إبراهيم بن الأغلب بن سالم بن عقال بن خفاجة التميمي، مؤسس الإمارة الأغلبية التابعة للخلافة العباسية في ولاية إفريقية (تونس). تنتمي أسرته إلى قبيلة تميم التي نزلت في خراسان منذ الفتح. وكان والده الأغلب بن سالم من البارزين بين رجال الدعوة العباسية في مدينة مرو الرُّوذ إلى جانب أبي مسلم الخراساني، ثم أصبح من أعوان أبي جعفر المنصور الذين أجهزوا على أبي مسلم، فجعله المنصور أحد القواد في حملة محمد بن الأشعث التي وجهها إلى إفريقية سنة 144هـ/761م على أن يكون خلفاً لابن الأشعث إذا ما حدث أمر ما. وبعد نجاح الحملة في مهمتها عين قائدها الأغلب بن سالم، حاكماً لطبنة كبرى مدن الزاب (منطقة الأوراس جنوب قسنطنية). وفي سنة 148هـ/765م أجبر الجند ابن الأشعث على الخروج من القيروان، فعين الخليفة المنصور الأغلب مكانه، لصد هجمات الخوارج وقمع اضطرابات الجند في تونس، ولقي الأغلب حتفه تحت أسوار القيروان سنة 150هـ/767م عندما كان يصد هجوماً لجند تونس يقوده الحسن بن حرب الكندي.
كان إبراهيم بن الأغلب آنذاك في العاشرة من عمره. ويبدو أن أسرته كانت قد انتقلت إلى مصر، إذ يرد ذكره بين الدارسين في حلقة الليث بن سعد (ت 175هـ/791م). ولما شب إبراهيم انخرط في صفوف جند مصر وأضحى من وجوههم، ولم يلبث أن اشترك مع اثني عشر رجلاً منهم في هجوم على بيت مال مصر وأخذوا منه مقدار حقهم فيه، ثم غادرها إبراهيم إلى إفريقية في ولاية الفضل بن روح المهلبي (177-178هـ/792-793م) وبسبب العداوة القديمة بين أسرته وأسرة المهلبي نزل إبراهيم في الزاب، حيث كانت ذكرى والده لاتزال حية. وسمت مكانته بين جندها حتى أضحى كأنه الحاكم الفعلي لها. وعندما تغيرت الأمور في القيروان بحلول هرثمة بن أعين محل الفضل (179هـ/795م)، لاطف إبراهيم هرثمة بالهدايا، وكتب إليه يعلمه أنه فعل ما فعل لحاجة لا لمعصية أو نبذ طاعة، فولاه هرثمة ناحيته. وجاءته الفرصة المواتية لحكم إفريقية كلها عندما ثار بتونس تمام بن تميم التميمي على واليها بعد هرثمة محمد بن مقاتل بن حكيم العكي، وانتزع منه العاصمة القيروان في رمضان 183هـ/ تشرين الأول 799م فسار إبراهيم بن الأغلب من الزاب قاصداً القيروان، وأخرج الثائر منها، وأعاد واليها العكي. وعندما أعاد الثائر الكرة بجموعه التي حشدها في تونس وهاجم القيروان، تصدى له إبراهيم بن الأغلب على مقدمة جيش العكي وهزمه، ثم لاحقه إلى معقله تونس حيث استسلم له على الأمان في أوائل المحرم سنة 184هـ/ شباط 800م. وكتب يحيى بن زياد صاحب البريد إلى الخليفة الرشيد بما فعله إبراهيم فعينه أميراً على إفريقية بمشورة هرثمة بن أعين، لكفايته وإخلاصه في الطاعة وقبول الناس له، وتم ذلك في جمادى الثانية 184هـ/ تموز 800م.
