الصياد والمارد

الناقل : mahmoud | الكاتب الأصلى : أحمد زياد محبّك | المصدر : www.awu-dam.org

على شاطئ البحر، كان يعيش صياد فقير، مع زوجته وأولاده، وكان عاثر الحظ، يصطاد في اليوم بضع سمكات، وفي عشرة أيام يكاد لايصطاد شيئاً.‏

وذات يوم رجع إلى البيت لا يحمل سوى شبكته الفارغة، فمرّ بالخباز، وطلب منه بضعة أرغفة، ووعده أن يعطيه في الغد كل ما يصطاده، ولكن الخباز أبى، بل سخر منه وقال له: "لعلك لا تصطاد شيئاً، فأنا أعرفك، أنت عاثر الحظ".‏

وكانت زوجته وأولاده في انتظاره ولكنّ الجميع اضطروا إلى النوم من غير عشاء.‏

وفي الصباح خرج الصياد إلى البحر، يحمل شبكته على كتفه، وفي الطريق صادفه رجل يحمل سلة فيها بعض الفاكهة، عرضها عليه، فاعتذر إليه الصياد، وقال له أنا لم أصطد بما أشتري به الخبر، فكيف أشتري الفاكهة؟ فقال له الرجل:" بل الفاكهة لك، سواء اصطدت أو لم تصطد" وحاول الصياد الاعتذار ثانية، ولكن الرجل ألح عليه، وأكد له أن خير الله كثير وأن لكل امرئ نصيبه من الرزق.‏

وأخذ الصياد سلة الفاكهة، وتابع طريقه إلى البحر، حيث ألقى الشبكة، وقعد ينتظر، ثم سحبها، فأحس بها ثقيلة فسحبها بقوى أكبر، وإذ في الشبكة مارد، يخرج ليقول له "إذا تركتني أغنيك"، فتركه الصياد فناوله المارد دنانير ذهبية، ثم طلب منه سلة الفاكهة، فأعطاه الصياد إياها، فشكره المارد، وقال له: "إذا أتيتني كل يوم بمثل هذه الفاكهة، أعطيتك مثل هذه الدنانير، ولكن بشرط ألا يعرف أحد ما بيننا من أمر"، فوعده الصياد ومضى إلى السوق، فاشترى لزوجته وأولاده أطايب الطعام.‏

وهكذا صار دأب الصياد، يحضر كل يوم للمارد بعض الفاكهة، فيعطيه بعض الدنانير فيشتري لزوجته، وأولاده الطعام والثياب، وقد صلح حاله، وطاب له العيش.‏

وأحست زوجة الصياد تبدل الحال، ورأت جود زوجها وكرمه، بل إسرافه، فداخلها الشك، كيف ينقلب زوجها بين عشية وضحاها، فيصبح على هذه الحال من الغنى واليسر: أيعقل أن يكون الصيد وحده هو مورد ذلك الخير كله؟ وماكان منها إلاّ أن أرسلت ابنتها ذات يوم إثر أبيها، وأوصتها أن تتبعه من غير أن يحس بها، ولما رأت البنت المارد يأخذ من أبيها سلة الفاكهة ويناوله الدنانير أسرعت إلى أمها تخبرها بالأمر، وأخذت الزوجة تنشر الخبر بين الجيران.‏

وفي صباح اليوم التالي ذهب الصياد إلى البحر كعادته، وهو يحمل شبكته، ثم مرّ ببائع الفاكهة، فاشترى سلة ملأها بأطيب الأنواع، ومضى إلى البحر، وجلس على الشاطئ وأخذ ينادي المارد، وظل ينادي وينادي، ولكن ما من مجيب.‏

ورجع الصياد إلى البيت، يحمل سلة الفاكهة، وفور دخوله سألته زوجته: "لماذا رجعت بالفاكهة، ألم يظهر لك المارد هذا اليوم؟" فأدرك الصياد أن زوجته قد عرفت سرّ المارد، وأن المارد لن يظهر له بعد اليوم، وليس له إلا أن يعود إلى حياة البؤس والشقاء.‏

تعليق:‏

تدل الحكاية على يأس الفقير وإحساسه بالفارق الكبير بينه وبين الغني، وشعوره بأنه لا خلاص له من فقره إلا بقوة مجهولة كبيرة لا قبل له بها.‏

وهذا الخلاص الذي يرتجيه الفقير ليس خلاصاً، وإنما هو حلم وهمي، لا يتحقق بالعمل والكفاح والدأب، وإنما بالمصادفة وبقوة كبيرة مجهولة.‏

والحكاية تحقق هذا الحلم الجميل في عالم من الخيال والوهم، ولكن سرعان ما ينكسر الحلم، لتكون العودة ثانية إلى الواقع، وليتأكد أن الخلاص لا يمكن أن يكون بواسطة المارد.‏

والمرأة تمثل ههنا كل ما هو حقيقي وواقعي وطبيعي، لأنها هي التي تكشف زيف الحلم وبطلان الوهم لتحقق الصحوة.‏

ولذلك تبدو كالمتهمة والمدانة، لأنها كسرت الحلم، ولكنها في الحقيقة ليست كذلك، بل هي التي لها الفضل في خلق الوعي وتحقيق الصحوة.‏

وقد تدل الحكاية ببساطة على أن السعادة محض وهم، وإنها سرعان ما تزول، وكما يقال في المثل: "ذيل السعادة أملس