إن يوسف ـ عليه السلام ـ هم بالمرأة وهمت به حسبما جاء فى القرآن . وأنه لم يهم بها ولم تهم به حسبما جاء فى التوراة . وما جاء فى التوراة هو المناسب لأحوال الأنبياء .
1 ـ يوجد فرق بين رجل عرف الله ورجل لم يعرفه . فالعارف بالله لا يقدم على معصية لله ولا يقدم على ضرر للبشر . والذى لا يعرفه لا يستحيى أن يفعل ما يشاء من المعاصى والضرر . وعلى هذا المعنى يوجد فرق بين امرأة العزيز التى تعبد مع قومها غير الله وبين يوسف ـ عليه السلام ـ الذى عرف ربه بواسطة البراهين التى قادته إلى معرفته فى كونه ، وبما سمعه عن الله من آبائه . فامرأة العزيز همت به أن يفعل الفاحشة بها ، وهو قد قال لها : ( معاذ الله ) وعلّل عدم الفعل بأنه يكون مسيئاً لمن أحسن إليه . وهو سيده . والإساءة إلى المحسن نوع من أنواع الظلم . 2 ـ انظر إلى قوله : (وراودته ) وإلى قوله ( معاذ الله ) تجد أنها لما راودته ( همت به ) فيكون الهم منها بمعنى طلب فعل الفاحشة . وتجد أنها لما (همت به ) صار منه هم بها . يفسره قوله ( معاذ الله ) كما فسر همها ( وراودته ) فيكون همه بها ؛ دفعاً لها وامتناعاً عنها . 3 ـ ولو فرضنا أن يوسف غير عارف بالله وغير مقر به مثلها ؛ فإننا نفرض أنه لو همت به للفعل بها ؛ لهمَّ بها للفعل بها . ولولا أنه رأى برهان وجود الله فى كونه ، لكان قد فعل بها . إذ هذا شأن الوثنيين . وكهذا البرهان ؛ أريناه براهين فى الآفاق وفى الأنفس ( لنصرف عنه السوء والفحشاء ) (1). 4 ـ ولا يمكن تفسير ( برهان ربه ) بعلامة مجىء سيده إلى بيته ؛ لأنه لو ظهرت علامة مجىء سيده ؛ ما استبقا الباب : هى للطلب ، وهو للدفع . فاستباقهما معناه : أنها تغلق الأبواب وتمنع من الإفلات وهو يحاول الدفع ، حتى إنها جذبته من ظهره من ثوبه ، وعندئذ ( ألفيا سيدها لدى الباب ) (2) وصرح بأنه غير مذنب ، وشهد شاهد بالقرائن من أهل الشهادة أنه غير مذنب. 5 ـ على هذا يكون القرآن مقراً ببراءة يوسف ـ عليه السلام ـ ويكون لفظ الهم فى جانبه على سبيل المشاكلة لأنه صرح قبله بقوله ( معاذ الله ). (3)
الهوامش: --------------- (1) يوسف : 24. (2) يوسف : 25. (3) يوسف : 23.