-: حين باع بكور آخر زوجٍ من حمام "أسود ذيل" الذي سرقه من زكور، كان وجهاء الحي قد اكتمل عددهم، واتخذوا أماكنهم على مصاطب مضافة كنجو "أبو عبدو" رَجُلاً بجانب رَجُلٍ، ونرجيلة بجانب نرجيلة، بينما تراكمت في العتبة مجموعة من الأحذية المبوّزة، المطوية أكعابها بألوانها الكرزية والسمنية والبيضاء.. وكان هو اللون الغالب. تنحنح شحود "أبو صطيف" وطَرَفَ بعينه لكدرو، وأشار ناحية كنجو قائلاً: الكلام يا شباب "للعقيد"، وما على الحاضرين إلا سماع ما يتفضل به، وعُمُر السامعين يطول. ورد الحضور: تفضل أبا عبدو، إنّا نسمع. عالج العقيد شاله الحريري، وعدَّل "العرقية" وأزاح طرف "الجمدانة" بعد أن مسح طرفي فمه وقال: شرف "الكار" مصون بهمتكم وغيرتكم ونخوة الرجال. ردد الجميع: تعيش أبا عبدو. فأردف: رجال (الكار) في الحارات الأخرى لن يرحمونا إن وصلهم الخبر. قال شحود بصوته الممطوط: خبر بكور سر في صدورنا يا عقيد. ودون أن يلتفت إلى شحود قال العقيد: ليس خبر بكور هو الذي يجب أن يبقى سراً؛ بل خبر أن يقوم واحد مثل بكور بنشل حمام ابن (كار) مثله، ونبقى نحن عقيداً ووجهاء ساكتين.. هذا هو الخبر الذي نخاف أن يعلموه. شهامتنا يجب ألا تدع مجالاً لأي عقيد في أية حارة أن يُمسك علينا زلَّة "باطل!". أما أن يسمعوا بما فعله بكور؛ فهذا ضروري، وإذا لم يسمعوا حتى الآن، علينا أن نرسل إليهم من يخبرهم. قال زكور: يستأهل التشنيع. فقاطعه العقيد: لا تغلط يا زكور بحق (الكار)، سنسمعهم بما فعله بكور بعد أن نكون قد قلنا كلمتنا فيه، لقد "قلَّبت" الأمر في عقلي يا شباب، وما رأيت طريقة لصون شرفنا إلا أن نرمي بكوراً خارج الحارة، وأنت يا أبا بكور، قل أمامنا الآن: الخلف والعوض على الله فيه. أطرق أبو بكور صامتاً مغمضاً عينيه هازاً رأسه، فاركاً كفيه ببعضهما ثم نشق ما في أنفه. قال العقيد: لم ترد يا أبا بكور!. هل بكور أغلى من كروم!؟. وحياة "شنبك" شعرة شعرة، ما أن سمعت خبر فعلة كروم مع الولد في الخان، حتى حلفت بالطلاق ألا يدخل الحارة ستة أشهر، ثم بعثت له صرة ثيابه، وحفظت لكم شرف الحارة، وقد رأيتم وقتها كيف قدَّر عقداء الحارات فعلتي، وقد قالوا: إن حارتنا حارة رجال، لقد نسبوا إليكم جميعاً ما قررته ونفذته وحدي. لماذا فعلت هذا بابن أمي؟. أليس لأجلكم؟. الآن أنهيت كلامي، وقسماً بالواحد القهار لن أزيد كلمة، والمشورة للرجال. ردَّ الجميع: فصِّل لنا ونحن نلبس، كلمتك لا تصير اثنتين. مَسَّدَ العقيد شعيرات "شنبه" وامتص كمية هائلة من دخان نرجيلته على دفعات متواصلة، وتبعثر الدخان مع قوله: بكور يلحق بكروم. قال كدرو: ابعث له صرة ثيابه يا أبا بكور. قال العقيد: شرف "الكار" فوق كل اعتبار. قال أبو صطيف: الحارة التي لا عقيد لها خرابة. ابتسم العقيد عن صفين من أسنان