كسوة الكعبة المشرفة.. شرف سعى إليه الجميع!
علاء المنشاوي
كسوة الكعبة... كلمات ارتبطت ببيت الله العتيق، مما أضفى عيها هالة من الإكبار، تقديسا لبيت الله الحرام، فتسابق الملوك والأمراء على شرف إعدادها وتصنيعها، متخذين من ذلك قربة إلى الله عز وجل، لأنها كسوة لمكان عظمه الله عز وجل.
وكسوة الكعبة المعظمة هي ما يتخذ من الثياب للستر والحلية فوقها.
وقد مرت كسوة الكعبة منذ بناها سيدنا إبراهيم وابنه إسماعيل عليهما السلام بأطوار مختلفة ارتبطت بعوامل اجتماعية واقتصادية مختلفة، غير أن الوازع المشترك في نية الكسوة هو التقديس لهذا البيت الحرام والتقرب من الله سبحانه وتعالى.
الكسوة الشريفة من أهم مظاهر التبجيل والتشريف لبيت الله الحرام، ويرتبط تاريخ الكسوة بتاريخ الكعبة نفسها؛ لذلك اهتم المسلمون بكسوة الكعبة المشرفة، وصناعتها، والإبداع فيها، وتسابقوا لهذا الشرف العظيم حتى جعلوا يوم تبديلها من كل عام احتفالاً مهيباً لا نظير له..
فما قصة هذه الكسوة المشرفة التي برع في صناعتها أكبر فناني العالم الإسلامي؟
كسوة الكعبة قبل الإسلام
تذهب بعض المصادر التاريخية إلى أن إسماعيل - عليه السلام - هو أول من كسا الكعبة، والبعض الآخر يذهب إلى أن عدنان جد النبي - صلى الله عليه وسلم - الأعلى هو أول مَن كساها، غير أن الثابت تاريخيًّا أن أول مَن كساها هو "تبع أبي كرب أسعد" ملك حمير سنة 220 قبل الهجرة بعد عودته لغزوة يثرب.
روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه نهى عن سب تُبَّع ملك حمير بقوله: "لا تسبوا تبعا، فإنه كان قد أسلم"، (رواه أحمد في مسنده عن سهل بن سعد).
وكان تُبّع هو أول مَن كسا الكعبة كسوة كاملة.. كساها "الخصف"، وتدرج في كسوتها حتى كساها "المعافير" وهي كسوة يمنية، كما كساها "الملاء" وهي كسوة لينة رقيقة، وعمل لها باباً ومفتاحاً، ثم تبعه خلفاؤه من بعده فكانوا يكسونها "الوصايل"، وهي أثواب حمر مخططة، و"العصب" وهي أثواب يمنية يعصب غزلها؛ أي: يجمع ويشد.
وأخذ الأمراء في تقديم الهدايا إليها من الأكسية المختلفة، وكلما جاءت كسوة طرحت سابقتها، إلى أن جاء عهد "قصي بن كلاب"؛ ففرض على القبائل رفادة كسوتها سنويًّا، وما زالت قريش تقوم بكسوة الكعبة حتى زمن "أبي ربيعة بن المغيرة المخزومي" وكان من الأثرياء، فقال لقريش: أنا أكسو الكعبة وحدي عاماً وجميع قريش عاماً، فوافقت قريش، وسمي بذلك "العدل"؛ لأنه عدل بفعله قريشاً كلها.
أما أول امرأة كست الكعبة في الجاهلية فهي "نبيلة بنت حباب" أم العباس بن عبدالمطلب، وكانت قد نذرت ذلك.
من المعلوم أن الكعبة قبل الإسلام كانت تُكسى في يوم عاشوراء، ثم صارت تُكسى في يوم النحر، وصاروا يعمدون إليها في ذي القعدة فيعلقون كسوتها إلى نحو نصفها، ثم صاروا يقطعونها فيصير البيت كهيئة المحرم، فإذا حل الناس يوم النحر كسوها الكسوة الجديدة.
الكسوة بعد الإسلام
لم يتح لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - كسوة الكعبة إلا بعد فتح مكة، فكساها هو وأبو بكر الصديق بالثياب اليمنية، ثم كساها عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان "القباطي المصرية"، وهي أثواب بيضاء، رقيقة كانت تُصنَع في مصر.
ولقد حظيت مصر بشرف صناعة كسوة الكعبة منذ أيام أمير المؤمنين عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -؛ حيث كتب إلى عامله في مصر لكي تحاك الكسوة بالقماش المصري المعروف باسم "القباطي" الذي كان يصنع في مدينة الفيوم، وقد تعددت أماكن صناعة الكسوة مع انتقال العاصمة في مصر من مدينة إلى أخرى حتى انتهى الأمر إلى مدينة القاهرة المُعزِّيَّة، بأن تأسست دار كسوة الكعبة بحي "الخرنفش" في القاهرة عام 1233هـ، وهو حي عريق يقع عند التقاء شارع بين الصورين وميدان باب الشعرية، وما زالت هذه الدار قائمة حتى الآن، وتحتفظ بآخر كسوة صنعت للكعبة المشرفة داخلها، واستمر العمل في دار الخرنفش حتى عام 1962 ميلادية؛ إذ توقفت مصر عن إرسال كسوة الكعبة لما تولت المملكة العربية السعودية شرف صناعتها.
