هربت الذاكرة من (سها)، هكذا وبطريقة فجائية، نسيت من هي؟ من تكون؟ كانت تسير مع موظّفي الشركة التي تعمل بها، ضمن مسيرة صباحيّة، احتفالاً بأعياد الجلاء، وكان آخر ماهاجم تفكيرها، صوراً من الماضي، يوم شرّدت مع أسرتها، وغادرت أرضها وبيتها وأحلامها الطفولية آنذاك. سألتها المرأة التي تسير قربها عمّا بها؟ لم تجب. راحت توزّع النظرات. لم تكن تشعر بالحزن أو الفرح، فكل مابها قد ارتحل، كأنها هيكل فارغ، دوائر أمام عينيها. وجوه حولها. أشياء تجرّها، تدفعها للحركة. انساقت وراء المرأة في أول طريق، وقد تقافزت ذكرياتها البعيدة. ليل وأرق. خوف ورعب. أحداث ضبابية المعالم. خفق قلبها. لامست ذراعها يد تشبه يداً في الذاكرة. عانقتها بوجل. نظرت نحو المرأة متسائلة.. أين نحن؟ ـ نحن في الشارع الرئيسي، الذي يؤدي إلى بيوت المدينة. تساءلت برعب: ـ وبيتي؟! تأثّرت المرأة. تمتمت: ـ ما أشدّ ألمها؟ استمعت في الطريق إلى أحاديث عدّة. أكثرها عن الحاضر والمقبل. أمور تتذكّرها كالوهم، كالحلم، أتاها شعور يشبه الضياع. إلى أين؟ لاحظت المرأة يدها المرتجفة. أشارت إلى استراحة صباحية عند إحدى الصديقات.لم تبد رغبة ما. سحبتها المرأة من يدها بتحبب. دهمها شعور الاستسلام لما يجري. حاولت استعادة الملامح من الوجوه المحيطة. خافت. اختلطت الأسماء. وضعت راحة كفّها فوق صدرها. سمعت رشفات القهوة. حاولت أن تحذو حذو النسوة من حولها. أدارت القدح. انسكبت بقاياه. تحرّك الجميع فجأة. علّقت امرأة على صمتها. كن جميعاً يتبادلن مواعيد قريبة. عادت إلى الشارع ثانية. ذكرى أسماء وملامح ووجوه. طرق وشوارع. حقول وبساتين. عربات. لافتات. كتابات. منذ زمن طويل لم تتذكّر. منذ زمن طويل لم تلحظ، لفّها الذهول. لوجودها ذكرى بعيدة. توقّفت. بوادر رعب في الوجه والعينين. سألتها المرأة بحنان عمّا يحدث لها هذا الصباح؟ لم تجب. كانت تبحث عن شيء ما لا تدري ماهو. شيء يلاحقها. تساءلت عن وجهة في الذاكرة تشبه مكاناً. أرضاً. في عينيها شك ورعب. انقبضت المرأة. وأمام الملامح الزاحفة إلى الوجه المقابل تبدّلت ملامحها. هزّتها برعب. صرخت. سمعتها تردّد كلمات لها علاقة بالحياة. بالأرض. بالوطن. من عمق الذاكرة يخرج الحزن أنيناً، موجعاً، ضبابياً من الذكريات. طفولة وشباباً. رجالاً وشيوخاً، أرضاً تنساب تنزلق، تهرب، تبتعد، تبتعد، تسأل بكلّ طفولتها وبراءتها والرعب في عينيها: ـ هل سنغادر كل شيء؟ ـ وكل شيء يغادرنا! ـ لِم!؟ توقّفت الذكرى! صرخت برعب. حضنتها المرأة تستمع إلى نشيج من بكاء، وتراقب أفواج الناس المتحرّكة بذهول.
هربت الذاكرة من (سها)، هكذا وبطريقة فجائية، نسيت من هي؟ من تكون؟ كانت تسير مع موظّفي الشركة التي تعمل بها، ضمن مسيرة صباحيّة، احتفالاً بأعياد الجلاء، وكان آخر ماهاجم تفكيرها، صوراً من الماضي، يوم شرّدت مع أسرتها، وغادرت أرضها وبيتها وأحلامها الطفولية آنذاك.
سألتها المرأة التي تسير قربها عمّا بها؟ لم تجب. راحت توزّع النظرات. لم تكن تشعر بالحزن أو الفرح، فكل مابها قد ارتحل، كأنها هيكل فارغ، دوائر أمام عينيها. وجوه حولها.
أشياء تجرّها، تدفعها للحركة. انساقت وراء المرأة في أول طريق، وقد تقافزت ذكرياتها البعيدة. ليل وأرق. خوف ورعب. أحداث ضبابية المعالم. خفق قلبها.
لامست ذراعها يد تشبه يداً في الذاكرة. عانقتها بوجل. نظرت نحو المرأة متسائلة.. أين نحن؟
ـ نحن في الشارع الرئيسي، الذي يؤدي إلى بيوت المدينة.
تساءلت برعب:
ـ وبيتي؟!
تأثّرت المرأة. تمتمت:
ـ ما أشدّ ألمها؟
استمعت في الطريق إلى أحاديث عدّة. أكثرها عن الحاضر والمقبل. أمور تتذكّرها كالوهم، كالحلم، أتاها شعور يشبه الضياع. إلى أين؟ لاحظت المرأة يدها المرتجفة. أشارت إلى استراحة صباحية عند إحدى الصديقات.لم تبد رغبة ما. سحبتها المرأة من يدها بتحبب.
دهمها شعور الاستسلام لما يجري. حاولت استعادة الملامح من الوجوه المحيطة. خافت. اختلطت الأسماء. وضعت راحة كفّها فوق صدرها. سمعت رشفات القهوة. حاولت أن تحذو حذو النسوة من حولها. أدارت القدح. انسكبت بقاياه. تحرّك الجميع فجأة. علّقت امرأة على صمتها. كن جميعاً يتبادلن مواعيد قريبة.
عادت إلى الشارع ثانية. ذكرى أسماء وملامح ووجوه. طرق وشوارع. حقول وبساتين. عربات. لافتات. كتابات. منذ زمن طويل لم تتذكّر. منذ زمن طويل لم تلحظ، لفّها الذهول. لوجودها ذكرى بعيدة. توقّفت. بوادر رعب في الوجه والعينين.
سألتها المرأة بحنان عمّا يحدث لها هذا الصباح؟ لم تجب. كانت تبحث عن شيء ما لا تدري ماهو. شيء يلاحقها. تساءلت عن وجهة في الذاكرة تشبه مكاناً. أرضاً. في عينيها شك ورعب. انقبضت المرأة. وأمام الملامح الزاحفة إلى الوجه المقابل تبدّلت ملامحها. هزّتها برعب. صرخت. سمعتها تردّد كلمات لها علاقة بالحياة. بالأرض. بالوطن.
من عمق الذاكرة يخرج الحزن أنيناً، موجعاً، ضبابياً من الذكريات. طفولة وشباباً. رجالاً وشيوخاً، أرضاً تنساب تنزلق، تهرب، تبتعد، تبتعد، تسأل بكلّ طفولتها وبراءتها والرعب في عينيها:
ـ هل سنغادر كل شيء؟
ـ وكل شيء يغادرنا!
ـ لِم!؟
توقّفت الذكرى! صرخت برعب. حضنتها المرأة تستمع إلى نشيج من بكاء، وتراقب أفواج الناس المتحرّكة بذهول.