مَنْ منّا غير موزّعٍ اليوم؟! مَنْ منّا غير موزّعٍ بين ترجيعٍ ماحدث في شبه ذهولٍ، وبين استقراء مايحدث في شبه جنون، وبين استشراف ماسيحدث بكلّ الخوف والقلق؟! وهل بمقدور الفرد أن يخرج من الأمّة.. أن يخرج من جلده ودمه ومشاعره؟! أَلسنا أمّةً موزّعةً مبعثرةً كريش بجعةٍ مزّقتها النسور؟! والحيرة حيرتان: حيرةٌ ممّا يحدث، وحيرةٌ ممّا يُقال.. وليس من اجتهاد طارئٍ، أو فتوى عارضة، أو بيانٍ مرتجل... ليس شيءٌ من ذلك بقادرٍ أن يُخرجنا من هذا المأزق العربيّ الصعب.. حتى لو أنّ وقفاً نهائيّاً حدث فجأة لكلّ مايجري.. فإنّ عقابيل المرض قد تكون أخطر من المرض ذاته.. ويوشك العقل أن يصبح جزءاً من عقول الأمم القديمة التي كانت في أزماتها تلجأ إلى القوى الغيبيّة تلتمس فيها الملاذ والمعجزة.. وإذا كان العقل العربيّ مايزال يؤمن بالمعاجز حتى اليوم، فإنّ المعجزة المرتقبة ينبغي أن تكون من صنع العقل، لا من توقعه أو التماسه.. إنّه لمن العبث أن نستلقي وننتظر. قد يبدو أمراً معاداً مكروراً ألاّ نجد سبيلاً لمعجزةٍ عربيةٍ بغير الوحدة.. ولكن لا مفرّ من إقناع النفس بهذه الحقيقة، وقد يُقال إنّ الظروف الحاليّة غير صالحة أو مناسبة الآن لمثل هذا الحديث.. وحالما نلجأ إلى مثل هذا التفكير نكون قد أقررنا سلفاً بإمكانية التردّد، أو بدأنا بالسماح لأنفسنا بالتراجع عن قضيّةٍ لا مخرج لنا من تخلّفنا إلاّ بها، ذلك أنّنا قد نجد في أيّ يومٍ مقبلٍ -كما وجدنا في أيّامٍ سابقة- ذرائع لتأجيل حدثٍ مصيريّ كهذا.. إنّ علينا أن نتفهّم بتعقّلٍ وموضوعيّة أعراض أمراضنا العربيّة المزمنة، وأسباب ضعفنا المكشوف، وأن نقتنع بأنّه لا يسارنا الساخن لا يميننا البارد يفيداننا أمام هذه المتغيّرات الدوليّة بغير الوحدة.. وأنّه لا نداؤنا بالسلام عن حسن نيّة، ولا نداؤنا بالحرب عن سوء نيّة يقنعان العالم بإنسانيّتنا، أو بمقدرتنا على الفعل بغير الوحدة.. وأنّه لا تسلّحنا بالأسلحة الفتّاكة المدمّرة، ولا تسلّحنا بالإيمان والعقيدة وألوان الشعارات والانتماءات الروحيّة والقوميّة.. لا شيء من ذلك وغيره يجدينا نفعاً بغير وحدةٍ عربيةٍ... وأنّه لا تكديس الأرصدة في البنوك الدوليّة، ولا طلب القروض والمساعدات والمعونات والإعفاءات من الديون.. لا شيء من ذلك وأمثاله يكفل لنا ضمانات وطنيّة وأمنيّة ومستقبليّة بغير الوحدة.. وليس الاتجاه إلى التنمية الزراعيّة أو الصناعيّة أو العمرانيّة، أو الاتجاه إلى استخدام "التكنولوجيا" المتقدّمة والعقول العلميّة والآليّة، والمناهج العلميّة الخالصة.. ليس ذلك وحده، أو كلّه ضمانة تجعلنا أمّة يُحسب حسابها بغير الوحدة.. وليس نزاعنا أو اتفاقنا من أجل ترسيم الحدود، أو من أجل وقف الحملات الإعلاميّة، أو سعينا من أجل ترسيخ الديمقراطيّات المدجنّة، أو تراخيص التعدد الحزبي، والمنظمات والتنظيمات.. ليس ذلك كلّه أو وحده حلاً لإخفاقنا القومي بغير الوحدة. وليست الخلافات أو الاتفاقات على مقارّ الجامعة العربيّة وتسمية أعضائها.. ولا المؤتمرات المتلاحقة من دوريّة واستثنائيّة وطارئة ولا الاجتماعات أو القرارات أو البيانات أو الاحتجاجات أو أوراق العمل، ولا الاعتصامات ولا الجبهات واللجان الشعبيّة، والأنصار وفصائل المقاومة، والشجب والإدانة والشكاوى العاجلة وقوّات السلام والطوارئ.. ليس ذلك كلّه بشيءٍ ذي قيمة تُذكر بغير الوحدة..