أمام الباب وقفت.. شيء من العتمة والغبش.. ارتسمت معالم وجهها في العين والقلب.. تخيلت كيف ستأخذني بكل الحب والشوق إلى صدرها... دموعها ستسقط مثل مطر لا يعرف الهدوء.. اشتقت للمسة دفء وحنان من كفها.. اشتقت لمحاولاتها إرضائي بكل الطرق.. كم أتعبتها.. آخر النهار تقف، ترفع يديها إلى السماء ، وترجو من الله أن يحفظني لها.. تبتسم حين أحدثها عن شيء من مغامراتي... تفرح لأن الولد أحمد اقترب من عالم الرجولة... رغم ذلك، رغم كل تعلقها وخوفها وقلقها، حملتُ أمتعتي وسافرت.. انتقلت من مكان إلى آخر.. غبت لمدة سنتين.. انقطعت أخباري.. وأخبارها.. لم أرسل أي عنوان.. تركتها لأخوتي يرعونها... . مازال الباب كعهدي به.. لم يتغير أي شيء.. قبل سنتين، كنت أدفعه بقدمي فينفتح... كانت أمي تطلب بإلحاح أن اقرع الجرس... لكن دون جدوى.. أدفعه بقدمي فيذهب قسمه الأيمن إلى الأمام وهو يئن، ثم يصطدم بالجدار... . ألف مرة قالت" يا أحمد حرام عليك..... ارحم هذا الباب وارحمنا" ولم ارحم.. كأن بيني وبين خشب الباب نوعاً من الثأر. ضحكت.. أخذت أحدق في الشقوق.. أبحث.. في الماضي كنت أحفر أشياء كثيرة بمسمار أوسكين.. ذكرى... كلمات.. وهكذا.. حمل الباب جزءاً من تاريخ حياتي.. رغم كل شيء كنت أحبه.. وكم ثرت حين فكر أخوتي ذات يوم بتغييره.. استغربوا.. ركبتهم الدهشة.. أداروا رؤوسهم ومصمصوا الشفاه.. ثم رضخوا لرأيي بعد أن انحازت والدتي ووقفت إلى جانبي.... آه أيها الباب.. الآن ستكون في الداخل.. أو ستكون عند واحد من أخوتي.. لن أتحمل البيت ورائحته دون وجودها... .... اشتقت لحركاتها وحنانها.. لرائحة الياسمين الذي تضعه دائماً في صدرها... الآن أشعر كم هي رائعة ..سأحكي لها الكثير عن تشردي وتسكعي في العالم.. كم توسلتْ أن أبقى إلى جانبها.. كنت أحمل رأساً مثل الصخر.. أردت أن أرحل.. ورحلت.. تركتها لدموعها ورحلت... أمام هذا الباب كانت تنتظر... أتأخر ليلاً، فيشتعل القلق في قلبها.. ولاتجد طريقة غير الانتظار أمام الباب.. تفتحه.. وترسل نظراتها في الشارع العريض... . مع كل خطوة تطيل النظر.. ثم تتراجع.. تتثاءب بتوتر.. أحياناً ترتدي ثياب الخروج وتذهب من بيت إلى آخر.. تسأل الأصدقاء.. الأقارب.. تضرب كفا بكف.. تسأل عن الولد أحمد الذي أطال السهر... وحين أعود، تضمني إلى صدرها وتبكي... أما سيادتي، فكنت أضحك مسروراً.. أشعر بأهميتي.. كانت تهز رأسها وتذهب إلى فراشها منهكة متعبة مرهقة.. وعلى الطاولة في المطبخ، أجد العشاء جاهزاً... ضحكت... الآن سأدفع الباب بقدمي كما كنت أفعل.. سأدخل بسرعة إلى غرفتها ..ستطير فرحاً.. ستضمني وأضمها.. سأحملها وادخلها في كريات دمي.. سأعتذر عن ذنوبي.. سأقسم أنني لن أرحل أبداً.. سأجعلها أسعد أم في الدنيا... . لن أدفع الباب بقدمي... سأقرع الجرس.. لم أحمل مفتاحاً من قبل.. هكذا كنت دائماً.. سأنتظر أمام الباب حتى تصل وتفتحه.. أعرف وقع خطواتها.. سأنتظر العمر كله.. اقتربت.. رفعت يدي اليمنى... ضغطت على الجرس ..انبعث الصوت حاداً.. ملأ الرنين أذني.. تحول إلى طنين حين نظرت إلى الجهة الأخرى... على يسار الباب ورقة نعوة... رغم العتمة والغبش كان الاسم واضحاً.. المرحومة.. الباب.. أنا.. وضعت يدي اليسرى على الورقة... أغمضت عيني ..وأخذ الطنين والدوار يأكلان شيئاً من القلب والحياة والروح...
