- هواجس غضب؛
لم تعرّج المهندسة زاهية السعيد على مكتب المهندس أسعد الصالح، كالعادة. وخسرت، اليوم، رفيق رحلتها الدائم، من المدينة إلى القرية. انطلقت مباشرة، بسيارتها.
والمهندس أسعد، من جهته، قد ملّ الانتظار، في مكتبه.
عزا التأخير إلى سببين، لاثالث لهما: إمّا ذهبت زاهية في مهمّة عمل. أو خطفها طائر.
وكان السبب الأخير. هو الأقرب، إلى عقله المشوش.
كانت زميلات مكتبها قد أغظنها كثيراً، وهن يبرطمن:
-المهندس أسعد بلا عمل. يعيش عالة على أبيه وأخيه....
-وسيعيش عالة، على زوجة المستقبل زاهية.....
-مسكين أسعد.... مسكينة زاهية في هذا الزواج المرتقب...
واضطرمت نارا الغضب في رأس زاهية:
-علياء، ميساء، سلمى، كفاكن ثرثرة....
-زاهية البقية على الصفحة الثا....
واندغم الصوت في إيقاع "الكنادر" المرجع، مع هبوط الدرج.
فانطلقت زاهية بسيارتها. لا تلوي على شيء. كانت جدّ مضطربة. يرهقها انبهارها. وقبل أن تصل ساحة النصب في قريتها " حجرون". أحسّت بقشعريرة في جلدها. وشعرها قفّ. كأن أحداً من سكان الخرائب القدماء، قد وضع يده عليها. فتوقفت عن سياقة السيارة.
لَفَتَ انتباهها النصب نفسه المغروس، قبالتها. كأنها تراه في الساحة، أول مرة. رفعت رأسها. وأخذت تحدّق جيّداً إلى ذروته. كانت نهمة، كمن ينظر بعيون عشر. خيّل إليها أنها رأت أول مارأت تمثالاً منحوتاً نحتاً ناعماً، من إحدى صخور البازلت الزرقاء. يجلس على عرشه في أعلى النصب.
الرأس، رأس امرأة. والوجه من الأمام أملس. وتحت الجبهة عينان. مازالتا تفيضان سحراً. الشعر منسدل على الكتفين، بضنعة فائقة. والصدر قد امتلأ بنهدين بارزين، يدفقان أنوثة وخصوبة. واليوان: اليمنى تمسك بشاقوف واليسرى بفأس...
وراحت تطلق في نفسها زمجرة كالذي يصرخ في نومه. أو كأن شيئاً ما انبثق من خلف وعيها. أشبه بهمهمة خرافية. وهكذا حلّت الإيحاءات، عندها، محلّ الكلمات. كنشرة أخبار للصمّ والبكم.
-أهذه أنت، يا" رحمون"؟.....
واسترسلت تناجي" ابنة السماء رحمون الخير".
بالفعل شعرت،وهي داخل السيارة أن أرض الساحة تتشبّث بها. العظام المدفونة تحت النصب، منذ أكثر من ألفي عام. أخذت تتقلقل في مهدها. وتأكدت زاهية، باحساسها الخاص. أنها قد سمعت ما كانت توحوح (رحمون)، به. من كلام. كالوحي نفسه:
-" أنا هنا، يازاهية، أرقد في لحدي. وأنت تدوسين عليّ بعجلات سيارتك"!
ياالله! كفّاها تلامسان كتفي. وترّبتان عليهما بلطف وتحبّب. بل تشدّ انهما نحو الأرض.
وأراني صرت أغرق وأغرق. وأنا في كرسي السيارة!..
- "ياهْ...! أنت تمسكين مقود سيارة. وأنا أمسك معولاً وشاقوفاً. ولكن اعلمي جيداً، يازاهية أن المعول للأرض. والشاقوف للصخر. فأين زنداك هيا ارفعيهما مثلي....".
وشعرت زاهية كأن شيئاً خفيّاً راح يهزّها، كلعبة من ورق- طبعاً، من شدة التأنيب- وانساحت الدموع تترقرق في محجريها. حاولت أن تنسحب بماء وجهها. ولكن صرخة خارقة جعلتها تقف. وتطلب العون من السماء.