مكسوة بطبقة من الفضة بينها واحد مكسو بالذهب تتوسطه فيروزة زرقاء. ثم نوّس نظرته وعقد بين حاجبيه، وبطرف إبهامه داعب "شنبه" وقال: يتوزع الشباب في مضافات الحارات ويبثون الخبر. وقام العقيد فهبَّ الجميع. اقترب أبو بكور من العقيد وهمس: لكن كروماً في "بحسيتا" يا عقيد!. ردَّ العقيد: أعرف. ثم انفض الرجال مرتاحي النفوس، رافعي الرؤوس. -: نكهة خاصة لعالم قائم بذاته. بوتقة للمتناقضات، وأعراف لم يشرعها أحد، لكن الكل يرضخ لها ويُلام من يخالفها، ذعرٌ وتربصٌ وتوترٌ واستهتار، وأيضاً خفر!. وشتائم مصوغة مسبوكة منغمَّة مضبوطة بإيقاعات منسجمة مع استثارة الغرائز، تتناسب مع ما يُلمس في المكان وما يُذاق ويُشم ويُبصر وما يُسمع. وكان كروم قد اتخذ الزاوية القريبة من "مسرح غازي" مكاناً يزاول فيه عمله، ثلاث قوائم خشبية طويلة، عليها دفة منزوعة من صناديق شاي سيلاني، وبضع "كشتبانات" وحبة مضغوطة من القشرة الفضية الداخلية لصناديق الشاي، وقد صار بكور شريكاً له، يربح دائماً أمام هذا الوافد من ريف الجزيرة السورية أو تخوم البادية، فيبدي بكور أمامه اهتماماً خاصاً باللعبة، فيكتشف دائماً موضع الحبة المضغوطة تحت "الكشتبانة" إياها دون سائر الأخريات، وكروم يدفع له. وشيئاً فشيئاً يفسح بكور مكاناً للصيد الوافد. متشاغلاً بِعَدِّ الورقات النقدية التي ربحها، ثم يهمس للصيد أن يلعب، ويشيرُ خلسة إلى "الكشتبانة" الرابحة.. بينما كروم يُبعد نظره عن التمثيلية، متشاغلاً بشيءٍ لا أهمية له، حتى يضع الصيد ورقة نقدية فيربح. ويتحمس أو يطمع فيربح مرة أخرى، فيهمس له بكور: ضع خمسين ليرة. فيخسر، فيلومه بكور لأنه أخطأ إذ لم يسمع له، فقد أشار له إلى تلك وليس إلى هذه، ويحثه أن يضع عليها ضعف المبلغ ليعوض، ويقلب له "الكشتبانة" فتظهر الحبة، والربح مضمون. وكروم يتشاغل مع الذبابة يهشها عن وجهه، ويمد الصيد الورقة النقدية فيسارع كروم إلى تحريك "الكشتبانة" بلهفة، وتسارع أصابعه تلقف الورقة، ويتظاهر بكور بأن دورية الشرطة تكاد تباغتهم فيهمس متوتراً: "عباية.. عباية". وينطلق فاراً من الخطر الذي اختلقه، ويسرع كروم هارباً بِعِدَّتِهِ... بينما الصيد في حيرة وحسرةٍ والقهر يأكل قلبه، ويمضي يجر رجليه والعرق يتصبب من جبينه، وقد تكدر مزاجه وغلبه الغم. وكروم وبكور يتناوبان العمل حتى موعد عملهما الثاني. إذ ينتقل كروم ليقطع التذاكر في كوَّة "مسرح غازي" وبكور يقف بالباب ممسكاً مكبر الصوت منادياً: تعال، متّع ناظريك، وشنّف أذنيك. رقص وغناء وفرجة، الليلة وكل ليلة مع الغجرية الحسناء... حتى إذا انتهى "البورغرام" رافق كروم المطربة المزيفة إلى زقاق الدعارة المرخصة، على بعد أمتارٍ من ذاك المسرح والسينما في آنٍ معاً، فيدخلان مدخلاً عليه لافتة مضاءة باسم "فيوليت