الحكومات واقتصاديات مكافحة التبغ
الناقل :
elmasry
| الكاتب الأصلى :
ayooooh4
| المصدر :
www.arabs2day.ws
الحكومات واقتصاديات مكافحة التبغ
موجز
يودي التبغ بالفعل بكل واحد من عشرة بالغين في جميع أنحاء المعمورة. وستبلغ تلك النسبة، بحلول عام 2030 أو قبيل ذلك بقليل، واحدا من كل ستة بالغين أي عشرة ملايين حالة وفاة كل عام وذلك يفوق أي سبب آخر مفرد من أسباب الوفاة. واذا كان هذا الوباء المتمثل في الاصابة بالأمراض المزمنة والموت قبل الأوان ينزل، حتى الآونة الأخيرة، بالبلدان الغنية فان عدواه بدأت تتحول الآن وبسرعة الى العالم النامي. ذلك أن سبعة من كل عشرة أشخاص سيقضي عليهم التدخين بحلول عام 2020 سينتمون الى البلدان ذات الدخل المنخفض والمتوسط.
لماذا وضع هذا التقرير؟
قليل هم الذين يمارون في أن التدخين يضّر بصحة البشر وفي أن أبعاد هذا الضرر عالمية. غير أن العديد من الحكومات قد تفادى اتخاذ تدابير لمكافحة التدخين مثل فرض الضرائب الباهظة أو الحظر الشامل على الاعلان عن منتجات التبغ والترويج لها أو تقييد حرية التدخين في الأماكن العمومية، وذلك مخافة أن يكون لتدخلاتها آثار اقتصادية ضارة. فهناك، على سبيل المثال، بعض راسمي السياسات الذين يخشون أن يؤدي تراجع مبيعات السجائر الى فقدان الآلاف من فرص العمل بشكل دائم أو أن يفضي فرض ضرائب أثقل الى انخفاض ايرادات الحكومات أو أن تعني زيادة الأسعار التشجيع على تهريب السجائر بكميات ضخمة.
يدرس هذا التقرير المسائل الاقتصادية التي يجب على راسمي السياسات التصدي لها عند التفكير في مكافحة التبغ. وفيه سؤال عما اذا كان المدخن على علم بالمخاطر التي يتعرض لها ويتحمل تكاليف اختياراته الاستهلاكية أم لا، كما يستكشف الخيارات المتاحة أمام الحكومات اذا قررت أن هناك ما يبرر تدخلها في هذا المضمار. ويقيم التقرير ما لمكافحة التبغ من آثار متوقعة على الصحة والاقتصاد والناس. وهو يقيم البرهان على أن المخاوف الاقتصادية التي صدت راسمي السياسات عن اتخاذ اجراءات لا أساس لها في حالات كثيرة. فالسياسات القاضية بخفض الطلب على التبغ مثل تقرير زيادة الضرائب المفروضة عليه ليس من شأنها أن تفضي الى خسائر طويلة الأمد في فرص العمل في الغالبية العظمى من البلدان، كما ليس من شأن فرض المزيد من الضرائب أن يؤدي الى انحسار الايرادات منها بل أن من شأن تلك الايرادات أن ترتفع في المدى المتوسط، وبامكان مثل هذه السياسات، اجمالا، أن تعود بفوائد صحية غير مسبوقة دون الحاق أي ضرر بالاقتصاد.
* * *
الاتجاهات الراهنة
يبلغ عدد المدخنين 1.1 مليار نسمة في جميع أنحاء العالم. ومن المتوقع أن يتجاوز ذلك العدد 1.6 مليار نسمة عام 2025. وقد سجل معدل التدخين في البلدان المرتفعة الدخل، تدنيا عاما لمدة عقود على الرغم من أنه آخذ في الارتفاع بين بعض الفئات من السكان، أما في البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل فان تعاطي السجائر آخذ في الازدياد. ذلك أن حرية الاتجار بالسجائر قد ساهمت في زيادة الاستهلاك في تلك البلدان في السنوات القليلة الماضية.
معظم المدخنين يبدأون بالتعاطي وهم أحداث، حيث يبدأ ثمانية من كل عشرة منهم ذلك وهم أيفاع في البلدان المرتفعة الدخل. واذا كان معظم المدخنين في البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل يبدأون هذه العادة في أوائل العشرينات من العمر فان مرحلة الشروع في التعاطي بدأت تتدنى في تلك البلدان. وهناك احتمالات أكبر، في معظم البلدان اليوم، بأن يتعاطى الفقراء التدخين لا الأغنياء.
العواقب الصحية
ان العواقب الصحية المترتبة على التدخين ذات شقين. أولهما أن المدخن يصبح مدمنا على النيكوتين بسرعة. والخاصيات الادمانية للنيكوتين جيدة التوثيق الا أن متعاطي التبغ لا يقدرها حق قدرها في كثير من الأحيان. وتشير دراسات أجريت في الولايات المتحدة بين طلاب السنة النهائية في المدارس الثانوية الى أن أقل من اثنين من بين خمسة مدخنين يظنون أنهم سيهجرون عادة التدخين في غضون خمس سنوات يقلعان فعلا عن تلك العادة. ويقول حوالى سبعة من أصل عشرة مدخنين في البلدان المرتفعة الدخل بأنهم يأسفون للبدء في تعاطي التبغ ويودون لو يقلعون عن ذلك. وقد تجمع في البلدان المرتفعة الدخل، على مدى عقود من الزمن ومع تزايد المعارف عدد ضخم من قدماء المدخنين الذين هجروا عادة التدخين بنجاح. الا أن المحاولات الفردية للانقطاع قليلا ما تتكلل بالنجاح فمن بين أولئك الذين يحاولون ذلك بدون مساعدة من برامج الانقطاع عن التدخين يعود 98% منهم الى التدخين في غضون عام واحد. أما هجر عادة التدخين فنادرة في البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل.
