ما موقف الإسلام من الديمقراطية وحقوق الإنسان ؟

الناقل : heba | الكاتب الأصلى : د / عبد الصبور مرزوق | المصدر : www.dar-alifta.org

ما موقف الإسلام من الديمقراطية وحقوق الإنسان ؟
الشبهة
 
 
الرد عليها
أ. د / عبد الصبور مرزوق

1 ـ يُعد الإسلام أول من نادى بحقوق الإنسان وشدد على ضرورة حمايتها . وكل دارس للشريعة الإسلامية يعلم أن لها مقاصد تتمثل فى حماية حياة الإنسان ودينه وعقله وماله وأسرته . والتاريخ الإسلامى سجل للخليفة الثانى عمر بن الخطاب مواجهته الحاسمة لانتهاك حقوق الإنسان وقوله فى ذلك : " متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارًا "  ؟ .
2 ـ تنبنى حقوق الإنسان فى الإسلام على مبدأين أساسيين هما : مبدأ المساواة بين كل بنى الإنسان ، ومبدأ الحرية لكل البشر .  ويؤسس الإسلام مبدأ المساواة على قاعدتين راسختين هما : وحدة الأصل البشرى ، وشمول الكرامة الإنسانية لكل البشر .  أما وحدة الأصل البشرى فإن الإسلام يعبر عنها بأن الله قد خلق الناس جميعًا من نفس واحدة .  فالجميع إخوة فى أسرة إنسانية كبيرة لا مجال فيها لامتيازات طبقية.
    والاختلافات بين البشر لا تمس جوهر الإنسان الذى هو واحد لدى كل البشر .  ومن هنا فهذه الاختلافات ينبغى ـ كما يشير القرآن الكريم ـ أن تكون دافعًا إلى التعارف والتآلف والتعاون بين الناس وليس منطلقًا للنزاع والشقاق : ( يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبًا وقبائل لتعارفوا * إن أكرمكم عند الله أتقاكم ) (1) .
    أما القاعدة الأخرى للمساواة فهى شمول الكرامة الإنسانية لكل البشر .  وقد نص القرآن على ذلك فى قوله : ( ولقد كرمنا بنى آدم ) (2) . فالإنسان بهذا التكريم جعله الله خليفة فى الأرض ، وأسجد له ملائكته ، وجعله سيدًا فى هذا الكون ، وسخر له ما فى السموات وما فى الأرض . فالإنسان بذلك له مكانته ومكانه المفضل بين الخلق جميعًا . وقد منح الله هذه الكرامة لكل الناس بلا استثناء لتكون سياجًا من الحصانة والحماية لكل فرد من أفراد الإنسان ، لا فرق بين غنى وفقير وحاكم ومحكوم  .  فالجميع أمام الله وأمام القانون وفى الحقوق العامة سواء .
    أما المبدأ الثانى الذى ترتكز عليه حقوق الإنسان فهو مبدأ الحرية .  فقد جعل الله الإنسان كائنًا مكلفًا ومسئولاً عن عمارة الأرض وبناء الحضارة الإنسانية . وليست هناك مسئولية دون حرية ، حتى فى قضية الإيمان والكفر التى جعلها الله مرتبطة بمشيئة الإنسان  ( فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر ) (3) . وهكذا تشمل الحرية كل الحريات الإنسانية دينية كانت أم سياسية أم فكرية أم مدنية .
3 ـ الحكم فى تعاليم الإسلام لابد أن يقوم على أساس من العدل والشورى . وقد أمر الله الناس فى القرآن بالعدل وألزمهم بتطبيقه  (  إن الله يأمر بالعدل والإحسان  ) (4) .  ( وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل ) (5).  والآيات فى ذلك كثيرة . أما الشورى فهى مبدأ أساسى ملزم . وكان النبى - صلي الله عليه وسلم - يستشير أصحابه ويأخذ برأى الأغلبية وإن كان مخالفًا لرأيه .  وأظهر مثل على ذلك خروج المسلمين إلى غزوة أُحد .  فقد كان الرسول يرى عدم الخروج ، ولكن الأكثرية كانت ترى الخروج .  فنزل على رأيهم وخرج ، وكانت الهزيمة للمسلمين . ومع ذلك شدد القرآن على ضرورة الشورى فقال مخاطبًا النبى : ( فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم فى الأمر ) (6).
    ولا يلتفت فى هذا الصدد إلى رأى قلة من الفقهاء الذين يزعمون أن الشورى غير ملزمة .  فهذا الزعم مخالف للنصوص الدينية الصريحة .
    وقد ترك الإسلام للمسلمين حرية اختيار الشكل الذى تكون عليه الشورى طبقًا للمصلحة العامة .  فإذا كانت المصلحة تقتضى أن تكون الشورى بالشكل المعروف الآن فى الدول الحديثة فالإسلام لا يعترض على ذلك .  وكل ما فى الأمر هو التطبيق السليم مع المرونة طبقًا لظروف كل عصر وما يستجد من تطورات محلية أو دولية .
    ومن ذلك يتضح مدى حرص الإسلام على حقوق الإنسان وصيانتها ، وحرصه على التطبيق السليم لمبدأ الشورى أو الديمقراطية بالمفهوم الحديث .
4 ـ الإسلام أتاح الفرصة لتعددية الآراء ، وأباح الاجتهاد حتى فى القضايا الدينية طالما توافرت فى المجتهد شروط الاجتهاد .  وجعل للمجتهد الذى يجتهد ويخطئ  أجرًا وللذى يجتهد ويصيب أجران .  والدارس لمذاهب الفقه الإسلامى المعروفة يجد بينها خلافًا فى وجهات النظر فى العديد من القضايا .  ولم يقل أحد : إن ذلك غير مسموح به .  ومن هنا نجد أن الإسلام يتيح الفرصة أمام الرأى الآخر ليعبر عن وجهة نظره دون حرج مادام الجميع يهدفون إلى ما فيه خير المجتمع والحفاظ على أمنه واستقراره .

 

 

الهوامش:
------------------------
(1) الحجرات : 13.
(2) الإسراء : 70.
(3) الكهف : 29.
(4) النحل : 90.
(5) النساء : 58.
(6) آل عمران : 159.