السلام عليكم ورحمة الله وبركاته شيخنا الكريم هل للحركة التي يفعلها القارئ أثناء قراءته أصلا في الدين وهل من سلفنا الصالح من فعل ذلك؟؟ يعني عندما أقرأ القرآن فأتحرك بصدري ورأسي من الأمام للخلف أو من اليمين لليسار حركة خفيفة؟ فقط أحببت أن أستفسر.. الجواب/ هذه الحركة لا أصل لها ، بل هي بدعة مُحدَثَة أحدثها دراويش المتصوّفة . وأما هدي السلف فهو كما ذَكَره الله تبارك وتعالى : ( إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ سُجَّدًا (107) وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنْ كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولاً (108) وَيَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا) . وقال عز وجلّ : (اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ) . قال ابن كثير في تفسير الآية السابقة : أي هذه صفة الأبرار عند سماع كلام الجبار المهيمن العزيز الغفار ، لِمَا يَفهمون منه من الوعد والوعيد ، والتخويف والتهديد ؛ تقشعر منه جلودهم من الخشية والخوف (ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ) لما يَرجون ويُؤمّلون من رحمته ولطفه ، فهم مخالِفون لغيرهم من الفجار من وجوه : أحدها : أن سماع هؤلاء هو تلاوة الآيات ، وسماع أولئك نغمات الأبيات من أصوات القينات . الثاني : أنهم إذا تُلِيتْ عليهم آيات الرحمن خروا سجدا وبكيا ، بأدب وخشية ورجاء ومحبة وفهم وعلم ... الثالث : أنهم يَلزمون الأدب عند سماعها ، كما كان الصحابة رضي الله عنهم عند سماعهم كلام الله تعالى من تلاوة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، تقشعر جلودهم ثم تلين مع قلوبهم إلى ذكر الله ، لم يكونوا يتصارخون ولا يتكلفون ما ليس فيهم بل عندهم من الثبات والسكون والأدب والخشية ما لا يلحقهم أحد في ذلك ، ولهذا فازوا بالمدح من الربّ الأعلى في الدنيا والآخرة . قال عبد الرزاق : حدثنا معمر قال : تلا قتادة رحمه الله (تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ) قال : هذا نَعْت أولياء الله ، نَعَتَهم الله عز وجل بأن تقشعر جلودهم ، وتبكي أعينهم ، وتطمئن قلوبهم إلى ذكر الله ، ولم ينعتهم بذهاب عقولهم والغشيان عليهم ، إنما هذا في أهل البدع ، وهذا من الشيطان . وقال الإمام القرطبي في تفسير آية الحج : (الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَالصَّابِرِينَ عَلَى مَا أَصَابَهُمْ وَالْمُقِيمِي الصَّلَاةِ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ) : هذه الآية نظير قوله تعالى : (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آَيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ) وقوله تعالى : (اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ) هذه حالة العارفين بالله الخائفين من سطوته وعقوبته ، لا كما يفعله جهال العوام ، والمبتدعة الطغام من الزعيق والزئير ، ومن النهاق الذي يشبه نهاق الحمير ! فيُقال لمن تَعَاطَى ذلك ، وزعم أن ذلك وَجْد وخشوع : إنك لم تبلغ أن تُساوي حال رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا حال أصحابه في المعرفة بالله تعالى ، والخوف منه ، والتعظيم لجلاله ، ومع ذلك فكانت حالهم عند المواعظ الفهم عن الله والبكاء خوفا من الله ، وكذلك وَصَف الله تعالى أحوال أهل المعرفة عند سماع ذِكره وتلاوة كتابه ، ومن لم يكن كذلك فليس على هديهم ، ولا على طريقتهم . قال الله تعالى : (وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنَا آَمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ) فهذا وَصْف حالهم ، وحكاية مَقَالِهم ، فمن كان مُسْتَناً فليستنّ ، ومن تَعَاطَى أحوال المجانين والجنون ، فهو من أخَسِّهم حالاً ، والجنون فنون !والله تعالى أعلم . المجيب الشيخ/ عبدالرحمن السحيم عضو مركز الدعوة والإرشاد