[]لم أكن أظن يوماً ما أن في مجتمعنا البشري من هم أبشع من الذئاب ، حتى عصرتني الحياة وطعنت بخنجرها الدامي . . . كنت حينها في الخامسة عشر من عمري ، أي في أخر سنوات الطفولة وفي بداية مرحلة الشباب ، أذكر وقتها أني كنت سعيداً بإجازة نصف السنة ، حيث اجتزت اختبار الفصل الدراسي الأول ( لثالث متوسط ) بكل تفوق ، ولم أكن أعلم أن هذه الإجازة ستكون منعطفاً أخراً في حياتي . . . منعطفاً نحو البؤس والحزن والألم والآه والضنك النفسي ، ورؤية الأشياء من خلال عين سوداء . . . كنت هادئ الطبع ، قليل الأصدقاء ، وأيضاً قليل الخروج من البيت ، وقد حباني الله بوسامة وجمال كنت استشف صداهما من همسات الأصدقاء في المدرسة أو الحارة وأحياناً في المنزل من أمي وأخواتي ، وعندما يشار إلى وسامتي أشعر بالخجل حتى يحمر وجهي ، وإن كان هذا الشيء لا يبهجني في الأصل لأني في بداية مرحلة ( المراهقة ) وكنت أبحث عن كل ما يقربني من أعمال وأفعال من يكبروني بالسن . . . وبما أني قليل الأصدقاء ، وأهلي لا يشجعوني على الخروج أو الاختلاط بالآخرين ـ باستثناء أحد أصدقاء الطفولة ـ وليكن أسمه ( نواف ) مع أن أسمه الحقيقي يختلف طبعاً . وكما ذكرت بأن الإجازة قد أسدت علينا بظلالها ، وكنت في قمة سعادتي . أما أخواني فكانوا ثلاثة كلهم أكبر مني ، الأكبر مني ( مباشرة ) يكبرني بثلاثة سنوات وليكن أسمه ( خالد ) ، ويكبره بسنتين جلال ( الاسم افتراضي ) ، ويكبر جلال أخي الأكبر طارق ( والاسم افتراضي ) . . . ودعوني ارمز لأسمي بـ ( تركي ) . أما أخي خالد فقد سمح له والدي بالسفر مع أصدقاءه إلى المنطقة الشرقية ، وأما أخي الأكبر طارق فكان معنا في الرياض ولكنه كثير الخروج مع أصدقاءه ، ويسهر حتى أوقات متأخرة من الليل ، ولا أجد ما يربطني فيه ـ آنذاك ـ من عوامل صداقة إلى جانب الإخوة ، ربما لفارق السن بيننا ، وبقي أخي الأوسط ( جلال ) وهو يكبرني بخمسة أعوام ، وكان حينها في المستوى الثاني في الجامعة ، وجلال هذا طيب القلب صافي النية ، قريب مني لأبعد الحدود ، وكثيراً ما يشعرني بحبه وحنانه الأخوي في كثير من المواقف ، وعلى الرغم من أن خالد هو الأقرب لي في السن ، إلا أن علاقتي مع خالد كان يسودها بعض التنافر ، ربما بسبب ( الغيرة ) بين أي أخوين ، مع أن علاقتي بخالد لم تكن سيئة بل كنت أحبه وأشتاق إليه ، أما جلال فهو محبوب ليس مني أنا فقط ، بل من جميع أسرتي ، فهو دمث الخلق وطيب القلب ، وجلال يشابهني في الشكل و بعض الصفات ، فهو أيضاً على قدر كبير من الوسامة ، وهادئ الطبع ، ويميل مثلي إلى الجلوس في البيت إلا إذا مر عليه أصدقاءه فيخرج معهم . . . وذات يوما ( أعتبره بداية المأساة ) جاء أخي ( جلال ) إلى البيت ومعه ثلاثة من أصدقاءه ، وأدخلهم إلى المجلس المساند في سور البيت ، وبعد فترة وإذا بأمي تناديني وتطلب مني أن أذهب بالشاي إلى جلال وأصدقاءه ، وذهبت إليهم وأنا أحمل الشاي ، وكانوا منشغلين باللعب على ( البلايستيشن ) الذي اشتراه جلال وأحضره معه . كان أحد الجالسين أسمه حسن ( افتراضي ) وهو الوحيد الذي كان وجهه مألوفاً لدي فقد رأيته مع جلال أكثر من مرة ، أما الاثنين الآخرين فلم يسبق لي حتى رؤيتهما ، وهنا طلب مني جلال مشاركتهم في اللعب ـ ربما إشفاقاً علي من الفراغ ـ وبالفعل بقيت معهم ، ومن خلال اللعب احتكيت بالاثنين الآخرين فأحدهما كان أسمه سعد ( افتراضي ) وكان أسمر البشرة والأخر أسمه فهد ( افتراضي ) ، أما سعد فكان كثير الضحك ومرح الطبع ، ولا يكتفي من شرب السجائر ، أما فهد فكان يميل إلى الصمت ، بيد أنه لا يفتأ من السخرية والتهكم على خصمه عندما يهزمه في مباراة بلايستيشن ، وهكذا قضيت أول مساء في مشاركة جلال وأصدقاءه الثلاثة حسن و سعد وفهد اللعب بالبلايستيشن ، وفي اليوم الثاني انهمكت على البلايستيشن من الظهر بشغف كبير ، كنت سعيداً جداً به ، وعندما أقترب المساء اتصلت بصديقي ( نواف ) وطلبت منه زيارتي في البيت ومشاركتي اللعب ، وحضر نواف وبدئنا في اللعب وأخذنا الاندماج في جو اللعب لساعات ، وما بدد انسجامنا سوى صوت جرس باب المنزل ، عندها ذهبت لأرى من بالباب ، فكان حسن ومعه سعد وفهد . و بادرني حسن : ( كيفك تركي ) . فرددت عليه : ( تمام