والتدخين يسبب مرضا قاتلا وموهنا كما أن احتمالات حدوث الوفاة من جرائه قبل الأوان بالغة الارتفاع بالمقارنة مع سائر السلوكيات المحفوفة بالخطر. ونصف مجموع المدخنين لمدد طويلة سيقضي عليهم التبغ في نهاية المطاف، ونصف هؤلاء سيموتون في مرحلة الكهولة المنتجة ويخسرون 20 الى 25 عاما من أعمارهم. والأمراض المرتبطة بالتدخين جيدة التوثيق وهي تشمل سرطانات الرئة وسائر أجهزة الجسم ومرض القلب الاقفاري وباقي أمراض الدورة الدموية، والأمراض التنفسية مثل النفاخ (الامفيزيما). وفي المناطق التي ينتشر فيها مرض السل، يواجه المدخنون احتمالات خطر أكبر مما يواجهه غير المدخنين من الموت بسبب هذا المرض.
ولما كان من الأرجح أن يتعاطى الفقراء التدخين بأعداد تفوق أعداد الأغنياء فان احتمالات موتهم قبل الأوان لأسباب تتعلق بالتدخين أكبر أيضا. ويبلغ عدد الرجال الذين ينتمون الى أدنى الفئات الاجتماعية الاقتصادية والذين من المحتمل أن يموتوا في منتصف العمر في البلدان المرتفعة والمتوسطة الدخل ضعف عدد أولئك الذين ينتمون الى أعلى الفئات ويستأثر التدخين بنصف تلك النسبة على الأقل.
ويؤثر التدخين كذلك في صحة غير المدخنين. فالأطفال الذين يولدون لأمهات مدخنات يكون وزنهم عند الميلاد أشد انخفاضا من غيرهم من الأطفال وهم يواجهون مخاطر أكبر فيما يتعلق بالاصابة بالأمراض التنفسية ومن الأرجح أن يموتوا نتيجة لمتلازمة موت الرضع الفجائي على خلاف الأطفال الذين يولدون لأمهات غير مدخنات. أما الكبار من غير المدخنين فانهم معرضون لاحتمالات ضئيلة ولكنها متزايدة للاصابة بأمراض قاتلة ومسببة للعجز نتيجة لاستنشاق دخان السجائر التي يدخنها مجالسوهم.
هل يعرف المدخنون المخاطر التي يتعرضون لها وهل يتحملون تكاليفها؟
ترى النظرية الاقتصادية الحديثة أن المستهلكين هم، في العادة، أفضل من يقرر كيفية انفاق مالهم على السلع والخدمات. ويقوم مبدأ سيادة المستهلك هذا على بعض الافتراضات: أولها أن المستهلك يقوم باختيارات عقلانية مستنيرة بعد الموازنة بين تكاليف مشترياته والفوائد التي يجنيها منها، وثانيها أن المستهلك يتكبد كل التكاليف الناجمة عن الاختيار. وعندما يمارس كل المستهلكين حقهم السيادي بهذه الطريقة، مع معرفة المخاطر التي قد يتعرضون لها والتكاليف التي يتحملونها في هذا الصدد فان موارد المجتمع ترصد، عند ذاك ومن الناحية النظرية، بطريقة تتسم بالكفاءة قدر الامكان. ويعالج هذا التقرير الحوافز التي تحث المستهلكين على التدخين ويتساءل عما اذا كان الاختيار الذي يقومون به للاقبال على التدخين مشابها لباقي الاختيارات في مجال الاستهلاك أم لا، وعما اذا كان هذا الاختيار يفضي الى تخصيص موارد المجتمع بشكل يتسم بالكفاءة أم لا، قبل مناقشة الآثار المترتبة على هذا بالنسبة للحكومات.
من الواضح أن المدخنين يجدون منافع في التدخين مثل حصول اللذة وتجنب منغصات الانقطاع الكامل عن تعاطي التبغ، وهم يوازنون هذين الأمرين بالتكاليف الناجمة عن الاختيار الذي يقومون به. وبهذه الطريقة فان كفة المنافع التي يجدها المدخنون ترجح كفة التكاليف التي يتحملونها والا فانهم لن يدفعوا أموالهم من أجل التدخين. غير أنه يبدو أن اختيار التدخين قد يختلف عن اختيار شراء سائر السلع الاستهلاكية بثلاث طرق محددة.
