مثلنا - نحن العرب- مثل كل أمة أو شعب، نواجه مشكلات ومصاعب متنوعة، عارضة، ومزمنة، ونتفاوت في مواجهتها وفق البنى النفسية والتكوين الاجتماعي، والمعطيات التي أمدتنا بها التجربة أو المعاناة، أو التربية الاجتماعية المتوارثة، فطوراً نواجه مشكلاتنا بالتأمل والتفكير الرصين المتعقل، وقد نهتدي إلى المخارج والحلول، ولكننا نعزف عن الفعل زهداً، أو تعللاً، أو تنصلاً، تاركين لأصحاب الشأن دفة السفينة، والجهات الأربع، وقد نهمس بما يشغلنا للأصدقاء الخلص بصرف النظر عن مواقعهم. وتارة نواجه مشاكلنا بالثورة والانفعال والنقد الذي لا يرحم ولا يلتفت إلى عذر، ولا ينتظر داعياً للنقد، ولا مناسبة، ثم لا نفعل غير النقد، متجاهلين أن الانتقاد يشمل السلبيات والإيجابيات. وتارة نواجه قضايانا بالحلم والتمنيات وبالقول "لو كان كذا، لو فعلنا كذا، ولو ملكنا كذا" لكنا... ثم نختتم المظاهرة بعبارة تلخص يأسنا من عمل شيء، أوتبرئ ساحتنا من المسؤولية. وأحياناً يفصح بعضنا عن مقدرته الفذة على الإمساك بالمشكلات المتنوعة ونظمها في سرد منطقي أخاذ حيث تجد نفسك في نهاية حديثة مذعناً بالحق، مقراً بسلامة تحليله وتعليله المنطقيين، ومثنياً على مقدرته الجدلية وسعة معرفته وقوة حجته في الإقناع، وقوة حافظته واستحضاره لمجمل القضايا والحالات التي كنا عرضة لها ولم نتعظ منها أو نعتبر بها على الوجه الوجيه. وما أكثر الأمثلة والشواهد التي نواجهها ونتحدث عنها، أو نفكر بها في صوت مرتفع من ميادين السياسة، والثقافة، والاقتصاد، والإنتاج الزراعي، والمواصلات، والتصنيع وغيرها.. ولكن العمل يبدو قليلاً أو لعل الدلائل عليه تبدو كذلك، والزاهدون في العمل- بحجة أو بغير حجة- هم أنفسهم الذين يضربون لك الأمثلة عن حيوية الصينيين والكوريين والفيتناميين، ويقولون لك: إن العربي يعرف من مشيته المتمهلة في شوارع أوربة، لأن الأوروبيين غالباً مايكونون على عجلة من أمورهم وكأنهم يأخذون بالقول العربي: لا يغرق في النعيم غرقاً إلا من يتصبب من أجله عرقاً. فإذا ما تأملت هؤلاء المنظرين بعقل متأنٍ منصف وأذن مستمعة معجبة ملت إلى الإعجاب بهم وقلت إن قطار الحياة لا يمر من خلفهم ولا يخلفهم في المحطات، بل إنهم في حالة حضور يقظ، متابعون، لا تنقصهم الحياة، بل إن صوتهم فيها هو الذي يجعلها دَفْأَى وحميمية. وفي الليل عندما تقلقل وسادتك الهموم، وتستعرض في ترجيع موضوعي كل ماكان وماقيل تجد نفسك أمام نوع من التفكير الاجتراري، ذلك التفكير الذي يبدو في محصلته الحقيقية فردياً محضاً، ومغرقاً في الذاتية، تفكير ينزع إلى إشباع الرغبات الخاصة لا إلى إقرار الحقائق العامة.. تفكير يحايد حركة الحياة ومضايقها، ويتنحى عن مبادرة المواجهة، أو يغفلها أو يرجئها، أو يستمهل الحوافز لمعاودة التفكير بها مرة أخرى. يذكرنا مثل هذا الوضع بقول هيلين كيلر:"ليس تجنب الحقائق بأكثر أمناً من مواجهتها وجهاً لوجه. فكثيراً مايسقط الجبناء صرعى كما يسقط الشجعان" وكثيراً ما فكرنا بالعدو المحتل، واجتمعنا، وناقشنا وائتمرنا وقلنا شعراً وكلاماً يهز ضمير الإنسانية، لكن ذلك كله لم يصل بنا إلى ما أردناه حقيقة في صراعنا مع العدو... ولم يوصلنا إلى ما أوصلتنا إليه الأيدي الرشيقة وهي تتحرك بالحجارة، تجابه بالعقل، وبالفعل، فبورك الفعل وبوركت الأيدي التي تشتغل مؤيدة بسلطان العقل الحيوي الذي يعرف كيف يجدد فينا روح الثورة والعطاء