تساءلت ثانية: من؟ أنت رحمون؟
لاشكّ أن الانفتاح، على الأماكن ذات الرموز العظيمة.
والكامنة بزخم الأساطير وطاقات الزمن. يكون ثقيلاً.
أشبه بضربقة ساطور على الدماغ. فهنا يوجد مهد مفعم بالتاريخ. ترقد فيه عظام جليلة، منذ ألفي سنة ونيف.
عاد وانتصب شعر زاهية أكثر. بل أحسّت أنه صار مفلغلاً، كشعر امرأة افريقية!
-" هيا انصرفي. واريحيني من ثقل سيارتك".
لم تعد زاهية تمتلك قوي روحها. وازداد خوفها من السياقة.
فأطفأت المحرّك. وكبت برأسها على المقود. علّها تتخلّص من أراجيفها. ولكن راحت ذاكرتها تتطهرّ. وينشط جهاز بثّها، من جديد.
كانت تسمع، وهي طفلة، عن لسان جدتها (خزعة) حكاية، يتوارثها الناس في (حجرون)، كابراً عن كابر.
2- حكاية:
-( كان، ياماكان، في سالف العصر والأوان....
يحكى أن جماعة، من الرعاة، شاهدوا، في يوم صحو، من أيام الربيع الفاتنة، لمعاناً. كأنه شهاب في السماء. طغى، بنوره الساطع، على ضياء النار كله. وحطّ على القمم القريبة منهم واختلطوا فيما بينهم: أنا رأيت نيزكاً.
لا. أنا رأيت فتاةً....
وبعد قليل نهضت الفتاة من بين القمم. وجاءت إلى الرعاة.
وحلّت الخلاف بينهم بالتساوي:
صح. أنا تصخّرت نيزكاً في نطفة كينوتي الأول. ثم خافت علي أميّ السماء أن ارتطم بالصخور واتحطّم. فعدلت وسوّتني فتاة من لحم ودم مثلكم. فتعالوا، يارعاتي، لأبارك لكم هذه الأرض لأجعل" جلدها" مرعىً خصيباً لماشيتكم. ولأبني لكم بشاقوفي قرية، في عبّ القمم. ثم أعلّمكم الزراعة في "الحفر"، بمعولي....
وقال الراوي:
ياسادة، ياكرام. بعد أن بنت بنت السماء القرية للرعاة.
وزرعت لهم أرض "الحفر". أطلقوا عليها اسم "رحمون الخير". لأنها نزلت عليهم من السماء، كرحمة. كما أطلقوا على القرية، التي بنتها لهم، اسم "حجرون". تخليداً لأصل هذه الفتاة الحجري....
وعاشوا في لذة ونعيم. وطاب عيش السامعين)-
ورفعت زاهية رأسها، لتقبض على آثار خيوط حكاية قريتها. غير أن " رحمون الخير" نفسها. تابعت تقصّ عليها:
وبعد موتي، يازاهية. حضوا لي قبراً، في الساحة. ودفنوا جثّتي فيه. ثم نحتوا لي تمثالاً. رفعوه فوق هذا النصب الذي ترينه أمامك الآن. وخلّدوا مهمّتي يالشاقوف.
دلالة على خير الصخر. وبالفأس دلالة على خير الأرض. و...
3- مقطع أول:
هصر قلب المهندسة زاهية؛
قريتها حجرون قحلتها المحول.
عصبة الموظفات في الدائرة.
وأسعد....
أجل، المهندس أسعد! تذكّرت وضعه وكيف نسيته، في مكتبه اليوم. "أعتذر، منك، غيابياً، ياأسعد.
صدمت في مكتبي، وتعبأني الشيطان...".
ولكن حين لاح، في داخل عينيها، كان خاطره قد صفا.
إذ رأته؛ الفرح يغمره. لأنها لم تخطف من قبل طائر!