أولاها أن هناك قرائن تدل على أن هناك كثيرا من المدخنين لا يدركون تمام الادراك المخاطر الكبرى الناجمة عن المرض والموت قبل الأوان والتي تنجّر عن الاختيار الذي يقومون به. فالكثير من المدخنين، في البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل، قد لا يعرفون، بكل بساطة، أي شيئ عن تلك المخاطر. وفي الصين على سبيل المثال، كان هناك في عام 1996، 61 في المائة من المدخنين الذين طرح عليهم سؤال لمعرفة ما اذا كان التدخين مضرا أو لا، يرون أن التبغ لا يسبب لهم "الا ضررا طفيفا أو لا يسبب لهم أي ضرر". وفي البلدان المرتفعة الدخل يعلم المدخنون أنهم معرضون لمخاطر متزايدة ولكنهم يرون أن حجم تلك المخاطر ليس مستحكما أو أنه أقل من الحجم الذي يراه غير المدخنين، كما أنهم يهونون من وثاقة صلة تلك المخاطر بما يمسهم شخصيا.
وثانيها أن التدخين يبدأ، في الأحوال العادية، في مرحلة المراهقة أو بداية الكهولة. والشباب ليست لهم القدرة، حتى ولو تم تزويدهم بالمعلومات، على استخدام تلك المعلومات في اتخاذ القرارات الصائبة. وقد يكون الشباب أقل ادراكا من البالغين للخطر الذي يشكله التدخين على صحتهم. كما أن معظم المنخرطين الجدد في سلك المدخنين وغيرهم من الذين قد يتعاطون التدخين لا يقدرون المخاطر التي يتعرضون لها فيما يخص الادمان على النيكوتين حق قدرها. ونتيجة لذلك فانهم لا يقدرون حق التقدير تكاليف التدخين في مستقبل حياتهم أي تكاليف عدم القدرة، في أواخر العمر، على العدول عن قرارهم الذي اتخذوه في شبابهم بالتدخين. وتعترف المجتمعات، بوجه عام، بأن قدرة المراهق على اتخاذ القرارات محدودة وعليه فانها تحد من حرية الشباب فيما يتعلق بالقيام ببعض الاختيارات ومن ذلك، على سبيل المثال، أنها تحرمهم من حق الانتخاب أو الزواج حتى يبلغوا سنا معينة. وبالمثل فان المجتمعات قد تنظر في صواب لجم حرية الشباب في أن يختاروا أن يصبحوا مدمنين على التدخين وهو سلوك يحمل في طياته احتمالات خطر الموت في نهاية المطاف وهي احتمالات تفوق الاحتمالات التي تنطوي عليها معظم أنشطة المجازفة الأخرى التي يمارسها الشباب.
وثالثها أن التدخين يفرض تكاليف على غير المدخنين. وحيث ان بعضا من التكاليف التي يتحملها المدخنون يتكبدها غيرها فان هؤلاء المدخنين قد يكون لديهم من الفرص ما يحفزهم على التدخين أكثر مما لو كانوا يتحملون بأنفسهم كل تكاليف ما يفعلونه. ومن الواضح أن التكاليف بالنسبة لغير المدخنين تشمل الاضرار بصحتهم كما تشمل الأذى والضيق الذي يلحق بهم نتيجة للتعرض لدخان التبغ في البيئة. وعلاوة على ذلك، فان المدخنين قد يفرضون تكاليف مالية على من سواهم. ومن الصعب جدا تحديد تلك التكاليف كنها وكما اذ أنها تتغير بتغير المكان والزمان وعليه فانه من غير الممكن، بعد، تحديد كيفية احتمال تأثيرها في حوافز الفرد على التدخين ومداه. غير أننا سنناقش، بايجاز، جانبين من تلك التكاليف وهما الرعاية الصحية والمعاشات التقاعدية.
ان الرعاية الصحية المرتبطة بالتدخين تستأثر، في البلدان المرتفعة الدخل، بنسبة تتراوح بين 6 و15 في المائة من اجمالي تكاليف الرعاية الصحية السنوية. ولا تنطبق هذه الأرقام، بالضرورة، على البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل التي لاتزال أوبئة الأمراض المرتبطة بالتدخين فيها في مراحلها الأولية وقد تكون لها فوارق نوعية أخرى. والتكاليف السنوية هي من الأمور التي تكتسي أهمية بالغة بالنسبة للحكومات الا أن المسألة الأساسية بالنسبة لآحاد المستهلكين تتمثل في مدى تحملهم بأنفسهم أو تحمل سواهم للتكاليف في هذا المضمار.
ان تكاليف الرعاية الصحية التي يتحملها المدخنون، في أي عام كان، تفوق التكاليف التي يتحملها غير المدخنين. واذا كانت تكاليف الرعاية الصحية تسدد، الى حد ما، عن طريق الأموال العامة المحصلة من الضرائب وهكذا يتحمل غير المدخنين قسطا من تكاليف السكان المدخنين. غير أن بعض المحللين ذهب الى أن تكاليف الرعاية الصحية التي يحتاجها المدخنون طوال مراحل حياتهم قد لا تكون، نظرا لقصر أعمارهم بالمقارنة مع غير المدخنين، أكثر من تكاليف غير المدخنين ولعلها تكون أقل منها. وهذه المسألة خلافية ولكن الدراسات التي أجريت في البلدان المرتفعة الدخل في الآونة الأخيرة تبين أن تكاليف المدخنين طوال مراحل حياتهم أكثر من تكاليف غير المدخنين، في نهاية المطاف، على الرغم من قصر حياتهم. ومع ذلك، وسواء كانت التكاليف أكثر أو أقل، فان المدى الذي يفرض فيه المدخنون تكاليفهم على غيرهم يتوقف على عوامل كثيرة منها المستوى الراهن للضرائب المفروضة على السجائر وحجم الرعاية الصحية التي يقدمها القطاع العام. أما في البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل فلم يضطلع بأية دراسات يمكن الركون اليها حول هذه القضايا.
