كان لامرأة عجوز حفيد وحيد، يدعى "الخمخوم" وكان أقرع، تلمع قرعته تحت الشمس، وكان أخن يصدر صوته من أنفه، لا يكاد أحد يفهم مايقوله، وكان لا يحسن عمل شيء، وضعته جدته عند حداد، فقرض إصبعه، ولم يطق على العمل صبراً، ووضعته عند خياط، فما استطاع مرّة ضم خيط في إبرة،وكيف يطيق صبراً على عمل، ودأبه أن يأكل، حتى ينتفخ بطنه، فليس له إلا أن يحمل معه أطباق الخبز، حيثما ذهب، ليلتهمها رغيفاً رغيفاً. وكان آخر عمل جهدت العجوز في وضعه فيه، هو البناء، فقد مرّت بورشة بنائين، فتوسلت إلى رئيسها أن يقبل عنده الخمخوم أجيراً، فلما سأله عما يستطيع أن يعمل، فأجابه على الفور: "الأكل"، فضحك منه طويلاً، ثم وجهه إلى بئر، وطلب منه أن ينضح الماء للعمال، فاطمأنت العجوز إلى أنها وجدت عملاً لحفيدها، وشكرت رئيس الورشة، ثم مضت. ومضى الخمخوم إلى البئر يحمل أطباق الخبز، فوضعها إلى جانبه، وبدأ العمل، فكان إذا خرج له الدلو يتقاطر منه الماء، بش له وفرح به، وقال:"أهلاً"، ثم رفعه إلى فمه، وظل يعب منه حتى ينزله فارغاً، ثم يتناول وراءه رغيفاً، وظل هذا دأبه، يشرب دلواً، ويأكل رغيفاً، حتى أتى على ماعنده من خبز، فانطلق إلى رئيس الورشة يعلن له عن انتهاء عمله، فما كان من الرجل إلا أن صرفه، طالباً منه أن يزيد في الغد عدد الأرغفة. ولما كان اليوم التالي، هيّأت له جدته ضعف ماكانت تهيئه له من قبل، وانطلق الخمخوم إلى عمله، فرحاً به، وأكب على الأرغفة، يلتهمها بنشاط كبير، ويشرب من البئر ماشاء أن يشرب، حتى أتى على كل ماحمل من أرغفة، فمضى إلى رئيس الورشة يطلب منه أجرته، فسخر منه المعلّم، وقال له: "أعطيك أجرتك آخر الأسبوع"، ففرح الخمخوم بوعد المعلم، وأخذ يزيد من نشاطه، ويضاعف من عمله، ويقبل عليه، بتناول مزيد من الأرغفة، وشرب مزيد من الدلاء، حتى ازداد في الأسبوع وزناً، على حين شقيت جدته في تهيئة الخبز له. حتى إذا انتهى الأسبوع أقبل على معلمه يطالبه فحار المعلم في أمره، كيف يعطيه أجراً، وهو الذي لم يفعل شيئاً؟، ونظر حوله، فرأى بعيداً عن الورشة خم دجاج، فقال له: "انظر إلى هناك"، فنظر الخمخوم، فقال له: "اذهب إلى هناك، وأدخل الخم، ثم خذ بيضة واحدة، أجراً لك"، فسأله الخمخوم:"بيضة واحدة؟"، فقال المعلم: "نعم، بيضة واحدة، ولا تعد في الأسبوع القادم"، فسأله: "وهل تعده عطلة؟"، فقال المعلم: "نعم"، فسأله:"وتعطيني في نهايته أجري؟"، فقال المعلم، وقد نفذ صبره: "نعم، نعم". وضحك الخمخوم، ثم انطلق إلى الخم، حتى إذا بلغه، دخله، وهو يمنّي نفسه ببيض كثير، ولكنه فوجئ بالخم خاوياً، فأخذ يبحث في نواحيه، فلم يعثر على شيء، فأعاد البحث، ونبش أكوام التبن والأقذار، فرأى بيضة غريبة، صفراء اللون ، أكبر من البيض، وأثقل، فحملها، وأسرع بها إلى جدته، وهو ينادي طوال الطريق: "أخذت أجرتي ياجدتي، أخذت أجرتي، ياجدتي". فلما سمعت الجدة، فرحت به، فهذه أول