الاسترخاء هو في الواقع طريقة معيشة. إذ أنه يستوجب على المرء أن يتعلم كيفية الإبقاء على حسن الاسترخاء الذي تولده هذه الأنشطة المختلفة وحمله عبر الأيام القادمة الحافلة بالعمل. ولتحقيق ذلك يجب استيضاح نقطتين هامتين. يتكوّن كلّ كائن بشري من عقل وعاطفة وجسد. وتتفاعل هذه الأجزاء المنفصلة في ما بين تفاعل وثيق. فإن شعرت بتوتر عاطفي ـ أو بالعصبية أو الخوف أو الغضب ـ توتر جسدك. وإن أحسست بالتوتر الجسدي، يصعب عليك أن تكوني هادئة عاطفياً. كذلك، لن يبقى عقلك، وهو القوة المفكرة فيك، تحت سيطرتك، إذ يتملك التوتر جسدك وعواطفك على السواء. فكم من مرة سألت أناساً يعانون من ضغط عاطفي كبير ((ما الأمر؟ ماذا تحاول أن تفعل؟)) يكون الجواب ((آه، لم يعد بإمكاني التفكير بوضوح)). وكم من مرة عانينا جميعاً من تلك اللحظات التي نفقد فيها سيطرتنا على كل ما يحيط بنا! فقليل من الناس يدركون أهمية فهم التفاعل بين العقل والعاطفة والجسد، ومدى تأثير الواحد منها على الآخر. من جهة ثانية، يعتبر الكائن البشري في الحقيقة وحدة إنتاج للطاقة. فهو يتزود بالطاقة ويصرفها، في مختلف نواحي حياته. فالحياة عبارة عن طاقة، وإن فنّ الاسترخاء يتمثل بتعلّم كيفية استخدام الطاقة بشكل سليم وكيفية الحفاظ على رصيد ثابت منها. يدخل الأوكسجين إلى الرئتين عبر التنفس، ويحمله الدم إلى جميع خلايا الجسم وأعضائه. لهذا السبب يعتبر التنفس الصحيح لملء الرئتين بالأوكسجين أساساً لحفاظ المرء على صحته وعافيته. والواقع أننا لكما شددنا عضلة استخدمنا بعض الأوكسجين. ذلك أن هذا العنصر هو مصدر رئيسي للطاقة. وإن توترت العضلات بلا داع، ضاعت الطاقة سدىً. فقد صادفت أناساً كثر يستهلون أيامهم مشدودي الكتفين والفك، مقبوضي الكفين، عابسين على الدوام، غير مدركين لما يصرفونه من طاقة ثمينة بلا فائدة. فيستنفدون رصيدهم منها ويتساءلون مع ذلك عن سبب الضعف الجسدي والعاطفي والعقلي الذي يشعرون به. ملاحظات هامة: يجب أن تتعلمي أولاً كيفية إراحة الجسد بالكامل وخفض توتر العضلات إلى حدّ أدنى، وبالتالي استهلاك أقل كمية من الأوكسيجين. ثم تأخذين بعد ذلك أقصى قدر ممكن من الأوكسجين ليمر عبر الرئتين إلى الدم. استرخي وحسب: قبل الحديث عن الاسترخاء، أودّ أن أشير إلى أنه ما من عضلة في الجسم تتحرك بدون منبّه عصبي. فتوتر العضلة واسترخاؤها يتطلبان انتقال إشارات عبر الألياف العصبية. والواقع أنه باستطاعة أياً كان الاسترخاء إن هو شاء ذلك، ما لم يكن يعاني من مشاكل في جهازه العصبي. إلا أنه يجب أن يرغب بأن يعيش حياته بملئها وبأن يعمل جسده بالشكل الأمثل. ويستلزم ذلك إدراك مدى أهمية الحفاظ على الطاقة. فقد أكدت لي إحدى مرضاي قائلة: ((لن تتمكني من تعليمي كيفية الاسترخاء، فأنا إنسانة شديدة التوتر. كنت دائماً كذلك وسأبقى))، فأجبتها: ((ما من أحد يستطيع منعك نمن التعلم سواك أنت، فإن أردت التغيير، بإمكانك ذلك)). بيد أنها كانت رافضة مع الأسف، وتمسكت بفكرة مسبقة عن نفسها بأنها امرأة عصبية. فلم يكن بمقدور أي كان أن يثنيها عن إيذاء نفسها بما أنها اختارت ذلك. بالتالي، عندما تنوين الاسترخاء ليكن موقفك تجاهه إيجابياً. تمددي وأريحي نفسك بواسطة الوسائد، واشعري بالمتعة والاكتفاء، وكوني مدركة بأنك قادرة على استغلال هذا الوقت لتجديد طاقتك التي تحتاجين لإنجاز ما ينتظرك من أعمال. وفي حال استخدام عدسات لاصقة يستحسن نزعها قبل البدء بفترة الاسترخاء التام. فحين تسترخي العينان تستديران نحو الأعلى وقد يتغير مكان