ومسائل المعاشات التقاعدية أمور معقدة كذلك. فقد ذهب بعض المحللين في البلدان المرتفعة الدخل الى أن المدخنين "يشاركون في المصاريف" بالمشاركة في نظم المعاشات التقاعدية العمومية ثم أنهم يموتون، بشكل عام، قبل غير المدخنين. غير أن هذه المسألة ليست واردة بالنسبة للبلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل التي يعيش فيها معظم المدخنين لأن التغطية بالمعاشات التقاعدية العمومية منخفضة في تلك البلدان أصلا.
وبشكل عام فلاشك في أن المدخنين يفرضون بعض التكاليف المادية بما في ذلك الاضرار بصحة غير المدخنين والحاق الأذى والضيق بهم. كما أنهم قد يفرضون تكاليف مالية عليهم الا أن نطاق تلك التكاليف ليس واضحا بعد.
الاستجابات الملائمة
يبدو من غير المرجح، اذن، أن معظم المدخنين اما أنهم يعلمون حق العلم ما يتعرضون له من مخاطر أو أنهم يتحملون تكاليف الاختيار الذي يقومون به بالكامل. وقد ترى الحكومات أن التدخل له من الأسباب ما يبرره وذلك لردع الأطفال والمراهقين، في المقام الأول، عن التدخين ولحماية غير المدخنين وكذلك لتزويد الكبار بكل المعلومات التي يحتاجونها للقيام بالاختيار الواعي المستنير.
وفي الأحوال المثالية ينبغي أن يؤدي تدخل الحكومات الى معالجة كل مشكلة يتم التعرف عليها على حدة. وهكذا فان الأحكام المبتسرة التي يطلقها الأطفال بشأن الآثار الصحية المترتبة على التدخين يمكن تناولها، بشكل أكثر خصوصية، عن طريق تحسين تثقيفهم وتثقيف آبائهم وأمهاتهم أو عن طريق تحديد سبل حصولهم على السجائر. غير أن استجابة المراهقين للتثقيف الصحي استجابة هزيلة كما أن الآباء المثاليين عملة نادرة والأشكال الراهنة لتقييد مبيعات السجائر للأطفال لا تعمل على ما يرام حتى في البلدان المرتفعة الدخل. والحقيقة أن أنجع الطرق لردع الأطفال عن تعاطي التدخين يتمثل في رفع الضرائب المفروضة على التبغ. ذلك أن ارتفاع الأسعار يمنع بعض الأطفال والمراهقين من البدء بالتعاطي ويشجع أولئك الذين يدخنون بالفعل على التقليل من تعاطيهم له.
غير أن فرض الضرائب سلاح حده مفلول فاذا زيدت الضرائب على السجائر فان المدخنين من الكبار يميلون الى التقليل من التدخين وانفاق المزيد على السجائر التي يشترونها بالفعل. ولدى تحقيق هدف حماية الأطفال والمراهقين فان فرض الضرائب ستلقي أيضا على المدخنين من الكبار تكاليف مالية. غير أن هذه التكاليف يمكن اعتبارها مقبولة وذلك يتوقف على الأهمية التي تعلقها المجتمعات على كبح جماح تعاطي الأطفال للسجائر. وعلى أية حال فان من بين الآثار الطويلة المدى للتقليل من تعاطي الكبار للسجائر قد يكون زيادة تثبيط الأطفال والمراهقين عن التدخين.
ولابد أيضا من التصدى لمشكلة ادمان النيكوتين. ذلك أن تكلفة الفطام من النيكوتين ضخمة بالنسبة للمدخنين الذين استحكمت لديهم عادة التدخين والذين يرغبون في الانقطاع عنها. ولعل الحكومات تفكر في التدخلات الكفيلة بالمساعدة على التقليل من تلك التكاليف في اطار مجموعة الاجراءات الشاملة لمكافحة التبغ.
تدابير التقليل من الطلب على التبغ
نتناول الآن مناقشة تدابير مكافحة التبغ بتقييم كل منها على حدة.
زيادة الضرائب
تقيم القرائن التي جمعت من بلدان ذات مستويات دخل مختلفة الدليل على أن رفع أسعار السجائر هو من الأمور الشديدة الفعالية في تقليل الطلب عليها. فزيادة الضرائب تحث بعض المدخنين على الانقطاع عن التدخين وتمنع غيرهم من البدء فيه. كما أنها تحد من عدد قدماء المدخنين الذين يعاودون التدخين وتقلل من التعاطي بين المدخنين الذين يواصلون ذلك. وبشكل عام، فان زيادة قدرها 10 في المائة في سعر العلبة من السجائر من شأنها أن تقلل الطلب على السجائر بحوالى 4 في المائة في البلدان المرتفعة الدخل وبحوالى 8 في المائة في البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل حيث يجعل انخفاض الدخل الناس أكثر استجابة للتغيرات التي تطرأ على الأسعار. والأطفال والمراهقون هم أكثر استجابة لارتفاع الأسعار ممن يكبرونهم سنا ولذا فان من شأن هذا الاجراء أن يكون له أكبر الأثر فيهم.