مبسوط ) . قال لي : ( هاه كيف مستعد اليوم للبلايستيشن ترى اليوم المباريات راح تكون حامية ؟! ) . قلت له : ( أنا من الظهر جالس العب والحين عندي صديقي نواف جالسين نلعب ) . وهنا تدخل فهد قائلاً : ( ما راح تاكل معي عيش لا انت ولا نواف خويُك ) . ثم أردف سعد قائلاً : ( رح نادي جلال بسرعة ) . فقلت لهم : ( ادخلوا جلال موجود ). . . وادخلتهم للمجلس المساند حيث كانت البلايستيشن وصديقي نواف ، وذهبت منادياً لأخي جلال ، والذي طلب من أهلي تجهيز الشاي ، ودخلت إلى المجلس مع جلال . عندها قال سعد : ( عددنا الليلة سته يعني راح يكون دوري ساخن ) . و انخرطنا في أجواء اللعب ، والذي كان يلغي كل حواجز العمر والثقافات بيننا ، وأقصد باختلاف الجميع عنا أنا و نواف بسبب الفارق السني وصغر اعمارنا آنذاك ، ومع ذلك كان اندماج نواف مع المجموعة أكثر مني ، فهو يصرخ ويشجع ويهتف ويهدد ويتوعد ، وكان متفوقاً وبارعاً في اللعب وجميعهم يخشى مباراته بما فيهم أنا ، ولعل ذلك كان دافعاً لي بأن انسجم مثله مع الآخرين ، ومن هنا توطئت العلاقة ( العابرة ) مع أشخاص يفترض أنهم أصدقاء لأخي جلال ، ولاحظت أن فهد يحاول التقرب مني من خلال اللعب أو في فترة التوقف ، إلا أني لم أجرؤ أن أشك في نيته تجاهي ولو للحظة فهو صديق أخي ، وهل أشك ـ حينها ـ فيمن كان من أصدقاء أخي ، بل وجلس معي وأنا أعتبر نفسي كأخ أصغر له ، وأكل وشرب معنا في العشاء أكثر من ليلة ، وأمنه أهلي وأخي جلال . . . لا لم أكن أفكر في ذلك إطلاقا ، وما باعد بيني وبين أية شكوك ربما لأن الجميع منهم كانوا على علاقة جيدة معي باعتبار أنى أخو جلال وكذا بسبب أجواء اللعب والتي غالباً ما تحفل بالمرح والضحك وكثرة التحديات و المزاح ، ، ، واستمر الحال حتى انتهاء فترة الإجازة ، وكانت تلك الفترة كافية لتعميق ( ثقتي ) في أصدقاء أخي جلال ( حسن وسعد وفهد ) ، بل حتى أن ( نواف ) قد زرع ثقته فيهم كإخوان كبار أكلنا معهم عيش وملح وليس كأصدقاء أبداً لأن ما كان يربطنا بهم هو ( جلال ) وأجواء اللعب فقط . . وانتهت الإجازة و ولى المرح واللعب ، وعدت إلى مدرستي ، وكان يتوجب عليُ الجد و الإجتهاد ؛ حتى أحقق النجاح في اختبارات الفصل الدراسي الثاني وانجح للصف الأول ثانوي . . . ومر شهر وبضعة أسابيع على بدء الفصل الدراسي الثاني . وفي ذات مساء ( أربعاء ) وبينما كنت اجلس على الرصيف بالقرب من البيت ، وإذا بسيارة تقف بجانبي تمام ، وإذا بصاحبها يبادرني بالتحية : ( هلالالالالالا تركي . أخبارك يا رجال ؟ .وأخبار نواف ؟ .. والبلايستيشن معك هههههه ) . التفت إليه وكان هذا فهد صديق جلال الذي كان يشاركنا اللعب . فرددت عليه التحية وحادثته فيما حاول السؤال عنه . ثم قال لي : ( تركي رح نادلي جلال ) . فأجبته : بأن جلال سافر مع والدي إلى جدة ) قال لي : ( خير وش عنده ) . قلت : ذهب برفقة الوالد لعمل خاص بالوالد وسيعود على طائرة الجمعة . فقال : ( يووووا الجمعه متأخر لكن شوف . . أنا طالع الليلة مخيم مع الشباب للبر ، لكن الدكتور …… ( لا أتذكر حتى الاسم الذي قاله ) كلفني أنا وجلال بعمل لوحة عن التضاريس في المملكة ) . ومع أني لم أفهم يومها ما قاله بالتحديد عن ظروف اللوحة ، إلا أني فهمت منه حينها أنه يجب أن تسلم اللوحة لدكتور الجغرافيا يوم السبت . وقال لي : ( اللوحة عندي بالبيت ولازم جلال يأخذها عنده لأني السبت مقدر احضر للجامعة ) . قلت له ( : لكن جلال في جدة الآن وأنت كلمه واتفاهم معاه ) . قال لي : ( أنا راح اكلمه لكن أنت خذها الحين وحطها بغرفته وأنا اشرح له كل شي بالجوال ) . فقلت له : ( اعطيني اللوحة وأنا راح اتركها لجلال في غرفته ) . وفجأة أخذ فهد يضحك : ( ههههههههه . . تخيل يا تركي انا من اليوم صاجك ، وفالأخر طلعت ناسي اللوحة في البيت ، والمشكلة لازم اعطيك اللوحة الليلة تحطها في غرفة جلال لأني طالع مخيم والسبت ماني مداوم بالكلية ، والدكتور راح يعتمد الدرجات على اللوحة السبت ، علشان كذا لازم جلال ياخذها ويسلمها ، لكن شوف يا تركي ، انتظرني هنا ، كلها نصف ساعة بالكثير اجيباللوحة واعطيك اياها يا ليت تنتظرني هنا نصف ساعة بالكثير وما راح أتأخر عليك ) . فقلت له : ( طيب ) ، فأنا مستحيل أتأخر