العدسة. ويتطلب الاسترخاء التام التمدد على سطح أفقي، كالسرير أو الأرض أو كرسي للنوم. ذلك أن الجلوس على كنبة يسبب بعض التوتر في عضلات الرقبة. وأوضاع الاسترخاء عديدة، عليك اختيار ما يناسبك منها. فإن تمددت على ظهرك، احرصي على وضع وسادة تحت فخذيك. وإن اضطجعت على جنبك ضعي وسادة صغيرة تحت بطنك لسند الثقل وأخرى بين فخذيك. فهي وضعية فعالة جداً ن كنت تعانين من عرق النسا. أما ألم الظهر، فبوسعك تخفيفه عبر دس وسادة صغيرة تحت ظهرك. غير أن اللجوء إلى الوسائد بالطريقة التي اقترحت، سيحسن وضعية نومك بشكل ملحوظ. كما أن الوسائد الصغيرة الحجم لا تحتل مكاناً كبيراً في السرير. وفي الحقيقة يتوجب على كل إنسان، ذكراً كان أم أنثى، أن يتعلم تقنية الاسترخاء التام وكيفية تخصيص وقت ((لإعادة التغذي بالطاقة)). ولكن غالباً ما يظن الناس أنهم يضيعون وقتهم سدى)). فيشعرون بالذنب عند إيقاف النشاط الجسدي والتمدد لبرهة ((بدون عمل شيء))، خاصة إن كانت آلاف الأعمال بانتظارهم. إنهم يعتبرون الجلوس، والاستلقاء، لفترة عشر دقائق أو خمسة عشر دقيقة في منتصف نهار حافل بالعمل، نوعاً من الكسل والخمول. فهو يعدُّ بالنسبة إليهم تخلفاً عن تأدية الواجب الذي يقومون به ولكن لو يدرك الناس بأنهم عوضاً عن الكسل وإضاعة الوقت فهم يستغلونه بطريقة فعالة لتجديد النشاط وإزالة التعب. فهم يكوّنون رصيداً جديداً من الطاقة الجاهزة للاستخدام عند الحاجة. وهذه الطريقة في إعادة التغذي ((ستشكل نفعاً مستديماً للصحة والسعادة والعلاقات بالآخرين وللحياة بصورة عامة)). والتوق إلى الكمال أمر جيد بالطبع، إلا أنه يجب أن يكون معتدلاً فالاعتدال هو أساس كل شيء، ذلك أن جميع الكائنات الحية تحمل الوجهين الإيجابي والسلبي، والحفاظ عليهما متوازين هو سرّ الحياة السعيدة الخلاّقة. أما الخوف من الفشل، والذي يعدّ عاطفة سلبية ومدمرة للغاية، فهو يتربص دوماً بالعقل المهووس بالكمال، مسبباً توتراً وضغطاً شديدين. وقد قرأت منذ عدة سنوات كلمات ساهمت في تغيير حياتي، وتقول: ((كي ينجح المرء عليه أن يرغب بالفشل)). فالخوف من الفشل يولد التوتر الذي يمنع المرء من بلوغ النتائج المثلى في المشاريع التي يباشرها. والواقع أننا معرضين جميعاً للسقوط لأن الإنسان الخارق لا وجود له. فإن تعلمنا من أخطائنا واعتبرناها تجربة أخرى في حياتنا، لن يكون ارتكابها معيباً في حقنا. ومن المتفق عليه بأن من شأن التوتر المستمر أن يضعف جهاز المناعة الذي يعدّ حصناً في وجه العداوى والأمراض. لذا، من الضروري للمرء أن يرتب أولوياته بشكل صحيح، فيتعلم الانصياع لرغبة جسده بالراحة عندما يشعر بالإجهاد. والواقع أن من شأن عشر دقائق أو خمس عشرة دقيقة من الاسترخاء الذي يتم بموقف ذهني سليم، أن تفعل العجائب. وتذكر على الدوام بأن الوقاية خير علاج. إن أول ما أقترحه عليك هو إعطاء الجسد إذناً ((بإخلاء سبيل)). قد يبدو ذلك غريباً، ولكن عندما تعطين جسدك عن وعي وراحة ضمير ولذة وإذناً بترك همومه ومشاكله جانباً، تتمكنين من التصدي للحوافز اللاواعية التي نأت مع مرور الزمن. وإن واجهت صعوبة في إرخاء مجموعة معينة من العضلات قومي أولاً بشدها ثم بإرخائها، فهي تقنية متبعة في طرق عديدة من الاسترخاء. ولكن بالرغم من فائدتها في بعض الحالات، يصبح البعض معتمداً عليها بحيث يعجز عن إرخاء عضلاته قبل شدها أولاً. وأنا أُفضل أن يعي الناس التوترات غير الضرورية وأن يلجأوا إلى عملية التخيل والتفكير لإزالتها. إلا أن تقنية الشد والإرخاء مفيدة بلا شك خاصة