وتبين نماذج هذا التقرير أن الزيادات الضريبية التي ترفع السعر الحقيقي للسجائر بـ 10 في المائة في جميع أنحاء العالم من شأنها أن تجعل 40 مليون مدخن على قيد الحياة في عام 1995 ينقطعون عن التدخين وتحول دون حدوث ما لا يقل عن 10 ملايين حالة وفاة جراء أمراض ترتبط بالتبغ. ومن شأن رفع الأسعار أيضا أن يردع الآخرين عن البدء في التدخين أصلا. والافتراضات التي يقوم عليها النموذج معتدلة عمدا وعليه فان هذه الأرقام ينبغي اعتبارها تقديرات دنيا.
ومسألة تحديد المستوى المناسب للضرائب هي مسألة معقدة كما يدرك ذلك الكثير من راسمي السياسات. ذلك أن تحديد حجم الضرائب يتوقف على تجميع وقائع تجريبية قد لا تكون متاحة بعد مثل مدى التكاليف التي يتحملها غير المدخنين ونطاق مستويات الدخل، كما أنه يتوقف على تباين قيم المجتمعات مثل مدى وجوب حماية الأطفال، ويتوقف على ما تأمل المجتمعات في تحقيقه عن طريق فرض الضرائب مثل تحقيق مكاسب محددة من حيث الايرادات أو التقليل من عبء المرض. ويخلص التقرير الى أن راسمي السياسات الذين يسعون الى الحد من التدخين ينبغي لهم، في الوقت الحاضر، أن يستخدموا كمعيار مستويات الضريبة المعتمدة كجزء من سياسات مكافحة التبغ الشاملة المتبعة في البلدان التي تراجع فيها استهلاك السجائر. ففي مثل هذه البلدان يتراوح عنصر الضريبة في سعر علبة السجائر بين ثلثي وأربعة أخماس سعر التجزئة. ويبلغ متوسط الضرائب المفروضة في الوقت الحاضر في البلدان المرتفعة الدخل حوالى ثلثي سعر التجزئة بالنسبة لعلبة السجائر أو ما يزيد عن ذلك. أما في البلدان المنخفضة الدخل فان الضرائب لا تزيد عن نصف سعر علبة السجائر.
التدابير غير السعرية المتخذة للتقليل من الطلب
الى جانب رفع الأسعار عمدت الحكومات أيضا الى تطبيق طائفة من التدابير الفعالة الأخرى منها فرض الحظر الشامل على الاعلان عن التبغ والترويج له واتخاذ تدابير اعلامية مثل شن حملات مضادة للاعلان في وسائل الاعلام ولصق معلومات على علب السجائر تحذر من أخطار التدخين ونشر وبث نتائج البحوث عن العواقب الصحية المترتبة على التدخين بالاضافة الى فرض القيود على التدخين في أماكن العمل والأماكن العمومية.
ويقيم هذا التقرير البراهين على أن كل اجراء من هذه الاجراءات يمكن أن يؤدي الى خفض الطلب على السجائر. "فالصدمات الاعلامية"، مثلا، التي تتمثل في نشر نتائج البحوث بالاضافة الى المعلومات الحديثة الهامة عن الآثار الصحية المترتبة على التدخين تقلل من الطلب على التبغ. وأشد ما يكون وقع تلك النتائج عندما لا يكون الناس مدركين عموما، وبشكل نسبي، للمخاطر الصحية التي يتعرضون لها. وبامكان الحظر الشامل على الاعلان والترويج أن يقلص من الطلب بحوالى 7 في المائة وفقا لدراسات الاقتصاد القياسي المضطلع بها في البلدان المرتفعة الدخل. ومن الجلي أن القيود المفروضة على التدخين تعود بالفائدة على غير المدخنين وهناك أيضا بعض الأدلة على أن باستطاعتها أن تحد من انتشار التدخين.
وتشير النماذج التي وضعت لهذا التقرير أن بامكان مثل هذه التدابير غير السعرية، اذا كانت ضمن مجموعة أخرى من التدابير واذا استخدمت على الصعيد العالمي، أن تقنع نحو 23 مليون من المدخنين الأحياء في عام 1995 بالانقطاع عن تعاطي التبغ وأن تساعد على تفادي خمسة ملايين حالة وفاة تعزى الى التبغ بين هؤلاء. وهذه التقديرات معتدلة تماما كما هو الشأن بالنسبة للتقديرات الخاصة بالزيادات الضريبية.
الاستعاضة عن النيكوتين وغير ذلك من علاجات الانقطاع عن التدخين
هناك تدخل ثالث يتمثل في مساعدة أولئك الذين يرغبون في الانقطاع عن التدخين بالتيسير عليهم فيما يتعلق بالحصول على علاج الاستعاضة عن النيكوتين وغير ذلك من التدخلات في مجال الانقطاع عن التدخين، وعلاج الاستعاضة عن النيكوتين يزيد من نجاعة جهود الانقطاع ويقلل من التكاليف التي يتحملها الفرد فيما يتعلق بالفطام. غير أن هذا العلاج يصعب الحصول عليه في كثير من البلدان. وتشير النماذج الموضوعة لهذا التقرير الى أن بامكان هذا النوع من العلاج، لو أتيح على نطاق واسع، أن يساعد على تقليص الطلب على التبغ بشكل لا يستهان به.
