-النهر
...
عند حافة النهر وقفا.
رجل وامرأة.
كانت المرأة نحيلة، فمها وردة، ولها عينان من مخمل أسود، وكان الرجل نحيلاً، وفي عينيه ترتعش حكايات وصور.
أمسك الرجل بيد المرأة.
أمسكت المرأة بيد الرجل.
وراحا يخوضان في ماء النهر بصمت.
وفي عيون الاثنين كان يشع صهيل أخضر.
وعندما، وصل الماء حد السرة، تعريا من ثيابهما، التصقا. ثم تعانقا بحرارة، وقتها، كان القمر في السماء قرصاً من فضة، والسكون يخيم على الكون بوداعة.
2-الغناء
في الصباح
كان يقف في عتبة الدار، تقف بارعة أمامه، يحتضن وجهها بيديه الاثنتين، يقبل جبينها بحنان، ثم يغادرها إلى عمله بهدوء، دون أن يتفوه بكلمة، وعيناه تطفحان بالحنان والحزن.
وعندما يعود في المساء متعباً ومكدوداً، يجلسها قبالته تماماً، ويروح يغني لها بصوت، عذب، دافئ. حنون. عن الغربة، والتعب، والزنزانات الرطبة، والحرمان، وعندما يتعب، يدفن رأسه في صدرها، ويروح ينتحب بألم ومرارة. أما هي:
فتغمس أصابعها النحيلة في شعره، وتبدأ بالغناء، حتى يغفو وينام.
3-عائشة
عندما فتح الرجل عينيه.
بدت المسرة على الوجوه الواجمة، ووقفت العيون المتحلقة حوله على شفتيه، منتظرة ومترقبة. دار بعينيه في الغرفة الصغيرة بذهول قلق، مر بهما على الجدران والمقاعد، والأشياء الأخرى، بحث بين الوجوه عن وجه عائشة، ثم ارتد خائباً، وبصوت ضعيف، راج. مرتعش ومتقطع، همس:
-أريد عائشة.
فارتفع بكاء النسوة.
في حين استدارت وجوه الرجال إلى جهة أخرى، وقد جللها الحزن، والألم، والمرارة.
وعندما وقعت عيناه على صورتها المعلقة على الجدار، موشحة بالسواد أدرك وقتها فداحة الفاجعة. طفرت من عينيه دمعة، اثنتان، ثلاث، ثم أغمض عينيه بهدوء وصمت.
4-الاغتيال
قالت له: أحبك.
قال لها: ليس أكثر مني.
قالت له: أنت ملاذي.
قال لها: وأنت كل ما أملك.
وعندما تلاقت أيديهما.
شعر بيديها ترتجفان مثل حمامتين خائفتين، في حين أحست هي أنها تذوب في عينيه الواسعتين بفرح، وحبور، ومسرة.
قالت له: لقد تأخرت.
قال لها: ولكنني أتيت.
وظلت المرأة تذوب في عيني الرجل.
وروحها تمتلئ بالنشوة.
شدّها إليه
فأقبلت عليه وجهاً مسكوناً بالضوء، والفرح، والحلم، والمسرات، شدها، فتداعت على صدره غزالة من مسك وحنان، وشموس، ورمت قلبها بين يديه، وفي فمها ابتسامة بحجم القلب، وعلى جبينها قمر من فضة.
فامتلأ الرجل برائحة الأنثى. غمغم الرجل، فارتعشت المرأة مثل وردة.
تعانقا بوله المشتاق، وشوق المحب، ولوعة العاشق، فتحول العالم شجرة خضراء باسقة، خيمت فوقهما، وحجبتهما عن أعين الناس، صارا جسداً واحداُ، وروحاً واحدة، والكون كله فراشهما.
قالت العصافير: لساقي المرأة بياض المرمر، ونعومة الحرير، ونداوة الماء.
أما الأشجار فقالت: نهداها نهران من حليب وعسل.
كان الرجل سعيداً بالمرأة.
وكانت المرأة سعيدة بالرجل.
كانا سعيدين ببعضهما البعض.
وقتها تماماً:
فاجأتهما فوهة بندقية حاقدة، مسددة نحوهما، ومع كل الذعر الذي ملأ العيون، ازدادا التصاقاً ببعضهما البعض، وعندما ضغطت الإصبع الحاقدةة على الزناد، اشتعل الكون بالنار، وصدر المرأة والرجل صارا حديقتين من ورد أحمر