اليونانية"!. فيجلس كروم بالباب مدللاً مشجعاً ذاك الريفي القادم على استحياء وقد نزل المدينة ومرَّ بصالون مزيِّن، ثم توجه إلى هنا مبهوراً وقد أخذته الدهشة من هذا الذي يراه وهو ما لا يخطر له على بالٍ وفوق ما يمكن أن يتخيله، مأخوذاً أمام الأجساد نصف العارية، وكتل اللحم الأبيض، وقد عُرض ليكون في متناول الأيدي... وسيخرج من هنا ليأكل "الكباب" عند "سطّح" ثم يذهب لينام في أحد فنادق "جب القبَّة" ليسافر في اليوم الثاني عائداً إلى البريّة يجني الكمأة. -: هُدِمَ ذاك العالم وانتهت الحياة فيه، وانتشر سكانه في شتى الأحياء يمارسون جُلَّ نشاطهم ليلاً، ويزّجون الوقت في بعض الساحات، وبأيديهم ساعات مذهبة وسبحات كهرمانية وحمام نادر، وبضائع مهربة وأشياء مسروقة، يدللون عليها، وفي الآن نفسه يبرمون اتفاقيات وصفقات ومواعيد ليلية في شقق متوزعة في أدنى وأرقى الأحياء، وبعض فنادق "بستان كل آب" وقد ملك بكور وكروم أحدها، حيث يمضيان فيه أياماً متشابهة، فها هو "كروم" يرشف من كأسه متنهداً ويقول: مضى العمر يا صاحبي بين هذه الكأس وتلك اللقمة وذاك الفراش. ويرد "بكور": نعمة يا صاحبي نعمة... وما العمر لولا هذه وتلك وذاك؟ -: أخشى ألا يكون قد بقي من الزمن فسحة. وقد أمضينا حياتنا ".عكرته.". أرى كأني سأمضي قهقه "بكور" قائلاً: لا تحزن يا صاحبي، إن مضيت فسألحق بك. لا تحزن.
-: حين باع بكور آخر زوجٍ من حمام "أسود ذيل" الذي سرقه من زكور، كان وجهاء الحي قد اكتمل عددهم، واتخذوا أماكنهم على مصاطب مضافة كنجو "أبو عبدو" رَجُلاً بجانب رَجُلٍ، ونرجيلة بجانب نرجيلة، بينما تراكمت في العتبة مجموعة من الأحذية المبوّزة، المطوية أكعابها بألوانها الكرزية والسمنية والبيضاء.. وكان هو اللون الغالب. تنحنح شحود "أبو صطيف" وطَرَفَ بعينه لكدرو، وأشار ناحية كنجو قائلاً:
الكلام يا شباب "للعقيد"، وما على الحاضرين إلا سماع ما يتفضل به، وعُمُر السامعين يطول.
ورد الحضور: تفضل أبا عبدو، إنّا نسمع.
عالج العقيد شاله الحريري، وعدَّل "العرقية" وأزاح طرف "الجمدانة" بعد أن مسح طرفي فمه وقال: شرف "الكار" مصون بهمتكم وغيرتكم ونخوة الرجال.
ردد الجميع: تعيش أبا عبدو.
فأردف: رجال (الكار) في الحارات الأخرى لن يرحمونا إن وصلهم الخبر.
قال شحود بصوته الممطوط: خبر بكور سر في صدورنا يا عقيد.
ودون أن يلتفت إلى شحود قال العقيد: ليس خبر بكور هو الذي يجب أن يبقى سراً؛ بل خبر أن يقوم واحد مثل بكور بنشل حمام ابن (كار) مثله، ونبقى نحن عقيداً ووجهاء ساكتين.. هذا هو الخبر الذي نخاف أن يعلموه. شهامتنا يجب ألا تدع مجالاً لأي عقيد في أية حارة أن يُمسك علينا زلَّة "باطل!". أما أن يسمعوا بما فعله بكور؛ فهذا ضروري، وإذا لم يسمعوا حتى الآن، علينا أن نرسل إليهم من يخبرهم.