في شي فيه مصلحة اخوي جلال . فأدار فهد محرك سيارته واتجه نحو الإمام ، وما هي إلا ثواني حتى توقف ورجع بسيارته إلى الوراء نحوي . و قال لي : ( معليش تركي اطلب منك خدمة وأنا أخوك ) وبكل عفوية أجبته ( ابشر ) . قال : ( اسمع اللوحة في بيتنا وهي كبيرة شوي ، إذا تسوي فيني جميل ، تروح معي نشيلها أنا وأنت وانجيبها هنا ، وكلها نصف ساعة فأنا راح أكون ممنون لك ) . قلت له : ( وأين بيتكم يا فهد ) . قال في حي ( ….. ) . قلت له : ( طيب . لحظة أعلم أمي وأجي معك نجيب اللوحة ) . ولكنه استدركني قائلاً : ( لا لا لا الأمر أبسط من ما تتخيل اركب يا رجال كلها نصف ساعة و ترى ماني بأخذك للمريخ ) . . . و ركبت معه بعفوية وثقة تغلفها براءة تلك المرحلة من عمري ، وأمانة لقيمات عيش كنا قد تشاطرنا أكلها في بيتنا . ذهبت معه لأنه إنسان كما بدا لي ، وأنا الذي جهلت معدنه ، ذهبت معه لأنه صديق أخي جلال . . . كان طوال الطريق يحادثني ، ويحاول أن يقطع الطريق أمامي عن التفكير بأي هاجس أو قلق نحوه بكثرة حديثه معي ، ولكني أحسست بأولى نبضات القلق عندما اتجه إلى مكان أخر غير الحي الذي قال لي أنه يقطنه . فسألته : ( هذا ليس طريق حي ( ….. ) ) . فضحك بخبث وقال : ( اعرف يا تركي . بس أنا رايح أجيب بعض الأغراض المتعلقة باللوحة من عند الخطاط ونمر ناخذها مره وحده ) . ولا ادري هنا لما زادت حدة نبضاتي ، وإن كنت لم اشعر بخطر حقيقي حتى الآن ، ولكنني لا اخفي أن بعض الهواجس أخذت تنتابني . فقلت له : ( أنا مقدر أتأخر عن البيت أكثر من كذا وأهلي مايدرون إني طالع ) . فرد بقوله : ( ومن قال لك أنك راح تتأخر يا تركي ، احنا بنجيب اللوحة ونرجع ، ما راح نرسمها ههههههه ، بعدين انا طالع مخيم مع الشباب ومستعجل مثلك ، ولا لو كان فيه وقت كان نطق بلايستيشن عندي في بيتنا هههههه ) . . وانحنى بسيارته إلى أحد الشوارع الهادئة ، وتوقف عند بيت شعبي البناء من دور واحد ، و قال لي : ( انزل معي هذا منزل الخطاط ) . قلت له : ( لا . . أنا انتظرك بالسيارة ) .ثم جاء وفتح الباب من جهتي : ( وحلف علي إلا النزول ) وقال : ( ما راح أتركك بالسيارة تتضايق لحالك ) . . ونزلت معه وأخذت أسير معه نحو البيت الشعبي بخطى مرتجفة ، وهنا بادرني الخوف بشكل غير مسبقوق وانتابتني الهواجس وارتسمت معالم القلق على محياي ، وحدثت المفاجأة التي كادت أن توقف انفاسي معها حينما أخرج فهد مفتاحاً من جيبه وفتح به الباب الرئيسي للبيت . وهنا وقفت مذهولاً وزاد قلبي بالارتجاف ، وكانت الحيرة تطغى على نظراتي . فقد كان يقول لي أن هذا بيت الخطاط ، فكيف يفتحه الآن بمفتاح يحمله هو معه ؟!! . وهنا وضع فهد يده على كتفي وقال لي : ( أدخل يا تركي هذا منزل صديقنا الخطاط …… هو ولد سوري بن حلال ، ويمون عليُه ومعي نسخه من مفتاح الباب ، ادخل اوريك اللوحة حقتنا ) . وادخلني معه واجلسني في إحدى الغرف ، ثم خرج من الغرفة وما لبثت إلا أن سمعت صوت المفتاح يقفل الباب ، وهنا وقفت على قدماي ( لا شعوريا ) وأدركت للوهلة الأولى أني وقعت في كمين محكم . وعاد فهد إلى الغرفة و وجداني واقفا . فقال لي : ( اجلس تركي ) . قلت له : ( لا لا مقدر اجلس فين اللوحة أنا تأخرت وأبغى أمشي) . قال لي : ( أنت خايف مني يا تركي ) . فلم أرد عليه . ولكن سكوتي وحيرة نظراتي كانت أجابه شافية لإحساسي بما أنا فيه من قلق وهواجس . أقترب مني وقال لي : ( لا تخاف يا تركي أنا مثل أخوك جلال ) ، ولكن قلبي الآن أكثر إحساسا بخطر هذا الذئب مني ، والذي وضع يده على رأسي وقام بالمسح عليه وأخذ يقول لي : ( لا تخاف يا تركي الحين بوديك ) . ثم طال مسحه أذني ورقبتي وأنا ارتجف . أبعدت يد عني واندفعت هارباً نحو الباب . و أخذ هو يجري خلفي محاولاً الإمساك بي ، وصلت إلى الباب فحاولت فتحه قبل أن يلحق بي الذئب ولكنه كان مغلقاً بالمفتاح . وهنا وجدت نفسي محشوراً في زاوية الباب ، وهذا الذئب البشري فهد يتجه نحوي والشرر يتطاير من عينيه ، حتى حسبت أنه ينوي قتلي ، وما أن وصل لي حتى قبضني مع فانيلاتي وأخذ يجرني بعنف إلى ذات الغرفة ، وكان هذه المرة قاسياً ومتحجراً في معاملته معي إلى أبعد الحدود . كان يسحبني بعنف ويردد : ( ودك تشرد هاه ) كان يرددها