بان لها التمثال. فأدارت الأفكار في راسها، من صاحبة مخيّلتها "رحمون الخير". يجب أن تعمل من أجل قريتها هي. وإلا لماذا هذه الصداقة بينهما؟ أين أنت، ياصديقتي الحميمة؟ ساعديني يا" رحمون الخير". أنت فتاة، وأنا فتاة. ولكن شتّان ما بين الفتاتين. فأنت يناديك أهل حجرون يابنة السماء. وأنا ينادونني، يابنة هذا الفهد. وانداحت خواطرها على بكرة الزمن. طبعاً، الحبل الذي تلفّه هذه البكرة المطلقة، يسمّى عندها، بالتاريخ. والتاريخ حصان غائر. يقطر وراءه عربة عظيمة. تسمّى بالأرض!
إذن متى تصل عربة (رحمون) إلى قريتها حجرون؟ لماذا قَسَتْ السماء عليها؟ الجفاف يلاحق النباتات، على شكل زوابع، وسحابات غبار. بعد أن كانت تشكل مهرجاناً مفعماً بالخضرة والرواء. كما تنازل الناس، في طعامهم، إلى جريش الشعير.
وعصيدة الذرة. والشراهة في الأكل، عند الأطفال، تستوجب الصفعات التأديبية، على الرقبة. ولم تجد نفعاً تلك الحركات الإيمائية، وهي تساءل قزع القيوم العالية، بابتهالاتها الخاصّة، لتسكب على الأرض غيثها. لذا يجف التفتيش عن منافذ رزق. والإمات "الحجازية" جوعاً.....
وهنا جفلت المهندسة، على صوت أمّها، التي هرعت فارعة دارعة:
"مابك، يابنتي، كالمخدرة، داخل سيارتك؟ هل انفشت دواليها فزعت مكشوفة الرأس. ياخجلتي! عندما نادوا عليّ: ياأمّ زاهية تعطّلت سيارة ابنتك، في الساحة....
مابالك شاخصة بعينيك المفتوحتين، كعيني تمثال رحمون؟ .... تكلّمي... اطرفي جفونك....
بيد أن زاهية، التي حفرت، في هذه الساعة، الف بئر سرّية، بنفسها، لخيالاتها (الزاهية). بقيت مدغومة، باسطورتها الفائقة. تعيش معها في حالة عالية من السمو.
كم هي سعيدة ؛ لحظات الاختراق والتجاوز! إذ يقف فيها الإنسان وجهاً لوجه مع روحه المشرعة على حنان الشفافية والاستشراف لحظات محدودة. ولكنها تساوي أطناناً متراكمة من الزمن.
ظلّت زاهية مبهورة، مأخوذة، بـ " مخاض اللحظة الفاصمة".
بوهج الحرائق المشتعلة ، في الأغوار. لم تخفض نظرها. بل زاغ في الفضاء كالهلام. راحت ترصد شريطاً ملوّناً، انبعث من خلال الغبش. كرّرت أمّها، كنصف مجنونة:
-يازاهية، يابنيتي....
فندّ صوت. بعد أن انفرجت شفتان مطبقتان، في الوجه الشمعي:
-كنت أحلم، ياأمّي. كنت هائمة، مع تمثال "رحمون الخير".
هذا الذي ترينه يحارب الهواء، بسلاحيه: الشاقوف والمعول. أرجوك دعيني.... أنا في لحظة انخطاف. لا تزعجي أبديتي. نعم لقد نهضت "رحمون الخير" من مثواها، وكلّمتني. أجل كلّمتني حقيقة. فأحسست بحنانها، كحنانك:" يازاهية. عظامي ترقد هنا. وروحي عصفورة، ترفرف في أجواء حجرون. ألا تودّين أن تتحوّلي، مثلي، إلى عصفورة"....
-يهْ...! يهْ...! ما هذه البلاهة، يازاهية؟
ظلت زاهية كالمحنطة.
لطمت هند خدها: ياللخسارة!
رفعت زاهية رأسها، وأجابتها بثقة من يمتلك شعوراً مسبقاً، بصدق الحوادث:
-يأمي، قابلت، فعلاً. رحمون الخير، في هذه الساعة. شددتها إليّ. وشدّتني إليها، كأختين. ثم اتفقنا.
