خرج خضر الغانم، خلف ضيوفه، يودعهم. رافقهم إلى (الحوش) وأغلق الباب الحديدي، الكبير، خلفهم. انتشله صرير الباب، من شروده. لسعه البرد. فالليل قد انتصف والسماء صافية. تلمع فيها النجوم. وكان الجليد قد تشكل، منذ ساعات. وسيجده في الصباح، قد غطى، كل شيء. لم يكن يفكر، في هذه اللحظات، بالذات في ضرر الجليد، الذي يحيق بالزرع. كان يفكر، في أمر آخر. وهو يقطع الحوش، عائداً مرق شهاب في السماء، فوق رأسه. استعاذ بالله من الشيطان الرجيم، وهو يصعد الدرجات الثلاث، إلى باب (الصالون). أراد أن يمسك (سقاطة) الباب، فافلتت من يده. تهاوى جسده الضخم، على العتبة. وصدم الباب، الذي انفتح بقوة. هرعت زوجته، على صوت الصدمة. نهرها، وهو يقوم بتثاقل. انسحبت زوجته، إلى داخل الغرفة الغربية. في الغرفة الشرقية. كانت زهرة، تقف خلف الباب الموارب، في العتمة. كانت قد قامت، من فراشها، على صوت الصدمة. ولم تكن قد نامت بعد. عندما جاء الضيوف، في أول الليل دخل أبوها الغرفة الشرقية وقال لزوجته باقتضاب: -حضري.. عشاء. جاء قوم الحسين، وطلبوا زهرة، لابنهم.. حماد. وأعطيتهم، كلمتي. ونظر إلى زهرة، عَرَضا. فاجأه جمود، وجهها. وظلت صورة وجهها الجامد، تختال أمام عينيه، طوال السهرة، التي امتدت.. حتى منتصف الليل. نام أخوة زهرة. الصبيان والبنات. وبقيت هي جالسة القرفصاء، في فراشها. شاخصة، في العتمة. وقد تحجرت الدموع، في عينيها. كان بودها، أن تبكي، تصرخ. تقول.. لا. لكن الخوف لجمها. ومنع دموعها، أن تجري. فجأة وجدت نفسها، محرومة، من أي نوع من الاحتجاج.. حتى من البكاء. كيف تضيع حياتها، إلى الأبد، خلال ساعات.. فقط. عند العصر. التقت، نايف. خلف الدار. وتبادلا، عهود الوفاء.. مجدداً. وأكد لها، نايف أن مهرها، سوف يجهز، في الموسم. وبعد ساعات. عند العشاء. يأتي آخر، ويأخذها، من نايف. ويبدد كل أمالها، وأحلامها. لم يسألها، أحد. إن كان لها رأي، فيما يحدث لها. ولكن متى كان لها، أو لسواها، رأي.. في أي أمر. واقتحم فجأة، خيال أبيها، وحدتها. بدت نظرته الغريبة، واضحة، في العتمة. كان ينتظر منها.. أن يفرحها خبر الزواج. مثلما يحدث، لكل فتاة. في الغرفة الغربية. كان خضر الغانم، يجلس القرفصاء، على فراشه. وكانت جمرة لفافته، وهو يمجها بقوة، تكاد تضيء وجهه القاسي، في العتمة. كانت زوجته. في فراش مجاور، تتقلب. تحاول إشعاره، أنها مثله، قد أصابها الأرق. عسى أن يشركها، في أفكاره. في تلك اللحظات، لم يكن يهمه، أمر زوجته. إن كانت نائمة، أو تدعي النوم. كانت فكرة واحدة، تتجمع داخل رأسه المكدود.. ما دامت زهرة، لم تفرح، لخبر زواجها. ولم تبتسم حتى. معنى ذلك أنها قد فعلت (الفاينة) ويجب أن لا (يصبح) عليها، الصباح. عند الفجر. كان خضر الغانم. قد أصدر، حكماً مبرماً. بحق زهرة. لم يكن بحاجة إلى استجوابها. أو سماع شهادة، أحد ما. حتى سماع دفاعها. فالتهمة ثابتة. والدليل.. أنها لم تبتسم، لخبر الزواج. في الصباح. دخل خضر الغانم، إلى الغرفة الشرقية. وجد زهرة جالسة في فراشها. رفعت رأسها إليه. وارتجف فكها. عندما التقت عيناها، بعينيه. قال لها، وهو يشيح بوجهه، ويخرج: -اتبعيني.. خرجت، وهي تتعثر بمشيتها. وجدت أباها، واقفاً في منتصف الحوش. اقتربت منه. ثم توقفت، على بعد