كانت حورية البحر تأخذ حمامها الشمسي فوق صخرة برتقالية في ميناء "بجاية" الجزائري، وقد تركت شعرها البنفسجي محلولاً يلامس ركبتيها، ومدت يدها العنابية إلى نافذة الميناء، وأباحته للشمس والشجر.. فثار عبق القرنفل والبابونج والريحان، والملح ولفحت "يوسف نسمات عطرها، وشدته النداوة، وطراوة لحمها الأبيض المورد، فاشتعلت روحه بالياسمين الذي يسيج منازل "يافا"، مدينته المغتصبة المرمية هناك على شواطئ الشرق البعيد...؟! ركض صوبها، جرى، ودّ لو يعانقها، لو يضمها إلى قلبه يدفن رأسه في صدرها الدافئ..، لكن البحر أوقفه وفجر قهقهة متشفية، ووقت أصر على الوصول إليها، هبت موجة قوية، لطمته، حملته، ورمته على عتبات البحر... وكانت تراه، تشاهده وهو يجري نحوها، يركض لاحتضانها، وقدرت كم هو مرهق وشقي الآن وماتحركت... تعرفه... كم هو عنيد، تعرفه لا يأتيها إلا في حالات النزع.. وما تحركت للقياه، لوحت له بكفها العنابي، فحمل رأسه وراح يتأملها، وحين التقت عيناها.. وتحرشت بعينيه، أخذ ميناء "بجاية" يضمحل في حدقتيها ويذوب، فيحل مكانه ميناء آخر، تنهد، تذكر..كم عشقها، وسهر طويلاً بانتظار اللحظات الصغيرة التي يلتقيها، كم رسمهما وكتب لهما أغنيات، مفرداتها صاعدة من ولهه وروحه وعشقه..؟! تنهد... نعم... لكن التنهد تمرد وسال عبر عينيه عبرات حارقة فصاح بجنون: - إليك الأسطوانة.. وقذفها بها.. وقبل أن يلحظها وهي تضم الأغنية إلى صدرها كما يتوقع، وتغطيها بشعرها البنفسجي، كانت قد غابت في البحر...؟! تلجلج الشاطئ واهتزت صخوره الرمادية، شهق عصفور وغرد، ورقصت الأعشاب القصيرة المحاذية على كلمات أغنية الأسطوانة، التي كتب مفرداتها وغنَّاها مطرب جزائري معروف..؟! لاقت الأغنية رواجاً كبيراً، بثت في الإذاعات القريبة والبعيدة، العربية منها والأجنبية، سمعها وهي تبث... ابتهج، شعر بحبور المبدع وقت يوفق وتتردد تعابير روحه في أفواه الصبايا وألسنتهن الحلوة كالعسل، إذ يعبرن الشوارع الطويلة والأزقة الضيقة غب العصر... "يافا" ياعروق عيوني، ونياط قلبي، وياتاج رأسي، كم سبحت في مياهك، جداولك وينابيعك، تحرشت بملكات الأنهار والعيون، قتلت جوعي وتعبي، ركضت خلف الضفادع والسلطعونات، واصطدت الكثير من طيور هزاز الذيل، وعميقاً.. عميقاً غفوت بظلال حواكير البرتقال...؟! صباحٌ أسود، وجه أسطوانتي أسود، عيون حورية البحر التي أعشقها أسود، وميناء "بجاية" مجللة بسواد أجهل سببه، ورماد "يافا" المغتصبة والذي يلف حياتي ويحزمه كحقيبة، أسود أيضاً.. آه ياوجهي الأسود...؟! آخ.... في ذاك الصباح الأسود، هبط جارنا إلينا، هبط وهو يعتل صرراً وحقائب من التنك الملون، وصرخ: - "أسرعوا... اجمعوا الضروري جداً.. وتعالوا قبل أن تذبحكم عصابات اليهود..."... ومن يومها...، استحالت الحواكير، والبيوت، والأزقة، والجوامع، الساحات العامة، الشاطئ الجليل، قصاصات الورق، فردات الأحذية التالفة أو الضائعة، الشجر، السماء، المداخن... تنور دارنا، وجه أبي وهو يسوقنا أمامه تاركين المدينة، ورفوف العصافير إلى حافز وهاجس مثابر يطفح بالشوق والحب إليك، وتكوَّنتِ في عروق عيوني التي أخذت تنزف شعراً حالماً، وغناء حاراً كأرغفة خبز الطابون، ولوحات مثيرة، وطلقات آن تزغرد البندقية.. وكتبت... كتبت حتى كانت الأغنية الأخيرة، أغنية الأسطوانة التي تحمس لها المطرب المعروف، طلبها وأصر، أخذها، أعطاها لأحد الملحنين، ثم...