حتى رماني بالغرفة واغلق الباب خلفه ، وظهر لي بوجهه البشع ، وبدا كذئب بشري لا يعبىء ببكائي وضعفي . قال لي : ( أنا ابغاك وكلها دقايق وارجعك ولا تخليني امد يدي عليك ) . وما أجبته إلا بموجة من البكاء والنحيب . . . لم أكن أستطيع مقاومته ، وكنت مذهولاً ومصدوما من الموقف ، و وجدت نفسي في وضع حرج لم أتخيله طوال عمري ، انخرطت في البكاء وهو ينظر لي دون مبالاة ، ولم يكن لبكائي وانكساري أي أثر على وحشيته . أقترب مني هذه المرة بكل عنف ، وحاول سحب بنطلوني بقوة ، إلا أني ظللت ممسكاً بالبنطلون بكلتا يداي حياءً ودفاعاً عن نفسي ، فقام بصفعي على وجهي حتى شعرت وكأن الكون كالظلام الدامس في عيني ، وتمكن من سحب بنطلوني بأكمله لأصاب بإنهيار معنوي ونفسي أخر ، نعم بديت عارياً ذليلاً منكسراً في أصعب المواقف وأحنكها ، بديت عاريا ، ومنهزماً ، ولا ادري ما سيحدث لي مع هذا الذئب ، والذي قام كالوحش وبسماعدة تفوقه البدني من عمل ما يريده بي دون شفقة أو رحمة . . . لم يكن يبالي بتوسلاتي ، ولم تشفع لي عنده طفولتي ، ولا صداقته ( الزائفة ) بأخي جلال ، ولا حتى الإنسانية التي كنت أظن أنها تربطني به . . . لقد انتهى مني . . ومعه انتهى كل شيء بالنسبة لي ، ارتديت ملابسي وجلست أبكي ، ومات إحساسي بجمال الحياة من تلك اللحظة ، لأنني إنسان هادئ ومسالم وأخذت بغدر ، ولو كان ما حدث من شخص غريب لا لمت نفسي على الركوب معه ، ولكن أن يحدث ( الغدر ) من صديق أخي ، والذي لم يحذرني أخي لحظة منه ( لثقته به ) فتلك الخيانة بأسرها . . . قمت من مكاني ، وغسلت وجهي المكسور ، وأخذني إلى السيارة وأنا أسير معه كجسد بلا روح بعد أن فقدت إحساسي بالكرامة ، وقال لي ( الذئب ) : ( سامحني يا تركي . لقد غرر بي الشيطان أرجوك سامحني ) . ولم أرد عليه لأنني لا أستطيع أن أتحدث مع أي إنسان في هذه اللحظة ، كنت كطائر جريح المشاعر بعد أن كسرت أجنحته ولم يعد يمتلك القدرة على التحليق بالسماء ، لقد فقدت كرامتي وجرح شرفي وانتهك عرضي غدراً من صديق أخي ، ومن أجل ماذا ؟ . . من أجل شهوة شاذة ( زائفة ) لا تساوي هدر كرامة إنسان ، و ينأى عن ارتكابها حتى الحيوانات . كان فهد يهذي طوال الطريق بندمه ويلح أن لا أخبر جلال بعد عودته من السفر بما حدث ، هنا فقط رددت عليه : ( وش يهمك إن قلت لجلال أو لا ، أنت لو تعرف شي اسمه صداقة ، ما كان غدرت في أخو صديقك اصلا ، وعلى شان شي رخيص وتافه ) . . وكان وقع كلماتي الجريحة عليه ( كطلقات الرصاص ) . . وعندما أوصلني لحارتنا أنزلني في نهاية الشارع حتى لا يراني أحد معه ، وأخذت أسير على قدماي بكل حزن وأسى إلى البيت . كان صديقي نواف يقف في الشارع بالقرب من بيتنا ، وعندما رآني أخذ يناديني : ( تركي .. تركي ) دون أن أرد عليه ، ولا ادري كيف رماه القدر حتى يراني بهذه الحال وأنا مطأطأ الرأس حتى ولو جهل السبب . دخلت إلى البيت وأثر الحزن يكتسي على وجهي ، واتجهت صوب غرفتي مغلقاً علي الباب دون أن يعلم أهلي مابي من ألم ، والذين عندما رأوني بهذا الحزن ظنوا بأني قد زعلت من نواف أو أحد الأصدقاء ، وكان ذلك أثقل مساء يمر علي في هذه الحياة القاسية ، استلقيت على سريري وأخذت استرجع بألم تفاصيل مأساتي ، ولا حديث لي سوى بصوت الدموع التي أغرقت خدي ، حتى كادت أن تحفر تفاصيل جرحي من كثر ما بكيت ذلك المساء ، وفي اليوم التالي الخميس شعرت بغثيان شديد ـ لعله من قوة الصدمة ـ وأخذني أخي الأكبر طارق و والدتي إلى المستشفى ، كنت وقتها مجروح ولا أطيق أن أسمع أي كلمة من أي أحد كان . قام أخي الأكبر طارق بعرضي على طبيب الطوارى ، حيث ساءه هبوط ضغطي واصفرار وجهي وما انا عليه من غثيان مستمر ، وأمر الطبيب بتنويمي ، و لم يستطع الطبيب في اليوم الأول تشخيص حالتي ، ولم أكن أشتكي سوى من هول الصدمة وانكسار الكرامة ، وهذا ما سبب لي صدمة عصبية وحالة غثيان مستمرة . لم يعرف أخي طارق أسباب مرضي ( الحقيقية ) ، وظن أنه كأي عارض صحي يمر بأي شخص ، ولعل ما حجب شكوكه تجاه أي شي هو اعتقاده أن صمتي الدائم وشرودي المستمر بسبب المرض فقط ، وفي المساء جاءت أمي وأخواتي مع أخي خالد لزيارتي ، وفي هذه الأثناء اتصل بي والدي على المستشفى من جده بعد أن أخذ الرقم