قال زكور: يستأهل التشنيع.
فقاطعه العقيد: لا تغلط يا زكور بحق (الكار)، سنسمعهم بما فعله بكور بعد أن نكون قد قلنا كلمتنا فيه، لقد "قلَّبت" الأمر في عقلي يا شباب، وما رأيت طريقة لصون شرفنا إلا أن نرمي بكوراً خارج الحارة، وأنت يا أبا بكور، قل أمامنا الآن: الخلف والعوض على الله فيه.
أطرق أبو بكور صامتاً مغمضاً عينيه هازاً رأسه، فاركاً كفيه ببعضهما ثم نشق ما في أنفه.
قال العقيد: لم ترد يا أبا بكور!. هل بكور أغلى من كروم!؟. وحياة "شنبك" شعرة شعرة، ما أن سمعت خبر فعلة كروم مع الولد في الخان، حتى حلفت بالطلاق ألا يدخل الحارة ستة أشهر، ثم بعثت له صرة ثيابه، وحفظت لكم شرف الحارة، وقد رأيتم وقتها كيف قدَّر عقداء الحارات فعلتي، وقد قالوا: إن حارتنا حارة رجال، لقد نسبوا إليكم جميعاً ما قررته ونفذته وحدي. لماذا فعلت هذا بابن أمي؟. أليس لأجلكم؟. الآن أنهيت كلامي، وقسماً بالواحد القهار لن أزيد كلمة، والمشورة للرجال. ردَّ الجميع: فصِّل لنا ونحن نلبس، كلمتك لا تصير اثنتين.
مَسَّدَ العقيد شعيرات "شنبه" وامتص كمية هائلة من دخان نرجيلته على دفعات متواصلة، وتبعثر الدخان مع قوله: بكور يلحق بكروم.
قال كدرو: ابعث له صرة ثيابه يا أبا بكور.
قال العقيد: شرف "الكار" فوق كل اعتبار.
قال أبو صطيف: الحارة التي لا عقيد لها خرابة. ابتسم العقيد عن صفين من أسنان مكسوة بطبقة من الفضة بينها واحد مكسو بالذهب تتوسطه فيروزة زرقاء. ثم نوّس نظرته وعقد بين حاجبيه، وبطرف إبهامه داعب "شنبه" وقال: يتوزع الشباب في مضافات الحارات ويبثون الخبر.
وقام العقيد فهبَّ الجميع. اقترب أبو بكور من العقيد وهمس:
لكن كروماً في "بحسيتا" يا عقيد!.
ردَّ العقيد: أعرف.
ثم انفض الرجال مرتاحي النفوس، رافعي الرؤوس.
-: نكهة خاصة لعالم قائم بذاته. بوتقة للمتناقضات، وأعراف لم يشرعها أحد، لكن الكل يرضخ لها ويُلام من يخالفها، ذعرٌ وتربصٌ وتوترٌ واستهتار، وأيضاً خفر!. وشتائم مصوغة مسبوكة منغمَّة مضبوطة بإيقاعات منسجمة مع استثارة الغرائز، تتناسب مع ما يُلمس في المكان وما يُذاق ويُشم ويُبصر وما يُسمع.
وكان كروم قد اتخذ الزاوية القريبة من "مسرح غازي" مكاناً يزاول فيه عمله، ثلاث قوائم خشبية طويلة، عليها دفة منزوعة من صناديق شاي سيلاني، وبضع "كشتبانات" وحبة مضغوطة من القشرة الفضية الداخلية لصناديق الشاي، وقد صار بكور شريكاً له، يربح دائماً أمام هذا الوافد من ريف الجزيرة السورية أو تخوم البادية، فيبدي بكور أمامه اهتماماً خاصاً باللعبة، فيكتشف دائماً موضع الحبة المضغوطة تحت "الكشتبانة" إياها دون سائر الأخريات، وكروم يدفع له.
