أول ليلة في القبر عائض القرني { الحمد لله الذي خلق السموات والأرض وجعل الظلمات والنور، ثم الذين كفروا بربهم يعدلون } { الحمد لله فاطر السماوات والأرض جاعل الملائكة رسلا أولي أجنحة مثنى وثلاث ورباع يزيد في الخلق ما يشاء إنّ الله على كل شيء قدير } فارقت موضع مرقدي يوما ففارقني السكون القبر أول ليلة بالله قل لي ماذا يكون ليلتان اثنتان يجعلها كل مسلم في مخيلته. ليلة وهو في بيته مع أطفاله وأهله... منعما سعيدا، في عيش رغيد في صحة وعافية، يضاحك أطفاله ويضاحكونه. والليلة التي تليها مباشرة ليلة أتاه الموت فوضع في القبر، أي ليلتين ؟ ليلة ثانية وضع في القبر لأول مرة، وذاك الشاعر العربي يقول: فارقت موضع مرقدي يوما.. ففارقني السكون.. يقول: انتقلت من مكان إلى مكان، وذهبت من موضع نومي في بيتي إلى بيت آخر فما أتاني النوم. فبالله كيف تكون الليلة الأولى في القبر ؟ يوم يوضع الإنسان فريدا وحيدا مملقا إلا من العمل، لا زوج ولا أطفال ولا أنيس: { ثمّ ردّوا إلى الله مولاهم الحقّ.. ألا له الحكم وهو أسرع الحاسبين } أول ليلة في القبر بكى منها العلماء، وشكى منها الحكماء، ورثى إليها الشعراء، وصنفت فيها المصنفات. أول ليلة في القبر.. أتي بأحد الصالحين وهو في سكرات الموت لدغته حيه. وكان في سفر، نسي أن يودع أمه وأباه وأطفاله وإخوانه، فقال قصيدة يلفظها مع أنفاسه هي أم المراثي العربية في الشعر العربي. يقول وهو يزحف إلى القبر: فلله دري يوم اترك طائـعا بني بأعلى الرقمتين وداريا قالوا لا تبعد وهم يدفنونني و أين مكان البعد إلا مكانيا يقول كيف أفارق أطفالي في لحظة ؟ لماذا لا أستأذن أبوي ؟ أهكذا تختلس الحياة، اهكذا أذهب ؟ أهكذا أفقد كل ممتلكاتي ومقدراتي في لحظة ؟ ويقول عن نفسه: يقول لي أصحابي والذين يتولون دفني، لا تبعد أي لا أبعدك الله. وأين مكان البعد إلا هذا المكان ؟ وأين الوحشة إلا هذا المنقلب ؟ وأين المكان المظلم إلا هذا المكان ؟ فهل تصور متصور هذا. { حتى إذا جآء أحدهم الموت قال ربِ ارجعون.. لعلّي أعمل صالحا في ماتركت... كلّا إنّها كلمة هو قائلها.. ومن ورآئهم برزخ إلى يوم يبعثون } كلا.. الآن تراجع حساب؟ ، الآن تتوب ؟، الآن تنتهي عن المعاصي ؟ يا مدبرا عن المساجد ماعرف الصلاة. يا معرضا عن القرآن، يا متهتكا في حدود الله. يا ناشئا في معاصي الله. يا مقتحما لأسوار حرمها الله. آلآن تتوب، أين أنت قبل ذلك ؟ أول ليلة في القبر..