1 ـ يُعد الإسلام أول من نادى بحقوق الإنسان وشدد على ضرورة حمايتها . وكل دارس للشريعة الإسلامية يعلم أن لها مقاصد تتمثل فى حماية حياة الإنسان ودينه وعقله وماله وأسرته . والتاريخ الإسلامى سجل للخليفة الثانى عمر بن الخطاب مواجهته الحاسمة لانتهاك حقوق الإنسان وقوله فى ذلك : " متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارًا " ؟ . 2 ـ تنبنى حقوق الإنسان فى الإسلام على مبدأين أساسيين هما : مبدأ المساواة بين كل بنى الإنسان ، ومبدأ الحرية لكل البشر . ويؤسس الإسلام مبدأ المساواة على قاعدتين راسختين هما : وحدة الأصل البشرى ، وشمول الكرامة الإنسانية لكل البشر . أما وحدة الأصل البشرى فإن الإسلام يعبر عنها بأن الله قد خلق الناس جميعًا من نفس واحدة . فالجميع إخوة فى أسرة إنسانية كبيرة لا مجال فيها لامتيازات طبقية. والاختلافات بين البشر لا تمس جوهر الإنسان الذى هو واحد لدى كل البشر . ومن هنا فهذه الاختلافات ينبغى ـ كما يشير القرآن الكريم ـ أن تكون دافعًا إلى التعارف والتآلف والتعاون بين الناس وليس منطلقًا للنزاع والشقاق : ( يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبًا وقبائل لتعارفوا * إن أكرمكم عند الله أتقاكم ) (1) . أما القاعدة الأخرى للمساواة فهى شمول الكرامة الإنسانية لكل البشر . وقد نص القرآن على ذلك فى قوله : ( ولقد كرمنا بنى آدم ) (2) . فالإنسان بهذا التكريم جعله الله خليفة فى الأرض ، وأسجد له ملائكته ، وجعله سيدًا فى هذا الكون ، وسخر له ما فى السموات وما فى الأرض . فالإنسان بذلك له مكانته ومكانه المفضل بين الخلق جميعًا . وقد منح الله هذه الكرامة لكل الناس بلا استثناء لتكون سياجًا من الحصانة والحماية لكل فرد من أفراد الإنسان ، لا فرق بين غنى وفقير وحاكم ومحكوم . فالجميع أمام الله وأمام القانون وفى الحقوق العامة سواء . أما المبدأ الثانى الذى ترتكز عليه حقوق الإنسان فهو مبدأ الحرية . فقد جعل الله الإنسان كائنًا مكلفًا ومسئولاً عن عمارة الأرض وبناء الحضارة الإنسانية . وليست هناك مسئولية دون حرية ، حتى فى قضية الإيمان والكفر التى جعلها الله مرتبطة بمشيئة الإنسان ( فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر ) (3) . وهكذا تشمل الحرية كل الحريات الإنسانية دينية كانت أم سياسية أم فكرية أم مدنية . 3 ـ الحكم فى تعاليم الإسلام لابد أن يقوم على أساس من العدل والشورى . وقد أمر الله الناس فى القرآن بالعدل وألزمهم بتطبيقه ( إن الله يأمر بالعدل والإحسان ) (4) . ( وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل ) (5). والآيات فى ذلك كثيرة . أما الشورى فهى مبدأ أساسى ملزم . وكان النبى - صلي الله عليه وسلم - يستشير أصحابه ويأخذ برأى الأغلبية وإن كان مخالفًا لرأيه . وأظهر مثل على ذلك خروج المسلمين إلى غزوة أُحد . فقد كان الرسول يرى عدم الخروج ، ولكن الأكثرية كانت ترى الخروج . فنزل على رأيهم وخرج ، وكانت الهزيمة للمسلمين . ومع ذلك شدد القرآن على ضرورة الشورى فقال مخاطبًا النبى : ( فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم فى الأمر ) (6). ولا يلتفت فى هذا الصدد إلى رأى قلة من الفقهاء الذين يزعمون أن الشورى غير ملزمة . فهذا الزعم مخالف للنصوص الدينية الصريحة . وقد ترك الإسلام للمسلمين حرية اختيار الشكل الذى تكون عليه الشورى طبقًا للمصلحة العامة . فإذا كانت المصلحة تقتضى أن تكون الشورى بالشكل المعروف الآن فى الدول الحديثة فالإسلام لا يعترض على ذلك . وكل ما فى الأمر هو التطبيق السليم مع المرونة طبقًا لظروف كل عصر وما يستجد من تطورات محلية أو دولية . ومن ذلك يتضح مدى حرص الإسلام على حقوق الإنسان وصيانتها ، وحرصه على التطبيق السليم لمبدأ الشورى أو الديمقراطية بالمفهوم الحديث . 4 ـ الإسلام أتاح الفرصة لتعددية الآراء ، وأباح الاجتهاد حتى فى القضايا الدينية طالما توافرت فى المجتهد شروط الاجتهاد . وجعل للمجتهد الذى يجتهد ويخطئ أجرًا وللذى يجتهد ويصيب أجران . والدارس لمذاهب الفقه الإسلامى المعروفة يجد بينها خلافًا فى وجهات النظر فى العديد من القضايا . ولم يقل أحد : إن ذلك غير مسموح به . ومن هنا نجد أن الإسلام يتيح الفرصة أمام الرأى الآخر ليعبر عن وجهة نظره دون حرج مادام الجميع يهدفون إلى ما فيه خير المجتمع والحفاظ على أمنه واستقراره .
الهوامش: ------------------------ (1) الحجرات : 13. (2) الإسراء : 70. (3) الكهف : 29. (4) النحل : 90. (5) النساء : 58. (6) آل عمران : 159.