اعتمد إبراهيم لتوطيد حكمه واستقراره قاعدة التدرج في الأعمال التي تحقق الهدف، فكان أول ما فعله التخلص من القادة الذين أنفوا من الخضوع له، كالعكي وثلاثة من وجوه الجند، فنقلهم إلى حاضرة الخلافة حيث أودعوا السجن، وأعد العدة بالطريقة نفسها لمجابهة القوى الأخرى، ولاسيما قوة البلديين من مشارقة ومغاربة، وقوة الجند القادمين مع القادة والولاة لإخماد الثورات الخارجية، فبادر إلى تأليف جيش من العبيد، وراح يشتريهم جماعة بعد أخرى متعللاً بتوفير الوسائل لخدمته، واستكثر منهم حتى وصل عددهم لديه، بحسب قول البلاذري، إلى رقم مبالغ فيه على الأرجح وهو خمسة آلاف عبد. وفي عام 185هـ/801م بنى ابن الأغلب قاعدة له ولعبيده على ثلاثة أميال جنوبي القيروان وبنى فيها مسجداً وقصراً وانتقل إليها في السرليلاً مع أهله وعبيده والموثوقين من جنده وأقطع أتباعه أرباضها، فغدت مدينة ملكية دعاها العباسية، وعُرفت كذلك بالقصر الأبيض أو القصر القديم. وربما دعيت بهذا الاسم بعد أن بنى أحد خلفاء ابن الأغلب مدينة الرقادة.
وفي غمرة انشعال إبراهيم بعمله هذا واجه ثورة البلديين (186هـ/802م) التي اجتمع فيها العرب والبربر بقيادة خُرَيْش بن عبد الرحمن الكندي (في رواية ابن الأبار) أو حمديس (في رواية ابن الأثير والنويري)، وقد خلع أتباعها السواد تعبيراً عن رفض طاعة بني العباس.
وعد إبراهيم بن الأغلب هذه الثورة أخطر ثورة في إفريقية، فلم يكف يده عن أصحابها إلا بعد أن أبادهم، وربما بالغت الرواية في عددهم عندما وصلت به إلى عشرة آلاف رجل. ولم يكد إبراهيم يستقر في قاعدته الجديدة حتى ثار عليه في القيروان أعوانه السابقون وجندهم من خراسان والشام، وعلى رأسهم عمران بن مجالد وصاحب شرطته عامر بن المعمر، فبسطوا سلطانهم على القيروان، وسعوا إلى استمالة الفقهاء إلى صفوفهم، ولكن كبير هؤلاء أسد بن الفرات رفض ذلك، واستمرت حرب المتمردين مع إبراهيم بن الأغلب نحو سنة كانت الغارات متبادلة فيها بين القيروان والقصر القديم، إلى أن تمكن إبراهيم من استمالة الجند إليه بالمال الذي أمده به الخليفة الرشيد، فاضطر الثوار إلى الانسحاب إلى الزاب ودخل ابن الأغلب القيروان وخلع أبوابها وثلَّم أسوارها كي لا تصلح بؤرة مقاومة منيعة.
وشملت خدمات إبراهيم بن الأغلب للدولة العباسية المغرب الأقصى كذلك حيث قامت دولة الأدارسة[ر]. ففي سنة 186هـ/802م سعى إبراهيم إلى اغتيال المولى راشد المدبر لشؤون تلك الدولة منذ نشأتها، وظل يكيد لإدريس الثاني محاولاً استمالة البهلول بن عبد الواحد المدغري من كبار زعماء البربر وكسبه إلى جانب الدعوة للعباسيين، إلا أنه خضع في أواخر أيامه لمشورة أتباعه بالكف عن إدريس الثاني، بعد أن توطدت إمارته ونال من الخليفة كل ما كان يريده. وراح يعمل على أن يكون الحكم في أولاده من بعده وقد هيأهم لذلك، وضمن لهم الاستقرار في ذلك البلد المضطرب ووفر على الخلافة أموالاً طائلة كانت ترسل إليها معونة من مصر. وكانت وفاته في حاضرة إمارته وخلفه في الإمارة ابنه أبو العباس عبد الله