في ذاك المكان المهيب، في ذاك المكان الأسطوري، في ذاك المكان المغرق في القدم. في ذاك المكان ذي الأعمدة المنحوتة والتماثيل. ساهمة متأملة، حاضرة غائبة، سافر بها الزمان بعيداً إلى الماضي السحيق، انتصبت أمامها، قوية وبهية، ابتسمت لها. أشارت إليها، نهضت مستلبة الإرادة، تبعتها بين الدهاليز والمتاهات. وحيدتان هي وإياها صار المكان معتماً وبارداً، لم تعد ترى شيئاً لقد أضاعتها.. أضاعتها. حزينة حزينة وحائرة حائرة، ملهوفة لاختراق العتم، تلوب في كل الاتجاهات باحثة عنها. من قلب العتم اللامتناهي انبثق طائر نوراني نفذ إلى أعمق أعماقها. أهداها السكينة، غسلها بنوره، فصارت بلا وزن، بلا لون، بلا ذاكرة.. مخلوقاً نورانياً صارت.. لو كان لها جناحان..؟ حط الطائر أمامها داعياً إياها للسفر.. فهمها، لبّاها ذكّرها بما رد القمقم لكن شتان ما بين المارد وطائر النور. عانق نوره نورها وارتفعا في الفضاء، والفضاء فسيح والفضاء جميل، عالم النجوم والغيوم، عالم الشمس والقمر، عالم السلام والسحر. نور في الجسد.. سلام في الروح.. صفاء في النفس.. أآلهة هي أم بشر؟ أم طائر بلا اسم؟! لم يعد يهم. بدت لها في الأرض البعيدة عنها رقع ملونة /رقعة زرقاء/ كانت الأولى /لو يحطّ بها طائرها؟/ وباللغة التي من غير كلام فهمها وأطاعها وهبط بها. أزرق رحيب.. رائع ورائق.. عبر الرمال الناعمة مشت إليه.. فتح ذراعيه.. ارتمت بأحضانه.. طواها.. عرائس بحر.. أسماك ملونة.. ومجنحة.. عالم مبهر، فرحت بداية ورويداً، تقلّصت فرحتها قليلاً قليلاً ثم تلاشت. أسماك كبيرة تلتهم أُخرى صغيرة، مخلوقات أخطبوطية تشّل أخرى مسالمة. أعشاب تبدو جميلة تتعلق عرائس البحر.. تغرقها... أشداق واسعة لمخلوقات بحرية مخيفة تلتهم كل ما تراه وما لا تراه. ضاقت أنفاسها، تطلعت إلى فوق، رفرف طائرها، انجذبت إليه نفضت عنها بقايا الماء تنشّفت بالنسيم وباللغة ذاتها اتفقا على الرحيل. غادرت ذاكرتها آخر الأسماك وآخر عرائس البحر. لاحت رقعة خضراء. لماذا لا يهبط بها لتتنسّم الأريج وتستحم بالندى؟ لبّاها.. حط بها وانتظر. تمطّت.. مشت بين الأشجار والزروع.. جنّة أرضية بسواق من الماس، بعيداً عنها مخلوقات بشرية سوداء كبيرة وصغيرة. مشت إليهم.. اقتربت منهم صارت بينهم، أجسادهم عارية، عظامهم ناتئة أسنانهم بارزة، يزرعون ويقلعون، وفي العيون حُلكة وألم، وفي النفوس صدود وحذر، نسخ مكررة لشكل واحد وأحجام مختلفة. البعض له أثداء مستطيلة ذاوية يتعلّقها أطفال فتكاد تنقطع. مخلوقات أو ثلاثة شقر الوجوه ممتلئوا الأجساد، قساة العيون، في أيديهم سياط وفي أرجلهم (بساطير) لم تستطع التواصل. حذر، وخوف من هؤلاء، وقسوة وعجرفة من أولئك. خبا نورها تلفتت تستدعيه طائعاً حملها وطارا من جديد. ما زال الفضاء رحيباً... مزروعاً بالنجوم، مفروشاً بالسلام، مزهواً بالقمر، واعداً بضياء الفجر. ها.. رقعة لم تستطع تحديد لونها تضج بالحياة، أطفال يتقافزون ويتراشقون بأشياء كبيرة وصغيرة، يلوّحون بأشرطة ملونة ألعاب نارية ومتفجرات "إنه العيد" اشتاقت