ثم غناها بصوت شجي آسر...، اشتهرت الأغنية، طبعها اسطوانات، وفي باريس باع منها آلاف النسخ، تلقى التهاني، نظمت الإذاعة له حفلات، وجمعه التلفزيون مع نقيب الفنانين هناك في مقابلة مبثوثة، وجهت إليه أكثر من دعوة لإحياء حفلات في أكثر من دولة عربية.. وانتظرت يا "يوسف"... انتظرت... لكنه... لم يأتِ.... رأيت الأسطوانة لامست أخاديد قرصها، برموش عينيك، سمعتها مرات ومرات، بكيت رقصاً، ضحكت باكياً، وانتظرت طويلاً... طويلاً.. لكنه لم يأتِ.... "ياسادة صدقوني: قبل أن أعطيه كلمات الأغنية صار فرداً من أهل البيت، يأتي، ينقر الباب، يدفع درفته، يدخل، يتجه إلى المطبخ، يوقد الغاز، يحضر فنجان قهوة، يرشف منها، يشعل سيكارة، يسعل سعالاً مرتفعاً، أخرج إليه، أصافحه، يبوسني من الخدين ويكيل لي المديح... مديح كبير لا أستحقه، حتى أعطيته الكلمات.. وبعدها.. وحد ربك يامواطن...؟!" صباحاً، في أحد الأيام بعدما يئست، نهضت من فراشي حلقت ذقني، شربت قهوتي، لبست ثيابي واتجهت إلى بيته، بيته الذي لا يبعد عن بيتي كثيراً، أخذني الشارع، السيارات تتحرك بكسل غريب، الأشجار صامتة، الرصيف يمشط أقدام العابرات المراهقات بلا مبالاة، الحوانيت لا تزال مغلقة، الكلاب تقلب بأفواهها أكياس النفايات.. وعلى مضض تابعت حتى ظهر بيته... وكنتِ على باب السور، بعينيكِ، بشعرك البنفسجي المحلول، بلحمكِ الأبيض المورد، وقامتك التي تطير منها إلى قباب ومآذن حارتي في "يافا" رائحة البرتقال المنعش وفوح زهره، سواقيه، عيونه وينابيعه، جداوله وخبزه وشاطئه المفتوح كفم أنثى ناضجة وثرية، وتلسعني رعشات الريحان والنعناع والكمون في كفيك العنابيتين، تلوحين لي، أجري، أركض، ودون أن أدق الباب، أعبر، يصفعني الحديد والعسكر، فأسقط موهناً على عتبات السور، أخذ البحر يقترب مني رويداً... رويداً، وأخذت أمواجه تلامس قدمي، ومازلتِ هناك مضيئة، باهية، ... صحت افتحي الباب، تهبطين، وبخفة تسحبين المزلاج، وأدخل، ينبح كلب ضخم أمام باب "الفيلا"، يخرج أحد الخدم مسرعاً يصرخ: - ماذا تريد... لا نستقبل شحادين عندنا.. وبكل ماجمعه الزمن في من برودة ساذجة أجبت: - أود أن أقابل المطرب الكبير... - إنه نائم... - فقط قل له إن "يوسف" ينتظرك... - لكن ياسيد "يوسف في الجب" والجب محكم الغطاء ومختوم بالكلس والرصاص، يوسف مقتول... أقصد ميت...؟! - أنا لا أمزح قل له "يوسف" مؤلف الأغنية: حينها... كان يسمع.. حينها غبتِ وغامت سماء يافا ووقتها ظهر هاشاً باشاً...: - أهلاً أخي يوسف أهلاً.. تفضل... أمسك يدي بلطف، وسار معي إلى كرسيين يقعدان تحت شجرة قريبة، وهو يزيد في التأهيل والترحيب، حتى استقر بنا المقام، فتح الحديث حول نجاح الأغنية، وشهرته هو بعد ماغناها، باركته وبحياء ترددت أردفت: - وحقوقي... اسمي غير مطبوع على الأسطوانة كشاعر ومؤلف.. حتى...؟!