مثلنا - نحن العرب- مثل كل أمة أو شعب، نواجه مشكلات ومصاعب متنوعة، عارضة، ومزمنة، ونتفاوت في مواجهتها وفق البنى النفسية والتكوين الاجتماعي، والمعطيات التي أمدتنا بها التجربة أو المعاناة، أو التربية الاجتماعية المتوارثة، فطوراً نواجه مشكلاتنا بالتأمل والتفكير الرصين المتعقل، وقد نهتدي إلى المخارج والحلول، ولكننا نعزف عن الفعل زهداً، أو تعللاً، أو تنصلاً، تاركين لأصحاب الشأن دفة السفينة، والجهات الأربع، وقد نهمس بما يشغلنا للأصدقاء الخلص بصرف النظر عن مواقعهم. وتارة نواجه مشاكلنا بالثورة والانفعال والنقد الذي لا يرحم ولا يلتفت إلى عذر، ولا ينتظر داعياً للنقد، ولا مناسبة، ثم لا نفعل غير النقد، متجاهلين أن الانتقاد يشمل السلبيات والإيجابيات. وتارة نواجه قضايانا بالحلم والتمنيات وبالقول "لو كان كذا، لو فعلنا كذا، ولو ملكنا كذا" لكنا... ثم نختتم المظاهرة بعبارة تلخص يأسنا من عمل شيء، أوتبرئ ساحتنا من المسؤولية. وأحياناً يفصح بعضنا عن مقدرته الفذة على الإمساك بالمشكلات المتنوعة ونظمها في سرد منطقي أخاذ حيث تجد نفسك في نهاية حديثة مذعناً بالحق، مقراً بسلامة تحليله وتعليله المنطقيين، ومثنياً على مقدرته الجدلية وسعة معرفته وقوة حجته في الإقناع، وقوة حافظته واستحضاره لمجمل القضايا والحالات التي كنا عرضة لها ولم نتعظ منها أو نعتبر بها على الوجه الوجيه.
وما أكثر الأمثلة والشواهد التي نواجهها ونتحدث عنها، أو نفكر بها في صوت مرتفع من ميادين السياسة، والثقافة، والاقتصاد، والإنتاج الزراعي، والمواصلات، والتصنيع وغيرها.. ولكن العمل يبدو قليلاً أو لعل الدلائل عليه تبدو كذلك، والزاهدون في العمل- بحجة أو بغير حجة- هم أنفسهم الذين يضربون لك الأمثلة عن حيوية الصينيين والكوريين والفيتناميين، ويقولون لك: إن العربي يعرف من مشيته المتمهلة في شوارع أوربة، لأن الأوروبيين غالباً مايكونون على عجلة من أمورهم وكأنهم يأخذون بالقول العربي: لا يغرق في النعيم غرقاً إلا من يتصبب من أجله عرقاً. فإذا ما تأملت هؤلاء المنظرين بعقل متأنٍ منصف وأذن مستمعة معجبة ملت إلى الإعجاب بهم وقلت إن قطار الحياة لا يمر من خلفهم ولا يخلفهم في المحطات، بل إنهم في حالة حضور يقظ، متابعون، لا تنقصهم الحياة، بل إن صوتهم فيها هو الذي يجعلها دَفْأَى وحميمية.
وفي الليل عندما تقلقل وسادتك الهموم، وتستعرض في ترجيع موضوعي كل ماكان وماقيل تجد نفسك أمام نوع من التفكير الاجتراري، ذلك التفكير الذي يبدو في محصلته الحقيقية فردياً محضاً، ومغرقاً في الذاتية، تفكير ينزع إلى إشباع الرغبات الخاصة لا إلى إقرار الحقائق العامة.. تفكير يحايد حركة الحياة ومضايقها، ويتنحى عن مبادرة المواجهة، أو يغفلها أو يرجئها، أو يستمهل الحوافز لمعاودة التفكير بها مرة أخرى.
يذكرنا مثل هذا الوضع بقول هيلين كيلر:"ليس تجنب الحقائق بأكثر أمناً من مواجهتها وجهاً لوجه. فكثيراً مايسقط الجبناء صرعى كما يسقط الشجعان" وكثيراً ما فكرنا بالعدو المحتل، واجتمعنا، وناقشنا وائتمرنا وقلنا شعراً وكلاماً يهز ضمير الإنسانية، لكن ذلك كله لم يصل بنا إلى ما أردناه حقيقة في صراعنا مع العدو... ولم يوصلنا إلى ما أوصلتنا إليه الأيدي الرشيقة وهي تتحرك بالحجارة، تجابه بالعقل، وبالفعل، فبورك الفعل وبوركت الأيدي التي تشتغل مؤيدة بسلطان العقل الحيوي الذي يعرف كيف يجدد فينا روح الثورة والعطاء