دون منبه. كان يتسلل، من فراشه. عندما كان ضوء الفجر يقتحم الغرفة، من خلال ألواح الزجاج السليمة في النافذة الوحيدة. وكان يسحب الأغطية المتكورة تحت أولاده الصغار. ويعيد تغطيتهم، بها. وهو يلتقط قطع ثيابه من على الأرض. عند عتبة الباب. كان يرتدي ثيابه. وهو يدس قدميه في الحذاء. كان يطمئن على ثمن الخبز، وهو يفرد الوريقات النقدية، ويعدها. ثم يعود، ويلفها جيداً، وهو يضغط عليها، في قبضة يده. كان يعتبر شراء خبز الصباح، أهم عمل يقوم به في يومه. وعندما كان يعود بعد ساعة من الفرن. ويفرد أرغفة الخبز المشروح والمحمص، على الخرقة السميكة، التي كانت تمدها زوجته. كان يفرك يديه حبورا. وهو يقف عند عتبة الباب. وتمد له زوجته يدها، بكأس الشاي فيرتشف السائل الحار، مسرعاً. وهو يلوك لقمة الخبز. الكبيرة نسبياً. ويضع الكأس الفارغ، على الأرض. ويخرج مسرعاً. وهو يتأبط نصف رغيف. يزدرده في الطريق، على مهل. فقد تأخر، عن العمل. كالعادة.. في سوق الهال. يلتقيه أصحابه من الحمالين. يقول أبو أمين مبتسماً: -تأخرت كالعادة.. يرد مصطفى من الطرف الآخر: -من أجل الخبز.. طبعاً. يقول أبو أمين، وهو يرفع صندوقاً، على كتفه: -أخذت للبيت. من عند السمان المجاور... ثلاث ربطات خبز، من الفرن الآلي، والسلام.. لم يرد على رفاقه. إلا بهزة من رأسه. وتغلغل في السوق. يبحث عن عمل يبدأ به يومه. كان يقول دوماً أن خبز الفرن الآلي غالي الثمن. ويصبح (جافرا) بعد ساعة، من تعرضه للهواء. ويفقد طعمه، بعد ذلك. أما الخبز المشروح.. من فرن الحارة. فهو أرخص، ثمناً لأنه من الطحين الأسمر. لذلك فهو يأخذ منه، كمية كبيرة. وطمعه الطيب، وهو ساخن يجعل المادة المغمسة به مستساغة.. ولو كانت، الشاي الحاف. أو اللبن أو الزيت النباتي، مع الزعتر. إن وجبة الصباح من هذا الخبز المحمص، تغري بتناول المزيد منه. فتمتلئ به، بطون أطفاله. مما يؤخر الغداء. ويجعله قريباً من العشاء. فيوفر، وجبة في كل يوم. وحتى إذا بقيت منه، بقية. وأصبح (جافرا) فإن قوامه اليابس، عندما يملأ فتاته (صينية) العدس. يجعل طعم هذه الشوربا طيبا. وقد سمع أن المطاعم، في الفنادق الكبيرة، في العاصمة، تستعمله في (الفتات) ذات يوم. عاد من الفرن، وهو يحمل الرزمة المعتادة. لكنه ألقاها، على الخرقة الممدودة. دون أن يفردها. وجلس خلافاً لعادته، متكوراً عند العتبة، وهو ينفخ، محنقاً. خبطت زوجته، بيدها. على صدرها، وهي تتكور إلى جانبه. وقالت وهي تقترب منه: -أخبرني.. ماذا جرى. -أبلغني الفران. أنه سوف يتوقف، عن العمل. منذ الغد. سيحول فرنه.. إلى الخبز السياحي. لم تفهم زوجته. إلا أمراً، واحداً.. أن الفرن سوف يتوقف، عن العمل. قالت: -لا تهتم.. الأفران كثيرة. ابحث عن سواه، منذ الغد. نظر إلى زوجته. وهو يقوم واقفاً، ويغادرها. دون أن يتناول كأس الشاي، الذي كانت تمده، إليه. ... إنها لا تدرك المصيبة التي سوف تحيق بهم هو وحده يدركها. إنه يعرف جيداً، ما يجري. بعد فرن الحارة. سوف تتسابق كل الأفران، إلى إنتاج الخبز السياحي. لقد سرقوا، كل شيء.. حتى خبز أولاده.
