شارداً كان ... في الأويقات المتقدّمة في المساء ... مرّت أمامه غزالة منقوشة في ذاكرته منذ قديم العهود.. استدرجته الغزالة لعالم معشوشب بالخضرة والمواعيد، تكورّ داخله مثل طفل صغير ... أخذه الحب، والدفء، والجمال ... صاح: - وجدتها ...! تربعت "غاده " على عرش قلبه.. اتخذّت مملكتها هناك، ثم أغلقت الباب.. أضاءت أيّامه، بوجه بديع، وحديث أخّاذ، ومع إصغائه إليه ... راح يحضن حلمه القديم، وينتشي به حتى آخر قطره . - " أنتِ من أردتكِ، أنتِ ... " قال لها ... وسبح في ملكوت سمائها، وغيّب من عمره كلّ خطايا الانتظار.. أطلق عليها أسماء النساء كلها، وصفات الأميرات.. فصارت دميته المدلّله الساحرة، التي لم يستطع أي وصف أن يطولها، أو أي رسم أن يعبّر عنها.. أحبّها حتىّ غصّ قلبه بالصخب، وبدت كل لحظة تمر عليه، تعادل مليون عام. نام، نام، ثمّ استيقظ.. نبهّته " غادة " من رقاده، أشعره قربها بشيء خفي يجتاحه لأوّل مرّه.. - " ماذا تراني أفعل بهذا الحسن ، ماذا أفعل بهذا السحر ؟.." باح لها، وباح ... ثمّ جرى ما جرى !" كم مضى من العمر العابر على دروب الحياة، والممزوج بأفانين الرغبة، وهو يغزل أحلامه الواضحة، الغامضة.. والتي لم يكن خياله يتّسع لأكبر منها.. كم كان ينسّق، يرتّب، يبني بيته المقبل، عشّه الزوجي المركون في فضاءات الصباحات والمساءات المعطّرة بالانبهار، والمغسولة بماء الورد، يزرع أملاً يمنحه قوافل عطاء، لا تملكها سوى زوجة رسم لها في ذاكرته نموذجاً معيّناً، لا يتخلّى عن مواصفاته قيد أنمله ؟؟ - " أريد عروساً جميلة إلى درجة تفوق الوصف.. إذا نظرتُ إليها أسرتني.. وإذا لا مستها صعقتني، وإذا أصغيت لحديثها، أذابني حلو الكلام، وإذا اختليت بها أصابني مس ... الخلاصة.. أريدها.. بنت الدهشة ". وجرى التعبير على ألسنة أصدقائه، متندرين، مشفقين: - أحمد لن يتزوّج سوى " بنت الدهشة ".. وإن لم يجدها، فعلى زواجه السلام. الأيّام تسحب الأيام ... والرأس يمتلئ بالشيب وقد تجاوز الأربعين.. لكن الأمل مازال في باكورة تألّقه، ووجه الحبيبة يروح ويجئ، والصورة المرتقبة ماثلة أمامه لا تحيد.. ملامحها مرسومة بدقّة، وتعابيرها ذات مواصفات مدروسة.. الطول، الوزن، اللون، والعينان، النطق، الشعر خفّة الظلّ، الحضور، الثقافة، ... إلخ ضاع الوقت، هدر على شرفات الترقّب، سرقته خديعة الأحلام ..