من طارق ، وكلمته بكلمات بسيطة لم استطع النطق بأكثر منها ، ثم قال لي والدي : ( تركي خذ أخوك جلال بيطمن عليك ) . وما أن سمعت صوت جلال حتى أخذتني نوبة شديدة من البكاء ، حتى أخذ خالد السماعة وقال له : ( جلال إذا وصلت بكره تعال وتطمن عليه هو الآن تعبان شوي ) . وقد اعتقدت أمي واخواني أني بكيت عندما سمعت صوت جلال لأني أحب أخي جلال ، وفي يوم الجمعة وصل أبي ومعه جلال إلى الرياض ، وفي المساء زارني والدي بمفرده وأخبرني بأنه لم يستطع إحضار جلال معه لأنه لم يستطع زيارتي سوى بأذن خاص من مدير المستشفى لعدم وجود زيارة مسائية في المستشفى يوم الجمعة ، ولا ادري لما كانت لزيارة والدي من اثر كبير في تخفيف مأساتي . . . شعرت بدفء حقيقي وأنا أعانقه ، ولمست بوجوده جانبي بكل أمان الدنيا وقرة عيني بوجوده إلى جواري ، إلا أني لم استطع أن أمسك دموعي التي انسكبت مع رؤيته . قال لي والدي : ( لا حالتك زينه يا تركي بس أنت بتشوف غلاتك عندنا ) وقام بإخراج ساعة ثمينة كان قد اشتراها لي كهدية من جدة ، وقال لي : ( هذي هديتك يا وليدي ) وخرج من عندي . وفي مساء يوم السبت تفاجأت بزيارة نواف وباقي زملائي في الفصل مع أستاذي ( أنس ) ، هنا فقط شعرت بتحسن معنوي كنت بأمس الحاجة إليه ، وما أن خرجوا من عندي بدقائق حتى دخل علي أخي جلال ومعه صديقه حسن ، وما أن رايتهما معاً حتى انتابتني نوبة حادة من البكاء . وحاول جلال تهدئتي وقال : ( تركي عاد لا تدلع هذا حسن جاء معي علشان يشوفك ) . ورد حسن قائلاً : ( طالما انك منوم في غرفة خاصة ترى بنجيب البلايستيشن بكره ونكلم الشباب ونسوي الدوري عندك ) فلم أرد عليه ، وكنت أتمنى خروجهما من عندي في أقرب فرصة ، ولم أستسغ رؤية ( حسن ) فكل أصدقاء جلال خارج حدودي ثقتي ، كما أن وجود جلال أعاد لي لاحظت التعرف على صديقه الذئب فهد ، ولعل ما ذكره حسن عن البلايستيشن جعلني أضعه في تصنيف الذئاب البشرية التي وضعت فيها فهد من قبل . . ومع ظهيرة يوم الاثنين ( أي بعد خمسة أيام من الحادثة ) خرجت من المستشفى ، وأخذني والدي إلى البيت ، إلا أن الطبيب منحني راحة حتى نهاية الأسبوع ، وكتب لي مراجعات في العيادة الخارجية ، وما أن وصلت إلى البيت حتى حظيت بعناية فائقة من أهلي جميعاً ، كما أن نواف وبحكم قرب منزله مني أصبح يزورني بشكل يومي ، وبدأت في استرجاع عافيتي ، دون أن استرد كرامتي المسلوبة أو حتى إحساسي بطعم الحياة . . . ولا أدري لما تغيرت نظرتي إلى جلال ؟ . مع يقيني أنه خدع مثلي بهذا الذئب ، بل صرت أكره جميع أصدقاء جلال دون استثناء . حتى جلال نفسه لم استثنيه من معاملتي الجافة ( وإن كان ذلك بغير قصد مني ) . . . ومرت سنة على هذه القصة ، كانت فيها علاقتي بجلال هي الأكثر جفاءً منذ ساعة ولادتي ، ومع أن جلال لم يحاول أن يكلمني فيما يحسه من جفاء مني نحوه ، وتغير يشعر به في معاملتي له ، إلا أني لمست إحساسه بجفاء علاقتي به ، من خلال سماعي ـ الغير متعمد ـ وهو يحدث أمي عما يشعر به من تغير مني تجاهه ، إلا أن أمي كانت تظن أن إحاسيس جلال لم تكن سوى مجرد أوهام . وعلى الرغم مما سمعته ، وحبي السابق ـ نعم السابق ـ لجلال ، إلا أني لم استطع مجاملته في تخفيف حدة الجفاء نحوه ، ليس قسوة مني تجاهه أو لأني أحمله مسؤولية مأساتي ولكن كان جفائي له من داخلي ولم أستطع التحكم بمشاعري نحوه ، وعندما تأكد جلال من تغيري نحوه دون أن يدرك سبب ذلك حاول أن يجد فرصة مناسبة ليختلي بي ويحدثني بما يحس به ، وعندما لاحظت ذلك حاولت جاهداً أن لا أمكنه من أخذ هذه الفرصة ، حتى عندما يدخل غرفتي ويقترب لفتح الموضوع أتعذر بأي سبب لأخرج ، ولم أكن أتعمد ذلك أبدا ولكني بدأت أشعر أني لم أعد أطيق حتى رؤيته ، هو أيضاً ظلمني و ( ظلم ) نفسه وظلم أهلي بتعرفه على أصدقاء لم يتحقق من حقيقة معادنهم ، ونتيجة ذلك كانت ( مأساة ) تحملت أنا و زرها وحدي ، والآن بعد كل ما حدث من يعيد لي كرامتي المسلوبة أو يثأر لعرضي المنتهك ، أو حتى يستطيع أن يحس بالأوجاع التي يعبث ألمها بداخلي كل مساء. . وبعد أن سدت جميع الطرق في وجه جلال في محاولة معرفة تغيري نحوه ، ومحاولة إنكاري لأي تغير مني تجاهه ، ما كان منه إلا أن فاجأني بهدية ثمينة جداً كتب