وشيئاً فشيئاً يفسح بكور مكاناً للصيد الوافد. متشاغلاً بِعَدِّ الورقات النقدية التي ربحها، ثم يهمس للصيد أن يلعب، ويشيرُ خلسة إلى "الكشتبانة" الرابحة.. بينما كروم يُبعد نظره عن التمثيلية، متشاغلاً بشيءٍ لا أهمية له، حتى يضع الصيد ورقة نقدية فيربح. ويتحمس أو يطمع فيربح مرة أخرى، فيهمس له بكور: ضع خمسين ليرة.
فيخسر، فيلومه بكور لأنه أخطأ إذ لم يسمع له، فقد أشار له إلى تلك وليس إلى هذه، ويحثه أن يضع عليها ضعف المبلغ ليعوض، ويقلب له "الكشتبانة" فتظهر الحبة، والربح مضمون. وكروم يتشاغل مع الذبابة يهشها عن وجهه، ويمد الصيد الورقة النقدية فيسارع كروم إلى تحريك "الكشتبانة" بلهفة، وتسارع أصابعه تلقف الورقة، ويتظاهر بكور بأن دورية الشرطة تكاد تباغتهم فيهمس متوتراً: "عباية.. عباية". وينطلق فاراً من الخطر الذي اختلقه، ويسرع كروم هارباً بِعِدَّتِهِ... بينما الصيد في حيرة وحسرةٍ والقهر يأكل قلبه، ويمضي يجر رجليه والعرق يتصبب من جبينه، وقد تكدر مزاجه وغلبه الغم.
وكروم وبكور يتناوبان العمل حتى موعد عملهما الثاني. إذ ينتقل كروم ليقطع التذاكر في كوَّة "مسرح غازي" وبكور يقف بالباب ممسكاً مكبر الصوت منادياً: تعال، متّع ناظريك، وشنّف أذنيك. رقص وغناء وفرجة، الليلة وكل ليلة مع الغجرية الحسناء... حتى إذا انتهى "البورغرام" رافق كروم المطربة المزيفة إلى زقاق الدعارة المرخصة، على بعد أمتارٍ من ذاك المسرح والسينما في آنٍ معاً، فيدخلان مدخلاً عليه لافتة مضاءة باسم "فيوليت اليونانية"!. فيجلس كروم بالباب مدللاً مشجعاً ذاك الريفي القادم على استحياء وقد نزل المدينة ومرَّ بصالون مزيِّن، ثم توجه إلى هنا مبهوراً وقد أخذته الدهشة من هذا الذي يراه وهو ما لا يخطر له على بالٍ وفوق ما يمكن أن يتخيله، مأخوذاً أمام الأجساد نصف العارية، وكتل اللحم الأبيض، وقد عُرض ليكون في متناول الأيدي...
وسيخرج من هنا ليأكل "الكباب" عند "سطّح" ثم يذهب لينام في أحد فنادق "جب القبَّة" ليسافر في اليوم الثاني عائداً إلى البريّة يجني الكمأة.
-: هُدِمَ ذاك العالم وانتهت الحياة فيه، وانتشر سكانه في شتى الأحياء يمارسون جُلَّ نشاطهم ليلاً، ويزّجون الوقت في بعض الساحات، وبأيديهم ساعات مذهبة وسبحات كهرمانية وحمام نادر، وبضائع مهربة وأشياء مسروقة، يدللون عليها، وفي الآن نفسه يبرمون اتفاقيات وصفقات ومواعيد ليلية في شقق متوزعة في أدنى وأرقى الأحياء، وبعض فنادق "بستان كل آب" وقد ملك بكور وكروم أحدها، حيث يمضيان فيه أياماً متشابهة، فها هو "كروم" يرشف من كأسه متنهداً ويقول: مضى العمر يا صاحبي بين هذه الكأس وتلك اللقمة وذاك الفراش.
ويرد "بكور": نعمة يا صاحبي نعمة... وما العمر لولا هذه وتلك وذاك؟
-: أخشى ألا يكون قد بقي من الزمن فسحة. وقد أمضينا حياتنا ".عكرته.". أرى كأني سأمضي قهقه "بكور" قائلاً: لا تحزن يا صاحبي، إن مضيت فسألحق بك. لا تحزن.