قال: .. حتىّ الأحلام تتقن فنّ السرقة ". لكنّه لم يتراجع عن شروطه في الاختيار، ولم يتنازل عن الرغبة في الشكل الذي يريد، والذي لن يقبل بديلاً عنه أبداً، فهو إن لم يردِه قتيلاً عند رؤيته له، فلاداعي إليه على الإطلاق " وحدث ما أراد ... التقى بغادة بعد رحلة من التمنيّ طويلة.. باغتته الظروف بها تعبر من أمامه وهو جالس على ناصية مقهى.. .. إنّها هديّة الله من السماء " لفحته نار الحب في اللقاء المفاجئ، وصرعه الجمال منذ أوّل نظرة، وجاءت إليه على قدميها تسعى. قدٌّ، وعينان، وطول فارع، وشعرها كالليل، وحضور بهي.. ! "إنكِ أنتِ.. أنتِ نفسك من جريتُ وجريتُ حتّى لحقت بك".. اعترف لها، تلاشى في حضرتها، نسي العالم بوجودها معه.. غبطه الأصدقاء، وربمّا حسدوه، وتحلّقوا كلّ يوم يتهامسون: " لابدّ أنّه يعايش الضياء، ويطير في سموات الحبور، ويصفّق للفرح، في مطر صيفه القائظ ندى.. هنيئاً له.. لقد صبر ونال.. أفضت القرب ما أفضت، ثم راحت الشفاه تتلمّظ بمختلف الأوجاع: قال نبيل: - " لقد تزوّجت رغماً عنّي.. ألزمتني رغبة الأهل ". قال عامر: - " سعادة الحياة أن تفتح عينيك في الصباح على وجه جميل، وليس على وجه يابس، كما يحدث معي ". قال سعيد: - " لو انتظرت مثله، لكنت الآن أسبح في بحر من العسل ". غاب أحمد عن الجميع، غادر الشلّة والرفاق، لم يعد أحد يراه.. شهر، شهران، ثلاثة شهور.. إلى أن كان مساء.. وبينما الأصحاب يلتفوّن حول إحدى الطاولات في أحد المقاهي التي اعتادوا التواجد فيها، يشربون القهوة والشاي، ويدخنون النراجيل.. و إذا بالعريس يدلف إليهم.. يحييّ،. يأخذ كرسيّه المعتاد، ومكانه المعتاد، وقد أمّحت عن وجهه أيّة تعابير توحي أنّه ينتظر حلماً.. أو دهشة ما.
شارداً كان ... في الأويقات المتقدّمة في المساء ... مرّت أمامه غزالة منقوشة في ذاكرته منذ قديم العهود.. استدرجته الغزالة لعالم معشوشب بالخضرة والمواعيد، تكورّ داخله مثل طفل صغير ... أخذه الحب، والدفء، والجمال ... صاح:
- وجدتها ...!
تربعت "غاده " على عرش قلبه.. اتخذّت مملكتها هناك، ثم أغلقت الباب.. أضاءت أيّامه، بوجه بديع، وحديث أخّاذ، ومع إصغائه إليه ... راح يحضن حلمه القديم، وينتشي به حتى آخر قطره .
- " أنتِ من أردتكِ، أنتِ ... "
قال لها ... وسبح في ملكوت سمائها، وغيّب من عمره كلّ خطايا الانتظار.. أطلق عليها أسماء النساء كلها، وصفات الأميرات.. فصارت دميته المدلّله الساحرة، التي لم يستطع أي وصف أن يطولها، أو أي رسم أن يعبّر عنها.. أحبّها حتىّ غصّ قلبه بالصخب، وبدت كل لحظة تمر عليه، تعادل مليون عام. نام، نام، ثمّ استيقظ.. نبهّته " غادة " من رقاده، أشعره قربها بشيء خفي يجتاحه لأوّل مرّه..
- " ماذا تراني أفعل بهذا الحسن ، ماذا أفعل بهذا السحر ؟.."
باح لها، وباح ... ثمّ جرى ما جرى !"
