العشاق

الناقل : mahmoud | الكاتب الأصلى : سحر سليمان | المصدر : www.awu-dam.org

 

 

رن جرس الهاتف طويلا "‏

 

وكانت تقف أمام النافذة، ترصد أشجار السرو والكينا والتوت في الحديقة المجاورة، تبحث عن اليمامات المتشاقية بلهفة عاشقة تنتظر حبيباً هاجراً.‏

 

- نعم .‏

 

- قالت بصوت الواثقة وهي ترفع السماعة وتلمس حلية ذهبية استراحت على صدرها المرمرى كرقم طيني عن أميرة سومرية ساحرة، ماتت شابة ولم تخلف وراءها سوى عقد من اليشم وقارورة من العطر ونقطة من الغالية .‏

 

- سمر ؟‏

 

داهمها شعور مهرة أصيلة ترفع عنقا " أملودا " نحو المراعي الخضراء وتدق بحافرها صدر الأرض ليتناثر الورد والنرجس البري والأقحوان . أجابت :‏

 

- لا .‏

 

ساد سكون جنائزي رافقتها ضربات قلب تسارعت في صدرين وغرد الكناري في القفص الذي يحتويه أمامها، رف بجناحيه، وعلت أغرودته، وغازلها بعينين من خرز ملون وشفاف.‏

 

- أختها ؟‏

 

جاء الصوت مخنوقاً " غائماً " مثل سحابة شتوية تعرف أين تسقط دموعها لتعشب البرارى وتشبع الغزلان والقطعان ويأنس القطا :‏

 

- لا لست أختها .‏

 

- ولكن ليس لها غير أخت واحدة .‏

 

- هذا صحيح ... فلا تكن .....‏

 

- يالله لا تكملي ... أنت هي .‏

 

- لا .‏

 

- إذن من أنت ؟‏

 

- أنا عشتار.‏

 

- أمنحيني عطياياك إذن .‏

 

- أنت مطرود من جنتي .‏

 

- ولكنني وحدي أعرف أسرارها .‏

 

- أكيد أحدنا مجنون .‏

 

- - أكيد .‏

 

- إذن .‏

 

- نلتقي؟‏

 

- نلتقي.‏

 

والتقينا لم يبق شارع في المدينة الا والقيا عليه التحية مساء وصباحاً. ولم تبق شجرة دفلى أو جوز إلا وتركا على جذعها أثار أظافرهما، هكذا مثل نقوش بدائية عن وجوه وعيون وأشارات وغزلان شاردة في مراعي الجزيرة الفراتية.‏

 

وضحك وضحكت .‏

 

وقال وقالت.‏

 

سهر وسهرت .‏

 

وبكى طويلاً ولم تبكِ، ظللّتْ تستمع لأنينه وتلم دموعه في راحتيها ثم تنثرها في كألاهة الينبوع، وحين انهار على صدرها مثل غصن مثقل بالثمر تناثر الدراق الناضج في كل مكان.‏

 

ومع كل ذلك كانت أياماً سعيدة لكنها مسروقة، لا تحس بها سوى الأرصفة والساحات الخالية من البشر والعابرين إلى جهات أخرى، وضفاف النهر الذي خانه الوقت فأضحى مجرى صغيراً فقد هيبته في مواسم الفيضان الموسمي.‏

 

- آه يا سموره، وسومر، وأسمار‏

 

قال وهو يتفقد أصابعها، وعروقها، فردت بإباء:‏

 

- لا تلعب لعبة اللغة‏

 

- أنت فراشة النور‏

 

- قلت ...‏

 

- وسهوب الروح الجائعة .‏

 

- قلت لك ....‏

 

- لاتقولي شيئاً أرجوك.‏

 

- إذن سأغني .‏

 

- غناؤك بكاء وبكائي غناء.‏

 

- أريد أن أكون ...‏

 

- كوني أورنينا.‏

 

- لا أريد أن أكون سلطانة النهر، أطوف لك من أصابعي العشرة شموعاً في الليل ليرضى عني الخضر أبو العباس.‏

 

- أنت امرأة استثنائية‏

 

- كل آلهات الجزيرة كن مجنونات بالنهر والناس والشجر والطرائد والفهود ومستعمرات النمل وبنات آوى .‏

 

- سمر .‏

 

- قلت لك لا تسم الأشياء بأسمائها .‏

 

- ولم ؟‏

 

لكي لا تفضح الأسرار.‏

 

- ماذا أقول إذاً ؟‏

 

- قل يمامة .‏

 

- لا أقدر .‏

 

من أذاع السر فدمه مباح.‏

 

- أقول .‏

 

- قل ولا تقل .‏

 

- لاتتركيني للحيرة .‏

 

- لاتتركني للأمل .‏

 

- تعددت الأسماء والمسمى واحد .‏

 

- أنت قاسية .‏

 

- آلهة حجرية .‏

 

- لك قلب.‏

 

- من ذهب .‏

 

أنت باهرة .‏

 

وأنت طفل مدلل.، - كنت أريدك العاشق.‏

 

- .............‏

 

- قل شيئاً.‏

 

-...............‏

 

- قل‏

 

- هكذا يكون العشق .‏

 

- كنت أريدك العاشق .‏

 

- ...............‏

 

- وأدرات ظهرها، سارت مثل سارية في الريح، مثل شجرة سرو رمحية، ترفض أن تحني ذؤابتها أمام العاصفة، ووقف وحيداً في الشارع ينتظر شيئاً أومعجزة يمكن أن تحدث.‏

 

وفي مكان ما غرد الكناري وغامت بعينيها دموع الكبرياء دون أن تعلن عن ذلك....‏