خِطبة على الهاتف

الناقل : mahmoud | الكاتب الأصلى : رياض خليل | المصدر : www.awu-dam.org

في اليوم الأول)‏

- ألو....‏

* نعم....‏

- من يتكلم؟‏

* من تطلب؟‏

- هل أنت أنت؟‏

* نعم .... أنا....أنا....‏

- إذن من يتكلم.... أعني مااسمك؟‏

* غلطان.‏

وصفق جمّول السماعة بانزعاج، وهو يشتم الهواتف ومن صنعها ولكن الهاتف عاد ليرنّ من جديد، رفع السماعة. بادره الصوت:‏

-ألو....‏

* أنت؟ ألا تذوق؟‍ استحِ على دمك.‏

- عفواً... أنت تسيء الظنّ بي..‏

* حسناً ما الرقم الذي تطلبه..‏

- أنا لا أطلب رقماً.. أنا أريدك أنت بالتحديد..‏

* هل تعرفني؟‏

- لا.... لم أتشرّف بعد.‏

* إذن؟‏

- إذن من يحدثني؟ قل لي أرجوك..؟‏

* قل لي أنت أولاً.. مااسمك؟‏

- قل لي أنت أولاً.. أنا من يسألك‏

* أوه.... من سلطّك علينا.... أيها الـ..‏

وصفق السماعة.... قاطعاً الخط.... بينما كانت زوجه قد لاحظت لهجته الغاضبة. وأتت تستطلع الخبر، نظر في وجهها.... والشرر يتطاير من عينيه.... فوجئت زوجه.... قالت:"لماذا تنظر إليّ هكذا؟ هل تشك بي؟"... وقبل أن يردّ عليها، كان جرس الهاتف يرن للمرّة الثالثة.... رفع السماعة ووضعها ليقطع الخط.... وهو يتمتم شاتماً لاعناً أولاد الحرام، الذين يتسلّون بإزعاج الناس هاتفياً، رنّ الهاتف رابعة. رفع السماعة. بادر:‏

* ياوقح... لو كنت رجلاً... لواجهتني...‏

- حقاً.... هل في صوتي أنوثة.... حتى تخالني امرأة. هل تشك برجولتي؟ صدقني.... أقسم لك. إنني رجل.... رجل حقيقي...‏

* إذا لم تتوقف عن السخرية والإزعاج.. فسأريك يابن الـ...‏

- أرجوك.... لا تعذبني.... أنا قصدي شريف.‏

* واضح.... واضح....‏

- سأكون أحسن منك وأقول لك من أنا..‏

* جميل.... هكذا تحلّ المشكلة.‏

- أنا اسمي عامر.... عامر بن ربيع سلمان.... هذا هو اسمي الثلاثي الكامل.... نعم الكامل.... عمري سبع وعشرون سنة....‏

* أنا لا أعرفك.... لم اسمع باسمك....‏

- أدري.... ولكنك ستعرفني.... ستعرف كل شيء عني....‏

* ما المناسبة ياسيّد....‏

- أعطني عنوانك....‏

* أيضاً....‏

- صدقني ياعمّي.... عفواً.... هل أنت عمّي....أقصد في المستقبل؟‏

* هل تحدثني أنت من مستشفى المجانين (لزوجته) ما الذي يحدث؟ ماذا فعلنا....حتى حلت علينا هذه البلوى؟‍!‏

- نصف الالف خمسمائة.... دعني أشرح لك...‏

رمى جمّول السماعة، وراح يرفع ذراعيه صائحاً:‏

* ياهو.... ياعالم.... ماهذه المصيبة التي حلت علينا....‏

أغلقت زوجه الخط.... طلبت منه أن يمسك أعصابه، قالت: "كل شيء بالعقل.. من رأيي أن تسمعه للآخر... وتفهم منه ماذا يريد بالضبط".‏

ورن الهاتف خامسة، رفع جمّول السماعة، بادر بالقول:‏

* أنا جميل بن ملحم الخليل... عمري خمسون عاماً. رجل مستور والحمد لله.... والآن.... ماذا تريد ياسيّدي.‏

- استغفر الله.... أن أكون سيدك.... بل أنت سيّدي.... وعمي‏

* لم أفهم!‏

- أنا ياعمي صهرك...‏

* صهري؟!‏

- أقصد صهرك في المستقبل...‏

* (لزوجه) سمعت؟ (يقهقه كالممسوس) يقول: إنه صهري.. إنه سيكون صهري (للرجل) هكذا إذن؟!‏