دون منبه. كان يتسلل، من فراشه. عندما كان ضوء الفجر يقتحم الغرفة، من خلال ألواح الزجاج السليمة في النافذة الوحيدة. وكان يسحب الأغطية المتكورة تحت أولاده الصغار. ويعيد تغطيتهم، بها. وهو يلتقط قطع ثيابه من على الأرض.
عند عتبة الباب. كان يرتدي ثيابه. وهو يدس قدميه في الحذاء. كان يطمئن على ثمن الخبز، وهو يفرد الوريقات النقدية، ويعدها. ثم يعود، ويلفها جيداً، وهو يضغط عليها، في قبضة يده.
كان يعتبر شراء خبز الصباح، أهم عمل يقوم به في يومه. وعندما كان يعود بعد ساعة من الفرن. ويفرد أرغفة الخبز المشروح والمحمص، على الخرقة السميكة، التي كانت تمدها زوجته. كان يفرك يديه حبورا. وهو يقف عند عتبة الباب. وتمد له زوجته يدها، بكأس الشاي فيرتشف السائل الحار، مسرعاً. وهو يلوك لقمة الخبز. الكبيرة نسبياً. ويضع الكأس الفارغ، على الأرض. ويخرج مسرعاً. وهو يتأبط نصف رغيف. يزدرده في الطريق، على مهل. فقد تأخر، عن العمل. كالعادة..
في سوق الهال. يلتقيه أصحابه من الحمالين. يقول أبو أمين مبتسماً:
-تأخرت كالعادة..
يرد مصطفى من الطرف الآخر:
-من أجل الخبز.. طبعاً.
يقول أبو أمين، وهو يرفع صندوقاً، على كتفه:
-أخذت للبيت. من عند السمان المجاور... ثلاث ربطات خبز، من الفرن الآلي، والسلام..
لم يرد على رفاقه. إلا بهزة من رأسه. وتغلغل في السوق. يبحث عن عمل يبدأ به يومه.
كان يقول دوماً أن خبز الفرن الآلي غالي الثمن. ويصبح (جافرا) بعد ساعة، من تعرضه للهواء. ويفقد طعمه، بعد ذلك. أما الخبز المشروح.. من فرن الحارة. فهو أرخص، ثمناً لأنه من الطحين الأسمر. لذلك فهو يأخذ منه، كمية كبيرة. وطمعه الطيب، وهو ساخن يجعل المادة المغمسة به مستساغة.. ولو كانت، الشاي الحاف. أو اللبن أو الزيت النباتي، مع الزعتر. إن وجبة الصباح من هذا الخبز المحمص، تغري بتناول المزيد منه. فتمتلئ به، بطون أطفاله. مما يؤخر الغداء. ويجعله قريباً من العشاء. فيوفر، وجبة في كل يوم. وحتى إذا بقيت منه، بقية. وأصبح (جافرا) فإن قوامه اليابس، عندما يملأ فتاته (صينية) العدس. يجعل طعم هذه الشوربا طيبا. وقد سمع أن المطاعم، في الفنادق الكبيرة، في العاصمة، تستعمله في (الفتات)
ذات يوم. عاد من الفرن، وهو يحمل الرزمة المعتادة. لكنه ألقاها، على الخرقة الممدودة. دون أن يفردها. وجلس خلافاً لعادته، متكوراً عند العتبة، وهو ينفخ، محنقاً. خبطت زوجته، بيدها. على صدرها، وهي تتكور إلى جانبه. وقالت وهي تقترب منه:
-أخبرني.. ماذا جرى.
-أبلغني الفران. أنه سوف يتوقف، عن العمل. منذ الغد. سيحول فرنه.. إلى الخبز السياحي.
لم تفهم زوجته. إلا أمراً، واحداً.. أن الفرن سوف يتوقف، عن العمل. قالت:
-لا تهتم.. الأفران كثيرة. ابحث عن سواه، منذ الغد.
نظر إلى زوجته. وهو يقوم واقفاً، ويغادرها. دون أن يتناول كأس الشاي، الذي كانت تمده، إليه.
... إنها لا تدرك المصيبة التي سوف تحيق بهم هو وحده يدركها. إنه يعرف جيداً، ما يجري. بعد فرن الحارة. سوف تتسابق كل الأفران، إلى إنتاج الخبز السياحي. لقد سرقوا، كل شيء.. حتى خبز أولاده.