أجمل اللحظات التي أحترمها وأردد ذكراها لحظات الهمس الهادئة على الشرفة حين أشارك زوجي مصّ دخان النرجيلة في ساعة متأخرة من الليل ولكن للسعادة عمر تقف عنده في اليوم الأخير زرته في عيادته قبل أن يأتي البيت، شدّ انتباهي فنجانين من القهوة على الطاولة أحدهما مطبوع عليه آثار لأحمر شفاه. سألته، فبان كذبه، كدت أطرح الولد الساكن في رحمي. حملت حقيبتي فشدني من ذراعي. علق بيده القوية خيطاً خرّب معطفي الصوفي الأحمر. تكلم كثيراً مبرراً تصرفه السخيف بأن الفتاة صديقة قديمة تجمع بينهما معزة وأحاسيس بريئة، نصف الكلام لم أسمعه أرقب وجهه بعيون دامعة، أمسح بيدي بطني المتضخم والخيط في يده يشده يلفه حول إصبعه ثم يفرده بغير شعور وقبل أن أدعه وحده سألت نفسي "الممرضة لم ينتهِ دوامها.. أين غادرت وتركتهما هكذا معاً؟!" يا لرائحة العطر القوية النتنة حين تندمج مع رائحة الدخان الخارج من فمهما. وفي بيت أهلي كنت أهتز ألماً مع شاقول ساعة جدي التي ورثها والدي مع سرير من الحديد. فرحت أحياناً فكل يوم يمر دون مشاركته طعامه وغرفته ونرجيلته أعده انتصاراً عظيماً على نفسي وروحي المشدودة إليه، وحزنت أحياناً أخرى لأن الحياة قصيرة لا تستحق منّا هذا الفراق. لم يمضِ على زواجنا شهور كثيرة، الولد ينتظر في أحشائي للخروج إلى الحياة بين يدي أبيه. اجتمع الأصدقاء وتدخل الأقارب كنت أريد العودة فأنا أحنّ إلى مطبخي.. لاشك أن الغبار يأكل النوافذ، وخيوط العنكبوت تلتقط أكبر قدر من الحشرات. الروح تهفو اشتياقاً فأبكي، الكبرياء يطرحني الآن باردة على شرفتنا الضيقة في حينا القديم. من أجل أن أستمر سأعيش معه راضية، عليّ أن أكون كما يريد وعليه أن يكون كما يريد هكذا يشعرني برجولته، لا أحب الرجل الخجول الشقي أفضل، هذا ما تقول بعض الصديقات. ولدّتني القابلة جارتنا، ألم الموت اختفى أول ما سمعت زعقة الطفل، وجهه كوجه والده، وفم صغير ينجذب بالفطرة ماصّاً قطرات الحليب بنشوة، زوجي حضر الآن يبدو مرتبكاً يبتسم بتصنع، يلف الخيط الأحمر حول إصبعه ثم يفرده، ويفركه بكفيه، يعثكله ثم يعيده بشكل مستقيم بدون شعور. أخذ الولد من بين يديّ ممعناً النظر في جسدي الممد على السرير قبل أن ينظر إليّ، قلت له بهمس: (مبروك عليك يا أبو كرم). لم أتمالك نفسي، لأول مرة تخرج من جفوني دمعتي فرح أشعرتاني ببرودة صدري أمام سخونتهما. تركنا الطفل في سريره واقتربت منه ساحبة من بين أصابعه الخيط بهدوء، لففته حول إصبعي وفردته. نسينا الكبرياء وصرنا نصرخ كطفلين: (إنه لي... بل هو لي.. لي...)، حتى انقطع، فاتصلنا.
أجمل اللحظات التي أحترمها وأردد ذكراها لحظات الهمس الهادئة على الشرفة حين أشارك زوجي مصّ دخان النرجيلة في ساعة متأخرة من الليل ولكن للسعادة عمر تقف عنده في اليوم الأخير زرته في عيادته قبل أن يأتي البيت، شدّ انتباهي فنجانين من القهوة على الطاولة أحدهما مطبوع عليه آثار لأحمر شفاه. سألته، فبان كذبه، كدت أطرح الولد الساكن في رحمي. حملت حقيبتي فشدني من ذراعي. علق بيده القوية خيطاً خرّب معطفي الصوفي الأحمر. تكلم كثيراً مبرراً تصرفه السخيف بأن الفتاة صديقة قديمة تجمع بينهما معزة وأحاسيس بريئة، نصف الكلام لم أسمعه أرقب وجهه بعيون دامعة، أمسح بيدي بطني المتضخم والخيط في يده يشده يلفه حول إصبعه ثم يفرده بغير شعور وقبل أن أدعه وحده سألت نفسي "الممرضة لم ينتهِ دوامها.. أين غادرت وتركتهما هكذا معاً؟!" يا لرائحة العطر القوية النتنة حين تندمج مع رائحة الدخان الخارج من فمهما.
وفي بيت أهلي كنت أهتز ألماً مع شاقول ساعة جدي التي ورثها والدي مع سرير من الحديد. فرحت أحياناً فكل يوم يمر دون مشاركته طعامه وغرفته ونرجيلته أعده انتصاراً عظيماً على نفسي وروحي المشدودة إليه، وحزنت أحياناً أخرى لأن الحياة قصيرة لا تستحق منّا هذا الفراق. لم يمضِ على زواجنا شهور كثيرة، الولد ينتظر في أحشائي للخروج إلى الحياة بين يدي أبيه.
اجتمع الأصدقاء وتدخل الأقارب كنت أريد العودة فأنا أحنّ إلى مطبخي.. لاشك أن الغبار يأكل النوافذ، وخيوط العنكبوت تلتقط أكبر قدر من الحشرات.
الروح تهفو اشتياقاً فأبكي، الكبرياء يطرحني الآن باردة على شرفتنا الضيقة في حينا القديم. من أجل أن أستمر سأعيش معه راضية، عليّ أن أكون كما يريد وعليه أن يكون كما يريد هكذا يشعرني برجولته، لا أحب الرجل الخجول الشقي أفضل، هذا ما تقول بعض الصديقات.
ولدّتني القابلة جارتنا، ألم الموت اختفى أول ما سمعت زعقة الطفل، وجهه كوجه والده، وفم صغير ينجذب بالفطرة ماصّاً قطرات الحليب بنشوة، زوجي حضر الآن يبدو مرتبكاً يبتسم بتصنع، يلف الخيط الأحمر حول إصبعه ثم يفرده، ويفركه بكفيه، يعثكله ثم يعيده بشكل مستقيم بدون شعور. أخذ الولد من بين يديّ ممعناً النظر في جسدي الممد على السرير قبل أن ينظر إليّ، قلت له بهمس: (مبروك عليك يا أبو كرم).
لم أتمالك نفسي، لأول مرة تخرج من جفوني دمعتي فرح أشعرتاني ببرودة صدري أمام سخونتهما. تركنا الطفل في سريره واقتربت منه ساحبة من بين أصابعه الخيط بهدوء، لففته حول إصبعي وفردته. نسينا الكبرياء وصرنا نصرخ كطفلين: (إنه لي... بل هو لي.. لي...)، حتى انقطع، فاتصلنا.