أما الأثر الاجمالي لجميع هذه التدابير الرامية الى تقليص الطلب فغير معروف اذ أن المدخنين في معظم البلدان التي تملك سياسات لمكافحة التبغ يتعرضون لمزيج من تلك التدابير وليس بالامكان دراسة أي منها دراسة جازمة بمعزل عن الآخر، ومع ذلك فان هناك من الأدلة ما يبرهن على أن تطبيق تدخل واحد يدعم نجاح سائر التدخلات مما يشدد على أهمية تطبيق تدابير مكافحة التبغ في مجموعها. وهذه التدابير بامكانها في مجموعها، واجمالا، أن تساعد على تفادي ملايين الوفيات.
تدابير للحد من توفير التبغ
اذا كان من المرجح أن تتكلل التدخلات الرامية الى تقليص الطلب على التبغ بالنجاح فان التدابير الكفيلة بتقليل العرض أبعد من أن تحقق ذلك. والسبب في ذلك أنه اذا أغلق مصنع لتوريد السجائر أبوابه فان مصنعا آخر لتوريدها تكون له من الحوافز ما يحثه على دخول السوق.
والاجراء الجذري المتمثل في حظر التبغ أمر غير مبرر لأسباب اقتصادية ولأنه غير واقعي ولا يستبعد أن يبوء بالفشل. وكثيرا ما يجري اقتراح الاستعاضة عن التبغ بمحاصيل أخرى كوسيلة لتقليص المعروض من التبغ ولكن لا تكاد توجد أية قرائن على أن ذلك يؤدي الى تقليص الاستهلاك حيث ان الحوافز المتاحة للمزارعين لزرع التبغ هي أقوى الآن من أية حوافز توفر بالنسبة لأي محاصيل أخرى. واذا كانت الاستعاضة عن التبغ بمحاصيل أخرى وسيلة غير ناجعة لتقليص الاستهلاك فانها قد تكون استراتيجية مفيدة كلما احتيج اليها لمساعدة أفقر زارعي التبغ في مرحلة الانتقال الى السعي الى مصادر أخرى للرزق وذلك في اطار برنامج أوسع لتنويع تلك المصادر.
وبالمثل فان الأدلة والبراهين المتاحة حتى الآن توحي بأن فرض القيود على التجارة، مثل فرض الحظر، سيكون له أثر ضئيل على استهلاك السجائر في جميع أنحاء العالم. وعوضا عن ذلك فان البلدان خليقة بأن تصيب نجاحا في كبح جماح تعاطي التبغ عن طريق اتخاذ تدابير تحد، فعلا، من الطلب وتطبيق تلك التدابير سواسية على السجائر المستوردة والسجائر المصنوعة محليا. وبالاضافة الى ذلك فان الاعانات المالية المقدمة لانتاج التبغ وهي تقدم أساسا في البلدان المرتفعة الدخل ليست ذات معنى اذا ما تحدثنا عن السياسات التجارية والزراعية السليمة. وعلى أية حال فان الغاء تلك الاعانات المالية لن يكون له كبير أثر على سعر التجزئة الاجمالي.
ومع ذلك فان هناك تدبيرا يتعلق بمسألة العرض وهو عنصر أساسي في أية استراتيجية فعالة لمكافحة التبغ ألا وهو اتخاذ الاجراءات الكفيلة بمحاربة التهريب. ومن التدابير الفعالة في هذا الصدد وضع دمغات ضريبية وعبارات تحذيرية باللغات المحلية على علب السجائر بالاضافة الى تطبيق العقوبات الصارمة المتساوقة من أجل ردع المهربين. ومن شأن تطبيق الضوابط الصارمة على التهريب أن يحسّن ايرادات الحكومات الناجمة عن زيادة الضرائب المفروضة على التبغ ومنتجاته.
تكاليف مكافحة التبغ ونتائجها
يثير راسمو السياسات، تقليديا، عدة مخاوف حول اتخاذ الاجراءات فيما يتعلق بمكافحة التبغ. وأول تلك المخاوف أن وضع الضوابط لمكافحة التبغ يؤدي الى خسارة دائمة لفرص العمل في أي اقتصاد كان. غير أن تراجع الطلب على التبغ لا يعني تراجعا في مستوى العمالة الاجمالية في أي بلد. اذ أن الأموال التي كانت تنفق في الماضي على السجائر تنفق، عوضا عن ذلك، على شراء سلع وخدمات أخرى مما يؤدي الى اتاحة فرص عمل أخرى لتعويض أية فرص تضيغ في مجال صناعة التبغ. وتشير الدراسات التي أجريت من أجل وضع هذا التقرير الى أن معظم البلدان لن تخسر أية فرص عمل صافية كما أن بضعة منها فقط ستحقق مكاسب في مجال العمالة اذا تراجع استهلاك التبغ.