أجرة له في حياته، ولكن لما دخل عليها بالبيضة الصفراء، ولم تميزها جيداً، غاض فرحها، وخاب أملها، وأخبرته أن البيضة فاسدة، وأن من الخير له أن يرميها، فخرج الخمخوم غاضباً، مصمماً على الذهاب بها إلى الملك، ليشكو له أمره، فلما بلغ قصره، منعه الحرس من الدخول، فأخذ يصيح وينادي، حتى سمع الملك، فنظر من نافذة القصر فضحك لمرأى الخمخوم، وأشار إلى جنده أن اسمحوا له بالدخول. ودخل الخمخوم على الملك، فشكا له أمره، وعرض عليه البيضة، فلما رآها الملك، دهش لمرآها، وفرح بها، فقد كانت ذهباً، فتلقفها من يده، وسأله في لهفة عما يطلبه من ثمن لها، فقال الخمخوم ببلاهة: "لا أريد ثمنها"، فعرض عليه الملك أن يتمنى شيئاً ليحققه له، فقال له على الفور: أريد فرناً وجرناً وخراباً"، فعجب الملك من طلبه وسأله لم يريد ذلك؟ فأجابه: "الفرن للخبز آكله، والجرن للماء أشربه، والخراب لحاجتي أقضيها فيها"، فضحك الملك منه وأمر الجند أن يهيئوا له ماطلب. وخلال يومين أشيد فرن، في ظاهرالبلدة، وحفر إلى جانبه بئر، وتم تسييج مايحيط بهما من أرض، وسلم ذلك كله للخمخوم، فكان يمضي يومه بين البئر والفرن، في أكل وشرب، هانئاً بالنعيم ومرت الأيام وهو على هذه الحالة، ليس له عمل غير الأكل والشرب، وقضاء الحاجة بين فرن وجرن وخراب، حتى جاء يوم مل فيه عيشه، وأراد التنزه، فطلب من عمال الفرن أن يهيئوا له للغد أرغفة كثيرة، ففعلوا ذلك، فلما كان الغد، حمل الأرغفة على ظهر حمار، ومضى بها إلى ضفة نهر قريب، وأخذ يلتهم هناك الأرغفة، ويشرب من ماء النهر، مايشاء، ناعماً بتجديد المكان، حتى إذا انتهى من الأرغفة التي حملها امتلأت بطنه وانتفخت، وأراد الرجوع، أحس بالتعب الشديد، ولم يستطع الحمار حمله، لثقله، فأخذ يمشي والعرق يسح منه، ويغسله غسلاً. وبينما هو في بعض الطريق، مرت به أفعى، ورجته أن يخبئها، فعجب لأمرها، فتوسلت إليه، وشرحت له أن ثعباناً يلاحقها، فحار في أمره، ماذا يفعل؟ فماكان منه إلا أن فتح فمه، وقال لها: "هيا، ادخلي"، حتى إذا دخلت في فمه ابتلعها، فلما مر به الثعبان غضبان يصل صليلاً، سأله إن كانت الأفعى قد مرت به، فأجابه: "نعم" ودله على طريق بعيدة، وقال له: "ذهبت من هنا"، فغدا الثعبان في الطريق فلما ابتعد، دق الخمخوم على بطنه، ودعا الأفعى إلى الخروج، فخرجت، ثم سألته عما يتمناه، حتى تحققه له، فسخر منها، وقال لها: "وماذا تستطيعين أن تفعلي؟"، فأعادت عليه السؤال، فقال لها ساخراً، ومتحدياً: "أتمنى أن تحمليني إلى الخراب"، وإذا الأفعى تدخل تحته، وتنطلق به زاحفة، وهو فوقها يختال، كأنه في هودج. وفي تلك الأثناء، كانت ابنة الملك في بستان قريب، تمرح بين الأشجار مسلية نفسها، فمر بها الخمخوم وهو على ظهر الحية، فضحكت لمرآه، ضحكاً شديداً، وقذفته بتفاحة كانت في يدها، فغضب منها وماكان منه إلى أن شتمها، ودعا عليها أن تغدو لتوها حاملاً. ومرت