لم يخل بيت، في زمن من الأزمان، من فأر يتسلل إليه، خاصة إذا كان ذا شخصية قيادية، لا يهاب المجهول، فيقتحم المنازل من مصارفها أو ثقوب شبابيكها، ويكون من ورائه جيش عرمرم ذو ميمنة وميسرة، من المعجبين والمريدين وأصحاب الطموح والمتسلقين والباحثين عن المجد والحياة الفضلى الباذخة، في أحد مطابخ العائلات المستورة . أما إذا كان الفأر ضالاً، أو منبوذاً من الأقرباء والأصدقاء والخلان، فإنه يدخل إلى المنزل شارد اللب، زائغ البصر، مرخي الذيل، متهدل الشوارب، ولا يميز بيسر بين غرفة النوم الرئيسية والمطبخ المنشود. فتراه راكضاً في أرجاء المنزل، قلقاً متوتراً، لا يستقر على حال، ولا يهدأ له بال، إلى أن تصادفه أول مكنسة من مكانس الإرهاب المنزلي، فتقع على أم رأسه، وترديه قتيلا، أما إذا تقاعست ربة البيت في ملاحقته يوماً أو يومين، تحول إلى خبير في الجحور الهانئة والفتحات الآمنة والتشققات الدافئة، وبات ضليعاً في إثارة حفيظتها، وجعل ليل العائلة نهاراً، بحيث يتوهم كل فرد فيها، أن الضيف إذا اختفى في المطبخ، لديه القدرة على الوصول إلى جوارير ملابسه الداخلية،vhأر وخزائن أطقمه وأحذيته، ولا يحلو له إلا أن يتخذ من غطاء المخدات ملاذاً يحتمي به، ويحجب طلعته النادرة عن عيون الحاسدين والشامتين. في ذلك الزمن الغابر، حيث كانت الأبواب غير محكمة، والشوارع غير نظيفة، والقمامة منثورة في كل الأنحاء، كان الفأر دوماَ ضيف شرف على العائلة، ونجما تطارده العيون والألسن والحفايات، وتحسب كل حركاته وسكناته، بقدر المستطاع. وعندما تجتمع الأسرة بشكل طارىء، وتقرر وضع الخطة اللازمة للإجهاز على الفأر، تظهر في البيت حالة الاستنفار، ويصير أفراد الأسرة جميعاً تحت السلاح الأبيض، توطئة للانقضاض، في ساعة الصفر التي يقررها أي منهم، لأن الفأر على ضآلة شأنه، هو الذي يقرر إذا كانت هناك معركة أم لا، وهو الذي يقرر إذا كانت هناك ساعة صفر أم لا، وهو الذي يقرر الظهور أو الإمعان في الاختفاء، فكل الخيوط بيده، وهو الوحيد المالك لزمام الأمر. لقد كان الكبير والصغير يتعاونان من أجل صد الغزاة، يدا بيد، وقلبا على قلب، بجاهزية رفيعة، وعيون ساهرة، إلى أن يتم كنس البيت وتنظيفه، وإزالة آثار العدوان عن بلاطه. وقرأت مؤخراً، إعلاناً عن وسيلة جديدة لاصطياد الفأر، عوضاً عن الوسيلة القديمة، التي كانت تتمثل في استخدام كل ما هو متاح من حواضر البيت: المكنسة، عصا القشاطة، الشبشب، أو ما هو في حكمها وجدواها.. الوسيلة الجديدة عبارة عن لاصق، يوضع على قطعة من الكرتون، وتوضع القطعة في الموقع المتوقع مرور الفأر منه، وبالإمكان زيادة عدد القطع، بزيادة عدد الاحتمالات، وما أن تطأ قدماه اللاصق حتى يثبت في مكانه، وقد أسقط في يده، وفقد الحيلة، وآل إلى أجله المحتوم. مشكلة اللاصق المبتكر، أنه يعمل بلا رأفة، فقد تكون النتيجة التصاق أحد الأطفال الرضع أو التصاق ربة الأسرة نفسها، بحكم كثرة حركتها. ولذلك، فإنني أقدر عالياً هذا الاكتشاف، لكنني أرى فيه وسيلة فردية للمقاومة، لا يمكن أن تكون آمنة ومجدية، بنفس الكفاءة التي توفرها الوسيلة القديمة: التعاون والتكافل الأسري ضد كل الغرباء.
