الوقت.. الإطار الثمين الذي كسرناه
الناقل :
heba
| المصدر :
www.muslema.com
يحكى أنّه كان للألمان مثل في القرن السابع عشر مؤدّاه أنّهم كلّما تحدّثوا عن شخص منضبط وغاية في الالتزام بمواعيده يقولون: هذا الشخص يحترم الأوقات مثل العربيّ، وقد يكون مردّ هذه المقولة أنّ الألمان لاحظوا أنّ العرب المسلمين يحترمون يوميّا أوقات الصلاة، وأنّ الأذان يُقام في أوقات مضبوطة محدّدة ودقيقة، وأنّ الإفطار في رمضان والإمساك محدّدان بالدقائق إن لم نقل بالثواني!
يحكى أنّه كان للألمان مثل في القرن السابع عشر مؤدّاه أنّهم كلّما تحدّثوا عن شخص منضبط وغاية في الالتزام بمواعيده يقولون: هذا الشخص يحترم الأوقات مثل العربيّ، وقد يكون مردّ هذه المقولة أنّ الألمان لاحظوا أنّ العرب المسلمين يحترمون يوميّا أوقات الصلاة، وأنّ الأذان يُقام في أوقات مضبوطة محدّدة ودقيقة، وأنّ الإفطار في رمضان والإمساك محدّدان بالدقائق إن لم نقل بالثواني!
ما أَكثر الذين يتحدّثون اليوم في واقعِنا عن الفارقِ بين (قيمةِ الوقتِ) عند أفرادِ المجتمعاتِ الغربيّة وبين قيمته ومعناه لدينا. يخطئ البعض عندما يظنون أنّ الشعوبَ المنضبطة في تعاملها مع الوقت هي مجردُ شعوبٍ منظّمة ودقيقة، بل الأمر أكبر وأعمق وأوسع وأخطر بكثير من مجرّد فارق بين (شعوبٍ دقيقةٍ في مسألةِ الوقتِ) و(شعوبٍ أقلّ دقّة في التعاملِ مع الوقتِ). فالحقّ أنّ المجتمعاتِ الأخرى ترى أنّ الوقتَ هو الإطارُ الذي من خلالِه تتمّ الخططُ وتُنفّذ وتعدّ المشروعات وتُحوّل من فكرةٍ إلى واقعٍ؛ فالوقتُ هو إطار كلّ شيء: إطار كلّ فكرةٍ… وإطار كلّ مشروعٍ… وإطار كلّ خطةٍ… وإطار كلّ برنامج… وإطار كلّ إصلاحٍ… بل وإطار كلِّ التطوراتِ الإقتصاديّةِ والعلميّةِ والتعليميّةِ والثقافيّةِ والإجتماعيّة.
وبالتالي فإنّ من لا يعرف قيمةَ الإطارِ لا يعرف بالضرورةِ قيمةَ أيّ شيء يمكن أن يحتويه هذا الإطارُ.
ولهذا فإنّ اهتمامهم بالوقت واكب نهضتهم الاقتصاديّة والصناعيّة بينما الكثيرون في مجتمعِنا يظنّون أنّ تقدير الوقتِ واحترامَه والإلتزامَ بالمواعيدِ هو مجرّد (طبع) يتّسم به البعضُ ولا يتّسم به آخرون: وهذه زلّةٌ فكريّةٌ متكاملةُ الأركان، فغياب تقديرالوقتِ ولزوميّة أن تكون كلُ الأفكارِ والمشروعاتِ والخططِ والبرامج في ظلّ أُطرٍ زمنيّةٍ هو شرخٌ في المصداقيّةِ والكفاءةِ لا علاقةَ له بالطباع: فالناسُ لا يولدون بطبعٍ يقدّر الوقت ويحترمه وينظر للمواعيدِ وكأنّها مواقيتٌ سماويّةٌ وآخرون على خلاف ذلك. وإنّما نحن بصدد مُناخٍ ثقافيٍّ عامّ من فرطِ فقرِه في تقدير الوقت والمواعيد والأُطر الزمنيّة أصبح يفرز فكرة خاطئة جوهرها أنّ الذين يتشدّدون في المواعيد والوقت هم أصحابُ طبعٍ معيّن جُبلوا عليه بينما الآخرون مختلفون (وكأنّنا بصدد مجرّد إختلاف وتنوّع لا ينُمّان عن رقيٍّ في حالةٍ وتدهورٍ في الأُخرى).
إنّ تقدير الوقتِ واحترامَه وتأسيسَ كلّ أَنشطةِ الإنسان والمؤسّساتِ والمجتمعِ بأسرِه على أساسِ أُطرٍ زمنيّةٍ تحترم الوقت هو ليس مجرد (طبع لدى البعض) أو (إحدى السجايا أو حتّى المزايا الشخصيّة).
في مجتمعاتنا وصل التدهور القيّميّ للوقت عند البعض لحدّ أن أصبح التأخّرُ رمزاً للقيمةِ العالية للشخص، فالأشخاصُ الكبارُ والمهمّون وأصحاب القوّة والمكانة من حقِهم أن يكونوا متأخّرين كيفما بدا لهم وعلى الناسِ أن ينتظروهم (!!) ، فهم مهمّون وأصحاب مسؤوليّات واسعة وعلى الآخرين أن يقبلوا ذلك (!!!) وخصوصاً حينما يصدر ذلك من نخبة القوم كالدعاة والعلماء والمسؤولين في المجتمع بصورة عامّة بل إنّنا أصبحنا نرى في الالتزام بالعمل ولو بمواعيد فائتة غنيمة كبرى إلى الحدّ الذي ذاع فيه المثل المشهور( ما صيّف من جا !!)
نحن قوم اشتهرنا بكثرة اقتنائنا للساعات لا لمعرفة الوقت والعناية به وإنّما غالباً للمباهاة ولنا خاصيّة بين سائر الشعوب باقتناء الساعات باهضة الثمن، لا لشيء إلا لجمال المظهر، واكتمال الشخصيّة، فتجد أنّ النساء بالذات يقتنين أكثر من ساعة، وبأكثر من لون لتناسب لون الفستان أو نوع المناسبة، فساعة للزواج وساعة للسهرات الخاصة، وهكذا حتى أنّنا نعرف ماركات الساعات وموديلاتها أكثر من بقيّة الشعوب.
وكأنّنا بذلك أحرص الناس على ضبط الوقت، والاستفادة منه. لكنّ الغالبيّة العظمى لا تهتمّ بالوقت، وتوجد لنفسها مبرّراً ولو كان خاطئاً.
كلّنا نقرّ ونعرف أنّ الإسلام عني بالوقت عناية فائقة، ولا داع للتفصيل، فقد جعل الله للصلاة وقتا لاتصحّ إلا فيه، وللحجّ وقتا لايصحّ إلا فيه ، وللصيام وقتا كذلك، وهكذا، فديننا فرض علينا أهميّة العناية بالوقت واحترامه، وتقدير الدقائق والثواني من عمر الإنسان. ومع ذلك فإنّ العتب على نخبة القوم من علماء ودعاة أشدّ وأقسى، ذلك أنّهم يمثّلون للمجتمع قيمه النبيلة وأخلاقه العالية ..فمتى نرى في أوقاتنا مشروعاً للوقت..إنّه مشروع حياة وعمر أمّة..فهلاّ تنبّهنا؟
المصدر موقع رسالة المرأة