الأيام، وإذا بطن الفتاة قد تكوّرت، وأخذت تنتفخ قليلاً قليلاً، وبدأت علامات الحمل تظهر عليها، وأدركت الفتاة على الفور أن دعاء الخمخوم قد استجيب، فأسرعت إلى أمها تخبرها، وحارت الأم في أمر ابنتها، وهي تعلم براءتها وتوقن أن أحداً لم يمسها، وبعد تردد، عرضت الأمر على الملك، فغضب وثار، ولكن الأم أكدت له صدق ابنتها، فقرر عندئذٍ تزويجها من الخمخوم. وأرسل الملك في طلب الخمخوم، فلما مثل بين يديه أمر به الخدم أن يأخذوه إلى الحمام، وفي الحمام غسلوه وهو يصرخ ويصيح، ويرفض الماء والصابون، ثم ألبسوه أفخر الثياب، وهو ضائق بها، نافر منها، ثم أدخلوه على الملك، وهو في هياج شديد، يريد العودة إلى الخراب، فلما أخبره الملك أنه يريد تزويجه ابنته، فزع فزعاً شديداً، والتزم الباب، وفر راكضاً، لا يقدر على اللحاق به أحد، يرمي طوال الطريق ماكُسِيَ به من ثياب. حتى إذا بلغ الخراب، دخلها شبه عار، معفراً بالتراب وهو فرح بخلاصه، مطمئن إلى بلوغه مأمنه، ولكنه أحس أن شيئاً سلساً ناعماً قد تمزق وانسحق تحت قدميه، حين وطئ أرض الخراب، والتفت ينظر، وإذا ثعبان هائلٍ، قد داس بقدمه رأسه، فذعر الخمخوم وتراجع، وعرف أنه الثعبان الذي كان قد خدعه بإخفائه أنثاه الأفعى في بطنه، وخاف من شره، إذ أدرك أنه ماجاء إلا لينتقم منه، ولكن الثعبان انتفض مرتين أو ثلاثاً، ثم همد ميتاً، فتنفس الخمخوم الصعداء. وإذا الأفعى تدخل عليه، فتحييه، وتشكر له إنقاذها، وتخليصها من شر الثعبان الماكر، الذي كان يريد إرغامها على الزواج منه، وهي لا تحبه ولا تريده، وسألته مرة ثانية عما يريد، ففرح بها وقال لها، بصوته الأخن:"أنا مثلك يريدون تزويجي ابنة الملك، وأنا لا أريد"، فضحكت منه طويلاً، وقالت: "يالك من أبله، لماذا ترفض؟"، فقال لها:"أنا أقرع، وخمخوم وفقير، وهي بنت ملك"، فقالت له: "اترك الأمر لي"، ثم طلبت منه أن يغمض عينيه هذه الليلة وينام، وألا يفكر في شيء. ومضى الخمخوم كعادته إلى طرف في الخراب، واستلقى على أكوام من التبن وأغمض عينيه ونام. وفي الصباح استيقظ وإذا الخدم بين يديه، وقد تحولت الخراب إلى قصر كبير، وهو في سرير ذهبي، مغطي بكلة لؤلؤية ونهض وتأمل نفسه في مرآة كبيرة، تغطي الجدار ، فرأى نفسه في حلة مزركشة، من أفخر الثياب، وعلى رأسه جمة من الشعر الأشقر، وقد تدلت منها طرة على جبينه ولما التفت إلى الخدم يناديهم، أحس لصوته قوة وفخامة، لا يحظى بها أقوى الرجال ثم أحضر له طعام الفطور، فدهش له طويلاً وتملاه، وإذا فيه أطايب الطعام، وأشهاه. ثم لما كان الضحى مثل بين يديه كبير الخدم، وأعلمه أن موعد زيارته للملك قد حان، وأنه قد أعد له موكبه، فنزل الخمخوم من قصره، ومضى إلى قصر الملك، في موكب مهيب، وكان الملك في انتظاره، فرحب به أعظم ترحيب، وقربه منه، وأدناه، وأنزله في ضيافته ثلاثة أيام، وقد خصه بجناح في قصره. ثم كانت الخطبة فالزواج، في احتفال دام