ليوم عيد، مئات من السنين مرّت من غير عيد. لبّى شوقها تجمدت وتقلّصَ كيانها.. الأطفال يرشقون الكبار بالحجارة ويهربون.. عيون الأطفال غريبة، سواعدهم قوية، ركضهم سريع، والكبار مدججون بالسلاح، في عيونهم شر، يطلقون النار.. يفجرون الدخان، يلحقون بالصغار يمرّغون النساء.. نادته عيناها، بعيداً طار بها.. بللّته دموعها.. نفض ريشه واعداً إياها بلغته الصامتة أن يمسح دمعها. جاب الفضاء باحثاً عمّا يبعث الفرح، لاحت له رقعة حمراء لامعة ياقوتية اللون، بهيج منظرها، اقترب منها هابطاً إنها صغيرة حمراء سيجعلها تستحم بها لتنسى.. حين صارا على الأرض الياقوتية، جفل طائرها وذعرت هي، ارتجفت أوصالها/ إنه الدم/ سواقي عديدة تتجمع في نهرين لا نهاية لهما، ومن العمق، صوت يصم الآذان لأطفال لا مرئييّن يصرخون بوجع ترتيلة غريبة /دم الولادة دم الموت - دم الولادة دم الموت.../ التصقت بطائرها هصرته، فهمها وبصعوبة حاول الارتفاع صار ثقيلاً.. ثقيلاً، وجسدها يثقل ويثقل.. لم تعد ترى رقعاً ملونة ولا ساحات عيد، رأت قصوراً وقبوراً، فقاعات آدمية على كراس دوّارة، شيوخاً يسرقون الحلوى من أيدي الأطفال، معلمين يعلمون تلاميذهم أن البقاء للأقوى، أباءً يبادلون العرائس بالدولارات، أمّهات يتاجرن بأرحامهن، ومحرقة كبيرة يرمى إليها بكل عتيق. وعلى الحجر الأول في المعبد القديم خارت قواه.. أفلتها.. شجّ رأسها وبعينين غائمتين رأت طائرها يتناثر نتفاً من نور غابت في التراب
في ذاك المكان المهيب، في ذاك المكان الأسطوري، في ذاك المكان المغرق في القدم.
في ذاك المكان ذي الأعمدة المنحوتة والتماثيل.
ساهمة متأملة، حاضرة غائبة، سافر بها الزمان بعيداً إلى الماضي السحيق، انتصبت أمامها، قوية وبهية، ابتسمت لها. أشارت إليها، نهضت مستلبة الإرادة، تبعتها بين الدهاليز والمتاهات.
وحيدتان هي وإياها صار المكان معتماً وبارداً، لم تعد ترى شيئاً لقد أضاعتها.. أضاعتها.
حزينة حزينة وحائرة حائرة، ملهوفة لاختراق العتم، تلوب في كل الاتجاهات باحثة عنها.
من قلب العتم اللامتناهي انبثق طائر نوراني نفذ إلى أعمق أعماقها. أهداها السكينة، غسلها بنوره، فصارت بلا وزن، بلا لون، بلا ذاكرة.. مخلوقاً نورانياً صارت.. لو كان لها جناحان..؟
حط الطائر أمامها داعياً إياها للسفر.. فهمها، لبّاها ذكّرها بما رد القمقم لكن شتان ما بين المارد وطائر النور.
عانق نوره نورها وارتفعا في الفضاء، والفضاء فسيح والفضاء جميل، عالم النجوم والغيوم، عالم الشمس والقمر، عالم السلام والسحر.
نور في الجسد.. سلام في الروح.. صفاء في النفس.. أآلهة هي أم بشر؟
أم طائر بلا اسم؟! لم يعد يهم.
بدت لها في الأرض البعيدة عنها رقع ملونة /رقعة زرقاء/ كانت الأولى /لو يحطّ بها طائرها؟/ وباللغة التي من غير كلام فهمها وأطاعها وهبط بها.
أزرق رحيب.. رائع ورائق.. عبر الرمال الناعمة مشت إليه.. فتح ذراعيه.. ارتمت بأحضانه.. طواها.. عرائس بحر.. أسماك ملونة.. ومجنحة..
عالم مبهر، فرحت بداية ورويداً، تقلّصت فرحتها قليلاً قليلاً ثم تلاشت.