، وتعويضاتي المادية... أنا آسف... لم تأتِ وتسلم علي...حتى.... - الذنب ليس ذنبي والله.. اتحاد المؤلفين في باريس قال هذا...بل وأزيدك بأنهم قالوا المؤلف فلسطيني وكما تعرف ليست هناك جنسية فلسطينية، والاتحاد لا يقبل أعضاء لا جنسيات لهم، ليسجل أسماءهم على مؤلفاتهم ويصرف التعويضات المادية المناسبة لهم. - وحقوقي... - ليس لك حقوق... - لكن هناك شعوب كثيرة بلا دول أليست لهم حقوق في أغنيات يؤلفونها... عدا عن أني عربي حتى النخاع، وهناك ماشاء الله كومة من الدول العربية... حتى الأغنيات والأشعار يابشر...؟!..؟! صمت، لم ينبس ببنت شفة، نهضت، اتجهت دون قيود إلى حانة العم "الياس الحقواني" شربت، خرجت تهت، همهمت، يافا ضاعت يافا تاهت، جواد صلاح الدين وسيفه سرقا في غفلة، العقل والزمن، أما رمحه ورا....، لا...الرمح والراية باقيان.. أكيد باقيان...لكن الرايات تحفظ في المتاحف وأنا أحتفظ بهذا الرمح وهذه الراية في قلبي، وأرى فرساناً، ونقابين ومنجنيقات، أسير معهم من ميناء "بجاية"، الذي يدخل البحر إليه، أو يحضن هو البحر، تلوحين لي، تندهين.. أمسك بالأسطوانة وأقذفك بها ثم أصرخ: - ملعون أجداد شعب لا يملك وطنه وأغانيه... تبتسمين، أدفن رأسي في شق صخرة حتى يدمى، بينما يعلو فوق رأسي شعرك المحلول وشمس النهار ويدخل في قبضتي طعم كمون الموج وخنجره، ومآذن "يافا" وبحره الرحب وطرقات حجارة أطفاله على وجوه العدو في الخليل والقدس وغزة... فأصحو لأكتب أغنية أخرى مختلفة
كانت حورية البحر تأخذ حمامها الشمسي فوق صخرة برتقالية في ميناء "بجاية" الجزائري، وقد تركت شعرها البنفسجي محلولاً يلامس ركبتيها، ومدت يدها العنابية إلى نافذة الميناء، وأباحته للشمس والشجر.. فثار عبق القرنفل والبابونج والريحان، والملح ولفحت "يوسف نسمات عطرها، وشدته النداوة، وطراوة لحمها الأبيض المورد، فاشتعلت روحه بالياسمين الذي يسيج منازل "يافا"، مدينته المغتصبة المرمية هناك على شواطئ الشرق البعيد...؟!
ركض صوبها، جرى، ودّ لو يعانقها، لو يضمها إلى قلبه يدفن رأسه في صدرها الدافئ..، لكن البحر أوقفه وفجر قهقهة متشفية، ووقت أصر على الوصول إليها، هبت موجة قوية، لطمته، حملته، ورمته على عتبات البحر...
وكانت تراه، تشاهده وهو يجري نحوها، يركض لاحتضانها، وقدرت كم هو مرهق وشقي الآن وماتحركت...
تعرفه... كم هو عنيد، تعرفه لا يأتيها إلا في حالات النزع.. وما تحركت للقياه، لوحت له بكفها العنابي، فحمل رأسه وراح يتأملها، وحين التقت عيناها.. وتحرشت بعينيه، أخذ ميناء "بجاية" يضمحل في حدقتيها ويذوب، فيحل مكانه ميناء آخر، تنهد، تذكر..كم عشقها، وسهر طويلاً بانتظار اللحظات الصغيرة التي يلتقيها، كم رسمهما وكتب لهما أغنيات، مفرداتها صاعدة من ولهه وروحه وعشقه..؟!
تنهد... نعم... لكن التنهد تمرد وسال عبر عينيه عبرات حارقة فصاح بجنون:
- إليك الأسطوانة..
وقذفها بها.. وقبل أن يلحظها وهي تضم الأغنية إلى صدرها كما يتوقع، وتغطيها بشعرها البنفسجي، كانت قد غابت في البحر...؟!