سبعة أيام مع سبعة ليال، هنئ فيها الخمخوم بابنة الملك، ونعم، ونسي قرعته وشقاءه، ولكنه في صباح اليوم الثامن أفاق حزيناً، فسألته زوجته عما يحزنه، فأخبرها أنه ذكر جدته، فحن إليها، وأنه يريد رؤيتها، فنصحت له بالمضي إليها لإحضارها كي تقيم معهما في القصر. وانطلق الخمخوم إلى جدته، حتى إذا دخل عليها لم تعرفه، فأخبرها بأمره، وبما صار إليه من نعيم، ثم حملها إلى قصره، وأفرد لها جناحاً فيه، وعين لها الخدم يسهرون على راحتها، فأمضت بقية عمرها هانئة بما توفر لحفيدها من نعيم، وماتت مطمئنة راضية، هادئة البال، فسبحان مغير الأحوال. تعليق: تدل الحكاية على شعور الفقراء ببؤسهم وإحساسهم بسوء حظهم، كماتدل على حلمه بالخلاص والوصول إلى أعلى أشكال السعادة، في ظنهم، وهي الظفر بابنة السلطان. والحكاية تدل على رغبة في الانتقام للفقراء البائسين إذ يواتي الحظ ذلك الخمخوم فيصل إلى الزواج من ابنة السلطان، وتتضح هذه الرغبة في الانتقام من خلال تصوير ابنة السلطان، وقد أصيبت بالاكتئاب فهي لا تتكلم، ولا يكون شفاؤها إلا على يد الخمخوم، تأكيداً لحاجة السلطان إلى الشعب. وثمة شعور داخلي بالألم، وإحساس عميق باستحالة تحقيق ذلك كله، ولهذا ظهرت العجائب والقوى الغريبة القادرة على الفعل كالأفعى، مما يدل على معاناة الفقير، وإدراكه أنه بحاجة إلى معجزة حتى يحقق خلاصه. وبذلك فالحكاية تعبير عن حلم، وهي تنضح بالمرارة والمعاناة، ولقد اتخذت الأسلوب الساخر. لتؤكد أن شرّ البلية مايضحك. ولتدل من خلال السخرية أيضاً على النقمة والمعاناة.
كان لامرأة عجوز حفيد وحيد، يدعى "الخمخوم" وكان أقرع، تلمع قرعته تحت الشمس، وكان أخن يصدر صوته من أنفه، لا يكاد أحد يفهم مايقوله، وكان لا يحسن عمل شيء، وضعته جدته عند حداد، فقرض إصبعه، ولم يطق على العمل صبراً، ووضعته عند خياط، فما استطاع مرّة ضم خيط في إبرة،وكيف يطيق صبراً على عمل، ودأبه أن يأكل، حتى ينتفخ بطنه، فليس له إلا أن يحمل معه أطباق الخبز، حيثما ذهب، ليلتهمها رغيفاً رغيفاً.
وكان آخر عمل جهدت العجوز في وضعه فيه، هو البناء، فقد مرّت بورشة بنائين، فتوسلت إلى رئيسها أن يقبل عنده الخمخوم أجيراً، فلما سأله عما يستطيع أن يعمل، فأجابه على الفور: "الأكل"، فضحك منه طويلاً، ثم وجهه إلى بئر، وطلب منه أن ينضح الماء للعمال، فاطمأنت العجوز إلى أنها وجدت عملاً لحفيدها، وشكرت رئيس الورشة، ثم مضت.
ومضى الخمخوم إلى البئر يحمل أطباق الخبز، فوضعها إلى جانبه، وبدأ العمل، فكان إذا خرج له الدلو يتقاطر منه الماء، بش له وفرح به، وقال:"أهلاً"، ثم رفعه إلى فمه، وظل يعب منه حتى ينزله فارغاً، ثم يتناول وراءه رغيفاً، وظل هذا دأبه، يشرب دلواً، ويأكل رغيفاً، حتى أتى على ماعنده من خبز، فانطلق إلى رئيس الورشة يعلن له عن انتهاء عمله، فما كان من الرجل إلا أن صرفه، طالباً منه أن يزيد في الغد عدد الأرغفة.
