واحدًا كما يري السائل.
ثانياً : لم يسم القرآن الكريم الفضاء سقفاً وإنما سمى السماء سقفاً, والسماء لا يراد بها الفضاء المتسامي, ولم يدرك العلماء إلى الناس هذا المراد بالسماء على وجه اليقين والله عز وجل هو الذي خلق الكون والسماء والأرض وهو العالم بعدد السماوات والأرضين.
ثالثاً: لم يشهد أحد من البشر خلق السماوات والأرض ومن ثم لم يعلم على وجه اليقين المراد بالسماوات السبع والأرضين السبع، ومن ثم فلا أحد لديه القدرة على إدراك حقائق هذا الكون العظيم الذي يجتهدون في إدراك حقائقه وكل يوم يكتشفون أن ما لديهم من العلم أقل القليل.
قال تعالى : { مَا أَشْهَدْتُهُمْ خَلْقَ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَلا خَلْقَ أَنْفُسِهِمْ وَمَا كُنْتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُدًا } [الكهف: 51]
وقال : {وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلا قَلِيلا} [الإسراء: 85] والعجيب أن كل ما يكتشف لا يناقض القرآن الكريم بل القرآن مستوعب لكل حقائق الكون.
رابعاً : والعقل البشرى ليس لديه من القدرة ما يمكنه من أن يطلع على هذه الحقائق ابتداءً , ولكنه إذا أخبر بها أمكن له أن يتصورها لا سيما إن كان الخبر من مصدر محفوظ موثوق فيه {لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ} [فصلت: 42] فموقف العقل إزاء هذه المعلومات أن يقبلها ولا يردها ما لم تصادم شيئاً في عقله وهي متصورة بل ولها شواهد واقعة فعلاً.
خامساً : والمراد بكون هذه السماوات سقوفًا  إما على الحقيقة ؛ لأنها تظل الخلق , أو على المجاز لأن كل ما علاك فهو سقف, قال صاحب لسان العرب : "والسماء سقف على الأرض " ..." والسقف السماء " (2)،  وقال الإمام الطاهر بن عاشور: "والسقف حقيقة ، غطاء فضاء البيت الموضوع على جدرانه ولا يقال السقف على غطاء الخباء والخيمة.  وأطلق السقف على السماء على طريقة التشبيه البليغ أي جعلناها كالسقف لأن السماء ليست موضوعة على عمد من الأرض" (3) ، والسائل لا يتصور أن تكون السماء سقفاً لأنه لا يعرف المراد بالسماء ولا يعلم ما حجمها , وما كيفيتها , وما الذي فوقها , ولهذا ينكر ولو علمها لفهم.
سادساً : القول بإنكار أن الكواكب مصابيح فيه إنكار للواقع المشاهد، بل هو مخالف لما جاء في كتب أهل الكتاب؛ ففي سفر الرؤية "كوكب عظيم متقد مصباح" [رؤى 8: 10] " وأمام العرش سبعة مصابيح" [رؤى 4:5] (4) .
يقول الإمام الألوسي مرجحاً قول الجمهور بأنها سبع أراضين "وأنا أقول بنحو ما قاله الجمهور -راجياً العصمة ممن على محور إرادته تدور أفلاك الأمور- هي سبع أرضين بين كل أرض وأرض منها مسافة عظيمة , وفي كل أرض خلق لا يعلم حقيقتهم إلا الله عز وجل , ولهم ضياء يستضيئون به ، ويجوز أن يكون عندهم ليل ونهار , ولا يتعين أن يكون ضياؤهم من هذه الشمس ولا من هذا القمر .....وأن الشمس بعالمها من توابع كوكب آخر تدور عليه دوران توابعها من السيارات عليها , هو فيما نسمع أحد كواكب النجم, وله ظن في أن ذلك أيضاً من توابع كوكب آخر.
هذا وملك الله تعالى العظيم عظيم لا تكاد تحيط به منطقة الفكر ويضيق عنه نطاق الحصر ....ثم قال رحمة الله " وبالجملة من صدق بسعة ملك الله تعالى وعظيم قدرته عز وجل لا ينبغي أن يتوقف في وجود سبع أراضين على الوجه الذي قدمناه ويحمل السبع على الأقاليم أو على الطبقات المعدنية والطينية ونحوهما مما تقدم.
وليس في ذلك ما يصادم ضرورياً من الدين أو يخالف قطعياً من أدلة المسلمين. ولعل القول بذلك التعدد هو المتبادر من الآية وتقتضيه الأخبار.  مع هذا هو ليس من ضروريات الدين فلا يكفر منكره أو المتردد فيه , لكن لا أرى ذلك إلا عن جهل بما هو الأليق بالقدرة والأحرى بالعصمة والله تعالى هو الموفق للصواب. (5)