أسماك كبيرة تلتهم أُخرى صغيرة، مخلوقات أخطبوطية تشّل أخرى مسالمة.
أعشاب تبدو جميلة تتعلق عرائس البحر.. تغرقها... أشداق واسعة لمخلوقات بحرية مخيفة تلتهم كل ما تراه وما لا تراه.
ضاقت أنفاسها، تطلعت إلى فوق، رفرف طائرها، انجذبت إليه نفضت عنها بقايا الماء تنشّفت بالنسيم وباللغة ذاتها اتفقا على الرحيل.
غادرت ذاكرتها آخر الأسماك وآخر عرائس البحر.
لاحت رقعة خضراء.
لماذا لا يهبط بها لتتنسّم الأريج وتستحم بالندى؟
لبّاها.. حط بها وانتظر.
تمطّت.. مشت بين الأشجار والزروع.. جنّة أرضية بسواق من الماس، بعيداً عنها مخلوقات بشرية سوداء كبيرة وصغيرة.
مشت إليهم.. اقتربت منهم صارت بينهم، أجسادهم عارية، عظامهم ناتئة أسنانهم بارزة، يزرعون ويقلعون، وفي العيون حُلكة وألم، وفي النفوس صدود وحذر، نسخ مكررة لشكل واحد وأحجام مختلفة.
البعض له أثداء مستطيلة ذاوية يتعلّقها أطفال فتكاد تنقطع.
مخلوقات أو ثلاثة شقر الوجوه ممتلئوا الأجساد، قساة العيون، في أيديهم سياط وفي أرجلهم (بساطير) لم تستطع التواصل.
حذر، وخوف من هؤلاء، وقسوة وعجرفة من أولئك. خبا نورها تلفتت تستدعيه طائعاً حملها وطارا من جديد.
ما زال الفضاء رحيباً... مزروعاً بالنجوم، مفروشاً بالسلام، مزهواً بالقمر، واعداً بضياء الفجر.
ها.. رقعة لم تستطع تحديد لونها تضج بالحياة، أطفال يتقافزون ويتراشقون بأشياء كبيرة وصغيرة، يلوّحون بأشرطة ملونة ألعاب نارية ومتفجرات "إنه العيد" اشتاقت ليوم عيد، مئات من السنين مرّت من غير عيد.
لبّى شوقها تجمدت وتقلّصَ كيانها.. الأطفال يرشقون الكبار بالحجارة ويهربون..
عيون الأطفال غريبة، سواعدهم قوية، ركضهم سريع، والكبار مدججون بالسلاح، في عيونهم شر، يطلقون النار.. يفجرون الدخان، يلحقون بالصغار يمرّغون النساء..
نادته عيناها، بعيداً طار بها.. بللّته دموعها.. نفض ريشه واعداً إياها بلغته الصامتة أن يمسح دمعها.
جاب الفضاء باحثاً عمّا يبعث الفرح، لاحت له رقعة حمراء لامعة ياقوتية اللون، بهيج منظرها، اقترب منها هابطاً إنها صغيرة حمراء سيجعلها تستحم بها لتنسى..
حين صارا على الأرض الياقوتية، جفل طائرها وذعرت هي، ارتجفت أوصالها/ إنه الدم/ سواقي عديدة تتجمع في نهرين لا نهاية لهما، ومن العمق، صوت يصم الآذان لأطفال لا مرئييّن يصرخون بوجع ترتيلة غريبة /دم الولادة دم الموت - دم الولادة دم الموت.../ التصقت بطائرها هصرته، فهمها وبصعوبة حاول الارتفاع صار ثقيلاً.. ثقيلاً، وجسدها يثقل ويثقل..
لم تعد ترى رقعاً ملونة ولا ساحات عيد، رأت قصوراً وقبوراً، فقاعات آدمية على كراس دوّارة، شيوخاً يسرقون الحلوى من أيدي الأطفال، معلمين يعلمون تلاميذهم أن البقاء للأقوى، أباءً يبادلون العرائس بالدولارات، أمّهات يتاجرن بأرحامهن، ومحرقة كبيرة يرمى إليها بكل عتيق.
وعلى الحجر الأول في المعبد القديم خارت قواه.. أفلتها.. شجّ رأسها وبعينين غائمتين رأت طائرها يتناثر نتفاً من نور غابت في التراب