بيت مصور بالفقر، وأرض حمراء صغيرة مزروعة بالشتل. ثمانية أولاد بالإضافة إلى البقرة والأتان. هذا كل ما كان يملكه ونوس من هذه الدنيا. يجر نفسه وراء الحيوانين ليتعاونوا ثلاثتهم في الحراثة، منذ طلوع الفجر وحتى الظهر. قلمت التربة على شكل خطوط استعداداً لموسم قادم. وحين يتعب وتتستر ملامحه بالغبار يعود إلى زوجته. تساعده في خلع حذائه الموحل بالتراب الأحمر. تحضر صدراً واسعاً من القش فيه خبز تنور (وكرابيج) من الذرة المسلوقة يتحلق العشرة حولها جالسين فوق حصير. يصرخ رئيف على عادته: -ما شبعت.. كربوجة واحدة لا تكاد تصل إلى المعدة.. يجيب الأب بحدة.. -الذي يأكل كثيراً يكون كالبقرة. ذات مساء من مساءات الشتاء الطويلة خرج من الغابة في الجبل صوت عويل الضباع، لحقه صوت عواء كلاب القرية. كانت الريح غاضبة قذفت أوراق الشجر في الهواء وحركت جذوع السنديان الضخم. صفرت من خلف الباب الخشبي. والجميع قلق على ونوس، لم يعتد يوماً على التأخير. وحين جاء وضع الطعام وحصل نقاش طويل بشأن النعجة التي يجرها وراءه، والتي استقرت أخيراً في زاوية الغرفة. نتائج النقاش انعكست سلباً على رئيف الذي سيقوم برعيها كل يوم إلى أن يجد صاحبها. وبعد طول انتظار صار ونوس يدور في كل القرى التي يعرفها ليسأل مخاتيرها أن يساعدوه في البحث. مرّ شهر ورئيف في البراري عند حدود القرية، كفوف الريح تصفعه، تصطك عظامه وينزف من جرح الغيم مطر كانون.. يقعد وراء صخرة كبيرة منتظراً أن تنتهي تلك القافلة من الرياح ويصرخ بأعلى صوته، يغضب نفسه كي يشعر ببعض الدفء. "ما أكثرك أيتها الريح.. متى تتعبين، إن لم تهدئي اليوم ستهدئين غداً". صارت النعجة جزءاً هاماً في الأسرة، شبعوا من الحليب، يكرع رئيف كأس الحليب بنهم ويمسح ما علق على فمه بطرف كمه. حلمه بالنعجة كان كبيراً جاكيت من الصوف تشتغلها أخته بالسنارة بدلاً من هذا الثوب الذي لايلبس شيئاً تحته ولا فوقه، ثوب قصر عليه وضاق يشبه زي البنات.. أما حلمه الثاني فهو غطاء... يستر الجميع دائماً يبقى واحد في العائلة ضحية النوم في آخر الصف فيصاب بالبرد والإسهال. ذهب ونوس إلى المختار وشكا له ما آل إليه من الحيرة. ماذا لو اتهموه بسرقتها. لكن المختار نصحه بأخذها: (لو كان لها صاحبٌ لظهر ياونوس هذه عطية من السماء، رزقتك لأنك طيب وفقير). جواب لم يرحه من تأنيب الضمير فحمل نفسه إلى بيت الشيخ ليعلم بفضل حكمته إن كانت منذورة لأحد الأولياء أم حرة. تغيب الشيخ قليلاً ورجع حاملاً ورقة، بدأ يجمع ويطرح، ويتمتم بكلمات غريبة غير مفهومة وبعد وقت ليس بقصير تنهد وقال: (إنها منذورة، ولكي تكفر عن ذنبك عليك بإحضار صوفها زكاة كل عام للشيخ. ثم إن ولدت أنثى تربى مع أمها، وإن ذكراً فهي للشيخ أيضاً وحليبها يبقى لكم). حين سمع رئيف أباه وهو يحدث أمه بذلك، حزن كثيراً وشعر بالخيبة، أجهش في الفراش، رأى أشباحاً ترقص على الجدار وكان يدرك أنّ ما رآه، عقوبة من الشيخ لاعتراضه الضمني على فتواه. في تلك الليلة طرح كثيراً من الغازات. كانت ليلة انتهت عند الصباح بالصفع لأنه لوث الفراش
بيت مصور بالفقر، وأرض حمراء صغيرة مزروعة بالشتل. ثمانية أولاد بالإضافة إلى البقرة والأتان. هذا كل ما كان يملكه ونوس من هذه الدنيا. يجر نفسه وراء الحيوانين ليتعاونوا ثلاثتهم في الحراثة، منذ طلوع الفجر وحتى الظهر. قلمت التربة على شكل خطوط استعداداً لموسم قادم. وحين يتعب وتتستر ملامحه بالغبار يعود إلى زوجته. تساعده في خلع حذائه الموحل بالتراب الأحمر. تحضر صدراً واسعاً من القش فيه خبز تنور (وكرابيج) من الذرة المسلوقة يتحلق العشرة حولها جالسين فوق حصير. يصرخ رئيف على عادته:
-ما شبعت.. كربوجة واحدة لا تكاد تصل إلى المعدة..