معها رسالة أبكتني كثيرا : ( صدقني يا تركي إنك أقرب أهلي كلهم إلى قلبي ، وإذا أنا مزعلك في شي ما يقبل حتى مسامحتك لي ، فحاول أن لا تطاوع قلبك في كره أخيك الذي يحبك كثيراً ) . . . الرسالة مع الهدية كان لهما وقع كبير في نفسي ، وبالفعل وجدت صدى في نفسي ، وبدأت أخفف حدة جفائي لأخي جلال ، وحاول هو جاهداً استغلال هذا الانفراج بمحاولة تدليلي والإغداق علي من العطايا بكل ما يستطيع ، هذا مع أنه لم يكن يدرك أثر المأساة التي تعرضت لها من قبل أحد أصدقاءه ، ولكن ربما كان ذلك بسبب حب جلال لي ، وكذلك لطيبة قلبه المفرطة . . مرت الآن سنتين على هذه المأساة ، وأنا الآن في السنة الثانية ( طبيعي ) ، وحاولت الاندماج مع مجتمعي ، وأن لا أجعل من مأساتي تعرقل ما تبقى من حياتي . . واقتربت المياه من العودة إلى مجاريها الطبيعية مع أخي جلال . . وفي هذا العام دخلت الفرحة إلى قلبي مرتين ، وذلك بعد طول جفاء حتى مع محاولة الابتسامة ، أما الفرحة الأولى فكانت لنجاحي إلى الصف ( الثالث ثانوي ) وبتفوق ، وأما فرحتي الثانية فكانت بمناسبة خطوبة أخي الأكبر طارق . . وفي الإجازة الصيفية بدأت استعداداتنا لحفل زواج طارق ، والتي بدأت بحفل شبكته في إحدى الاستراحات ، كانت من أجمل اللحظات وأنت ترى أول أخ لك في مشلح ( بشت ) العرس ، ومن حقك أن تفرح لفرحه ولفرح والديك ، وكذلك لفرحتي الخاصة لأخي طارق . . وفي موعد الشبكة ذهبت إلى الحلاق مبكراً ، وارتديت ذلك المساء ملابساً جديدة من العقال حتى الجزمة فرحاً بهذه المناسبة ، وذهب الجميع إلى الاستراحة احتفالاً بالشبكة مع أهل العروس والمعازيم . وعندما كنت أقدم القهوة للضيوف ، والابتسامة تغمر محياي ـ في لحظة فرح افتقدتها كثيراً ـ ، و إذ بي اتفاجىء بوجود ذلك الذئب البشري ( فهد ) صديق أخي جلال ، ذلك الشخص الذي سلبني ـ غدراً ـ إحساسي بجمال و روعة الحياة ، وداس كرامتي وانتهك عرضي ، وقفت أمامه مذهولاً وعلامات الإستنكار تملىء عيناي ولم أشعر إن كانت الدلة بيدي ، وما كان منه إلا أن قطع حبل ذهولي و قام وسلم علي ، بصفته صديق أخي ، فسلمت عليه ـ كارهاً ـ لصعوبة الموقف ، وإلا لكان قطع يدي أفضل لي من مصافحة يد تلوثت بخنجر الغدر والخيانة ، إلا أني صافحته بأطراف اصابعي وادرت وجهي عنه إلى الناحية الأخرى ، ولولا وجود اخواني وأقاربي والمعازيم لسكبت الدلة على رأسه ، ولكنني في المقابل حرصت على إلا ينتبه أحد لوجود علاقة بيني وبين هذا الذئب . . وجود هذا الشخص في الشبكة بدد علي أجمل لحظات الفرح ، وأجبرني قسرا على استرجاع تلك القصة الأليمة التي عشت أقسى تفاصيلها معه ، ولم تشفع فرحة الشبكة ولا ظروف انشغالي مع أهلي و إخواني في تخفيف ألم هذه الذكرى الموجعة والتي استجدت بظهور فهد مجدداً في حياتي بعد سنتين من تلك القصة ، وعندما قمنا ( بتقليط ) المعازيم خرجت إلى الهواء الطلق خارج الاستراحة ، وسرحت في استرجاع تفاصيل تلك القصة التي عكرت علي فرحتي ، وبينما كنت في شرود تام ، وإذا بفهد يفاجأني ويقول لي : ( تركي ممكن أتكلم معاك ) . لم أكن أتخيله ولا حتى أرغب في رؤية وجهه . أدرت له ظهري . واستدركني : ( صدقني تركي أنا جاي الشبكة الليلة ، لأنها هي سبيلي الوحيد لمقابلتك ، وأنا مابي منك شي ، أنا استغليت انشغال الناس بالعشاء وجيت اكلمك ، و كل اللي أتمناه انك تسامحني على زلة إلى الآن أنا أدفع ثمنها من تأنيب ضمير مستمر ، أرجوك تركي قولها لي ، قول سامحتك ومابي اسمع غيرها ) . ورديت عليه بألم : ( لا ما راح أسامحك 00 أسامحك بأي ثمن ؟ . وعشان أيش ؟ ، وأنت ما رحمت دموعي وتوسلاتي ، وأنت غدرتني وخنت صداقة أخوي اللي أنا كرهته بسببك ، وخنت العيش والملح اللي أكلته معنا ، لا تحلم إني أسامحك ، ولا حتى راح أسامح جلال اللي كان سبب في تعرفك علي ) . قال لي : ( طيب لا تسامحني بس ثق تماما إني ندمان على كل اللي صار ، لكن لا تحقد على أخوك جلال بسببي ) فقلت له : ( أنت ذئب بشري ، ذئب سلب مني شموخي وكبريائي ، انت دمرت علي حياتي كلها ، ارجوك امشي من الاستراحة كلها تراني ما اتحمل اشوفك ) .. وفجأة خرج أخي خالد يدخن ولمح فهد يقف بجانبي ، وشعر هذا الذئب بالحرج من خالد ، وذهب بعد أن يأس في أن أسامحه ، ولكني لم أستطع البقاء مع أهلي في الشبكة وتركت الاستراحة وذهبت أجوب شوارع وطرقات الرياض حتى الفجر ، وأن حزين ، فما كان بداخلي من جرح يصعب علي إن أنساه ، ومع ذلك خشيت أن يسألني أخي خالد عن سر وقوف فهد بجاني ؟ ، وماذا كان يدور بيننا ؟ ، وفهد يكبرني بسنوات يا ترى ماذا سيسألني ؟ وكيف سأرد عليه ؟ وهل بدأت الشكوك تتنتاب أخي خالد نحو مشاهدته لوقوف فهد بجانبي وهو يكلمني ؟ . . وعندما عدت إلى البيت في ساعات الصباح الأولى ، وإذا بوالدي يفاجأني بمد يده علي ويرفسني برجله ، وكان غاضباً مني جداً لتركي الشبكة وعدم مبالاتي بإحضار أهلي إلى البيت لولا أن أتوا مع أخي خالد ، حيث ظن والدي وأهلي كذلك أني تركت الشبكة وذهبت مع أصدقائي ، عندها أخذت أجري إلى حجرتي وأنا أبكي بمرارة ، فلا أحد يستطيع فهم نفسيتي ، وليس بوسعي أن أبوح لأحد عن معاناتي . حتى أبي كرهته لأنه قسى علي ، ولم يعرف حقيقة جرحي الذي كان ينزف طول سنتين ، و حتى طارق لم يكن يدرك حزني في غمار إحساسه بفرحة ملكته ، حزنت كثيراً في ذلك المساء وحملت في نفسي على والدي وشعرت بأني لم أعد أحبه كالسابق ، فهي المرة الأولى التي يضربني بها في هذه المرحلة ، لم أمتلك قدرة مسامحته لعمق جرحي وتجدد ذكرى مأساتي التي عشت مرارتها وقسوة فصولها دون أن يشعر بي أحد ، وكنت أذهب إلى حجرتي وأغلق الباب علي كلما حضر والدي إلى البيت ، وقد ظن والدي أن تصرفاتي تلك كانت كردة فعل لضربه لي وسوف تعود الأمور إلى طبيعتها بعد فترة من الزمن ، إلا أن إحساسي تجاه والدي وجلال أصبح أكثر قسوة ، ولم استطع إخفاء جفوتي نحوهما ، حتى أن قطيعتي لوالدي وجلال دامت ستة أشهر ، وكلما جلسا في مكان قمت منه ، حتى أن والدي شعر بأنه تسرع في ضربه لي وظن أنه ربما كان قاسيا في عقابي أكثر من الازم ، وسمعته يحدث أمي ويقول لها : ( ماني داري وش اللي صاير في تركي ، الولد نفسيته مره متغيره ، وصاير عصبي وما يتحمل أحد ، أنا صحيح إني ندمت اني ضربته ، بس هو كان غلطان في تركه لشبكة أخوه ، حتى أنتم ما بلش فيكم لو ما جابكم خالد ، وحتى لو كنت قاسي في ضربه ، كان المفروض يتحملني لأني أبوه ) 0 بعدها لاحظت أن والدي كان يحاول بكل الطرق أن يراضيني ، إلا أن حالتي النفسية تأثرت كثيراً وانتابتني نوبات عصبية حادة ، وساءت حالتي لدرجة أني انقطعت عن الدراسة ، وأخذ والدي يتنقل بي بين المشائخ ، ولم أستطع دخول امتحانات نهاية الفصل الدراسي الأول ( لثالث ثانوي ) . . وكان ذلك الذئب ( فهد ) يتابع أحوالي من بعيد ، ويعلم ما أمر به من ظروف صعبة ، وربما شعر بأنه السبب في كل ما جرالي وقام بكتابة رسالة يعتذر لي فيها عن كل ما سببه لي من متاعب ، وقام بإعطاء هذه الرسالة لصديقي نواف وطلب منه أن يسلمها لي باليد . وجاء نواف لزيارتي في البيت ومعه الرسالة ، فوجد أخي خالد وسأله عني . فأخبره خالد أني ذهبت مع والدي إلى مشوار قريب ، وكنت حينها عند أحد المشائخ مع والدي وأخي جلال ، فقام نواف بإعطاء خالد ( الرسالة ) لأنه خشي أن لا يقابلني في وقت قريب ، وقال لخالد هذه رسالة اعطانياها ( فهد …. ) وطلب مني توصيلها لأخيك تركي . واستغرب خالد من أمر هذه الرسالة ، وتساءل عن سر العلاقة التي تجعل من فهد يرسل لي رسالة ، ولما مع نواف بالتحديد ، وما الرابط بيني وبين فهد ؟ وماذا سيكون محتوى الرسالة أصلاً ؟ . . هنا استرجع خالد تلك اللحظة التي شاهد فيها فهد وهو يكلمني عند الاستراحة في ليلة شبكة أخي طارق ، وقام بالربط بين ما شاهده و بين بعثه برسالة لي ، و أخذ فهد يربط ذلك بتغير نفسيتي في الفترة الأخيرة ، وتغيري على جلال تحديداً ، وظروفي العصبية ، وحالي بعد الشبكة والمرض الذي اعانيه الآن . . . قرر خالد فتح الرسالة . وبالفعل قرأ فيها تفاصيل حزني ، واطلع على فحوى جرحي ، وشخص سبب انكساري . وكتم خالد الأمر في نفسه . وعندما عدت أنا وأبي وجلال إلى البيت ورآني خالد ، أقبل نحوي وقام باحتضاني بصورة لفتت انتباه جميع أهلي ، وقال لي : أعدك يا تركي بأن لا تبكي بعد اليوم . ولم أكن أعلم بشيء من أمر الرسالة ، وفي المساء اتصل بي صديقي نواف هاتفياً ، وقال لي لقد مررت عليك اليوم ولكني لم أجدك ، وسألني عما إذا كان خالد قد أعطاني الرسالة ، فقلت له أي رسالة . قال لي : أحضرت لك رسالة من فهد صديق أخوك جلال ، وعندما لم أجدك أعطيتها لأخيك خالد حتى يوصلها لك فقد خشيت أن لا أتمكن من مقابلتك قريباً . وهنا بحثت عن خالد ولكن دون جدوى ، واسترجعت موقفه في احتضانه لي عند عودتي إلى البيت ، وأدركت أنه اطلع على رسالة ذلك الذئب ، والتي كنت أعلم أنه كان يحاول الإعتذار لي من خلالها ، ويبست مشاعري في انتظار ردت فعل خالد ، وهل سيخبر والدي وأخي طارق في أمر الرسالة أم لا ؟ .. ولم أنم ذلك المساء في انتظار عودة أخي خالد ، فمن ناحية كنت أود أن ألقي بصدري عليه وأبكي بعد أن عرف مأساتي ، ومن ناحية كنت أريد التأكد منه أن لا يعلم أحد في أمر قصتي ، وطلت ساعات الصباح الأولى وانا انتظر عودة خالد ولكن دون جدوى ، وخشيت أن أنام فيأتي ولا أدري إذا ما كان سيخبر أبي وطارق عن أمر الرسالة وما تعرضت له من فهد . وبينما كنت شارداً في التفكير ومهموما بالأمر وإذا بجرس الباب يرن . وهرولت مسرعاً . . أنه خالد . الآن سأتفاهم معه على موضوع الرسالة . وإذا بمن يدق البال أحد أخوالي ( وتذكرت أنه لو كان خالداً لفتح الباب بمفتاحه ) . كان خالي الذي يبدو عليه الارتباك . وقال لي : وين أبوك يا ولد . قلت له : تفضل . ولكني والدي ذهب إلى دوامه مبكراً . ودخل وطلب رؤيتي أمي ( أخته ) . قلت له : إنها نائمة . ولكنه أصر على ايقاضها ( وعلمت من ملامح وجهه وأصراره على رؤية والدي في هذه الساعة المبكرة أن ثمة مصيبة قد حدثت ) . وبينما كنت اطرق الباب لأيقاظ والدتي ، وإذ بي اسمع خالي يكلم والدي بالتلفون ويطلب مقابلته لأمر ضروري . وكان يقول لأبي : ( احضر حالا أنا انتظرك في منزلكم ) ، وبعد أن حضر والدي إالى البيت وجاءت أمي عند خالي ، بقيت أنا خلف باب الصالة وكان قلبي يخبرني بحدوث أمر خطير ، ولا أدري لما خشيت أن يكون مكروها ما قد حدث لأخي خالد . وأخذ والدي يسأل خالي : ( خير إن شاء الله يابو ….. ) . فأجابه خالي أن أخي خالد قد تشاجر مع أحد الأشخاص وضربة بـ ( قناة ) على رأسه ومات الرجل في المستشفى ، وخالد الآن في الشرطة ومتهم بالقتل ، وسأله والدي عن المقتول ، وأخبره خالي بأنه ( فهد ) ، واستغرب والدي وقال : ( هذا صديق ولدي جلال ) ، ومع الظهر انتشر الخبر بين أخواني وجميع أعمامي وأقاربي ، واستغربوا ما فعله خالد وكيف يتورط في مشاجرة توصل به إلى قتل أحد أصدقاء أخيه ، إلا أن جلال وحده لم يكن مستغرباً وقال أمامهم : ( الآن فقط عرفت سر ما قاله خالد لأخيه تركي لن تبك بعد اليوم يا تركي ) ولو أن خالداً لم يقتل ( فهد ) لم**ت أنا جسده بأسناني ، وقد ذهب جلال إلى الشرطة لزيارة خالد دون أن يفسر لأهلي وأعمامي فحوى كلامه ، ولكنه بدا واضحاً لهم أو اتضح أكثر بعد أن قمت مسرعاً إلى غرفتي وأغلقت الباب علي وجلست أبكي ، وفي الشرطة قرأ والدي ( الرسالة ) التي علل بها خالد قتله لفهد في مضاربة . وقال والدي : يا خالد هذه اشرف جريمة يرتكبها إنسان دفاعاً عن عرضه وكرامته ، ولو انك لم تقتله لقتلته أنا ، لقد قتل هذا الشخص ولدنا في حياته مرات عديدة ، وخان الصداقة ، وجحد حق الملح والعيش ، بل حتى والد المقتول عندما علم بالقصة وقرأ رسالة ولده وهو يقر بخطأه الفادح معي ، وأسفه لما تسبب فيه لي من معاناة ، وقوله أنه لن يرتاح حتى أسامحه ، شعر بتعاطف مع أخي خالد ، ولكن أحد أصدقاء المقتول من الذين حضروا المشاجرة ، قال أنهم عندما ذهبوا بـ ( فهد ) في طريقهم إلى المستشفى قبل أن يلفظ أنفاسه . قال لهم فهد : ( وصيتي لأبي وأمي أن يسامحوا خالد لأنه أخذ بثأر أخيه تركي مني ويمكن مسامحتكم لخالد تجعل من تركي يسامحني ، وأنا محتاج لمسامحة تركي لي حتى بعد رحيلي ) . . وبالفعل تنازل والد فهد عن حقه بالقصاص مقابل الدية ، وطلب مني هو والجميع مسامحة ابنه بقلب صادق لأنه ندم أشد الندم على ما فعله ، حتى أنه سامح بدمه من أجل أن أسامحه ، وبالفعل سامحته من كل قلبي الآن . وعاد خالد لنا ، واحتضنته كثيراً وأن أبكي ، إلا أن جلال صدم كثيراً بكل ما حدث ، وظل لسنة كاملة يسدل بصره إلى الأرض كلما وقع نظري عليه ، وحاولت أنا ن أخفف عنه ما يشعر به من تأنيب ضمير بكل ما استطعت . 00000000000000000000000000000000000000000000000000