وفي عام 1346 هـ 1926م أصدر الملك عبدالعزيز آل سعود أمراً ملكيًّا بتشييد مصنع أم القرى الخاص بصناعة الكسوة الشريفة، وجلب له أبرع الفنيين والعمال المهرة، وفي عام 1382هـ صدر مرسوم بتجديد المصنع، واستمر إنتاجه حتى عام 1977م، وافتتح الملك عبدالعزيز مقرًّا جديداً في أم الجود الذي يؤدي رسالته مواكباً للتطور العلمي والفني، ويتكون المصنع من ستة أقسام، هي: الحزام والنسيج اليدوي والصباغة والنسيج الآلي والطباعة والستارة الداخلية.
مواقيت تغييرها
ومن المعلوم أن الكعبة تستبدل ثوبها مرة واحدة كل عام، فيما يتم غسلها مرتين سنويا: الأولى في شهر شعبان، والثانية في شهر ذي الحجة. ويستخدم في غسلها ماء زمزم، ودهن العود، وماء الورد، ويتم غسل الأرضية والجدران الأربعة من الداخل بارتفاع متر ونصف المتر، ثم تجفف وتعطر بدهن العود الثمين، وهذا الطِّيب يقدم هدية من خادم الحرمين الشريفين.
وأوضح المشرف العام على مصنع كسوة الكعبة المشرفة زياد بن محيي الدين خوجة نقلته وكالة الأنباء السعودية أن أهم أقسام المصنع قسم الحزام، وقسم الخياطة، وقسم المصبغة، وقسم الطباعة، وقسم النسيج الآلي واليدوي، حيث يعمل في تلك الأقسام أكثر من 214 عاملاً سعودياً من الطاقات السعودية المؤهلة والمدربة، بالإضافة إلى أن المصنع يقوم بإنتاج الكسوة الداخلية للكعبة.
وأضاف أنه في شهر رمضان يزداد الاهتمام بصيانة ثوب الكعبة المشرفة، وذلك لكثرة الزحام وتعرض الثوب للاحتكاك به، حيث أولت إدارة المصنع جل اهتمامها في المحافظة على ثوب الكعبة المشرفة، وذلك بتكليف عدد من الموظفين بصيانة الثوب على مدار الساعة لملاحظة أي تمزق للثوب وإصلاحه.
وفي عام 1927 أصدر الملك الراحل عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود أمرا بإنشاء دار خاصة لصناعة كسوة الكعبة في أم الجود بمدينة مكة. وتم تجديد الدار عام 1977 حيث أقيم مصنع زود بالآلات الحديثة لتحضير النسيج.
وتم إحداث قسم للنسيج الآلي مع الإبقاء على أسلوب الإنتاج اليدوي لما له من قيمة فنية عالية. وما زال المصنع يواكب عجلة التطور ويحافظ على التراث اليدوي العريق لينتج الكسوة في أبهى صورها. حسبما ذكر موقع الحرم المكي.
مراحل تصنيع الكسوة المشرفة
تمر كسوة الكعبة المشرفة بعدة مراحل، تبدأ بالمرحلة الأولى وهي مرحلة الصباغة: التي تعد أولى مراحل إنتاج الثوب بالمصنع.
وذكر موقع "إسلام اون لاين" إن المرحلة الثانية هي مرحلة النسيج وهي تحويل الشِّلل الحريرية إلى أكوام ليتم تسديتها على ماكينة السداء. ثم تبدأ المرحلة الثالثة وهي مرحلة التصميم: حيث يقوم المصمم بعمل دراسات للزخارف والخطوط في الفن الإسلامي.
وبعد ذلك تبدأ المرحلة الرابعة وهي مرحلة الطباعة وفي هذا القسم يتم أولا تجهيز المنسوج، ثم يثبت عليه قماش حرير "أسود سادة" غير منقوش، وهو الذي يطبع عليه حزام الكسوة.
أما آخر مرحلة وهي مرحلة التطريز وهي عبارة عن التطريز بالأسلاك الفضية والذهبية للأشياء المكتوبة؛ حيث تمر هذه المراحل تحت المختبر الذي يقيس درجة ثبات اللون بالنسبة للعرق، ودرجة سُمك القماش.
وعقب جميع هذه المراحل يقام في موسم حج كل عام احتفال سنوي في مصنع كسوة الكعبة المشرفة يتم فيه تسليم كسوة الكعبة المشرفة إلى كبير سدنة بيت الله الحرام، ويقوم بتسليم الكسوة الرئيس العام لشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي الشريف كما يسلم كيس لوضع مفتاح باب الكعبة تم إنتاجه في المصنع.
ويستهلك الثوب الواحد (670) كجم من الحرير الطبيعي، ويبلغ مسطح الثوب (658) متراً مربعاً، ويتكون من (47) طاقة قماش طول الواحدة (14) متراً بعرض (95) سنتيمتراً، وتبلغ تكاليف الثوب الواحد للكعبة حوالي 17 مليون ريال سعودي؛ هي تكلفة الخامات وأجور العاملين والإداريين وكل ما يلزم الثوب. ويبلغ عدد العاملين في إنتاج الكسوة 240 عاملاً وموظفاً وفنياً وإداريًّا ويجري تبديله في التاسع من شهر ذي الحجة كل عام.
يقوم سدنة البيت العتيق، بتغيير كسوة الكعبة المشرفة القديمة واستبدالها بالثوب الجديد وذلك قبل يوم الحج؛ استعداداً لاستقبال الحجاج في صباح اليوم التالي، الذي يوافق العيد الأكبر للمسلمين عيد الأضحى المبارك.
وبعد إحضار الثوب الجديد، تبدأ عقب صلاة العصر مراسم تغيير الكسوة؛ حيث يبدأ المشاركون في عملية استبدال الكسوة، عبر سلم كهربائي بتثبيت قطع الثوب الجديد على واجهات الكعبة الأربعة على التوالي فوق الثوب القديم.
_____________