وليست التحالفات المرحليّة أوالتكتيكيّة أو المذهبيّة، ولا التقارب من المجموعات الاقتصاديّة أو الدول الصناعيّة، أو الأسواق القاريّة، أو كتل عدم الانحياز أو الدول المنحازة أو الكبرى، أو الدول النامية، أو دول العالم الثالث، أو الأحلاف العسكريّة أو الشمال والجنوب.. ليس ذلك كلّه بمجدٍ شيئاً "قبل" الوحدة.. أجل قد يقبل العقل العربيّ، أو العواطف العربيّة بنشوء كتلٍ إقليميّة عربيّة.. قد نتفاءل باتّحاد دول المغرب أو المشرق العربيين أو دول منظمة التعاون الخليجي.. قد نقبل بمثل هذه الكيانات مبدئيّاً وكَنَوَى لوحدةٍ شاملة.. ولكن ذلك لا يخلو من مخاوف ومحاذر وتحفّظات.. وهو في المحصلة النهائيّة لا يمكن أن يكون بديلاً عن الوحدة الكبرى.. وإنّ أي انتصار عربيّ هنا أو هناك، أو أيّ إخفاقٍ عربي هنا أو هناك، سياسياً كان أومعنوياً أو دولياً -لا ينبغي أن يجعلنا ضحية الإقرار بالأمر الواقع وقبوله بسلبياته وإيجابياته كبديل مرحلي عن الوحدة.. فتلك مسكنات أومهدئات لا يعقل أبداً أن تداوي الجرح العربي أو تعالج الأمة العربية من أمراضها التي لا تخطئها العين المبصرة. وإذا كان هذا البلد بحسّه العمليّ والقوميّ سبّاقاً إلى إدراك هذه الحقيقة، وإلى طرحها للجماهير العربيّة بل إلى تبنّيها شعاراً رئيساً وإلى تجربتها رائداً -فإنّ عليه مجدّداً أن يسعى بكلّ طاقاته وصدقه وعقول أبنائه إلى التركيز على هذه القضيّة التي تتقوّى بوابةً للخلاص، وضمانةً للمستقبل العربيّ الصعب... وعليه ألاّ يكون ضحيّة دعواتٍ زائفةٍ وذرائعيّة، ضحيّة هوىً عارضٍ عارٍ عن أصالة هذا الشعار العظيم وقدسيّته.. فالقضيّة الكبرى لاينبغي أن تكون مطيّة عبث العابثين.
مَنْ منّا غير موزّعٍ اليوم؟! مَنْ منّا غير موزّعٍ بين ترجيعٍ ماحدث في شبه ذهولٍ، وبين استقراء مايحدث في شبه جنون، وبين استشراف ماسيحدث بكلّ الخوف والقلق؟! وهل بمقدور الفرد أن يخرج من الأمّة.. أن يخرج من جلده ودمه ومشاعره؟! أَلسنا أمّةً موزّعةً مبعثرةً كريش بجعةٍ مزّقتها النسور؟! والحيرة حيرتان: حيرةٌ ممّا يحدث، وحيرةٌ ممّا يُقال.. وليس من اجتهاد طارئٍ، أو فتوى عارضة، أو بيانٍ مرتجل...
ليس شيءٌ من ذلك بقادرٍ أن يُخرجنا من هذا المأزق العربيّ الصعب.. حتى لو أنّ وقفاً نهائيّاً حدث فجأة لكلّ مايجري.. فإنّ عقابيل المرض قد تكون أخطر من المرض ذاته.. ويوشك العقل أن يصبح جزءاً من عقول الأمم القديمة التي كانت في أزماتها تلجأ إلى القوى الغيبيّة تلتمس فيها الملاذ والمعجزة.. وإذا كان العقل العربيّ مايزال يؤمن بالمعاجز حتى اليوم، فإنّ المعجزة المرتقبة ينبغي أن تكون من صنع العقل، لا من توقعه أو التماسه.. إنّه لمن العبث أن نستلقي وننتظر.