- إذا كنت موافقاً فأعطني العنوان من فضلك، لنبحث التفاصيل ونتفق على كل شيء.‏

* وماذا لو قلت لك: إنك غلطان. وأنه ليس عندي بنات للخطبة والزواج؟! (لزوجته) هل عندك بنت عازبة؟! الرجل يخطب على الهاتف! هل سمعت في حياتك بخطبة على الهاتف؟! عش كثيراً تر الكثير....‏

- لست غلطانَ....‏

* (يضحك ساخراً) حسناً يا.. ماذا قلت اسمك؟‏

- عامر.. عامر سلمان.. رجل... صدقني رجل.. عمري... سبع وعشرون سنة.. (يتظاهر بالمسايرة) حسناً.. حسناً ولكن أمهلني لأفكّر.. لا أستطيع أن أعطيك جوابي الآن..‏

- ولكن البنت موافقة!‏

* نعم؟!‏

- وأمها موافقة أيضاً..‏

يلتفت بذهول نحو زوجه:‏

* سمعت؟! أنت موافقة على تزويجه ابنتكِ (يقرّب السماعة من أذنها) اسمعي.. اسمعيه بنفسك(للرجل) ماذا قلت؟‏

- قلت : البنت موافقة.. وأمها موافقة.... لم يبق سواك ياعمي..‏

* (لزوجته) توافقين من وراء ظهري؟!‏

تجيب الزوجة:‏

"هل نسيت نفسك؟! أنا ليس عندي بنات حتى أوافق أو أرفض".‏

* (يتابع لزوجه) فعلاً.... لقد نسيت...الرجل أخذ عقلي بكلامه...سيجننني بالتأكيد...أعجبك؟! ها أنذا سمعته للآخر! يريد أن يتزوج ابنتنا... يقول: إن البنت وأنت موافقتان. من هو المجنون برأيك؟‏

- آلو.. آلو.. عمّي.. أرجوك.. لاتقفل السماعة بوجهي...‏

يترك جمول السماعة مفتوحة... ويضحك بشكل هستيري...بينما تتولى زوجه إغلاق الخط....بوضع السماعة على الجهاز...ثم تنزع "فيش" الهاتف... وتقول لزوجها:‏

-" هكذا أفضل. دعه يحاول ماطاب له. وأنت تجاهل كل ماحدث... هدئ أعصابك.. واسترح".‏

* إذا لم يكف عن إقلاق راحتنا.. فسأطلب مراقبة الخط....‏

- لا تهز بدنك...لسنا وحدنا الذين يعانون من إزعاجات كهذه..‏

(في اليوم الثاني).‏

رنّ جرس الهاتف. تردّد جمّول، همّت الزوجة برفع السماعة. منعها. رفع السماعة، قربها من أذنها. سمع صوت امرأة:‏

المرأة: ألو....‏

* : من...؟‏

المرأة : بابا؟‏

* : من تريدين ياآنسة؟‏

المرأة : ألَسْتَ السيد جميل؟‏

* : هو بذاته..‏

المرأة : أبي.. أنا فدوى... ابنتك فدوى..‏

ودار الزمن في رأسه... أحس بصوتها يوقظ قلبه. تابعت المرأة:‏

المرأة : طلّقتَ أمي.. قلنا: هذا يمكن احتماله.. ستة عشر عاماً... لم تسأل عنا خلالها... قلنا: هذا أيضاً يمكن احتماله. أما أن تنسانا... أن تمحونا من ذاكرتك إلى هذا الحد.. فهذا مالا يمكن احتماله... فهل أنت أبٌ حقاً؟ هل أنت أبي؟ وهل أنا من صلبك حقاً؟ أي إنسان يفعل هذا؟!‏

* فدوى... لا أصدق...‏

المرأة : بل صدق... صدقني لولا أنني مضطرة لك... لما اتصلت بك ولا كلمتك... عمري الآن ستة عشر عاماً.. الرجل الذي اتصل بك خطبني من أمي.. أمي التي رميتها.. وفرطت بها... كما فرطت بي. أمي التي طلبت من الرجل أن يبحث عنك ويلتقي بك ليطلب يدي منك... باعتبارك وليّ أمري.. ومرجعي.. هل توافق على الرجل ياوليّ أمري المحترم؟‏

جمول بدا وكأنه فقد لسانه... ولاحظت زوجه أنه يبكي بصمت، والدموع تسيل على خديه..‏

عندما أنهت فدوى كلامها.. طلب منها والدها أن يتكلم مع عامر..‏

أمسك عامر السماعة وقال:‏

- مرني ياعمي.. أنا تحت أمرك..‏

* عامر... يابني.. سجّل عنواني فوراً.. أنا بانتظاركما...