ولما كان اليوم التالي، هيّأت له جدته ضعف ماكانت تهيئه له من قبل، وانطلق الخمخوم إلى عمله، فرحاً به، وأكب على الأرغفة، يلتهمها بنشاط كبير، ويشرب من البئر ماشاء أن يشرب، حتى أتى على كل ماحمل من أرغفة، فمضى إلى رئيس الورشة يطلب منه أجرته، فسخر منه المعلّم، وقال له: "أعطيك أجرتك آخر الأسبوع"، ففرح الخمخوم بوعد المعلم، وأخذ يزيد من نشاطه، ويضاعف من عمله، ويقبل عليه، بتناول مزيد من الأرغفة، وشرب مزيد من الدلاء، حتى ازداد في الأسبوع وزناً، على حين شقيت جدته في تهيئة الخبز له.
حتى إذا انتهى الأسبوع أقبل على معلمه يطالبه فحار المعلم في أمره، كيف يعطيه أجراً، وهو الذي لم يفعل شيئاً؟، ونظر حوله، فرأى بعيداً عن الورشة خم دجاج، فقال له: "انظر إلى هناك"، فنظر الخمخوم، فقال له: "اذهب إلى هناك، وأدخل الخم، ثم خذ بيضة واحدة، أجراً لك"، فسأله الخمخوم:"بيضة واحدة؟"، فقال المعلم: "نعم، بيضة واحدة، ولا تعد في الأسبوع القادم"، فسأله: "وهل تعده عطلة؟"، فقال المعلم: "نعم"، فسأله:"وتعطيني في نهايته أجري؟"، فقال المعلم، وقد نفذ صبره: "نعم، نعم".
وضحك الخمخوم، ثم انطلق إلى الخم، حتى إذا بلغه، دخله، وهو يمنّي نفسه ببيض كثير، ولكنه فوجئ بالخم خاوياً، فأخذ يبحث في نواحيه، فلم يعثر على شيء، فأعاد البحث، ونبش أكوام التبن والأقذار، فرأى بيضة غريبة، صفراء اللون ، أكبر من البيض، وأثقل، فحملها، وأسرع بها إلى جدته، وهو ينادي طوال الطريق: "أخذت أجرتي ياجدتي، أخذت أجرتي، ياجدتي".
فلما سمعت الجدة، فرحت به، فهذه أول أجرة له في حياته، ولكن لما دخل عليها بالبيضة الصفراء، ولم تميزها جيداً، غاض فرحها، وخاب أملها، وأخبرته أن البيضة فاسدة، وأن من الخير له أن يرميها، فخرج الخمخوم غاضباً، مصمماً على الذهاب بها إلى الملك، ليشكو له أمره، فلما بلغ قصره، منعه الحرس من الدخول، فأخذ يصيح وينادي، حتى سمع الملك، فنظر من نافذة القصر فضحك لمرأى الخمخوم، وأشار إلى جنده أن اسمحوا له بالدخول.
ودخل الخمخوم على الملك، فشكا له أمره، وعرض عليه البيضة، فلما رآها الملك، دهش لمرآها، وفرح بها، فقد كانت ذهباً، فتلقفها من يده، وسأله في لهفة عما يطلبه من ثمن لها، فقال الخمخوم ببلاهة: "لا أريد ثمنها"، فعرض عليه الملك أن يتمنى شيئاً ليحققه له، فقال له على الفور: أريد فرناً وجرناً وخراباً"، فعجب الملك من طلبه وسأله لم يريد ذلك؟ فأجابه: "الفرن للخبز آكله، والجرن للماء أشربه، والخراب لحاجتي أقضيها فيها"، فضحك الملك منه وأمر الجند أن يهيئوا له ماطلب.
وخلال يومين أشيد فرن، في ظاهرالبلدة، وحفر إلى جانبه بئر، وتم تسييج مايحيط بهما من أرض، وسلم ذلك كله للخمخوم، فكان يمضي يومه بين البئر والفرن، في أكل وشرب، هانئاً بالنعيم ومرت الأيام وهو على هذه الحالة، ليس له عمل غير الأكل والشرب، وقضاء الحاجة بين فرن وجرن وخراب، حتى جاء يوم مل فيه عيشه، وأراد التنزه، فطلب من عمال الفرن أن يهيئوا له للغد أرغفة كثيرة، ففعلوا ذلك، فلما كان الغد، حمل الأرغفة على ظهر حمار، ومضى بها إلى ضفة نهر قريب، وأخذ يلتهم هناك الأرغفة، ويشرب من ماء النهر، مايشاء، ناعماً بتجديد المكان، حتى إذا انتهى من الأرغفة التي حملها امتلأت بطنه وانتفخت، وأراد الرجوع، أحس بالتعب الشديد، ولم يستطع الحمار حمله، لثقله، فأخذ يمشي والعرق يسح منه، ويغسله غسلاً.
