عندما تجاوز الستين من عمره، سرى الوهن في جسده النحيل، وصار يضع على عينيه نظارة سميكة، ويستعين بالعكاز والمنشطات والمقويات والمسكنات.
وعندما منعه الأطباء عن تناول السكر والدهون، ونصحوه بتجنب السفر والسهر، وقراءة الصحف والتوابل والنساء، قال لهم ساخراً: لا حاجة لذلك، فقد منعني عنها أخو مرّة)(1).
حينذاك.. انفرد بنفسه، في بيته المتواضع.. تناول دفتراً وقلماً، وقرر أن يدوّن سيرته الذاتية.
كتب:
كانت البداية عندما ولدت منذ ستين عاماً....
توقف القلم في يده.. شحّت الكلمات.. فكّر طويلاً، نقّب في زوايا ذاكرته، قلّب صفحات الماضي... سنوات الطفولة والشباب والرجولة.. لم يجد شيئاً يستحق الذكر. تساءل بمرارة: ستون عاماً ضاعت سدى. هدرت دونما تحقيق أمنية أو هدف.. عشتها على الهامش.. وهأنذا أنتظر...
تساءل: ماذا أنتظر؟!
بعد تأمل طويل أضاف بيد مرتجفة:
وها أنا بعد ستين عاماً أنتظر النهاية.
ثم رفع القلم وطوى صفحة الدفتر.
(1) أخو مرّة: الفقر