لمنطقة الكتفين والعضلات الممتدة في الجزء الأعلى من الظهر والتي تعتبر نقاط توتر مركزية. بالتالي، حاولي رفع كتفيك من وقت لآخر خلال النهار وشدهما إلى الخل معاً ومن ثم إراحتهما. فإن ثابرت على إرخاء أجزاء جسدك بالترتيب، لن يمضي وقت طويل قبل أن تصبحي قادرة على التمدد وإعطاء جسدك إذناً بإغفال همومه وبلوغ حالة من الاسترخاء التام خلال بضعة دقائق. إذن بإخلاء سبيل: ـ اليدين. ـ الجبهة والعينين والفك. ـ البطن. ـ أسفل الظهر. ـ الساقين. ـ الجزء الأعلى من الظهر. ـ الذراعين. عند انتهاء فترة الاسترخاء انهضي دوماً ببطء. ولا تنسي بأنه ما من عضلة تتحرك بدون استهلاك الأوكسجين، وحده الدم يغذي العضلات بهذا العنصر الحيوي. وهو يُضخّ عبر الأوعية الدموية إليها بواسطة القلب وجهاز القلب والأوعية. بالتالي إن قَفَزت بسرعة إلى العمل تصرخ العضلات طالبة الأوكسجين وعلى الجهاز القلبي الوعائي أن يلبي الطلب عبر ((الضخ الإضافي)). وهذا الأمر غير صحي لأي كان عدا عن أنه يبدد ثمانين بالمئة من الفائدة التي توفرها فترة الاستراحة. وإن كان الوقت المخصص لتجديد الطاقة محدوداً، بين خمس عشر وعشرين دقيقة، اضبطي منبهاً على الوقت الذي تريدين، وإلا لن تستسلمي للاسترخاء التام خوفاً من الاستغراق في النوم. وخلافاً لما يعتقده البعض فإن عشر دقائق من الاسترخاء الصحيح تفعل الأعاجيب وتعطيك شعوراً رائعاً بالارتياح. والآن كيف تدرجين الاسترخاء في جدول حياتك اليومية. تجدر الإشارة أولاً إلى أنه لا يمكن إيجاد شيء أو تأدية عمل إلا انطلاقاً من نقطة شدّ، غير أنه يجب أن يتم من نقطة الشد الصحية. ذلك أن الكائن البشري هو أشبه بالكمان. فالحصول على نغم جميل يستلزم في أن تكون الأوتار مشدودة جيداً، ولكن بالدرجة المطلوبة. فالأوتار المرتخية جداً لا تصدر أي صوت، بينما تسبب الأوتار المشدودة بشكل مفرط نشازاً مزعجاً. كذلك يجب إرخاء الأوتار بعد الفراغ من أداء اللحن، وإلا انقطعت إن بقيت مشدودة لوقت طويل. علينا أن نتعلم بالتالي كيفية تطبيق درجة الشد والإرخاء الصحيحة في مختلف أنشطتنا وكأنها أنغام نعزفها لنؤلف سيمفونية الحياة الكبرى. حاولي إذاً خلال تحركاتك أن تلاحظي التوترات غير الضرورية، أي تلك اللحظات التي تكون فيها الأوتار مشدودة بلا داع. أريحي مثلاً ذراعيك وساقيك عند الجلوس. فغالباً ما يجلس الناس بذراعين مكتوفين بشدة وساق ملفوفة حول الأخرى. وأنا لا أعارض لفَّ الساقين ولكن يستحسن إراحتهما من حين لآخر. فالذراعان والساقان لا تؤديان أي دور في عملية الجلوس. من الأفضل إذاً انتهاز لحظات الجلوس، حيثما كانت كفرصة وجيزةً ((لإعادة التزوج)) بالطاقة. راقبي أيضاً فكك، فقد تفاجئين عندما تكتشفينه مشدوداً في غالب الأحيان. فعديد من النساء اللواتي علمتهن لم يَكُنَّ مدركات كم يشدون أيديهن ويقطبن وجوههن حتى بدأن البحث عن التوترات غير الضرورية. وقد لاحظ عديد من الناس الفرق الذي طرأ على إحداهن قائلين: ((تبدين أصغر بعشر سنوات بعدما أقلعت عن العبوس باستمرار)). وتجدر الإشارة إلى أن التوتر لا يحدث بدون منبه عصبي. فمع مرور السنوات تتكرر الرسائل الآتية من الدماغ بشكل متلاحق بحيث تبلغ مستوى اللاوعي الذي لا يعي فيه الإنسان التوتر الذي يصيبه. ولتعديل الرسائل اللاواعية يجب التعرف على التوترات غير الضرورية وإرسال أمر بالاسترخاء. ومع الوقت والممارسة سيصبح وعيك أكثر حدة وسيعمل كل أمر ترسلينه على تعديل المنبه اللاواعي تدريجياً بحيث يتحول إرخاء أي توتر عضلي غير ضروري إلى عادة.