في ليلة من الليالي كان في مدينة سالم الحاجب المنصور . و كان يعيش فيها أهل الذمة من النصارى . و في ليلة من الليالي الباردة جدا التي لم يمر على الأندلس مثلها من قبل . فهنا استدعى الحاجب المنصور أحد الفرسان الأقوياء المشهود لهم بذلك فجاءه فقال له : - أيها الجندي . تخرج إلى المضيق الفلاني الموجود بين جبلين و الفاصل بيننا و بينهم و الذي تمر فيه القوافل العامة بيننا و بينهم فتقف على رأس المضيق ... - أفي هذه الليلة الباردة .؟ - نعم . في هذه الليلة الباردة و إذا مر عليك أحد تأتيني به شاء أم أبى . - و من سيخرج في هذه الليلة . - اسمع الأوامر و نفذها . فخرج الجندي الفارس و وقف عند المضيق . و فعلا ، في شدة البرد و شدة المطر و هذا الفارس يرجف بشدة لأنه يطيع أوامر الحاجب المنصور . و بينما هو كذلك ، و إذ بشيخ عجوز من أهل الذمة النصارى الموجودين في مدينة سالم خارجا منها متجها إلى بلاد النصارى و هو راكب على *استغفر الله*استغفر الله*استغفر الله*استغفر الله – أجلكم الله – و معه خشب فسأله الفارس الذي يعاني من شدة البرد و هو يرتجف : - ماذا تفعل ؟ - أحمل الخشب إلى أهلي لعلهم يستدفئون . فتركه يذهب إلى بلاد النصارى ثم فكر و قال في نفسه : " إن الحاجب المنصور أمرني أن لا أترك أحدا يتحرك إلى بلاد النصارى فأخشى إن علم الخبر أنني تركت هذا الذمي أن يحدث ما لا يحمد عقباه " . فتبع الشيخ العجوز و أحضره إلى الحاجب المنصور . فحقق الحاجب المنصور معه بعد كلام طويل و سأله بضع أسئلة فأجاب عنها : - أنا شيخ عجوز من أهل الذمة أحمل الخشب إلى أهلي . رد الحاجب المنصور على هذا القول بكلام غريب : - فتشوه . ففتشوه فلم يجدوا معه شيئا . - فتشوا *استغفر الله*استغفر الله*استغفر الله*استغفر اللهه . ففتشوا *استغفر الله*استغفر الله*استغفر الله*استغفر اللهه حتى اضطروا إلى تمزيق البرذعة فوجدوا فيه خطابا إلى النصارى في الشمال : " تعالوا و اهجموا على مدينة سالم الإسلامية الموجودة في الشمال من المكان الفلاني و لكم علينا أن نساعدكم ". هنا تعجب الفارس و قال : - سيدي الحاجب المنصور ، كيف عرفت أن هذا الشيخ العجوز سيكون جاسوسا و سيخرج في هذه الليلة . - من يخرج في ليلة شديدة البرد شديدة المطر إلا جاسوس .؟ و أي وقت أفضل للخروج إلا ليلة شديدة البرد شديدة المطر لكون الناس يستدفئون في بيوتهم و لكون الطريق خاوية من الحراس . فانظر إلى دهاء الحاجب المنصور و انظر إلى قدرته العسكرية و فطنته و انتباهه