غير أن هناك عددا ضئيلا جدا من البلدان، معظمها يقع في أفريقيا جنوبي الصحراء الكبرى وتعتمد اقتصاداتها بشدة على زراعة التبغ. واذا لم يكن لتقليص الطلب المحلي على التبغ أي أثر يذكر على تلك البلدان فان التراجع العالمي على الطلب سيؤدي الى خسارة فرص عمل كثيرة. ومن الأساسي وضع سياسات للمساعدة على التكيف في مثل هذه الظروف. غير أن ما ينبغي التوكيد عليه هو أن تراجع الطلب، حتى ولو حدث بشكل كبير، سيحدث ببطء وعلى مدى جيل أو يزيد.
وهناك تخوف ثان من أن رفع معدلات الضرائب من شأنه أن يحد من ايرادات الحكومات. والواقع ان التجارب تبرهن على أن زيادة الضرائب المفروضة على التبغ تدرّ المزيد من الايرادات الناجمة عن تلك الضرائب. ومرّد ذلك، الى حد ما، أن الانخفاض التناسبي في الطلب لا يوازي الحجم التناسبي للزيادة في الضرائب حيث ان ردّ فعل المدخنين المدمنين ازاء الزيادات في الأسعار ردّ بطيء نسبيا. ويخلص أحد النماذج الموضوعة لهذه الدراسة الى أن فرض زيادات متواضعة قدرها 10 في المائة على الضرائب غير المباشرة على السجائر في جميع أنحاء العالم من شأنه أن يزيد الايرادات الناجمة عن الضرائب المفروضة على التبغ بنسبة تبلغ حوالى 7 في المائة، بوجه عام، مع تباين الآثار المترتبة على ذلك حسب البلد المعني.
وهناك تخوف ثالث من أن يؤدي رفع الضرائب الى زيادات كبيرة في عمليات التهريب مما يبقي على ارتفاع مستويات استهلاك السجائر ويؤدي الى انخفاض ايرادات الحكومات. والتهريب مشكلة خطيرة ولكن التقرير يخلص الى أن الزيادات الضريبية تدّر، حتى في الحالات التي يحدث فيها التهريب بمستويات عالية، ايرادات أكبر وتحد من الاستهلاك. وعليه فان الاستجابة الملائمة للتهريب تتمثل في الضرب على أيدي أولئك الذين يمارسون أنشطة اجرامية بدلا من التخلي عن فرض المزيد من الضرائب.
والشاغل الرابع يتمثل في أن زيادة الضرائب المفروضة على السجائر سيكون لها أثر غير متناسب على فقراء المستهلكين. ذلك أن الضرائب الحالية على التبغ تستهلك بالفعل حصة من دخل فقراء المستهلكين أعلى من حصة أغنيائهم. غير أن شغل راسمي السياسات الشاغل ينبغي أن ينصب على الأثر التوزيعي لنظام الضريبة والانفاق برمته وبدرجة أقل على فرض ضرائب محددة بمعزل عن غيرها. ومن الأهمية بمكان أن نلاحظ أن فقراء المستهلكين هم في العادة أكثر تأثرا بالزيادات في الأسعار من المستهلكين الأغنياء ولذا فان استهلاكهم للسجائر سيتدنى بشكل أكثر حدة في أعقاب فرض زيادات على الضرائب، وقد ينخفض، نتيجة لذلك، العبء المالي النسبي الذي يحملونه. غير أن خسارتهم للفوائد التي يجنونها، في رأيهم، من التدخين قد تكون أكبر بالمقارنة.
هل تستحق مكافحة التبغ الأموال المنفقة في سبيلها؟
هناك بالنسبة للحكومات التي تفكر في التدخل في هذا المجال اعتبار آخر هام هو مردودية تدابير مكافحة التبغ بالمقارنة مع سائر التدخلات الصحية. وقد وضعت تقديرات أولية لهذا التقرير تمت فيها الموازنة بين التكاليف المترتبة على تنفيذ وادارة برامج مكافحة التبغ بالنسبة للأموال العمومية وبين أعداد سنوات العمر الصحية التي قد يحافظ عليها. وتأتي النتائج متسقة مع الدراسات الأولى التي تبين أن مكافحة التبغ عالية المردود كجزء من مجموعة من التدابير الأساسية تتخذها البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل في مجال الصحة العمومية.
واذا ما قيست الزيادات الضريبية من زاوية تكلفة انقاذ حياة الانسان وهو موفور الصحة في السنة الواحدة فانها تكون عالية المردودية. وبامكان هذه الأداة، حسب شتى الافتراضات، أن تكلف ما بين 5 دولارات أمريكية1 و17 دولارا أمريكيا لكل سنة توفر من سنوات العمر التي يحياها الانسان وهو معافى في البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل. وهذا أفضل من الكثير من التدخلات الصحية التي تمولها الحكومات عادة مثل تطعيم الأطفال. كما أن التدابير غير السعرية عالية المردود في أحوال كثيرة. بل أن التدابير الرامية الى تيسير الحصول على علاج الاستعاضة عن النيكوتين عن طريق تغيير شروط بيعه، على سبيل المثال، قد تكون أيضا عالية المردود في معظم الأحوال. غير أن آحاد البلدان تحتاج الى اجراء تقييمات دقيقة قبل البت في توفير الاعانات المالية لعلاج الاستعاضة عن النيكوتين وما الى ذلك من التدخلات التي تهدف الى مساعدة فقراء المدخنين على التوقف عن التدخين.