خطوات، منه. جمدتها غريزتها. وهي ترى الشر في عينيه. لكنها، وهو يدنو منها، والسكين مشرعة، في يده. شعرت بأنها قد ربطت إلى الأرض، بثقل، شل حركتها.. مستسلمة. مثلما تفعل (الغنمة) عندما يوافيها، الذئب. جرها بيد. وباليد الأخرى، ذبحها. عند الضحى. سلم خضر الغانم نفسه.. إلى المخفر. عند الظهر. جاء المحقق، إلى المخفر وبصحبته الطبيب الشرعي. كان قد كشف على جثة، زهرة. في مكان الحادث. وأعطى الأمر بدفنها. كان المحقق ما زال متوتراً، من منظر الصبية، المذبوحة. على الرغم، من أنه عايش هذا المنظر، مرات عديدة. وانعكس توتره على مسار الاستجواب. ولم يفلح كثيراً، في أن يكون حيادياً. سأل خضر الغانم، بحدة: -لماذا أقدمت على (ذبح) ابنتك، زهرة.. -غسلت عارها.. قام المحقق واقفاً. وهو يمسك تقرير الطبيب الشرعي، واقترب من خضر الغانم. وسأله بصوت مرتجف: -ماذا فعلت، ابنتك.. -فعلت (الفاينة). -مع من.. -لست أدري.. -كيف اكتشفت ذلك. ما دليلك.. -لم تبتسم.. عندما جاءها الخاطبون.. صاح المحقق، وهو يجره من ياقته.. مخالفاً الأصول القانونية: -لكن تقرير الطبيب الشرعي، يقول.. إن ابنتك، زهرة، كانت بنتاً، باكراً.. فوجئ الجميع. بخضر الغانم، وهو يصيح، ويخبط رأسه، على الحائط، خلفه. وعندما أخرجوه، من المخفر. مقيد اليدين. ودفع إلى سيارة الشرطة. كان ينظر إلى الناس، حوله.. بذهول. وكان الدم النازل، من رأسه، قد لوث وجهه. الذي أصبح، بشعا في هذه اللحظات. والسيارة تندفع إلى الأمام. صرخ فجأة. من خلال ذهوله، وهو يندب: -لو ابتسمت، زهرة. لو ابتسمت، فقط.. لما حدث، ما حدث.
خرج خضر الغانم، خلف ضيوفه، يودعهم. رافقهم إلى (الحوش) وأغلق الباب الحديدي، الكبير، خلفهم. انتشله صرير الباب، من شروده. لسعه البرد. فالليل قد انتصف والسماء صافية. تلمع فيها النجوم. وكان الجليد قد تشكل، منذ ساعات. وسيجده في الصباح، قد غطى، كل شيء.
لم يكن يفكر، في هذه اللحظات، بالذات في ضرر الجليد، الذي يحيق بالزرع. كان يفكر، في أمر آخر.
وهو يقطع الحوش، عائداً مرق شهاب في السماء، فوق رأسه. استعاذ بالله من الشيطان الرجيم، وهو يصعد الدرجات الثلاث، إلى باب (الصالون). أراد أن يمسك (سقاطة) الباب، فافلتت من يده. تهاوى جسده الضخم، على العتبة. وصدم الباب، الذي انفتح بقوة. هرعت زوجته، على صوت الصدمة. نهرها، وهو يقوم بتثاقل. انسحبت زوجته، إلى داخل الغرفة الغربية.
في الغرفة الشرقية. كانت زهرة، تقف خلف الباب الموارب، في العتمة. كانت قد قامت، من فراشها، على صوت الصدمة. ولم تكن قد نامت بعد.
عندما جاء الضيوف، في أول الليل دخل أبوها الغرفة الشرقية وقال لزوجته باقتضاب:
-حضري.. عشاء. جاء قوم الحسين، وطلبوا زهرة، لابنهم.. حماد. وأعطيتهم، كلمتي.
ونظر إلى زهرة، عَرَضا. فاجأه جمود، وجهها. وظلت صورة وجهها الجامد، تختال أمام عينيه، طوال السهرة، التي امتدت.. حتى منتصف الليل.
نام أخوة زهرة. الصبيان والبنات. وبقيت هي جالسة القرفصاء، في فراشها. شاخصة، في العتمة. وقد تحجرت الدموع، في عينيها. كان بودها، أن تبكي، تصرخ. تقول.. لا. لكن الخوف لجمها. ومنع دموعها، أن تجري. فجأة وجدت نفسها، محرومة، من أي نوع من الاحتجاج.. حتى من البكاء.
كيف تضيع حياتها، إلى الأبد، خلال ساعات.. فقط.