قد يبدو أمراً معاداً مكروراً ألاّ نجد سبيلاً لمعجزةٍ عربيةٍ بغير الوحدة.. ولكن لا مفرّ من إقناع النفس بهذه الحقيقة، وقد يُقال إنّ الظروف الحاليّة غير صالحة أو مناسبة الآن لمثل هذا الحديث.. وحالما نلجأ إلى مثل هذا التفكير نكون قد أقررنا سلفاً بإمكانية التردّد، أو بدأنا بالسماح لأنفسنا بالتراجع عن قضيّةٍ لا مخرج لنا من تخلّفنا إلاّ بها، ذلك أنّنا قد نجد في أيّ يومٍ مقبلٍ -كما وجدنا في أيّامٍ سابقة- ذرائع لتأجيل حدثٍ مصيريّ كهذا.. إنّ علينا أن نتفهّم بتعقّلٍ وموضوعيّة أعراض أمراضنا العربيّة المزمنة، وأسباب ضعفنا المكشوف، وأن نقتنع بأنّه لا يسارنا الساخن لا يميننا البارد يفيداننا أمام هذه المتغيّرات الدوليّة بغير الوحدة.. وأنّه لا نداؤنا بالسلام عن حسن نيّة، ولا نداؤنا بالحرب عن سوء نيّة يقنعان العالم بإنسانيّتنا، أو بمقدرتنا على الفعل بغير الوحدة.. وأنّه لا تسلّحنا بالأسلحة الفتّاكة المدمّرة، ولا تسلّحنا بالإيمان والعقيدة وألوان الشعارات والانتماءات الروحيّة والقوميّة.. لا شيء من ذلك وغيره يجدينا نفعاً بغير وحدةٍ عربيةٍ... وأنّه لا تكديس الأرصدة في البنوك الدوليّة، ولا طلب القروض والمساعدات والمعونات والإعفاءات من الديون.. لا شيء من ذلك وأمثاله يكفل لنا ضمانات وطنيّة وأمنيّة ومستقبليّة بغير الوحدة.. وليس الاتجاه إلى التنمية الزراعيّة أو الصناعيّة أو العمرانيّة، أو الاتجاه إلى استخدام "التكنولوجيا" المتقدّمة والعقول العلميّة والآليّة، والمناهج العلميّة الخالصة.. ليس ذلك وحده، أو كلّه ضمانة تجعلنا أمّة يُحسب حسابها بغير الوحدة.. وليس نزاعنا أو اتفاقنا من أجل ترسيم الحدود، أو من أجل وقف الحملات الإعلاميّة، أو سعينا من أجل ترسيخ الديمقراطيّات المدجنّة، أو تراخيص التعدد الحزبي، والمنظمات والتنظيمات.. ليس ذلك كلّه أو وحده حلاً لإخفاقنا القومي بغير الوحدة. وليست الخلافات أو الاتفاقات على مقارّ الجامعة العربيّة وتسمية أعضائها.. ولا المؤتمرات المتلاحقة من دوريّة واستثنائيّة وطارئة ولا الاجتماعات أو القرارات أو البيانات أو الاحتجاجات أو أوراق العمل، ولا الاعتصامات ولا الجبهات واللجان الشعبيّة، والأنصار وفصائل المقاومة، والشجب والإدانة والشكاوى العاجلة وقوّات السلام والطوارئ.. ليس ذلك كلّه بشيءٍ ذي قيمة تُذكر بغير الوحدة..وليست التحالفات المرحليّة أوالتكتيكيّة أو المذهبيّة، ولا التقارب من المجموعات الاقتصاديّة أو الدول الصناعيّة، أو الأسواق القاريّة، أو كتل عدم الانحياز أو الدول المنحازة أو الكبرى، أو الدول النامية، أو دول العالم الثالث، أو الأحلاف العسكريّة أو الشمال والجنوب.. ليس ذلك كلّه بمجدٍ شيئاً "قبل" الوحدة.. أجل قد يقبل العقل العربيّ، أو العواطف العربيّة بنشوء كتلٍ إقليميّة عربيّة.. قد نتفاءل باتّحاد دول المغرب أو المشرق العربيين أو دول منظمة التعاون الخليجي.. قد نقبل بمثل هذه الكيانات مبدئيّاً وكَنَوَى لوحدةٍ شاملة.. ولكن ذلك لا يخلو من مخاوف ومحاذر وتحفّظات.. وهو في المحصلة النهائيّة لا يمكن أن يكون بديلاً عن الوحدة الكبرى.. وإنّ أي انتصار عربيّ هنا أو هناك، أو أيّ إخفاقٍ عربي هنا أو هناك، سياسياً كان أومعنوياً أو دولياً -لا ينبغي أن يجعلنا ضحية الإقرار بالأمر الواقع وقبوله بسلبياته وإيجابياته كبديل مرحلي عن الوحدة.. فتلك مسكنات أومهدئات لا يعقل أبداً أن تداوي الجرح العربي أو تعالج الأمة العربية من أمراضها التي لا تخطئها العين المبصرة.
وإذا كان هذا البلد بحسّه العمليّ والقوميّ سبّاقاً إلى إدراك هذه الحقيقة، وإلى طرحها للجماهير العربيّة بل إلى تبنّيها شعاراً رئيساً وإلى تجربتها رائداً -فإنّ عليه مجدّداً أن يسعى بكلّ طاقاته وصدقه وعقول أبنائه إلى التركيز على هذه القضيّة التي تتقوّى بوابةً للخلاص، وضمانةً للمستقبل العربيّ الصعب... وعليه ألاّ يكون ضحيّة دعواتٍ زائفةٍ وذرائعيّة، ضحيّة هوىً عارضٍ عارٍ عن أصالة هذا الشعار العظيم وقدسيّته.. فالقضيّة الكبرى لاينبغي أن تكون مطيّة عبث العابثين.