وبينما هو في بعض الطريق، مرت به أفعى، ورجته أن يخبئها، فعجب لأمرها، فتوسلت إليه، وشرحت له أن ثعباناً يلاحقها، فحار في أمره، ماذا يفعل؟ فماكان منه إلا أن فتح فمه، وقال لها: "هيا، ادخلي"، حتى إذا دخلت في فمه ابتلعها، فلما مر به الثعبان غضبان يصل صليلاً، سأله إن كانت الأفعى قد مرت به، فأجابه: "نعم" ودله على طريق بعيدة، وقال له: "ذهبت من هنا"، فغدا الثعبان في الطريق فلما ابتعد، دق الخمخوم على بطنه، ودعا الأفعى إلى الخروج، فخرجت، ثم سألته عما يتمناه، حتى تحققه له، فسخر منها، وقال لها: "وماذا تستطيعين أن تفعلي؟"، فأعادت عليه السؤال، فقال لها ساخراً، ومتحدياً: "أتمنى أن تحمليني إلى الخراب"، وإذا الأفعى تدخل تحته، وتنطلق به زاحفة، وهو فوقها يختال، كأنه في هودج.
وفي تلك الأثناء، كانت ابنة الملك في بستان قريب، تمرح بين الأشجار مسلية نفسها، فمر بها الخمخوم وهو على ظهر الحية، فضحكت لمرآه، ضحكاً شديداً، وقذفته بتفاحة كانت في يدها، فغضب منها وماكان منه إلى أن شتمها، ودعا عليها أن تغدو لتوها حاملاً.
ومرت الأيام، وإذا بطن الفتاة قد تكوّرت، وأخذت تنتفخ قليلاً قليلاً، وبدأت علامات الحمل تظهر عليها، وأدركت الفتاة على الفور أن دعاء الخمخوم قد استجيب، فأسرعت إلى أمها تخبرها، وحارت الأم في أمر ابنتها، وهي تعلم براءتها وتوقن أن أحداً لم يمسها، وبعد تردد، عرضت الأمر على الملك، فغضب وثار، ولكن الأم أكدت له صدق ابنتها، فقرر عندئذٍ تزويجها من الخمخوم.
وأرسل الملك في طلب الخمخوم، فلما مثل بين يديه أمر به الخدم أن يأخذوه إلى الحمام، وفي الحمام غسلوه وهو يصرخ ويصيح، ويرفض الماء والصابون، ثم ألبسوه أفخر الثياب، وهو ضائق بها، نافر منها، ثم أدخلوه على الملك، وهو في هياج شديد، يريد العودة إلى الخراب، فلما أخبره الملك أنه يريد تزويجه ابنته، فزع فزعاً شديداً، والتزم الباب، وفر راكضاً، لا يقدر على اللحاق به أحد، يرمي طوال الطريق ماكُسِيَ به من ثياب.
حتى إذا بلغ الخراب، دخلها شبه عار، معفراً بالتراب وهو فرح بخلاصه، مطمئن إلى بلوغه مأمنه، ولكنه أحس أن شيئاً سلساً ناعماً قد تمزق وانسحق تحت قدميه، حين وطئ أرض الخراب، والتفت ينظر، وإذا ثعبان هائلٍ، قد داس بقدمه رأسه، فذعر الخمخوم وتراجع، وعرف أنه الثعبان الذي كان قد خدعه بإخفائه أنثاه الأفعى في بطنه، وخاف من شره، إذ أدرك أنه ماجاء إلا لينتقم منه، ولكن الثعبان انتفض مرتين أو ثلاثاً، ثم همد ميتاً، فتنفس الخمخوم الصعداء.
