نوفمبر 54، مسيرة في الحلم والدم.
نوفمبر 94، سفر إلى المستقبل حيث الماضي يتربص!
رهيباً كالجريمة،
عابساً كالظلام،
نوفمبر 94
الكلمات تبحث عن مضامين،
الحلم يبحث عن عيون تضمه،
الاسلام يبحث عن إسلام،
اسمه الرحمة،
لا المتاجرة والمساومة والحقد الدفين.
***
نوفمبر 54 - نوفمبر 94
مسافة أطول من الأبد،
وأصغر من حلم،
أجيال ضحت في سبيل فكرة.
اسمها الحرية،
وذئاب انتظرت زمن الغنيمة،
قوافل استشهدت،
ليكون الهلال أبداً في السماء،
لتكون الجزائر أبداً ثورة،
وطناً للثائرين،
حرية،
وطناً للأحرار،
حلماً،
وطناً للحالمين ...
وفجأة،
بدل المدن،
أخذنا نبني المقابر !
بدل روايات البطولات والتضحيات والانتصارات ،
رحنا نبحث عن العظام!
بدل أن يكون الشهيد رمزاً للتضحية،
معنى من معاني الكرامة المستردة،
قيمة من قيّم الحرية،
بناء لا تزعزعه الزلازل والزوابع،
مثلاً للأجيال الصاعدة،
أصبح أنصاباً جامدة.
ليس لها مع الروح رابطة،
ولا مع التاريخ اتصال !
السنوات تمر،
وزماننا إلى الوراء يتدحرج.
نجوم الناس تبحث عن علو لا متناه،
وأهلتنا أنصاب على مقابر،
نسينا ماضينا القريب،
فإذا الزمان يصبح لدينا كله ماضياً!
نسينا أمجادنا، نسينا بطولاتنا التي ملأت الدنيا وشغلت الناس.
ورحنا نبحث عن بطولات وأمجاد لا أدري أين!
الانسانية تبحث عن حرية زائدة،
عن مسؤولية في مستوى الإنسان،
ونحن نبحث عن قيود أخرى،
ولو من الغيب،
باسم الغيب والدين!
نحن شهداء الجريمة،
جريمة جاء بها البحر،
وسنيّ الغفلة والقهر.
يوليو " شهر" واسم تعرفه هذه الأرض.
لم يكن احتلالاً، كان جريمة،
نخرت منا العظام،
بعد أن تحولت الشجاعة من الصدور إلى المصانع،
بعد أن صار الدين طقوساً مضيئة على طريق الآخرة،
وصارت الدنيا لا تساوي جناح بعوضة!
عاشت تلك الجريمة في هذا الغباء الخصب ،
وعمّرت،
وكان عمرها لعنة على حياة الآباء والأجداد.
لعنة على من " فر بدينه" تاركاً أرضه للنهب والسلب،
لعنة على من فكر أن الأرض واسعة بلا وطن،
وهي لامكان له فيها لوضع قدم!
الشعوب الحرة تعرف ذلك....
تعرف أن لاوجود لشعب بلا وطن،
ولا لحرية بلا وطن،
ولا مستقبل لأرض بلاوطن،
والشعب الجزائري يعرف ذلك أكثر.,...
وجاء نوفمبر 54
ولدته المعاناة الطويلة والحرمان الطويل،
ولده الجوع والعراء والبطش الرهيب،
ولدته مناجل الفلاحين وفؤوس العمال،
لا العمائم والخطب الطويلة والأقوال!
ولده حقد البائسين،
وظلم حرب كانت عالمية علينا،
ولده مايو الجريمة، ومايو الصمود.
وفجّره شباب مناضلون،
آمنوا بالحرية قبل الايمان بالعمائم والأحزاب!
أدركوا أن حرية الوطن هي وحدها الحرية،
أدركوا أن وطنهم ليس أرض الله والواسعة،
إنما هو الجزائر...
بحدودها الجغرافية ،
بتاريخها الطويل المتجذر في صخور الهقار والتاسيلي،
بدماء أبطالها التي سالت في كل واد، وأثناء كل نكبة، أو فتح مبين،
وكان للجهاد يومئذ معنى ونور،
لم يكن قتل " كفار" ،
كان قتل استعمار!
لم يكن تصفية اخوان وشيوخ وأطفال أو خطف عرائس،
لم يكن من أجل جنة غائبة، أو دولة كاذبة،
لم يكن " جهاد" مخدرين أو منبوذين، أو تجار دنيا ودين،
جهاد حطّم المجرمين والاستعمار،
ومحا العار،
لم يحطم قطار مسافرين، أو مقابر شهدائنا الأولين،
لم يدمر مؤسسات باسم الدين،
بنى المدارس حتى في الملاجئ لأبناء اللاجئين،
أولئك المجاهدون الأبرار،
هم حقاً أبناء الجزائر الأطهار.
هم آباؤنا وأخواننا حقاً في الوطن والدين،
هم أبطال الحرية والعدل، وأعداء الظلم والجور،
هم سلالة أبطالنا الأكارم على مر العصور ،
ببنادقهم نقشوا للجزائر اسماً من نور..
جعلوا وطنهم موئلاً للثائرين وملجأ للخائفين،
لم يقتلوا أبرياء أو ضيوفاً أو متعاونين،
هم وحدهم المجاهدون
ووحدهم أبناء نوفمبر،
نوفمبر الثورة والأمجاد، لا نوفمبر الفساد!
نوفمبر 94،
نوفمبر الحزين.
ماللحرية والدين؟
ماللجريمة والدين؟
ماللفشل والدين؟
مالحرق المدارس والدين؟
مالخطف العرائس والدين؟
مالحرق المعامل والدين؟
لماذا حرق حافلات المسافرين؟
لماذا قتل المتعاونين؟
لماذا جعلت الحياة جحيماً لشعب أمين ،
باسم الدين!