كم مضى من العمر العابر على دروب الحياة، والممزوج بأفانين الرغبة، وهو يغزل أحلامه الواضحة، الغامضة.. والتي لم يكن خياله يتّسع لأكبر منها.. كم كان ينسّق، يرتّب، يبني بيته المقبل، عشّه الزوجي المركون في فضاءات الصباحات والمساءات المعطّرة بالانبهار، والمغسولة بماء الورد، يزرع أملاً يمنحه قوافل عطاء، لا تملكها سوى زوجة رسم لها في ذاكرته نموذجاً معيّناً، لا يتخلّى عن مواصفاته قيد أنمله ؟؟
- " أريد عروساً جميلة إلى درجة تفوق الوصف.. إذا نظرتُ إليها أسرتني.. وإذا لا مستها صعقتني، وإذا أصغيت لحديثها، أذابني حلو الكلام، وإذا اختليت بها أصابني مس ... الخلاصة.. أريدها.. بنت الدهشة ".
وجرى التعبير على ألسنة أصدقائه، متندرين، مشفقين:
- أحمد لن يتزوّج سوى " بنت الدهشة ".. وإن لم يجدها، فعلى زواجه السلام.
الأيّام تسحب الأيام ... والرأس يمتلئ بالشيب وقد تجاوز الأربعين.. لكن الأمل مازال في باكورة تألّقه، ووجه الحبيبة يروح ويجئ، والصورة المرتقبة ماثلة أمامه لا تحيد.. ملامحها مرسومة بدقّة، وتعابيرها ذات مواصفات مدروسة.. الطول، الوزن، اللون، والعينان، النطق، الشعر خفّة الظلّ، الحضور، الثقافة، ... إلخ ضاع الوقت، هدر على شرفات الترقّب، سرقته خديعة الأحلام ..قال:
.. حتىّ الأحلام تتقن فنّ السرقة ".
لكنّه لم يتراجع عن شروطه في الاختيار، ولم يتنازل عن الرغبة في الشكل الذي يريد، والذي لن يقبل بديلاً عنه أبداً، فهو إن لم يردِه قتيلاً عند رؤيته له، فلاداعي إليه على الإطلاق " وحدث ما أراد ... التقى بغادة بعد رحلة من التمنيّ طويلة.. باغتته الظروف بها تعبر من أمامه وهو جالس على ناصية مقهى..
.. إنّها هديّة الله من السماء "
لفحته نار الحب في اللقاء المفاجئ، وصرعه الجمال منذ أوّل نظرة، وجاءت إليه على قدميها تسعى.
قدٌّ، وعينان، وطول فارع، وشعرها كالليل، وحضور بهي.. !
"إنكِ أنتِ.. أنتِ نفسك من جريتُ وجريتُ حتّى لحقت بك"..
اعترف لها، تلاشى في حضرتها، نسي العالم بوجودها معه..
غبطه الأصدقاء، وربمّا حسدوه، وتحلّقوا كلّ يوم يتهامسون:
" لابدّ أنّه يعايش الضياء، ويطير في سموات الحبور، ويصفّق للفرح، في مطر صيفه القائظ ندى.. هنيئاً له.. لقد صبر ونال..
أفضت القرب ما أفضت، ثم راحت الشفاه تتلمّظ بمختلف الأوجاع:
قال نبيل:
- " لقد تزوّجت رغماً عنّي.. ألزمتني رغبة الأهل ".
قال عامر:
- " سعادة الحياة أن تفتح عينيك في الصباح على وجه جميل، وليس على وجه يابس، كما يحدث معي ".
قال سعيد:
- " لو انتظرت مثله، لكنت الآن أسبح في بحر من العسل ".
غاب أحمد عن الجميع، غادر الشلّة والرفاق، لم يعد أحد يراه.. شهر، شهران، ثلاثة شهور.. إلى أن كان مساء..
وبينما الأصحاب يلتفوّن حول إحدى الطاولات في أحد المقاهي التي اعتادوا التواجد فيها، يشربون القهوة والشاي، ويدخنون النراجيل.. و إذا بالعريس يدلف إليهم..
يحييّ،. يأخذ كرسيّه المعتاد، ومكانه المعتاد، وقد أمّحت عن وجهه أيّة تعابير توحي أنّه ينتظر حلماً.. أو دهشة ما.