-أتتكلّمين مع حجارة، يازاهية؟
-أتكلّم مع حجارة حيّة، ياأمّي....
-كفى، زاهية، هلّمي إلى البيت.
4-حاشية:
في البيت، راحت هند تغدق على ابنتها عطفها. وتذكّرها بالتعب الذي أهرقته عليها:
-" بعد استشهاد المرحوم والدك رّبيتك بدموع العينين.
وعلّمتك بلقمة الفم..."
ثم انفتحت، لدى هند، زريبة الكلام. وأخذت تقصّ عليها مآسيها، من أهل قريتها:
-آه..... يازاهية! كم عانيت من هؤلاء الناس،، الذين نعيش بينهم. وتحملت من ظلمهم، حتى حفر ظلمهم نفقاً في صدري.
كنت بينهم كالغجرية، التي لا أصل لها، ولا فصل....
ثم سكتت.
وفي العينين المحملقتين. راح يعبر أزقة حجرون المعتمة، قطيع من العجول المتهشلة." كنت، في كل مكان، أطارد. ثم وأقبل، على مضض ماذا عساي أفعل، وأنا الفتاة القاصرة. ابنة أرملة عجوز. ولاقرابة إضافية لي غيرها؟ فأريق على ملاغمي ابتسامات مغتصبة للذئاب الرابضة، في دواخلهم. وأقبض بعض الدريهمات وامطر ياتاريخ القهر....؟!
ولا تدري هند، كيف أخذت (تطسّ الدموع)، على الدموع، أمام ابنتها، التي هي عندها أرقّ من أن تبكي. أو تتألم....
-"إلى أن قيّض الله لي شاباً من بينهم، هو شيخ شبّان حجرون- جديع السعيد- الذي صار فيما بعد زوجي حلالاً. فعست في ذرا حماه. كان هو الشجاع الأغرّ. تمرّد على أبيه سعيد السليم. واستجاب لخفقة القلب الأولى.
أجل. القلب يخفق مرة واحدة، في العمر، خفقة صادقة.
ومن النوع السامي جداً. كما خفق قلبك للمهندس أسعد الصالح، يازاهية. فيعلق محرقها اللخطي. ويشرع يخوض، في غمار فرحها الأبدي. نعم المرحوم أبوك.
هو الذي حماني من براثنهم. ولكن بعد استشهاده تحدّيتهم.
ونجحت أكثر منهم. وأفخر على نسائهم، أني أرملة شهيد.
ولي منه ابنة نقيّة مثقفة. تخرجت مهندسة زراعية، هي أنت، يازاهية.....".
-"حنانيك، ياأمّي. أنت مازلت تضمرين البغضاء لأهالي قريتنا. حرام! هم دروايش، فققراء. اغفري لهم، والمسامح كريم. أنا عندما أنظر إليهم تمتلئ عيناي شفقة ورحمة.
حجرون قريتنا. فيها بنى أبي بيتنا وأنت ولدت فيها. فإنها غالية عليّ. وأريد أن تعود إلى بهجتها العذراء. كما كانت في زمن رحمون. إييْهْ....! ياأنت ذي، يارحمون الخير، كم ذبت في وهيج حكايتك. أراك تعيشين في خلدي فراشة، تريد أن تطير من شرنقتها...".
-" دعينا من رحمون، ومن توت عنخ آمون. زاهية، أنت يجب أن تسرعي، في زواجك. أنت تسكنين بين ذئاب.
يأكلونك بلا ملح بعدي....".
-" ياأمّي حجرون قريـ.....".
-" آه. يازاهية. كم قضقضت عظامي (حجرونك) هذه؟
وفقّعت مرارتي؟ صبرت على أهلها صبر أيوب. لو كنت أنت، لرميتها بألف حجر وحجر".
-" المهم أن الشرف ينقّط من أصابع يديك".
-" على كلٍّ. انتبهي إلى وضعك. أنت بنت لك خصوصيتك يجب أن تعجّلي في بثّ الأمر. خمس سنوات. ومكانك راوح".
