حرمة الأشهر الحرم

الناقل : heba | المصدر : www.dar-alifta.org

حرمة الأشهر الحرم
الشبهة

الأشهر الحرم كانت موجودة قبل الإسلام ، وقد أخذ الدين الإسلامي حرمة هذه الأشهر من عرب الجاهلية ، و رأى محمد صلى الله عليه و سلم هذا التحريم معارضا لرغبته في الغزو والانتقام فغدر بأعدائه وأباح حرمة هذه الشهور كما جاء في سورة التوبة : { فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآَتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ } [ التوبة : 5 ] ، وقد ناقض نفسه بقوله في سورة البقرة أيضًا : { يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ} [ البقرة : 217 ] .

 
الرد عليها
مركز الأبحاث الشرعية بدار الإفتاء المصرية
الإسلام متشوف لتحريم الدماء ورد الاعتداء:
أولا : إن إقرار الإسلام على تحريم الأشهر الحرم إنما كان من باب صون الدماء من الإراقة بغير حق إذ هذا الدين الحنيف بطبعه متشوف لصون دماء الناس -من أتباعه ومن غيرهم-  أن تراق بغير حق فلا جرم أن كان من مقاصده الكلية حفظ النفس.
    لكن ما الظن إذا حرم الإسلام قتال الناس على أتباعه فاعتدي عليهم ؟ أيليق بهم إذا اعتدي عليهم أن يقفوا مسلوبي الإرادة لا يدافعون عن أنفسهم ؟ لا، قال الله تعالى: {الشَّهْرُ الحَرَامُ بِالشَّهْرِ الحَرَامِ وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ وَاتَّقُوا  اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ المُتَّقِينَ} [البقرة :194]و المعنى من عظم الشهر الحرام فلم يقاتل فيه فقابلوا ذلك بتعظيم الشهر الحرام و احقنوا دماء بني آدم ومن جاوز حده عليكم فردوا بغيه بمثل ما فعل لا يضركم أن تفعلوا هذا في أي وقت كان.

الأشهر الحرم معظمة لكن تعظيم النفس أكبر:
ثانيا: و بهذا التقرير الذي سبق تبين أن حكم القرآن حيال القتال في الأشهر الحرم واحد
لم يختلف من موضع إلى موضع و تتوافق الآية الثانية مع هذا المعنى تماما –إذا قرأت الآية كوحدة واحدة  دون أن يبتر منها شيء - وهي قوله تعالى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَن سَبِيلِ اللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِندَ اللَّهِ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ القَتْلِ وَلاَ يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَن دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا وَمَن يَرْتَدِدْ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُوْلَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [البقرة :217]
فالآية تحكي سؤالا وجوابًا، السؤال عن الشهر الحرام، والجواب يفيد تعظيم جرم القتال فيه لكن من يعتدي فيسفك الدم و يعتدي على حرمات البيت و يخرج أهله منه جرمه أكبر عند الله.
    أي {يسألونك} عن قتال في الشهر الحرام {قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ} ولكن الصد عن سبيل الله وعن المسجد الحرام والكفر به أكبر من ذلك القتال {وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ} بين تعالى أن غرضهم من هذا السؤال أن يقاتلوا المسلمين ثم أنزل الله تعالى بعده قوله: {الشَّهْرُ الْحَرَامُ بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ والمحرمات قِصَاصٌ فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ} فصرح في هذه الآية بأن القتال على سبيل الدفع جائز.(1)

موقف الإسلام من عادات الناس و ثقافاتهم :
 ثالثاً : هل لا بد للإسلام أن يحرم كل عادة –حسنة أو قبيحة- كانت قبل بعث النبي محمد صلى الله عليه وسلم ؟ أليس شططا عن نهج الصواب أن نأتي على عادات الناس وثقافتهم التي لا تضر بل قد تفيد البشرية فنحرمها و نجرمها ؟ إن الإسلام يعلمنا بإقرار ما كانت عليه العرب من تحريم هذه الأشهر أن نقر الحق ولو كان مصدره غيرنا، وأن نقف مع الحق و لو لم يكن في جانبنا، و أن نستفيد من كل تجربة إنسانية نافعة مهما كان فاعلها .
 رابعا : لم تكن حرمة الأشهر الحرم عند عرب الجاهلية فقط، بل كانت في شريعة إبراهيم، بقيت حتى جاء الإسلام الحنيف، فأقرها وحرم ما فعل العرب بها من تجاوزات0

 
 
 
 
الهوامش:
-----------------------
(1)  مفاتيح الغيب 6/ 30.