تلجلج الشاطئ واهتزت صخوره الرمادية، شهق عصفور وغرد، ورقصت الأعشاب القصيرة المحاذية على كلمات أغنية الأسطوانة، التي كتب مفرداتها وغنَّاها مطرب جزائري معروف..؟!
لاقت الأغنية رواجاً كبيراً، بثت في الإذاعات القريبة والبعيدة، العربية منها والأجنبية، سمعها وهي تبث... ابتهج، شعر بحبور المبدع وقت يوفق وتتردد تعابير روحه في أفواه الصبايا وألسنتهن الحلوة كالعسل، إذ يعبرن الشوارع الطويلة والأزقة الضيقة غب العصر...
"يافا" ياعروق عيوني، ونياط قلبي، وياتاج رأسي، كم سبحت في مياهك، جداولك وينابيعك، تحرشت بملكات الأنهار والعيون، قتلت جوعي وتعبي، ركضت خلف الضفادع والسلطعونات، واصطدت الكثير من طيور هزاز الذيل، وعميقاً.. عميقاً غفوت بظلال حواكير البرتقال...؟!
صباحٌ أسود، وجه أسطوانتي أسود، عيون حورية البحر التي أعشقها أسود، وميناء "بجاية" مجللة بسواد أجهل سببه، ورماد "يافا" المغتصبة والذي يلف حياتي ويحزمه كحقيبة، أسود أيضاً.. آه ياوجهي الأسود...؟! آخ....
في ذاك الصباح الأسود، هبط جارنا إلينا، هبط وهو يعتل صرراً وحقائب من التنك الملون، وصرخ:
- "أسرعوا... اجمعوا الضروري جداً.. وتعالوا قبل أن تذبحكم عصابات اليهود..."...
ومن يومها...، استحالت الحواكير، والبيوت، والأزقة، والجوامع، الساحات العامة، الشاطئ الجليل، قصاصات الورق، فردات الأحذية التالفة أو الضائعة، الشجر، السماء، المداخن... تنور دارنا، وجه أبي وهو يسوقنا أمامه تاركين المدينة، ورفوف العصافير إلى حافز وهاجس مثابر يطفح بالشوق والحب إليك، وتكوَّنتِ في عروق عيوني التي أخذت تنزف شعراً حالماً، وغناء حاراً كأرغفة خبز الطابون، ولوحات مثيرة، وطلقات آن تزغرد البندقية.. وكتبت... كتبت حتى كانت الأغنية الأخيرة، أغنية الأسطوانة التي تحمس لها المطرب المعروف، طلبها وأصر، أخذها، أعطاها لأحد الملحنين، ثم...ثم غناها بصوت شجي آسر...، اشتهرت الأغنية، طبعها اسطوانات، وفي باريس باع منها آلاف النسخ، تلقى التهاني، نظمت الإذاعة له حفلات، وجمعه التلفزيون مع نقيب الفنانين هناك في مقابلة مبثوثة، وجهت إليه أكثر من دعوة لإحياء حفلات في أكثر من دولة عربية.. وانتظرت يا "يوسف"... انتظرت... لكنه... لم يأتِ....
رأيت الأسطوانة لامست أخاديد قرصها، برموش عينيك، سمعتها مرات ومرات، بكيت رقصاً، ضحكت باكياً، وانتظرت طويلاً... طويلاً..
لكنه لم يأتِ....
"ياسادة صدقوني: قبل أن أعطيه كلمات الأغنية صار فرداً من أهل البيت، يأتي، ينقر الباب، يدفع درفته، يدخل، يتجه إلى المطبخ، يوقد الغاز، يحضر فنجان قهوة، يرشف منها، يشعل سيكارة، يسعل سعالاً مرتفعاً، أخرج إليه، أصافحه، يبوسني من الخدين ويكيل لي المديح... مديح كبير لا أستحقه، حتى أعطيته الكلمات.. وبعدها.. وحد ربك يامواطن...؟!"
صباحاً، في أحد الأيام بعدما يئست، نهضت من فراشي حلقت ذقني، شربت قهوتي، لبست ثيابي واتجهت إلى بيته، بيته الذي لا يبعد عن بيتي كثيراً، أخذني الشارع، السيارات تتحرك بكسل غريب، الأشجار صامتة، الرصيف يمشط أقدام العابرات المراهقات بلا مبالاة، الحوانيت لا تزال مغلقة، الكلاب تقلب بأفواهها أكياس النفايات.. وعلى مضض تابعت حتى ظهر بيته...