-" أنت تقدّرين وضع أسعد الصعب".
-" يتفضّل يطلب يدك، بعلبة (شوكولا). وهذا البيت يسعك ويسعه. الصهر كالولد.- من أخذ ولدك. أصبح كولدك-".
5- مقطع أخير
وبعد أيام خرج أسعد وزاهية، مشياً، على الأقدام.
وأول مرة يمشي، في أزقّة حجرون رجل وامرأة. زوج وزوجة. جنباً إلى جنب. كتفاً إلى كتف. ولتنفجر الحواس والألسنة.
ولتتطاير شظاياها في الهواء. لم يركبا السيارة فضّلا السير متشابكين. زاهية دليل الرحلة. لم تدرِ كيف ساقتها رجلاها إلى الساحة النصب.
أحياناً اللاشعور، يذكّر بوجوده؛ أنا هنا أقبع يا بن آدم. لم أمت!
تأمّلت زاهية النصب. وتمثال رحمون الخير فوقه. فتوفّزت أعصابها. وأحسّت كأن الأرض مادت بها. حمّى المشهد الزاخر يزخم المعاني والتمخّضات. أخذتها إلى دنيا، غير دنيا....
-" ما بالك، تقفين، كسائحة أجنبية؟ تحرّكي إلى (شفعة) الجرف....".
ومن على الجرف، بانت حجرون شاحبة، كألوان الخريف." ذبحها الجفاف". فالمراعي نضبت، والحفر قحلت.
والمواشي، بعد أن امتصّ دمها القراد، نفقت.
واستمرّت حجرون لابدة، تحت العينين الشاخصتين، متلازّة، ببيوتها الحجرية، حول ساحة واسعة ارتفع في وسطها نصب كمئذنة.
-" زاهية، نحن نتنزّه، لانتأمّل".
-" ياأسعد. أدقّق في النصب. لأرى جماله عن بعد".
-" ألم تشبعي منه بعد"؟
-" أتدري، كأنني أشعر بإيماءات تهمس، في داخلي.
تدعوني، إلى شيء افتقده، إلى مجهول، يجب أن أتعرّف إليه"؟
-" أنت لست على بعضك. انظري إلى هذه الشفعة، كيف سنبني عليها بيتاً....".
وزاهيية المسكونة بعالم غير العالم. أجفلتها كلمة "بيتنا"، فنطقت:
-" مِمَ سنبنيه"؟
-"إذا تغيّر الوضع، من الأسمنت. كأهل المدن. وإذا بقي كما هو، من الحجارة. كأهل حجرون.".
-" لم تحزر".
-" إذن ممَّ"؟
-" من البلاستيك".
-" وَهْ! نحن سنبني خيمة؟ هل سنعود "بدواً"، أم "نوراً."؟.....".
-" صحيح انك مدني ريفي".
-" تركت الريف لك. ياعاشقة الأرض. وانصبي في العراء خيمتك. ولتخفق "الأرواح" فيها، كبيت " ميسون"....!
-" افهمني جيداً، ياأسعد. توشوشني "رحمون الخير".
من خلال تمثالها ذاك أن أبني بيتاً بلاستيكياً.
و"حيّ على الفلاح، يافلاح...".
ثم انفجرت:
-" أجدني الآن في أوج سعادتي، أسعد.
أشعر كأن التاريخ كله. يلتصق بي. و"رحمون الخير"، تتغلغل في داخل ثيابي. تجري في عروقي، وتأمرني كتلميذة: أنا بنيت حجرون الحجرية. فابني، أنت، حجرون البلاستيكية"....
أخذت نفساً، ثم تابعت:
"كل شيء يصرخ، في عظامي، يا أسعد، ان الفراغ سينقلب إلى امتلاء. وستضجّ، من كثرة الشغل".
وحينما عادا. كانت الألوان تتلألأ أمامهما، في جبهة السماء، مثل كتل تجريدية مرّمزة، من الأرجوان، والياقوت..... تلوينات لـ "بانوراما"
جميلة، من عشيات حجرون