[ شَرحُ صِفَاتِ عِبَادِ الّرحمَنْ ] , اللهم اجعلنا منهم ...
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين وإله الأولين والآخرين وصلاة الله وسلامه ورحماته وبركاته على صفوة خلقه , وخاتم أنبيائه ورسله , سيدنا محمد وأله الطاهرين وصحابته أجمعين , ورحمة الله ومغفرته للتابعين , وتابعيهم بإحسان إلى يوم الدين وبعد . فقد قال الله تعالى في محكم تنزيله : (وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِين) (الذريات:55) وقال جل وعلا أيضاً : ( فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَنْ يَخَافُ وَعِيدِ ) (قّ:45) فهذه تذكرة يسيره تبين صفات عباد الرحمن الذين استحقوا دخول الجنان , لأنهم اتصفوا بصفات بينها الرحمن في سورة الفرقان فكانت هذه الوقفة نتأمل من خلالها صفات أولئك العباد ونقف مع كل صفة من صفاتهم , متدبرين لها متفكرين بها . متأملين فيها , لعلها تقودنا إلى أن نتأسى بهم ونتخلق بأخلاقهم ونسير على دربهم فنفوز كما فازوا وننجو كما نجوا . بينها ووضحها سبحانه في سورة الذاريات حينما قال : ( وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإْنْسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ ) فلم يخلق الله الثقلين لحاجة به إليهم , فإنه سبحانه هو الغني بذاته عن كل ما سواه ولكنه خلقهم سبحانه لحكمة عظيمة وهي أن يعبدوه ويعظموه , ويخشوه ويثنوا عليه سبحانه بما هو أهله , ويعلموا أسماءه وصفاته ويثنوا عليه بذلك , وليتوجهوا إليه بما يجب من الأعمال والأقوال , ويشكروه على إنعامه , ويصبروا على ما ابتلاهم به وليتفكروا في عظمته سبحانه ... ولنيل هذه العبودية سبيل أوضحه الله تعالى غاية الإيضاح , وطريق بينه سبحانه أتم ّ بيان , في كثير من الآيات قال تعالى : ( وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ) (الأنعام:153) وكما بين تعالى الطريق إليه , فقد بين كذلك سبحانه صفات السائرين في هذا السبيل , وفي سورة الفرقان بين سبحانه صفات عباده الذين أخلصوا له في العبادة. - لماذ سمّوا [ عباد الرحمن] ؟ سماهم الله تعالى عباداً له وأضافهم إلى اسمه سبحانه حينما قال عنهم : "وعباد الرحمن " فإذا أضيف الجمع إلى الله ناله الشرف وقد ذكرت كلمة عباد الرحمن في القرآن مرة واحدة في سورة الفرقان . وقد سماهم الله بهذا الاسم الكريم لأنهم أخلصوا في عبوديتهم لربهم الرحيم ووحدوا خالقهم وبارئهم السميع العليم , فلم تلههم الأموال عن ذكر الله , ولا الأولاد عن طاعة الله ولا دنياهم عن عبوديتهم لله , ربطوا قلوبهم بالله فإذا سمعوا أمر الله تعالى نفذوه على الفور وإذا سمعوا نهياً انتهوا على الفور حتى يفوزوا برضى الله والجنة , فيا ترى ما هي صفات عباد الرحمن أولئك ؟ إنها الصفات التي ذكرها الله سبحانه في كتابه الكريم فبين أحوالهم على ثلاث حالات : مع الناس أولاً .. ومع أنفسهم ثانياً .. ومع ربهم سبحانه وتعالى ثالثاً .. فإلى من يريد النجاة في هذه الحياة ... إلى من يريد النجاة يوم القيامة إلى من يريد أن ينال رضى الله تعالى في هذه الدنيا وفي الآخرة إلى كل من يطمح للوصول إلى أعلى الدرجات في الجنان تمسكوا بصفات عباد الرحمن .. . قال تعالى: { وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا} ( 1 ) التواضـــع : وله نوعان : أ_ التواضع لدين الله : قال تعالى : { فَادْخُلُواْ أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَلَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ } (النحل:29) ب_ التواضع لعباد الله : قال تعالى : { وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ } (الشعراء:215) * نماذج من تواضع السّلف : قال عروة بن الزبير رضي الله عنهما: رأيت عمر بن الخطاب رضي الله عنه على عاتقه قربة ماء، فقلت: يا أمير المؤمنين، ألا ينبغي لك هذا. فقال: (لما أتاني الوفود سامعين مطيعين - القبائل بأمرائها وعظمائها - دخلت نفسي نخوة، فأردت أن أكسرها). يقول الشافعي رحمه الله : "أرفعُ الناس قدرًا من لا يرى قدرَه، وأكبر النّاس فضلاً من لا يرى فضلَه" [أخرجه البيهقي في الشعب (6/304)]. يقول علي بن الحسن: عجبت للمتكبر الفخور الذي كان بالأمس نطفة ثم هو غدا جيفة، وعجبت كل العجب لمن شك في الله وهو يرى خلقه، وعجبت كل العجب لمن أنكر النشأة الأولى، وعجبت كل العجب لمن عمل لدار الفناء وترك دار البقاء . قال تعالى : { وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا } ( 2) الحلــــم : والحلم هو : ضبط النفس عند هيجان الغضب، فيكظمون ما في القلوب من الغيظ، ويصبرون عند مقابلة المسيء إليهم، ويحتسبون ذلك في سبيل الله، حتى ينالوا رضى الله تعالى والجنة. ولنعلم أن الرجل المؤمن إذا جهل عليه جاهل أو سفه عليه سفيه أو سابّه سابّ فأعرض عنه, فإن الله يؤيده بملك يدافع عنه ويرد بدلاً منه؛ لأن الله أخذ على نفسه عهدًا ليدافعنّ عن الذين آمنوا, . فقال سبحانه : ( إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا ) * نماذج من حلم السّلف : _ قال رجل لوهب بن منبه _ أحد السلف _ : إن فلانا شتمك فقال : اما وجد الشيطان بريدا غيرك ! _ دخل عمر بن عبد العزيز المسجد ليلة في الظلمة فمر برجل نائم فعثر به فرفع رأسه وقال أمجنون أنت ؟ فقال عمر لا: فهم به الحرس فقال عمر: مه إنما سألني أمجنون فقلت لا . ( وفقنا الله واياكم لما يحب ويرضى )