وإذا الأفعى تدخل عليه، فتحييه، وتشكر له إنقاذها، وتخليصها من شر الثعبان الماكر، الذي كان يريد إرغامها على الزواج منه، وهي لا تحبه ولا تريده، وسألته مرة ثانية عما يريد، ففرح بها وقال لها، بصوته الأخن:"أنا مثلك يريدون تزويجي ابنة الملك، وأنا لا أريد"، فضحكت منه طويلاً، وقالت: "يالك من أبله، لماذا ترفض؟"، فقال لها:"أنا أقرع، وخمخوم وفقير، وهي بنت ملك"، فقالت له: "اترك الأمر لي"، ثم طلبت منه أن يغمض عينيه هذه الليلة وينام، وألا يفكر في شيء.
ومضى الخمخوم كعادته إلى طرف في الخراب، واستلقى على أكوام من التبن وأغمض عينيه ونام.
وفي الصباح استيقظ وإذا الخدم بين يديه، وقد تحولت الخراب إلى قصر كبير، وهو في سرير ذهبي، مغطي بكلة لؤلؤية ونهض وتأمل نفسه في مرآة كبيرة، تغطي الجدار ، فرأى نفسه في حلة مزركشة، من أفخر الثياب، وعلى رأسه جمة من الشعر الأشقر، وقد تدلت منها طرة على جبينه ولما التفت إلى الخدم يناديهم، أحس لصوته قوة وفخامة، لا يحظى بها أقوى الرجال ثم أحضر له طعام الفطور، فدهش له طويلاً وتملاه، وإذا فيه أطايب الطعام، وأشهاه.
ثم لما كان الضحى مثل بين يديه كبير الخدم، وأعلمه أن موعد زيارته للملك قد حان، وأنه قد أعد له موكبه، فنزل الخمخوم من قصره، ومضى إلى قصر الملك، في موكب مهيب، وكان الملك في انتظاره، فرحب به أعظم ترحيب، وقربه منه، وأدناه، وأنزله في ضيافته ثلاثة أيام، وقد خصه بجناح في قصره.
ثم كانت الخطبة فالزواج، في احتفال دام سبعة أيام مع سبعة ليال، هنئ فيها الخمخوم بابنة الملك، ونعم، ونسي قرعته وشقاءه، ولكنه في صباح اليوم الثامن أفاق حزيناً، فسألته زوجته عما يحزنه، فأخبرها أنه ذكر جدته، فحن إليها، وأنه يريد رؤيتها، فنصحت له بالمضي إليها لإحضارها كي تقيم معهما في القصر.
وانطلق الخمخوم إلى جدته، حتى إذا دخل عليها لم تعرفه، فأخبرها بأمره، وبما صار إليه من نعيم، ثم حملها إلى قصره، وأفرد لها جناحاً فيه، وعين لها الخدم يسهرون على راحتها، فأمضت بقية عمرها هانئة بما توفر لحفيدها من نعيم، وماتت مطمئنة راضية، هادئة البال، فسبحان مغير الأحوال.
تعليق:
تدل الحكاية على شعور الفقراء ببؤسهم وإحساسهم بسوء حظهم، كماتدل على حلمه بالخلاص والوصول إلى أعلى أشكال السعادة، في ظنهم، وهي الظفر بابنة السلطان.
والحكاية تدل على رغبة في الانتقام للفقراء البائسين إذ يواتي الحظ ذلك الخمخوم فيصل إلى الزواج من ابنة السلطان، وتتضح هذه الرغبة في الانتقام من خلال تصوير ابنة السلطان، وقد أصيبت بالاكتئاب فهي لا تتكلم، ولا يكون شفاؤها إلا على يد الخمخوم، تأكيداً لحاجة السلطان إلى الشعب.
وثمة شعور داخلي بالألم، وإحساس عميق باستحالة تحقيق ذلك كله، ولهذا ظهرت العجائب والقوى الغريبة القادرة على الفعل كالأفعى، مما يدل على معاناة الفقير، وإدراكه أنه بحاجة إلى معجزة حتى يحقق خلاصه.
وبذلك فالحكاية تعبير عن حلم، وهي تنضح بالمرارة والمعاناة، ولقد اتخذت الأسلوب الساخر. لتؤكد أن شرّ البلية مايضحك. ولتدل من خلال السخرية أيضاً على النقمة والمعاناة.