والآيات الكونية تثبت سعة الكون وتضاؤل علم الإنسان :
ضآلة معارف الإنسان عن الكون :
    يقول "بيكر" : "لن تنتهي من سبر أغوار الكون ، وهى لن تعرف من الكون إلا مقدار ما نعرفه عن نقطة ماء في محيط ، أو كما قال " نيوتن " مكتشف مبدأ الجاذبية منذ ثلاثة قرون ونيف : " لست أدرى كيف أبدو في نظر العالم ، ولكني في نظر نفسي أبدو كما لو كنت غلاماً يلعب على شاطئ البحر ويلهو بين الحين والآخر بالحصول على حجر أملس أو محارة بالغة الجمال ، في الوقت الذي يمتد فيه محيط الحقيقة أمامي دون أن يسبر أحد غوره" (6)
    يقول الأستاذ محمود عبد الرءوف قاسم عندما نخرج في نطاق مجموعتنا الشمسية لنرى المسافات بين شمسنا وغيرها من الشموس ، أو غيرها من الشموس الآخري ، لا يبقي أي معنى للكيلو مترات ولا لملايينها أو ملياراتها .وتصبح وسائل القياس السنين الضوئية ، والبارسك " الفرسخ الفلكي".
والسنة الضوئية هي المسافة التي يقطعها الضوء في سنة واحدة وهي تساوي ؛ "9460800000000 " تسعة ترليون وأربعمائة وستون ملياراً وثمانمائة مليون كيلو متر . وهذا رقم لو أردنا أن نعد من الواحد حتى نصله للزمنا أكثر من مئة ألف سنة لا نأكل فيها ولا نشرب ولا ننام . والفرسخ الفلكي يساوي 3,26 سنة ضوئية .
    إن أقرب نجم إلى شمسنا , وهو المسمى " قنطوروس أ " يبعد عنا حوالي أربع سنين ضوئية وثلث السنة . وتبعد الشعرى اليمانية عنا بما يزيد عن ست سنين ضوئية .
    كما يبعد النجم " دجاجة 61 " حوالي ثماني سنوات ضوئية ونصف وقد رؤي أن هناك عدداً ضئيلاً جداً من النجوم لا يزيد عن السبع تنقص أبعادها عنا عن عشر سنين ضوئية بينما تبعد النجوم الأخرى مئات السنيين وآلافها وملايينها وملياراتها "(7) 
    ثم يقول : بعد إثبات الأبعاد بين الشمس والكواكب المحيطة بها يقول لكنها رغم ضخامتها فهي ضئيلة تافهة أمام الأبعاد بين الشموس.
 
ما هو المراد بالسماء؟
    تلك القبة الزرقاء لا تعدوا في مجموعها جو الأرض ولا تخرج في حقيقتها عن كونها ظاهرة من ظاهرات الضوء في هذا الجو الأرضي0 ولعل خير وسيلة لإعطاء السماء معنى دونه كل المعاني أن نتصورها الكرة الجامعة لجميع الأفلاك والنجوم في المجرة القريبة , أي في حدود الكون المادي الذي يعلوا الأرض ويقابلها ؛ فالسماء اسم لما علاك وارتفع فوق رأسك, وأنت عندما تتصور عند سماعك لفظ السماء هذا الكون الذي فوقك فيه الشمس والقمر وسائر الكواكب تجرى في مجاريها وتتحرك في مداراتها " . . . وعلى هذا فالسماوات السبع تحديد لنوع مما خلق الله فوقنا من هواء وشهب ونيازك وأقمار ومذنبات وكواكب وشموس يعلوا بعضها بعضاً وتتألف منها عوالم الكون أو طبقات السماوات وهكذا نرى أن السماوات السبع ليست شيئاً فوق التصور أو الإدراك .


 

 

الهوامش:
---------------------
 (1) أنوار التنزيل وأسرار التأويل 2 / 33.
 (2) لسان العرب مادة سقف 3/2040.
 (3) التحرير والتنوير 17/58.
 (4) حقائق الإسلام في مواجهة شبهات المشككين صـ451 .
 (5) تفسير روح المعاني 13/ 104.
 (6) من علم الفلك القرآني د/ عدنان الشريف صـ 45 وما بعدها ، وانظر كذلك ص 65.
 (7) براهين على أن الإسلام هو الحقيقة التي يبحثون عنها أو الإسلام وحقائق العلم ص 88 وما بعدها،  وينظر الإسلام في عصر العلم ص 264 ، وينظر من علوم الأرض القرآنية ص 61 وما بعدها.