لم يخل بيت، في زمن من الأزمان، من فأر يتسلل إليه، خاصة إذا كان ذا شخصية قيادية، لا يهاب المجهول، فيقتحم المنازل من مصارفها أو ثقوب شبابيكها، ويكون من ورائه جيش عرمرم ذو ميمنة وميسرة، من المعجبين والمريدين وأصحاب الطموح والمتسلقين والباحثين عن المجد والحياة الفضلى الباذخة، في أحد مطابخ العائلات المستورة . أما إذا كان الفأر ضالاً، أو منبوذاً من الأقرباء والأصدقاء والخلان، فإنه يدخل إلى المنزل شارد اللب، زائغ البصر، مرخي الذيل، متهدل الشوارب، ولا يميز بيسر بين غرفة النوم الرئيسية والمطبخ المنشود. فتراه راكضاً في أرجاء المنزل، قلقاً متوتراً، لا يستقر على حال، ولا يهدأ له بال، إلى أن تصادفه أول مكنسة من مكانس الإرهاب المنزلي، فتقع على أم رأسه، وترديه قتيلا، أما إذا تقاعست ربة البيت في ملاحقته يوماً أو يومين، تحول إلى خبير في الجحور الهانئة والفتحات الآمنة والتشققات الدافئة، وبات ضليعاً في إثارة حفيظتها، وجعل ليل العائلة نهاراً، بحيث يتوهم كل فرد فيها، أن الضيف إذا اختفى في المطبخ، لديه القدرة على الوصول إلى جوارير ملابسه الداخلية،vhأر وخزائن أطقمه وأحذيته، ولا يحلو له إلا أن يتخذ من غطاء المخدات ملاذاً يحتمي به، ويحجب طلعته النادرة عن عيون الحاسدين والشامتين.
في ذلك الزمن الغابر، حيث كانت الأبواب غير محكمة، والشوارع غير نظيفة، والقمامة منثورة في كل الأنحاء، كان الفأر دوماَ ضيف شرف على العائلة، ونجما تطارده العيون والألسن والحفايات، وتحسب كل حركاته وسكناته، بقدر المستطاع.
وعندما تجتمع الأسرة بشكل طارىء، وتقرر وضع الخطة اللازمة للإجهاز على الفأر، تظهر في البيت حالة الاستنفار، ويصير أفراد الأسرة جميعاً تحت السلاح الأبيض، توطئة للانقضاض، في ساعة الصفر التي يقررها أي منهم، لأن الفأر على ضآلة شأنه، هو الذي يقرر إذا كانت هناك معركة أم لا، وهو الذي يقرر إذا كانت هناك ساعة صفر أم لا، وهو الذي يقرر الظهور أو الإمعان في الاختفاء، فكل الخيوط بيده، وهو الوحيد المالك لزمام الأمر.
لقد كان الكبير والصغير يتعاونان من أجل صد الغزاة، يدا بيد، وقلبا على قلب، بجاهزية رفيعة، وعيون ساهرة، إلى أن يتم كنس البيت وتنظيفه، وإزالة آثار العدوان عن بلاطه.
وقرأت مؤخراً، إعلاناً عن وسيلة جديدة لاصطياد الفأر، عوضاً عن الوسيلة القديمة، التي كانت تتمثل في استخدام كل ما هو متاح من حواضر البيت: المكنسة، عصا القشاطة، الشبشب، أو ما هو في حكمها وجدواها.. الوسيلة الجديدة عبارة عن لاصق، يوضع على قطعة من الكرتون، وتوضع القطعة في الموقع المتوقع مرور الفأر منه، وبالإمكان زيادة عدد القطع، بزيادة عدد الاحتمالات، وما أن تطأ قدماه اللاصق حتى يثبت في مكانه، وقد أسقط في يده، وفقد الحيلة، وآل إلى أجله المحتوم.
مشكلة اللاصق المبتكر، أنه يعمل بلا رأفة، فقد تكون النتيجة التصاق أحد الأطفال الرضع أو التصاق ربة الأسرة نفسها، بحكم كثرة حركتها. ولذلك، فإنني أقدر عالياً هذا الاكتشاف، لكنني أرى فيه وسيلة فردية للمقاومة، لا يمكن أن تكون آمنة ومجدية، بنفس الكفاءة التي توفرها الوسيلة القديمة: التعاون والتكافل الأسري ضد كل الغرباء.