استيقظت الساعة الثامنة صباحاً،وقمت كالعادة بأداء الروتينات الاستعدادية لمغادرة المنزل إلى مقر العمل.. وعندما رميت أول خطوة في الشارع، كانت ساعتي تشير إلى التاسعة تماماً.
احتضنني شارع ديدوش مرادحيث أقيم. كان يبدو لي كأنه مجرى مستطيل لنهر عميق، يتحرك بسرعة صامتة، وهدوء مضطرب.. سطحه طافح بما يطفو فوقه من خفائف وخشاخش، ونفايات مهترئة تتسابق في اتجاهات متعاكسة..
تصورت أن هناك بالوعة لولبية، تحتل اعماق المجرى الشارع.. تشفط المياه بنهم فتسبب بامتصاصاتها المتواصلة، حركة دائرية متهاوية في السطح، تجعل الاجسام الريشية الطافية تنتقل باهتزازات راقصة من رصيف إلى رصيف، أو تلف باستمرار حول نفسها كما يفعل العاطلون عندما تشتد عليهم ، مطاردة الملل والانتظار.
وبدافع من تداعي الأفكار، تساءلت: ماذا ترى يوجد، داخل الأغوار الأرضية السحيقة لشارع مدينتنا العريق..؟.لا ريب أنها تضم الكثير من النوادر والغرائب، كالآثار التاريخية، والكنوز الثمينة والهياكل العظيمة المتكلسة، والخفافيش المرعبة، والحيتان العملاقة الشرسة..؟.
لقد سمعت أن حفاري الأنفاق السفلية، عندما كانوا يشقون ممرات/ ميترو الجزائر/ عثروا على بعض الشواهد التاريخية تحت الأرض.. وقيل أيضاً أنهم شاهدوا انهاراً جوفية دافقة، متصلة بالبحر..
عاد إلى ذهني موضوع الحيتان العملاقة الشرسة.. هل يمكن أن تكون موجودة، داخل أعماق مدينتنا البحرية؟
ولم لا.. ان فعل الزمن، وعوامل الحت والانجراف، كفيلة بأن تصنع أخاديد غائرة، في أحشاء الطبقات السفلى جداً، فتنهمر فيها مياه البحر، وتتسرب اليها الحيتان الضخمة المفترسة، لتتخذ منها أوكاراً للقنص، والاختباء.
من حسن الحظ أن الحيتان العملاقة، لايناسبها العيش إلا في الأعماق، وهذا ما يجعل أبناء الشوارع ذات البالوعات الدوارة... والأسماك الصغيرة التي تسبح فوق سطح البحر.. يجعلهما في منأى عن مخاطر اعتداءات الحيتان العملاقة المتوحشة.
هناك شىء يثير القلق في نفسي، وهو في حالة ما إذا تزايد عدد تلك الأخاديد والأنفاق البحرية، بفعل تيارات المدّ، والجزر، واندفاع الأمواج الناتجة عن تنقل الحيتان بين كهوفها وتجويفاتها..أخشى أن يؤثر ذلك في وضعية الاستقرار بالنسبة لمدينتنا الجبلية، فيختل توازنها، فتنفصل عن قاعدتها الأرضية السحيقة، وتتحول إلى جزيرة عائمة، تغمر المياه بقايا قاعدتها الصلبة لتصبح ملكاً للبحر..!؟
عندما طرأت لي هذه الفكرة الرهيبة كنت قد وصلت في سيري أمام واجهة مقر اتحاد الكتاب الجزائريين بشارع ديدوش مراد.. قرأت لافتة الاتحاد المغبرة، وكانت أبوابه الزجاجية، مضببه بما يشبه الستائر العنكبوتية.. وفجأة أحسست بأن المبنى يهتز.. ويهتز.. وسرت في كياني رعدةٌ قاتلة، ياإلهي هل هذا زلزال..؟ هل انهارت الأنفاق الجوفية..؟ رفعت رأسي نحو السماء، فرأيت الشاعر الجزائري عمر أزراج يحطم نافذة الاتحاد، ويلقي بنفسه في الفضاء.. صرخت: احذروا..
الحيتان .. احذروا.. الحيتان.. فتحت عيني جيداً فرأيت ولدي، يهز السرير بي.. وهو يقول: بابا.. ماذا بك؟ استيقظ.. إنها الثامنة صباحاً، موعد العمل..!