كيف يجيز الإسلام تعدد الزوجات؟

الناقل : heba | المصدر : www.dar-alifta.org

كيف يجيز الإسلام تعدد الزوجات؟
الشبهة
جاء في القرآن: {فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلاَّ تَعُولُوا} [النساء : 3] ونحن نسأل: أليس تعدد الزوجات مخالفا لسُنَّة الله منذ بدء الخليقة؟ فقد خلَق الله حواء واحدة لآدم واحد. وفي تعدد الزوجات إفساد لأخلاق الرجل بالمظالم، وتأخير لنجاح الأولاد، وإهانة للزوجات، وتدمير للتقدم الاجتماعي والسلامة القومية. ونحن نكرِّم الرجولة باحترام الأمهات والأخوات والبنات والزوجات، ومن يفسد البيت يفسد الإنسانية.
 
الرد عليها
مركز الأبحاث الشرعية بدار الإفتاء المصرية

    عدم خَلْق الله زوجة أخرى لسيدنا آدم عليه السلام غير أمنا حواء ليس دليلا على حُرْمَة التعدد؛ لأن آدم وحواء كانا فردين ليس معهما في الكون أحد، ولم يأمر الله أحدًا من عباده بأن يقتدي بهما في ترك التعدد، كما أن كون التعدد حاجة لبعض الناس  لا تقتضي أن يعدد الخلق جميعا أزواجهم.
    وفرق كبير بين المنظومة الإسلامية وغيرها ، فالتعدد جزء من هذه المنظومة التي ضيَّق الله فيها على عباده من جهة، وبسط لهم من جهة أخرى، فحرَّم النظر إلى المرأة الأجنبية، وحرَّم الخلوة، وحرَّم الزنا، وأباح تعدد الزوجات.
    أمَّا المنظومة الأخرى فإنها لا تؤمن إلا بالحرية الإنسانية والإفراط في هذه الحرية ، ولا تؤمن بالله ولا بأحكامه وتشريعاته، فالإسلام يأتي بما يُعَمِّر ويأتي غيره بما يُدَمِّر.
    وتعدد الزوجات أمر مقرر في الكتب السماوية كلها، فالتوراة فيها إثبات التعدد عن كثير من رسل الله، منهم؛ نبي الله إبراهيم([1]) ويعقوب([2]) وداود([3]) - عليهم جميعًا وعلى نبينا الصلاة والسلام- أمَّا الإنجيل فإنك لا تجد فيه نصًّا يُحَرِّم التعدد؛ لذلك لم تكن الكنيسة تُحَرِّم تعدد الزوجات حتى القرن السابع عشر([4]) بل ومن الطوائف المسيحية مَنْ يعمل بتعدد الزوجات حتى الآن كالطائفة المارونية وطائفة المرمون وبعض أتباع لوثر- البروتستانت- ولم تُحَرِّم المسيحية التعدد إلا بقانون مدني لا بنص من الكتاب المقدس.([5])
    يُضَاف إلى ذلك أن أمر تعدد الزوجات ليس من تشريع الأديان السماوية فحسب، بل هو أمر مستقر في سائر الحضارات، فالثابت تاريخيًّا أن تعدد الزوجات ظاهرة عرفتها البشرية منذ أقدم العصور ، بل كانت هذه الظاهرة مُنْتَشِرة بين الفراعنة ، وأشهر الفراعنة على الإطلاق وهو رمسيس الثاني، كان له ثماني زوجات، وعشرات الجواري، وأنجب أكثر من مائة وخمسين ولدا وبنتا ، وأسماء زوجاته وأولاده منقوش على جدران المعابد حتى اليوم.
    وكان تعدد الزوجات شائعا أيضا في الشعوب ذات الأصل "السلافي"، وهى التي تُسمَّى الآن بالرُّوس والصِّرب والتشيك والسلوفاك ، وتضُمُّ أيضا معظم سكان ليتوانيا وأستونيا ومقدونيا ورومانيا وبلغاريا.
    ولكن الإسلام قد قيَّد هذا التعدد بألاَّ يزيد على أربع، وجعله مشروطًا بالعدل بين الزوجات، ولم يأمر كل مسلم بالتعدد، ولكنه جعل التعدد مباح، فمن كانت له قدرة عليه ويستطيع الوفاء بحقِّه جاز له.
    فالإسلام لم يُنشئ التعدد، وإنما حَدَّده، ولم يأمر بالتعدد على سبيل الوجوب، وإنما رخَّص فيه وقيَّدَه لمن كان في حاجة إليه ، وليس في تعدد الزوجات ما ذكر السائل من الْمَثَالب، بل إن له فائدة عظيمة في ظل ما يشهده العالم من الانحلال الأخلاقي كتعدد الصديقات والعشيقات ، الذي لا حلَّ لها سوى هذا التشريع الإلهي الحكيم.
    والإسلام حين شرع التعدد لم يغفل عن ضرر قد يقع على الزوجة الأولى من جرَّاء هذا التعدد ، ولكنه وازن بين المصالح المترتبة على التعدد والمصلحة المستفادة من البقاء على زوجة واحدة فدفع أشد المفسدتين وجلب أعظم المصلحتين.

