قرأت لك:المعري

الناقل : elmasry | الكاتب الأصلى : الدرر الكامن | المصدر : www.startimes2.com

بسم الله الرحمن الرحيم

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

*/*/*/*/*/*/*/*

شرح اللزومية الثانية والأربعين لأبي العلاء المعري

(لأحمد بن عبد الله بن سليمان التنوخي)

****

 

1- إِذَا كَانَ إِكْرامِي صَديقِيَ واجِباً        فَإِكْرَامُ نَفْسِي لاَ مَحَالَةَ أَوْجَبُ

المحالة: الحيلة، ومنه قول أبي دُواد يعاتب امرأته:

 

حاولْت حين حرمْتني      والمرء يعجز لا المحاله

وأما قولهم: لا محالة من ذلك، أي لا بدّ. وقال الأزهريّ: ويقولون في موضع « لا بدّ »: لا محالة.

يقول: ما بالُ أُناس يؤْثرون على أنفسهم فيَشْقون لِيَسْعَد الناس، ويَكِدُّون ليرتاح غيرُهم، مُعتمدين على قضايا كاذبة، مُتَمَسِّكين بقواعد شائعة، لا يُؤَيِّدُها عقَل ولا يُدَعِّمها دليل. قد خَلطوا بين الحُقوق ولم يُحْسِنوا تَقْدير الأمور؛ فَزَعموا أنّ إكرام الصديق واجب، وأنّ إيثاره بالفضل حقٌّ محتوم. وذلك شيء لا شكّ فيه، ولكنّ إكرام نفْسي يَنْبَغي أن يكون أوْجبَ عليَّ، وألزَمَ لي من إكرام غيْري.

 

2- وَأَحْلِفُ ما الإِنْسانُ إِلّا مُذَمَّمٌ        أَخُو الفَقْرِ مِنّا وَالمَليكُ الْمُحَجَّبُ

ما: حرف نفي تعمل عمل « ليس » وقد تُزاد الباء في خبرِها. والنفي هنا منتقض بـ« إلاّ » فبطل عملها.

والمُذَمَّم: المذموم جدًّأ. والمُحجَّب، أي الممتنع بقصره وحجابه. جعل أخا الفقر مثلا للتبذل والامتهان، والمليك مثلا للعزة والرفعة، وخصّه بالوصف ليكون أبعد فيما أراد.

يقول: لقد ضلَّت العقول، وسَفُهَت الأحلام؛ وأُقْسِم ما أرى الإنسانَ إلاّ خليقًا بالذَّمّ، حريًّا بالعَيْب، سواء في ذلك الفقير المُمْتهن، والملِك ذو الجلال.

 

3- أَيَعْقِلُ نَجْمُ اللَيْلِ أَوْ بَدْرُ تِمِّهِ        فَيُصْبِحَ مِنْ أَفْعَالِناَ يَتَعَجَّبُ

يعقل: يفهم ويُمَيّز والاستفهام هنا ليس على الحقيقة، بل هو للانكار الإبطاليّ، لأنّ ما بعد الهمزة غير واقع؛ إلا إذا أوَّلنا بعض مظاهر النجم والقمر، فيكون المعنى للتعجّب.

والنجم: ما نبت على وجه الأرض، وما طلع من نجوم السماء. فيميّز ما أراد منهما بالإضافة إلى« الليل». والنجوم في الليل أبين ما تكون للرائي، فكانت إضافتها إليه.

ولعلّه أراد بالنجم « الثريّا » فهو اسم لها عَلَم. يقولون: طلع النجم، ويُريدون « الثريَّا ». وإن أُخرجت منه الألف واللام تنكّر، فعوّضته الإضافة هنا ما فقده.

وقد ناط العرب بالثريّا أشياء، فزعموا أن بين طلوعها وغروبها أمراضًا وعاهات، في الناس والإبل والثمار. ومدة مغيبها، بحيث لا تُبْصَر في الليل، نيِّف وخمسون ليلة، لأنها تخفى بقربها من الشمس قبلها وبعدها، فإذا بعدت عنها ظهرت في الشرق وقت الصبح. لهذا كان إيرادها هنا أوفق.

أو لعلّ الرواية: « أتعقل نُجْم » يريد « نُجُم » بضمّتيْن، جمع نَجْم، فسكن للشعر.

والبدر: القمر الممتلئ قد تمّ. والتمّ: التمام. والضمير فيه للَّيْل. ثم قال : ويطول ليْل التمام حتى تطلع فيه النجوم كلها. ويكون أبو العلاء خصّه بالذكر للتعجّب الذي ذكره في هذا البيت، إذ كل فعل عَجَب يُغْرِي بالاحتفال له، ويجمع النظَّارة حوله.

ولم يُبعد أبو العلاء، عمّا ذهب إليه القُدماء، من ربط الحياة بذوات السماء.

والتعجب: أن ترى الشيء يُعجبك تظنّ أنك لم تَرَ مثلَه. وكذلك أفعال الأناسي عند المعري.

يقول: ليت هذا النجم المتألق، وهذا البدر المُنير، يَعقِلان فيعجبا لِمَا وقَع فيه الإنسان من خَطل الآراء، وسَفَه الأحلام.