عند العصر. التقت، نايف. خلف الدار. وتبادلا، عهود الوفاء.. مجدداً. وأكد لها، نايف أن مهرها، سوف يجهز، في الموسم. وبعد ساعات. عند العشاء. يأتي آخر، ويأخذها، من نايف. ويبدد كل أمالها، وأحلامها.
لم يسألها، أحد. إن كان لها رأي، فيما يحدث لها. ولكن متى كان لها، أو لسواها، رأي.. في أي أمر. واقتحم فجأة، خيال أبيها، وحدتها. بدت نظرته الغريبة، واضحة، في العتمة. كان ينتظر منها.. أن يفرحها خبر الزواج. مثلما يحدث، لكل فتاة.
في الغرفة الغربية. كان خضر الغانم، يجلس القرفصاء، على فراشه. وكانت جمرة لفافته، وهو يمجها بقوة، تكاد تضيء وجهه القاسي، في العتمة.
كانت زوجته. في فراش مجاور، تتقلب. تحاول إشعاره، أنها مثله، قد أصابها الأرق. عسى أن يشركها، في أفكاره. في تلك اللحظات، لم يكن يهمه، أمر زوجته. إن كانت نائمة، أو تدعي النوم. كانت فكرة واحدة، تتجمع داخل رأسه المكدود.. ما دامت زهرة، لم تفرح، لخبر زواجها. ولم تبتسم حتى. معنى ذلك أنها قد فعلت (الفاينة) ويجب أن لا (يصبح) عليها، الصباح.
عند الفجر. كان خضر الغانم. قد أصدر، حكماً مبرماً. بحق زهرة. لم يكن بحاجة إلى استجوابها. أو سماع شهادة، أحد ما. حتى سماع دفاعها. فالتهمة ثابتة. والدليل.. أنها لم تبتسم، لخبر الزواج.
في الصباح. دخل خضر الغانم، إلى الغرفة الشرقية. وجد زهرة جالسة في فراشها. رفعت رأسها إليه. وارتجف فكها. عندما التقت عيناها، بعينيه. قال لها، وهو يشيح بوجهه، ويخرج:
-اتبعيني..
خرجت، وهي تتعثر بمشيتها. وجدت أباها، واقفاً في منتصف الحوش. اقتربت منه. ثم توقفت، على بعد خطوات، منه. جمدتها غريزتها. وهي ترى الشر في عينيه. لكنها، وهو يدنو منها، والسكين مشرعة، في يده. شعرت بأنها قد ربطت إلى الأرض، بثقل، شل حركتها.. مستسلمة. مثلما تفعل (الغنمة) عندما يوافيها، الذئب. جرها بيد. وباليد الأخرى، ذبحها. عند الضحى. سلم خضر الغانم نفسه.. إلى المخفر.
عند الظهر. جاء المحقق، إلى المخفر وبصحبته الطبيب الشرعي. كان قد كشف على جثة، زهرة. في مكان الحادث. وأعطى الأمر بدفنها. كان المحقق ما زال متوتراً، من منظر الصبية، المذبوحة. على الرغم، من أنه عايش هذا المنظر، مرات عديدة. وانعكس توتره على مسار الاستجواب. ولم يفلح كثيراً، في أن يكون حيادياً. سأل خضر الغانم، بحدة:
-لماذا أقدمت على (ذبح) ابنتك، زهرة..
-غسلت عارها..
قام المحقق واقفاً. وهو يمسك تقرير الطبيب الشرعي، واقترب من خضر الغانم. وسأله بصوت مرتجف:
-ماذا فعلت، ابنتك..
-فعلت (الفاينة).
-مع من..
-لست أدري..
-كيف اكتشفت ذلك. ما دليلك..
-لم تبتسم.. عندما جاءها الخاطبون..
صاح المحقق، وهو يجره من ياقته.. مخالفاً الأصول القانونية:
-لكن تقرير الطبيب الشرعي، يقول.. إن ابنتك، زهرة، كانت بنتاً، باكراً.. فوجئ الجميع. بخضر الغانم، وهو يصيح، ويخبط رأسه، على الحائط، خلفه. وعندما أخرجوه، من المخفر. مقيد اليدين. ودفع إلى سيارة الشرطة. كان ينظر إلى الناس، حوله.. بذهول. وكان الدم النازل، من رأسه، قد لوث وجهه. الذي أصبح، بشعا في هذه اللحظات. والسيارة تندفع إلى الأمام. صرخ فجأة. من خلال ذهوله، وهو يندب:
-لو ابتسمت، زهرة. لو ابتسمت، فقط.. لما حدث، ما حدث.