الحكمة من التعدُّد في نظر الإسْلام:
    هناك فوائد عدة من أجلها شرع الله التعدد ، منها: الفائدة الاجتماعية، ومنها: تحقيق مصالح الدين والمجتمع، والحفاظ على الأخلاق.

أمَّا الفائدة الاجتماعية فتظهر في حالتين لا يُنْكِر أحدٌ وقوعها:
    1- عند زيادة النساء على الرجال، كما هو الشأن في كثير من البلدان.
    2- عند قلَّة الرجال عن النساء قلة بالغة نتيجة الحروب الطاحنة أو الكوارث العامة.

وأمَّا تحقيق مصالح الدين والمجتمع والحفاظ على الأخلاق فتتحقق في صور منها:
    1- أن تكون الزوجة عقيم لا تلد، والزوج يُحِبُّ إنجاب الأولاد والذرية ولا يوجد عنده مانع.
    2- أن تُصَاب الزوجة بمرض مُزْمِنٍ أو مُعْدٍ أو مُنفِّر، بحيث لا يستطيع الزوج أن يعاشرها معاشرة الأزواج، فالزوج هنا بين حالتين: إما أن يُطلِّقَها، وإما أن يتزوج عليها ويبقيها في عصمته وتحت رعايته، ولا يشك أحد في أن الحالة الثانية أكرم وأنبل، وأضمن لسعادة الزوجة المريضة وزوجها على السواء.
    3- أن يكون الرجل بحكم عمله كثير الأسفار، ويتعذر عليه نقل زوجته وأولاده كلما سافر.
    4- أن يكون عند الرجل من القُوَّة الجنسية ما لا يكتفي معها بزوجته، إمَّا لشيخوختها، أو لضعفها، أو لكثرة الأيام التي لا تصلح فيها المعاشرة- وهي أيام الحيض والحمل والنفاس والمرض وما أشبهها.

    لقد كان تعدد الزوجات -إذن- معروفا ومُنتَشِرًا في سائر أنحاء العالم قبل أن يبعث النبي محمد -صلى الله عليه وسلم- رحمة للعالمين.
    وكان التعدد مطلقا بلا أية حدود أو ضوابط أو قيود ، ولم يكن هناك كما يتضح من الأمثلة السابقة حد أقصى لعدد الزوجات أو الجواري.
    ولم يكن هناك اشتراط على الزوج أن يعدل بين زوجاته، أو يقسم بينهن بالسوية - كما أمر بذلك الإسلام.
    فلما جاءت الشريعة الإسلامية قيَّدت التعدد بالقدرة فلا يجوز لمن لا يملك القدرة على النفقة ومُؤَنِ النِّكاح أن يُقْدم على هذا التعدد ، بل إن التعدد في حقه حرام ، ليس هذا فحسب بل أمرت الشريعة في حال التعدد بوجوب العدل بين الزوجات وإلا حرم التعدد أيضًا.



الهوامش:
----------------------------------------
([1]) سفر التكوين 21/9
([2]) سفر التكوين 29/16: 32
([3]) أخبار الأيام الأول الإصحاح 2، 3، 4
([4]) راجع كتاب الأديان في كفة الميزان للدكتور محمد فؤاد الهاشمي ص 109 وكان نصرانيًا وأسلم.
([5]) مكانة المرأة في الإسلام، محمد عطية الإبراشي، دار الشعب ص 65 نقلا عن كتاب للمرحوم السيد أمير على القاضي الهندي بعنوان The Spirit of Islam  ص 224