أمام الباب وقفت.. شيء من العتمة والغبش.. ارتسمت معالم وجهها في العين والقلب.. تخيلت كيف ستأخذني بكل الحب والشوق إلى صدرها... دموعها ستسقط مثل مطر لا يعرف الهدوء.. اشتقت للمسة دفء وحنان من كفها.. اشتقت لمحاولاتها إرضائي بكل الطرق.. كم أتعبتها.. آخر النهار تقف، ترفع يديها إلى السماء ، وترجو من الله أن يحفظني لها.. تبتسم حين أحدثها عن شيء من مغامراتي... تفرح لأن الولد أحمد اقترب من عالم الرجولة... رغم ذلك، رغم كل تعلقها وخوفها وقلقها، حملتُ أمتعتي وسافرت.. انتقلت من مكان إلى آخر.. غبت لمدة سنتين.. انقطعت أخباري.. وأخبارها.. لم أرسل أي عنوان.. تركتها لأخوتي يرعونها... .
مازال الباب كعهدي به.. لم يتغير أي شيء.. قبل سنتين، كنت أدفعه بقدمي فينفتح... كانت أمي تطلب بإلحاح أن اقرع الجرس... لكن دون جدوى.. أدفعه بقدمي فيذهب قسمه الأيمن إلى الأمام وهو يئن، ثم يصطدم بالجدار... . ألف مرة قالت" يا أحمد حرام عليك..... ارحم هذا الباب وارحمنا" ولم ارحم.. كأن بيني وبين خشب الباب نوعاً من الثأر. ضحكت.. أخذت أحدق في الشقوق.. أبحث.. في الماضي كنت أحفر أشياء كثيرة بمسمار أوسكين.. ذكرى... كلمات.. وهكذا.. حمل الباب جزءاً من تاريخ حياتي.. رغم كل شيء كنت أحبه.. وكم ثرت حين فكر أخوتي ذات يوم بتغييره.. استغربوا.. ركبتهم الدهشة.. أداروا رؤوسهم ومصمصوا الشفاه.. ثم رضخوا لرأيي بعد أن انحازت والدتي ووقفت إلى جانبي....
آه أيها الباب.. الآن ستكون في الداخل.. أو ستكون عند واحد من أخوتي.. لن أتحمل البيت ورائحته دون وجودها... .... اشتقت لحركاتها وحنانها.. لرائحة الياسمين الذي تضعه دائماً في صدرها... الآن أشعر كم هي رائعة ..سأحكي لها الكثير عن تشردي وتسكعي في العالم.. كم توسلتْ أن أبقى إلى جانبها.. كنت أحمل رأساً مثل الصخر.. أردت أن أرحل.. ورحلت.. تركتها لدموعها ورحلت...
أمام هذا الباب كانت تنتظر... أتأخر ليلاً، فيشتعل القلق في قلبها.. ولاتجد طريقة غير الانتظار أمام الباب.. تفتحه.. وترسل نظراتها في الشارع العريض... . مع كل خطوة تطيل النظر.. ثم تتراجع.. تتثاءب بتوتر.. أحياناً ترتدي ثياب الخروج وتذهب من بيت إلى آخر.. تسأل الأصدقاء.. الأقارب.. تضرب كفا بكف.. تسأل عن الولد أحمد الذي أطال السهر... وحين أعود، تضمني إلى صدرها وتبكي... أما سيادتي، فكنت أضحك مسروراً.. أشعر بأهميتي.. كانت تهز رأسها وتذهب إلى فراشها منهكة متعبة مرهقة.. وعلى الطاولة في المطبخ، أجد العشاء جاهزاً...
ضحكت... الآن سأدفع الباب بقدمي كما كنت أفعل.. سأدخل بسرعة إلى غرفتها ..ستطير فرحاً.. ستضمني وأضمها.. سأحملها وادخلها في كريات دمي.. سأعتذر عن ذنوبي.. سأقسم أنني لن أرحل أبداً.. سأجعلها أسعد أم في الدنيا... . لن أدفع الباب بقدمي... سأقرع الجرس.. لم أحمل مفتاحاً من قبل.. هكذا كنت دائماً.. سأنتظر أمام الباب حتى تصل وتفتحه.. أعرف وقع خطواتها.. سأنتظر العمر كله.. اقتربت.. رفعت يدي اليمنى... ضغطت على الجرس ..انبعث الصوت حاداً.. ملأ الرنين أذني.. تحول إلى طنين حين نظرت إلى الجهة الأخرى... على يسار الباب ورقة نعوة... رغم العتمة والغبش كان الاسم واضحاً.. المرحومة.. الباب.. أنا.. وضعت يدي اليسرى على الورقة... أغمضت عيني ..وأخذ الطنين والدوار يأكلان شيئاً من القلب والحياة والروح...