ولا يمكن تجاهل الاحتمالات الفريدة التي ينطوي عليها فرض الضرائب على التبغ فيما يتعلق بزيادة الايرادات. ففي الصين، على سبيل المثال، تشير التقديرات المعتدلة الى أن زيادة قدرها 10 في المائة في الضرائب المفروضة على السجائر من شأنها أن تخفض الاستهلاك بنسبة 5 في المائة وأن تزيد الدخل بالنسبة ذاتها وأن الزيادة كافية لتمويل مجموعة من الخدمات الصحية الأساسية لثلث أفقر المواطنين الصينيين الذين يبغ عددهم 100 مليون نسمة.
برنامج العمل
يتخذ كل مجتمع من المجتمعات القرارات الخاصة به بشأن السياسات التي تتعلق باختياراته. والواقع أن معظم السياسات تقوم على تشكيلة من المعايير لا على المعايير الاقتصادية فحسب. وترغب معظم المجتمعات في التقليل من المعاناة والخسائر العاطفية والوجدانية التي لا يمكن تحديدها كميا والتي يسببها عبء المرض الناجم عن التبغ ويسببها الموت قبل الأوان. كما أن مكافحة التبغ تعد بالنسبة لراسمي السياسات الذين يسعون الى تحسين الصحة العمومية خيارا مغريا. بل أن التخفيف من عبء المرض الضخم كعبء المرض الناجم عن التدخين ولو بصورة طفيفة من شأنه أن يعود بمكاسب صحية لا يستهان بها.
وسيرى بعض راسمي السياسات أن أقوى الحجج الداعية الى التدخل تتمثل في ردع الأطفال عن التدخين. الا أن أي استراتيجية ترمي فقط الى ردع الأطفال ليست أمرا عمليا وليس من شأنها أن تعود بأية فوائد ذات بال على الصحة العمومية لعدة عقود من الزمن. ومعظم الوفيات المرتبطة بالتبغ والتي يتوقع أن تحدث في بحر السنوات الخمسين القادمة ستكون بين المدخنين الذين يمارسون عادة التدخين اليوم. وعليه قد تفكر الحكومات المعنية بأمر تحقيق مكاسب صحية في المدى المتوسط في اتخاذ تدابير أوسع نطاقا من شأنها أن تساعد الكبار على التوقف عن التدخين.
ويوصي التقرير بأمرين اثنين:
1- ينبغي، اذا قررت الحكومات اتخاذ اجراءات حازمة لكبح جماح وباء التبغ، اعتماد استراتيجية ذات شعب متعددة. وينبغي أن تتمثل أهدافها في ردع الأطفال عن التدخين وحماية غير المدخنين وتزويد كل المدخنين بالمعلومات عن آثار التبغ على الصحة. وستشمل الاستراتيجية، التي ينبغي تكييفها لتلائم احتياجات آحاد البلدان، (1) زيادة الضرائب باستخدام المعدلات المعتمدة من قبل البلدان التي تملك سياسات شاملة في مجال مكافحة التبغ كمعيار يحتكم اليه. وتشكل الضرائب، في هذه البلدان، نسبة تتراوح بين ثلثي وأربعة أخماس سعر التجزئة لعلبة السجائر؛ (2) نشر وبث نتائج البحوث حول أثر التبغ في الصحة مع اضافة ملصقات تحذيرية بيّنة على علب السجائر وفرض حظر شامل على الاعلان عن منتجات التبغ والترويج لها وتقييد حرية التدخين في أماكن العمل والأماكن العمومية؛ (3) توسيع نطاق الافادة من علاج الاستعاضة عن النيكوتين وسائر العلاجات الكفيلة بالانقطاع عن التدخين.
2- ينبغي للوكالات الدولية مثل وكالات الأمم المتحدة أن تستعرض برامجها وسياساتها الحالية لضمان اعطاء مكافحة التبغ مكان الصدارة، حسب الأصول، وينبغي لها أن ترعى البحوث التي تجري حول أسباب التدخين وعواقبه وتكاليفه ومردودية التدخلات على المستوى المحلي، كما ينبغي لها أن تتصدى لقضايا مكافحة التبغ التي تتخطى الحدود بما في ذلك العمل مع الجهات القائمة على وضع اتفاقية منظمة الصحة العالمية الاطارية الجديدة بشأن مكافحة التبغ. وتشمل مجالات العمل الرئيسية تيسير ابرام الاتفاقات الدولية حول مكافحة التهريب واجراء المناقشات حول المواءمة بين الضرائب المفروضة للتقليل من الحوافز التي تحث على التهريب وفرض الحظر على الاعلان عن منتجات التبغ والترويج لها باستخدام وسائل الاعلام العالمية.
ان الخطر الذي يشكله التدخين على الصحة العالمية من الأمور التي لم يسبق لها مثيل وكذلك الشأن بالنسبة لاحتمالات تقليص معدل الوفيات المرتبطة بالتدخين باتخاذ سياسات عالية المردود. ويبين هذا التقرير نطاق ما يمكن تحقيقه: أي أنه يمكن، باتخاذ اجراءات معتدلة، ضمان مكاسب صحية كبيرة للقرن الحادي والعشرين.