يجيب الأب بحدة..
-الذي يأكل كثيراً يكون كالبقرة.
ذات مساء من مساءات الشتاء الطويلة خرج من الغابة في الجبل صوت عويل الضباع، لحقه صوت عواء كلاب القرية. كانت الريح غاضبة قذفت أوراق الشجر في الهواء وحركت جذوع السنديان الضخم. صفرت من خلف الباب الخشبي. والجميع قلق على ونوس، لم يعتد يوماً على التأخير. وحين جاء وضع الطعام وحصل نقاش طويل بشأن النعجة التي يجرها وراءه، والتي استقرت أخيراً في زاوية الغرفة.
نتائج النقاش انعكست سلباً على رئيف الذي سيقوم برعيها كل يوم إلى أن يجد صاحبها. وبعد طول انتظار صار ونوس يدور في كل القرى التي يعرفها ليسأل مخاتيرها أن يساعدوه في البحث.
مرّ شهر ورئيف في البراري عند حدود القرية، كفوف الريح تصفعه، تصطك عظامه وينزف من جرح الغيم مطر كانون.. يقعد وراء صخرة كبيرة منتظراً أن تنتهي تلك القافلة من الرياح ويصرخ بأعلى صوته، يغضب نفسه كي يشعر ببعض الدفء.
"ما أكثرك أيتها الريح.. متى تتعبين، إن لم تهدئي اليوم ستهدئين غداً".
صارت النعجة جزءاً هاماً في الأسرة، شبعوا من الحليب، يكرع رئيف كأس الحليب بنهم ويمسح ما علق على فمه بطرف كمه.
حلمه بالنعجة كان كبيراً جاكيت من الصوف تشتغلها أخته بالسنارة بدلاً من هذا الثوب الذي لايلبس شيئاً تحته ولا فوقه، ثوب قصر عليه وضاق يشبه زي البنات.. أما حلمه الثاني فهو غطاء... يستر الجميع دائماً يبقى واحد في العائلة ضحية النوم في آخر الصف فيصاب بالبرد والإسهال.
ذهب ونوس إلى المختار وشكا له ما آل إليه من الحيرة. ماذا لو اتهموه بسرقتها.
لكن المختار نصحه بأخذها: (لو كان لها صاحبٌ لظهر ياونوس هذه عطية من السماء، رزقتك لأنك طيب وفقير).
جواب لم يرحه من تأنيب الضمير فحمل نفسه إلى بيت الشيخ ليعلم بفضل حكمته إن كانت منذورة لأحد الأولياء أم حرة.
تغيب الشيخ قليلاً ورجع حاملاً ورقة، بدأ يجمع ويطرح، ويتمتم بكلمات غريبة غير مفهومة وبعد وقت ليس بقصير تنهد وقال: (إنها منذورة، ولكي تكفر عن ذنبك عليك بإحضار صوفها زكاة كل عام للشيخ. ثم إن ولدت أنثى تربى مع أمها، وإن ذكراً فهي للشيخ أيضاً وحليبها يبقى لكم).
حين سمع رئيف أباه وهو يحدث أمه بذلك، حزن كثيراً وشعر بالخيبة، أجهش في الفراش، رأى أشباحاً ترقص على الجدار وكان يدرك أنّ ما رآه، عقوبة من الشيخ لاعتراضه الضمني على فتواه.
في تلك الليلة طرح كثيراً من الغازات. كانت ليلة انتهت عند الصباح بالصفع لأنه لوث الفراش