هو من بقايا بلونيس والـ o.a.s
صرنا نخاف من رصاصة غادرة من جليس!
ماذا أكتب؟
عن الذين قتلوا؟
عن الذين يقتلون وأنا أكتب؟
أم عن الذين سيقتلون،
برصاصة من خلف في الرأس؟ كالأمس،
قد تكون رصاصة تتربص بي في مكان أمين،
في صبيحة شقية،
أو عشية ،
من شاب وديع أعرفه،
كلفه " بمهمة" أخ" صديق".
يبتسم لي في الطريق،
يعرف سري ونجواي،
وسكناي!
ماذا أقول؟
ما الانسان؟
حزمة من جنون؟
الاه بلا كون؟
أم حلم بلا مضمون؟
أمهات تبكي البنين،
سلطة تبحث عن يقين،
الهدم والاحراق بالمئين،
أحزاب في التيه من سنين،
لاتدري أين ،
والشعب ينتظر الخلاص،لا يدري متى وكيف وأين!
الجثث تبحث عن قبور فلا تجد،
القلوب تبحث عن سرور فلا تجد،
الشعر يبحث عن أوزان وبحور فلا يجد،
سوى " النظام" "الأرلوكاني " (1) الدثور، (1) Arelequin
سوى الكلمات اللواتي لاكتهن الدهور،
والاه يُذر في كل بخور،
إلاه بلا قدسية ولا جذور،
عدو للاناث صديق للذكور.
رحمته لا تعرفها إلا القبور.
وأصحاب الفيلاّت والفجور،
" قسماً" ليس نشيد ثورة ووطن،
كما كان يدّوي في كل أذن،
كما كان بشرى بحلم،
كما كان صرخة في وجه العدم،
" قسماً" يامفدى زيفوه،
حرفوه،
قسموا به الغنائم،
والكراس والعمائم،
نوفمبر 94 ليس نوفمبر،
هو شهر كأكتوبر ....
واكتوبر ليس ثورة،
كان يأساً من سواد،
وأحقاد.
لم يلد فجراً جديداً،
لم يكن حلماً مديداً،
خلقته المصالح،
والمطامح،
وأطفال قلدوا صوت الحجارة،
لفظتهم مدارس، وأكواخ التجارة،
ونظام حكم هوعين الدعارة،
وحياة كلها أو هي المرارة
أربع وتسعون ونوفمبر،
زيّفت قيّم الكلمات أكثر،
حتى" الله أكبر"
صار يُذكر،
عند ذبح طبيب في مخبر!
" والحوار" فيه والبسمات أنور،
مع كل مدمر،
للجزائر،
مع كل مغرّر،
يبشر،
شعبه بالترهات والنقمات،
ويكفر
كل مفكر،
ويسلط عليه اللعنات.
نوفمبر اليوم ليس نوفمبر،
اصبح الله فيه إرهابياً بخنجر!
هكذا شاء الدعاة،
ضد شعب ذنبه : يريد التحرر،
لايريد الظلام للطرقات،
لا يريد اللحاف الأسود للفتيات،
لايريد الماضي قيداً،
لا يريد العيش عبداً، تحت كابوس الدعاة"
والطغاة.
والحكاية طويلة...
ليست من ألف وليلة،
هي من أمس قريب في مسجد.
هو مخبأ " لمجاهد" .
قال الراوي : قال " المجاهد":
" إن قتلنا فلنا الأرض غنيمة،
ولنا الناس خول،
نحن لا نخشى الدول،
نبني دولة ذات باس شديد،
نحن فيها سراة و "الطاغوت" عبيد!
أو قُتلنا،
فلنا الجنة مأوى،
فيها ماالنفس تهوى،
ملذات أبدية تتجدد،
حوريات ربانية بلورية تتعهد،
لا تتردد...
تسقي من يرنو إليها بشراب من رحيق،
في كؤوس كالشموس،
سكرها سكر معربد .
كل مايشرب فيها مباح،
لقتيل السلاح،
قال الشاعر : بعد ماالراوي سكت:
" قسماً بالأمس البعيد،
لن يعود الحر عبداً من جديد،
لن يُغطى وجه شمس بضباب،
لن يُغم صوت شعب بعذاب،
سوف نبني جمهورية،
فيها للمرأة رأي،
ويزول الليل والملايا الأجنبية،
والقمصان والنعال والقلانس،
ويعود الجمال للبرانس،
ويصير الماضي عبرة،
لاخطاب،
ويدّوي من جديد في الجزائر:
"قسماً بالنازلات" من كل ثائر،
قسماً بالكلمات،
قسماً بكل فتى وفتاة،
لن يموت " نوفمبر "
لن يموت الأوراس والصومام،
رغم كل طغام "وإمام" ،
وتغني الجزائر:
" من جبالنا طلع" فجر جديد،
" يابلادي يا بلادي، أغنيات الحلم البعيد،
لن نكون فيها العبيد،
" إلافي سبيل الحرية" نعيش نعيش وتحيا الجزائر،
وينهض شعب يدك الحديد،
وتبزغ شمس تذيب الجليد،
ونصبح أخوة كما كنا أمس، من جديد،
ونهتف :" نوفمبر" أنت وحدك عيد،
ويضحك أطفالنا وتبتسم الفتيات،
ويُرفع صوت المؤذن بالصلوات،
وتُمزع عن ديننا " الأوزيات" (1) (1) Pluriel UZI
وتُرفع عن أختنا اللعنات
وتصبح حرة كريمة كما في نوفمبر .
ونصبح أخوة في المصير،
ونبني جزائر حرة تسير،
تحقق حلم رواد "نوفمبر