وكنتِ على باب السور، بعينيكِ، بشعرك البنفسجي المحلول، بلحمكِ الأبيض المورد، وقامتك التي تطير منها إلى قباب ومآذن حارتي في "يافا" رائحة البرتقال المنعش وفوح زهره، سواقيه، عيونه وينابيعه، جداوله وخبزه وشاطئه المفتوح كفم أنثى ناضجة وثرية، وتلسعني رعشات الريحان والنعناع والكمون في كفيك العنابيتين، تلوحين لي، أجري، أركض، ودون أن أدق الباب، أعبر، يصفعني الحديد والعسكر، فأسقط موهناً على عتبات السور، أخذ البحر يقترب مني رويداً... رويداً، وأخذت أمواجه تلامس قدمي، ومازلتِ هناك مضيئة، باهية، ... صحت افتحي الباب، تهبطين، وبخفة تسحبين المزلاج، وأدخل، ينبح كلب ضخم أمام باب "الفيلا"، يخرج أحد الخدم مسرعاً يصرخ:
- ماذا تريد... لا نستقبل شحادين عندنا.. وبكل ماجمعه الزمن في من برودة ساذجة أجبت:
- أود أن أقابل المطرب الكبير...
- إنه نائم...
- فقط قل له إن "يوسف" ينتظرك...
- لكن ياسيد "يوسف في الجب" والجب محكم الغطاء ومختوم بالكلس والرصاص، يوسف مقتول... أقصد ميت...؟!
- أنا لا أمزح قل له "يوسف" مؤلف الأغنية: حينها... كان يسمع.. حينها غبتِ وغامت سماء يافا ووقتها ظهر هاشاً باشاً...:
- أهلاً أخي يوسف أهلاً.. تفضل...
أمسك يدي بلطف، وسار معي إلى كرسيين يقعدان تحت شجرة قريبة، وهو يزيد في التأهيل والترحيب، حتى استقر بنا المقام، فتح الحديث حول نجاح الأغنية، وشهرته هو بعد ماغناها، باركته وبحياء ترددت أردفت:
- وحقوقي... اسمي غير مطبوع على الأسطوانة كشاعر ومؤلف.. حتى...؟!، وتعويضاتي المادية... أنا آسف... لم تأتِ وتسلم علي...حتى....
- الذنب ليس ذنبي والله.. اتحاد المؤلفين في باريس قال هذا...بل وأزيدك بأنهم قالوا المؤلف فلسطيني وكما تعرف ليست هناك جنسية فلسطينية، والاتحاد لا يقبل أعضاء لا جنسيات لهم، ليسجل أسماءهم على مؤلفاتهم ويصرف التعويضات المادية المناسبة لهم.
- وحقوقي...
- ليس لك حقوق...
- لكن هناك شعوب كثيرة بلا دول أليست لهم حقوق في أغنيات يؤلفونها... عدا عن أني عربي حتى النخاع، وهناك ماشاء الله كومة من الدول العربية... حتى الأغنيات والأشعار يابشر...؟!..؟!
صمت، لم ينبس ببنت شفة، نهضت، اتجهت دون قيود إلى حانة العم "الياس الحقواني" شربت، خرجت تهت، همهمت، يافا ضاعت يافا تاهت، جواد صلاح الدين وسيفه سرقا في غفلة، العقل والزمن، أما رمحه ورا....، لا...الرمح والراية باقيان.. أكيد باقيان...لكن الرايات تحفظ في المتاحف وأنا أحتفظ بهذا الرمح وهذه الراية في قلبي، وأرى فرساناً، ونقابين ومنجنيقات، أسير معهم من ميناء "بجاية"، الذي يدخل البحر إليه، أو يحضن هو البحر، تلوحين لي، تندهين.. أمسك بالأسطوانة وأقذفك بها ثم أصرخ:
- ملعون أجداد شعب لا يملك وطنه وأغانيه... تبتسمين، أدفن رأسي في شق صخرة حتى يدمى، بينما يعلو فوق رأسي شعرك المحلول وشمس النهار ويدخل في قبضتي طعم كمون الموج وخنجره، ومآذن "يافا" وبحره الرحب وطرقات حجارة أطفاله على وجوه العدو في الخليل والقدس وغزة... فأصحو لأكتب أغنية أخرى مختلفة